كتاب وادباء

القصص القرآني وواقعنا المعاصر (5) – طالوت … و القافزون من السفينة

بقلم الكاتب الأديب

جمال محمد k

دكتور جمال محمد

طالوت … و القافزون من السفينة :

==================
قرأنا جميعا هذه الآيات الكريمات من قصة بني اسرائيل , ” ألم تر الي الملأ من بني اسرائيل من بعد موسي إذ قالوا لنبي لهم إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله , قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا , قالوا و ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله و قد أخرجنا من ديارنا و أبنائنا , فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم , و الله عليم بالظالمين . و قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا , قالوا أني يكون له الملك علينا و نحن أحق بالملك منه و لم يؤت سعة من المال , قال إن الله اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم , والله يؤتي ملكه من يشاء , و الله واسع عليم .”

كم جال في خاطري ذلك التشابه الذي يفرض نفسه , بين إختيار الله لطالوت الذي آتاه الله البسطة في العلم , و بين الإختيار الرباني للدكتور محمد مرسي , الذي آتاه الله أيضا البسطة في العلم , الحافظ لكتاب ربه , الذي رباه في مدرسة ربانية علي العقيدة السوية والتوحيد المطلق لله بلا شائبة , لا يتحدث إلا بآيات الله , و يسترسل بحديث من القلب الذي ملئ قرآنا , بغير ورق مكتوب ,… في توقيت كانت كل المؤشرات توحي بفوز مرشح حزب الشيطان , وربك المعز المذل يؤتي ملكه من يشاء وينزعه عمن يشاء .
.
فماذا كان من فئة من المصريين بعد ذلك !! .. للأسف لم يأخذوا العبرة من قصص بني اسرائيل , و لم يفرحوا بأول رئيس مدني منتخب , حافظ لكتاب الله , متواضع لله وللمؤمنين , نظيف اليد , ( و لو فاز شفيق لكان بقدر الله أيضا ) , وبعد ثورة ( أو نصف ثورة ) , كان المصريون يحلمون بصندوق انتخابات نزيه ,فاذا هم أول الكافرين به كبني اسرائيل , بل وتشرزموا , وكأنهم لم ينسوا عبادتهم للعجل السنين الطوال , فإذا هم يعيدوه …” و أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ” , فرأينا من يسير بالبيادة فوق رأسه بل ويعلم أبناءه تقبيلها , معظما لها و كأنها العجل , ثم إذا به ينسي العقل والتدبر , ويسير وراء الكذبة والفرية من إعلام المسيح الدجال ويصدقها , مكذبا حقائق يراها رأي العين , تماما كصفات بني اسرائيل , ..” سماعون للكذب , أكالون للسحت ” , و سماعون صيغة مبالغة , أي أنهم يبحثون عن الفرية و يتحرونها و يسعدون بها و يصدقونها حتي لو كانت منافية لأبسط أسباب المنطق , بالله عليكم أليست هذه صفات كل عبيد البيادة تقريبا ؟؟!!.

لم يتكرر ذكر صفات بني اسرائيل من خلال القصص , إلا ليبين الله لنا أسباب سخطه عليهم بعد الإصطفاء , محذرا لنا من الوقوع فيما وقعوا فيه من الغي , ولم ينتبه أغلب الناس الي تلك الآية …” و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين ” ….. فوقع الناس فيما وقع فيه بنو اسرائيل من أخطاء ( نفصلها تفصيلا في سياق قصة موسي و فرعون ) وعبادة للعجل , , أخطاء و صفات إتصفوا بها , إستوجبت سخط الله عليهم و إستوجبت وقوعهم في ” التيه” , الذي يعاني جيلنا علي الأخص منه , و لذلك تري أغلب مؤيدي السيسي من جيل المعاشات مدمني الشيشة والطاولة علي المقاهي , هؤلاء أدمنوا عبادة العجل وتقديسه , و ان شاء الله آن أوان إستبدالهم بفئة مؤمنة ثابتة علي الحق , ثبتت بعد الإنقلاب الغاشم , لم يؤثر فيها إعلام الدجال و لا ما لا ينفك يطرأ من أعاصير و أحداث عظام , و لا قتل و لا ترويع و لا سجون , و لكن …..هل ثبتت كلها ؟؟
الله تعالي هو المعز المذل , يؤتي ملكه من يشاء و ينزعه عمن يشاء , فلا يوجد إمام عادل و لا طاغية مستبد أوتي ملكه إلا بقدر الله عز و جل , و في كل ابتلاء و تمحيص للناس . و لكن إصطفاء الله لإمام ما ( و هو من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله) لا يكون إلا بالعلم , وهذا هو سبب إصطفاء الله لطالوت , وكان هذا هو سبب إعتراض بني اسرائيل ” قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه , و لم يؤت سعة من المال ” , كما إعترض الكثير من المصريين علي عبد الله , العالم , الحافظ لكتاب الله محمد مرسي , الذي تربي في مدرسة إيمانية..مدرسة القرآن..علي الإيمان الحق والعقيدة السوية ,الذي يصلي في جماعة , والذي قرب إليه العلماء , و أختاروا ذا السطوة الجبار الكذاب السفاح , الذي قرب إليه أهل المجون و الفسق ( حتي الراقصات أمهات مثاليات ) , و المنافقين والفسدة .

تكملة للقصة , يقول ربنا عز وجل ” فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده , فشربوا منه إلا قليلا منهم , فلما جاوزه هو و الذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت و جنوده , قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله , و الله مع الصابرين ” .
قيل أن جند طالوت كانوا حوالي خمسين ألف , وقيل كانوا ثمانين ألفا , لم ” يثبت ” منهم إلي النهاية إلا ثلاثمائة و إثني عشر شخصا , ظلوا مربوطين بحبل الله متمسكين به……….وهذا من أهم شواهد القصة.
شاءت إرادة الله عز وجل ألا يتم النصر إلا علي أيدي أكثر الناس إيمانا , ” الذين يظنون أنهم ملاقوا الله” , والظن هنا بمعني اليقين , بل و نفهم من ذات السياق أن من تخلف لم يكونوا من الظانين أنهم ملاقوا الله يقينا , و هاهي الفتن تستمر إلي ما قبل النصر و لا تتوقف , و لنا فيما يحدث حولنا العبرة ممن تخلف عن الركب , وقفز من السفينة من أشخاص بعينهم أو فئات غيروا من مواقفهم الداعمة للشرعية أو توجهاتهم , فقد تخلف عن طاولة الجيش كله , بل هي البشري كل البشري , كلما تخلف ركب ………….أن النصر بات قريبا جدا , و قد عبرنا النهر و لم نشرب , فقط نسأل الله الثبات علي الأمر .
والآيات في سنة التمحيص كثيرة , نذكر منها :
_ ” أم حسبتم أن تتركوا و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و لم يتخذوا من دون الله و لا رسوله و لا المؤمنين وليجة , و الله خبير بما تعملون .”
_ ” ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب , و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب……الآيات .”

_ ” أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم , مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتي يقول الرسول والذين ءامنوا معه متي نصر الله , ألا إن نصر الله قريب.”

ثم تتوالي الآيات الكريمات في سرد القصة المعبرة , ” و لما برزوا لجالوت و جنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا و ثبت أقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين . فهزموهم بإذن الله و قتل داود جالوت و ءاتاه الله الملك و الحكمة و علمه مما يشاء , و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل علي العالمين.” .
يعلمنا الله عز و جل ألا ننسي التمسك بحبله و لو للحظة ( فضلا راجعوا المقال السابق ) , و أن يكون دأبنا الدعاء , مع الصبر و الثبات علي الأمر , و الثقة في موعود الله لعباده ( المؤمنين ) ,…..كما نحن الآن نعاني مما نعاني , و مهما تخلف الناس عن الركب وقفزوا من السفينة , فما دام الحبل موصولا برب الأسباب , فالنصر آت لا محالة , و بأقل العدد , وبكيفية لم تكن ليتوقعها أحد , من رب قوي عزيز جبار , بريحه هزم الأحزاب وحده , وثبت المؤمنين بعد أن زلزلوا زلزالا شديدا .
و هنا نسأل سؤالا يوضح الأمر , من كان يظن أن النصر سيأتي عن طريق داود وبقتل جالوت بالمقلاع و له قصة معروفة ؟؟ , لا أظن أن داود نفسه كان يعلم ذلك الأمر , وانما إنقاد من بقي مع طالوت لأوامر الله من أخذ بالأسباب مع صدق التوكل مع اليقين بالله والدعاء , لتنطبق عليهم السنة الربانية الباقية الي قيام الساعه , فأتاهم النصر من حيث لم و لن يحتسبوا..” و كان حقا علينا نصر المؤمنين.”
فوائد مستفادة من قصة طالوت :
—————————–
1 – إصطفاء الله للفئة المؤمنة المنتصرة يكون بصدق الايمان والعلم.
2 – إستمرار الإبتلاء و التمحيص حتي لحظة النصر .
3 – النصر لا يتحقق بسبب كثرة عدد , و لا يأتي إلا بإذن من الله , في توقيت محدد و كيفية محددة , لا يعلمها إلا الله الحكيم ( الذي يضع الأمر في موضعه ) .
4 – من أهم أسباب النصر الدعاء و الثبات علي الحق , وصدق اليقين بالله , متطلبا …عدم إمعان التفكير في ( كيفية و لا توقيت النصر ) .
5 -تخلف البعض عن الركب والقفز من السفينة , إنما هو من بشائر قرب النصر( فأبشروا ).
6 – النصر يتحقق بكيفية لا يعلمها إلا الله , وعن طريق أضعف الأسباب , و أكرر , فلا تشغلننا كثرة التفكير في الأسباب , تؤثر سلبا علي تعلقنا برب الأسباب .

و لنعيد سويا قراءة هذه الآيات المبشرات من سورة آل عمران وكأننا نعيشها …….” هذا بيان للناس و هدي و موعظة للمتقين . و لا تهنوا و لاتحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين . إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء , و الله لا يحب الظالمين . و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين .أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين .”.
” و الله غالب علي أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون .”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى