الأرشيفكتاب وادباء

طريقة التفكير

بقلم الأديب الكاتب
  
د. محمد سعيد آل تركي

لا بد للإنسان أن يعيش بمبدأ ما يرسم له طريقة تفكير معينة في الحياة، بغض النظر عن صحة المبدأ أو فساده، فيرسم له هذا المبدأ أو ذاك سلوكا معيناً في علاقاته بالمحيط الذي حوله، ولذلك نجد اختلاف طرق التفكير باختلاف المبادئ، واختلاف العقائد، أما إذا أردنا أن نتحدث عن الإسلام بحكم أنه أعظم المبادئ الإنسانية وعن الكيفية التي يقوم بها بصناعة الشخصية الإنسانية القويمة فلابد أن نتحدث عن طريقة التفكير فيه، وطريقة التفكير في المنهج التربوي الذي يعتمده، حيث أن التربية الإسلامية هي العملية الفعالة التي يعتمدها الإسلام لصنْع الشخصية الإسلامية، ابتداء من الوالدين والمدرسة، مروراً بالتربية الفكرية لكامل المجتمع، وانتهاء بآخر يوم في حياة المسلم، فطريقة التفكير الإسلامية تعني أن يَبني المسلم كل أفكاره وكل أقواله وأفعاله على الفكر الإسلامي، المستند إلى ما أمر به الله ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه، فيكون رأيُه يوافق رأي الإسلام، ويكون فعله كما جاء في الإسلام، وتكون مواقفه وأقواله ليس فيه ما يخالف عقيدة الإسلام أو نظامه، أي أن يكون رأيه أو فعله ليس له مصدر آخر غير ما هو من عند الله كالأفكار الإلحادية (العلمانية) أو الديمقراطية أو الشيوعية، وأن لا تكون مصادر مواقفه وأقواله وأفعاله توافق أي أفكار فاسدة، كالدعاوى الوطنية أو القومية، أو توافق الأفكار التي فيها تقديم المصالح فوق أمر الله ونهيه، أو توافق أي أفكار فيها استسلام للواقع المخالف لأمر الإسلام (أي بناء الآراء والأفكار والأفعال انطلاقا من الاستسلام للواقع).

وإذا نظرنا إلى الواقع اليوم لا نجد من يتحمل مسؤولية التربية من المدرسين أو دكاترة الجامعات أو حتى علماء السلاطين، أو أسيادهم من الحكام، لا نجدهم يُبنون أفكارهم أو أقوالهم أو أفعالهم على أساس الفكر الإسلامي، أو يقيمونها على تربية المجتمع على طريقة التفكير الإسلامية، بالرغم من علمهم الواسع بالإسلام، بل تجدهم يتبنّون طريقة تفكير غير إسلامية في التدريس والتعليم والدعوة، وفي استخدامها في الحديث عن أحكام الإسلام في حياة الفرد المسلم.

ولا نقول إنهم جميعهم يستخدمون طريقة التفكير غير الإسلامية تعمداً، إنما بناؤهم هم أنفسهم كان بهذه الكيفية التي قد أرضِعُوها من صغرهم إرضاعاً، حتى صارت طريقة التفكير غير المستندة على أفكار الإسلام تجري في عروقهم مجرى الدم، فلا يؤثّر بعدها في أنفسهم أيُّ علم أو فقه أو أي ثقافة إسلامية.

وعلى سبيل المثال لو سألنا أحدهم يوماً، ماذا ترى من حل لمشكلة فلسطين؟ لقال لك: لو اتحدت الدول العربية، لاستطاعوا الضغط على إسرائيل، ولتغيرت مجرى سياسة إسرائيل وأمريكا، أو أن يقول أحدهم: مالنا ومال الفلسطينيين، يكفي أن نتضرع إلى الله ليعينهم على أمرهم، أو يقول غيره: هذا شأن فلسطيني ولندع الأمر للفلسطينيين أنفسهم ليحرروا بلادهم من إسرائيل، ثم يكون لهم حكم ذاتي، وتخلص المشكلة.

فنلاحظ من هذه الإجابات وهذه الآراء أنها كلها تستند على طريقة التفكير غير الإسلامية. في حين أن طريقة التفكير الإسلامية تنطلق من فكرة وجوب إعداد العدة للحرب والقتال وتحريك الجيوش والدعوة إلى الجهاد، تحت راية إسلامية، فنقوم فنحرر بلاد المسلمين من احتلال الأعداء الكفار المحتلين، بما فيها بيت المقدس، طريقة التفكير الإسلامية هذه باتت غريبة، بل وممنوعة، وممنوع استخدامها في الأوساط العلمية والتعليمية، فلا يُستند إليها في المدارس أو الجامعات، بل ويجافيها علماء السوء تعمداً وعادة، ويجافيها دكاترة التربية وعلماؤها، ولا يعتمد عليها كثير من المفكرين الذين يأتمرون بأمر أسيادهم وأوليائهم من الحكام وأصحاب السلطان.

وعلى سبيل المثال أيضاَ في طريقة التفكير، أنك لو نظرت إلى أحدهم وهو يتعامل مع غيره من المسلمين، لوجدته متفاخراً بالجنسية التي ينتمي إليها وإلى قوميته التي قررتها أصلاً هيئة الأمم المتحدة (سعودي، أماراتي، كويتي، عراقي، سوري، مصري، تونسي، اريتري، أثيوبي، صومالي وهكذا)، أما طريقة التفكير الإسلامية التي لا تقر طريقة التفكير هذه ولا تقرّ الانتماءات القومية أي الجنسيات، وتمنع التعامل على أساسها، طريقة التفكير هذه باتت طي النسيان، وأصبحت مُنكَرة لمن يتحدث بها أو يتعامل على أساسها.

ولو أنكرت على أحدهم ممن يقوم بأعظم المنكرات، أو يقوم بأحد الأعمال أو الوظائف الشركية، لأقرّ بأنه لم يجد غير هذا العمل أو هذه الوظيفة، ليكتسب من خلالها ويعتاش بها، جاعلاً الواقع مصدر تفكيره،، بهذه الكيفية يكون قد اعتمد طريقة التفكير الاستسلامية للواقع، وجعَلها مقياسَاً لأعماله، والقاعدة التي يبني عليها طريقة تفكيره، ولم يجعل طريقة التفكير الإسلامية هي الأساس الذي يبني عليها أفكاره وأعماله.

ونرى علماء السوء أو المفكرين السياسيين، أو غيرهم من المثقفين، عندما يُسألون عن قضايا الأمة، نجد آراءهم كلها تنطق بطريقة التفكير غير الإسلامية، وتستند أساساً على الإقرار بالأوضاع السياسية الحالية، وتقر بتقسيم بلدان المسلمين ولا تخالفه، وتقر بتعدد الحكام على بلدان المسلمين (كما يدعونهم ولاة الأمر)، وعلى أن كل دولة يجب أن تحمي حدودها ومصالحها مقابل جاراتها من بلدان المسلمين وترفع السيف من أجلها.

أما طريقة التفكير الإسلامية التي تقول أن كل المسلمين يجب أن يكون سلطانهم جميعهم على بلدانهم واحداً، وجيشهم يجب أن يكون واحداً، وثرواتهم فيما بينهم منفعتها لهم جميعهم، وقوتهم واحدة، وأن تقسيم بلدان المسلمين الحالي إلى دول متعددة إنما هو من الكفر والمخالفة لأمر الله، واستسلام للعدو المستعمر، وأن حاكمهم يجب أن يكون واحداً، وشرعهم واحداً، ومرجعيتهم واحدة، وأن الرفض لتقسيمهم وانتمائهم المختلف لقوميات وأجناس متعددة أمر يجب أن يكون من المحاذير، ويجب أن يكون مرفوضاَ على القطع،،، طريقة التفكير هذه عند علماء السوء اليوم وكذا عند عامة الناس وخاصتهم لا تجد لها واقعاً في عقولهم، أو واقعاً في نفوسهم.

طريقة التفكير الإسلامية يستحيل استخدامها في الحقيقة، إن لم تكن مقترنة مع أفكار الإسلام الأخرى، وتستحيل إذا لم تجد بقوة السلطان من يجعلها أصلاً المقياس لجميع المعالجات وإدارة مصالح المسلمين، وفي التربية والتعليم، وفي محاسبة الحكام، وفي جعل الإسلام هو السائد في حياة الناس كافة، اقتصاديا وسياسياً واجتماعياً وإدارياً وقضائياً وغير ذلك.

قال الله تعالى في سورة الأحزاب 36

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء 65

فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا 

ويقول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) ، حديث صحيح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى