منوعات

عائشة الكيلاني.. الممثلة التي عاقبوها 10 سنوات في مصر لأنها قوّمت أسنانها!

أذكر ذلك
الشعور الطيب الذي انتابني حين رأيتها فجأة على الشاشة، قبل عشر سنوات، ابتسامة
على وجهي، وضحكة في قلبي، فقط لمجرد رؤيتها في دور جدة إسماعيل يس.

هل تعرف تلك
الوجوه التي تخبرك رؤيتها أن كل شيء على ما يرام، وأن العالم لا يزال مكاناً
قابلاً للاحتمال، به ابتسامات مدخرة لأجلك وضحكات في انتظارك؟ عائشة الكيلاني
واحدة من هؤلاء، كنت قبلها أتساءل: أين تلك الممثلة العبقرية التي تتقن انتزاع
الضحكة من أعماق الغموم والهموم القابعة في قلوبنا؟ فرحت لكنني لم ألبث أن عُدت
أفتقدها من جديد.

عشر سنوات
بلا عمل واحد.. كيف؟ أتساءل عن نوع العمى القلبي الذي أصاب المنتجين والمخرجين،
كيف لا تمطرها الأدوار وأرى لها في العام الواحد خمسة أعمال على الأقل؟!

ما الذي يعوقها
عن الانطلاق؟! إنها قادرة على ملء حيزها من الوجود داخل أي عمل فني، وعلى ترك تلك
العلامة حتى لو كان بصوتها فقط كما هو الحال في شخصية «توكة» بفيلم الرسوم
المتحركة «طرازان».

مشهد واحد
لدقائق معدود تظل ابتسامته مرسومة على الوجه لسنوات لاحقة كلما حلَّ بالذاكرة،
مشهد الأم الجشعة «أم محروس» في فيلم «الإرهاب والكباب»، وهي تساوم على حياة
صغيرها مقابل تعليمه وكليته المستقبلية و«الحلاوة»، مشهدها في «الشيطانة التي
أحبتني» شربات، الزوجة النكدة التي تتقن تعذيب «عديلة» الخادمة الصغيرة فتسألها في
مشهد لا تتعدى مدته دقيقتين «اشتريتي الجرايد، جبتي الخضار، ملّيتي القلل، ورشيتي
الزرع، وحضّرتي اللحمة، مسحتي للفراخ، لميتي البيض، عديتي الأرانب، زغطي البط
ونقعتي الجبنة، دمستي الفول، قمعتي البامية، خرطتي الملوخية، نقعتي السجادة، كنستي
البلكونة ومسحتي الفَسَحة، هويتي المراتب، شطفتي القمصان، قرصتي الأساور، ودعكتي
الياقات، خيطتي الزراير، نقعتي  البنطلونات، صلحتي الحنفية، زيتي الكوالين
ولمعتي الباركيه، شديتي السيفون، قصيتي ضوافرك، وحلقتي دقنك، قريتي القسم وحييتي
العلم؟» كلمات متتالية تبدو مملة لدى قراءتها، لكنها خرجت منها بشكل لا يزال
قادراً على إضحاك مشاهدها في كل مرة، حتى إن صانعي الفيديوهات بموقع يوتيوب لا
يزالون يستغلون المقطع المذكور وغيره لجمع المشاهدات لصفحاتهم.

«لن يتكرر
هذا المشهد ولو بعد مليون سنة» هكذا ترك أحدهم تعليقه على مقطع الفيديو ليؤمِّن
العشرات على حديثه، ومن بينهم أنا.

كنت أيضاً
ممن سارعوا لمشاهدة الشكل الجديد لعائشة الكيلاني، انخطف قلبي لوهلة، وتصوَّرت في
البداية أنها قامت بعمليات تجميل كما روَّجت البرامج للأمر تاركة المعلومة الصائبة
لصبر المشاهد الراغب في مشاهدة الحلقة كاملة.

«شاهد عائشة
الكيلاني قبل وبعد عمليات التجميل.. لن تعرفها» هكذا واصلت المواقع الإلكترونية،
وشبكات التواصل في الترويج لفكرة تغيُّر شكل السيدة بواسطة العمليات الجراحية، لم
يهمني في هذا كله إلا أنها ظهرت أخيراً، هكذا سارعت إلى مشاهدة اللقاء الأكثر شهرة
لها مع لميس الحديدي عبر قناة «سي بي سي»، كي أتعرف على القصة كاملة.

كانت عائشة
مصابة بدور برد شديد، لفت هذا نظري للوهلة الأولى، وفهمت لاحقاً لماذا لما تقُم
بتأجيل الحلقة، أو الاعتذار، في اللقاء الذي أُذيع بتاريخ 14 يونيو/حزيران 2015
صارحتها لميس الحديدي بفجاجة «شكلك كان ملخبط كنا بنحب شكلك القديم أكتر زي زينات
صدقي وماري منيب كده» بداية غير موفقة، لكن عائشة لم تتوقف عند الأسلوب الفظ، هكذا
حاولت أن تخبرها أن الأمر لم يكن بيدها، وأنها لم تجرِ عمليات جراحية، هي فقط
تناولت «كورتيزون» للعلاج  من وعكة صحية، وأجرت عملية جراحية في أسنانها بسبب
خراريج متتالية، لكن لميس كانت تصم أذنيها عن الإجابات وتعيد السؤال بإصرار:
«ليه؟».

كان صبر
عائشة واضحاً طوال الوقت، تحاول التأكيد أنها لا تزال هنا، وأنها قادرة على العمل
والعطاء، تحاول أن تجيب بشكل أكثر احترافية، مقابل احترافية مُنعدمة لدى محدثتها،
فتؤكد لها: «صدقيني أنا ممكن أعمل لك كاركتر دلوقتي مش هتعرفيني»، «الممثل يقدر
يطلع لك بأي كاركتر، الممثل مش بشكله، الممثل بأدائه، أهم حاجة الملَكَة، إنتي
حبيتي الكاركتر من الشكل، أنا عملت شخصية جدة إسماعيل يس بعد عملية أسناني ولسَّه
بضحك عليه لحد دلوقتي».

لكن لميس
واصلت الاستماتة في التظاهر بعدم الفهم «كنا بنحب دا أوي، عملتي في نفسك كدا ليه؟»
كانت عائشة أمام خيارين، إما أن تُكمل الحلقة وتواصل توضيح ما سبق أن أوضحته
بالفعل، أو أن تُجاري محدثتها في الوقاحة، فتغادر الحلقة بعد أن تسألها «إنتي
غبية؟»، لكنها اختارت الحل الأول وواصلت التوضيح والتأكيد أن الأمر لم يكن بيدها،
وأنها لم تجرِ أي عمليات، ولم تختَر البعد  «هارجع في أي كاركتر أو دور أعمله
هتلاقي عيشة الكيلاني اللي انتي عرفتيها ومتعودة عليها».

هنا جاء
السؤال الأكثر وقاحة: «إزاي بقى هتلخبطي وشّك وتحطي روج؟».

«عملتي كام
عملية تجميل يا مدام عيشة؟» كأن الممثلة الموهوبة لم تجِب، هكذا واصلت لميس
أسئلتها، فضحكت عائشة وأرادت مجاراتها: «43 عملية» قبل أن تنخفض نبرتها وتخرج
كلماتها بتأثُّر: «كان نفسي أعمل ولو عملية واحدة».

فات لميس أن
العمليات الجراحية تتطلب أموالاً ضخمة وحالة من انعدام الثقة في النفس والشكل،
وهما أمران لا يتوفران لدى الممثلة الموهوبة التي لم تضجر يوماً بشكلها، ولم تسعَ
إلى تغييره، في الواقع  كانت الفائدة الوحيدة للتغيير الذي حل بها أن كشف كمّ
الغباء والجهل ومحدودية التفكير لدى صُناع الفن والسينما، كي نصل إلى تلك النقطة التي
تمكث امرأة مثلها بالمنزل بينما محدودو الموهبة، هؤلاء الذين يصيبون المشاهد
بالغثيان لفرط السذاجة في التمثيل وانعدام الموهبة يطلون مرة بعد أخرى ليساهموا في
حالة عامة من ضيق الأفق وانعدام الجودة.

إصرار لميس
على إلصاق تُهمتي القبح وكراهية عائشة لشكلها  القديم جعلها تسألها: «قولي لي
بصراحة ما كنتيش بتحبي الشكل دا؟» لكن عائشة أخبرتها أنها تستطيع العودة إلى شكلها
القديم إذا دخلت غرفة المكياج، فات لميس أن عائشة تقوم بعمل الماكياج لنفسها، في
كل مرة تعلم من أين تؤكل الكتف، بما في ذلك شخصية جدة إسماعيل يس، هي تعلم جيداً كيف
تقدم الشكل المناسب للدور، ليس لديها حدود مسألة تستشهد عليها بتلك المرة التي
قدمت خلالها شخصية سيدة «قرعة» تماماً في فوازير مع نيللي مؤكدة «مفيش ولا ممثلة
رضيت تعمل الدور غيري».

رسائل عديدة
تحمل ذات المعنى بثتها عائشة في لقائها المذاع قبل أربع سنوات «هاتي لي بس بكرة
مسلسل واتفرجي، أهم مقوماتي جوايا، الأعمال هي اللي بعيد مش أنا، بس أنا جاهزة».

12
كيلوغراماً زيادة في وزنها، بدت وكأنها العائق بينها وبين العمل، عقب الاتهامات
المتواصلة بأنها غيَّرت شكلها عمداً، لم تُضِق ذرعاً بالاتهامات الباطل، معتبرة أن
العيب فيها وليس في حالة الغباء المستشرية التي تتعامل مع الفنان بحسب شكله وليس
قدراته «بدأت أخس وهرجع لكم تاني.. اصبروا عليّا».

شيئاً
فشيئاً تسرب لها الإحساس من الأسئلة المكررة والتعليقات الفظة أنها كانت أقبح وهذا
كان أفضل، دفعها هذا للتأكيد «لما أخدت الدوا ولقيت وشّي ملا وبقى مدوّر قُلت لا
دي كارثة، ولما ظهرت قالوا دي عملت عمليات وشدت ونفخت!».

«وفاة عائشة
الكيلاني» واحدة من الإشاعات التي تلت ظهورها المباغت، ادعت أنها لم تضق بها ذرعاً
أيضاً، أعتقد أنها كانت صادقة، كانت عائشة تبحث عن فرصة عادلة، تحاول بكل ما تملك،
بدا هذا واضحا في اللقاءات التي تلت ظهورها من جديد قبل أربع سنوات حيث حاولت أن
تبدو في أبهى صورها، مبتسمة، متحمسة، حتى إنها تبادر بالإجابة قبل أن يتم المذيع
سؤاله، لكن هذا لم يكن شفيعاً كافياً لها.

الممثلة
التي بدأت حياتها كبديل لسناء جميل في مسرحية «سك على بناتك» لمدة ثلاثة شهور،
بينما تدرس في عامها الأول بمعهد الفنون المسرحية، هكذا حفظت الدور كاملاً وتدربت
عليه في ليلة واحدة فقط، يعطي هذا صورة واضحة عن كم اجتهاد عائشة التي تم حصرها في
أدوار الكوميديا، بينما أسقط الكثيرون أن دورها الأقرب لقلبها «كريمة/جريمة» في
«سيداتي آنساتي» والذي نالت عنه ثلاث جوائز كان جاداً مقارنة بزميلاتها، أما دورها
في فيلم «قدر امرأة» فكان درامياً جاداً، في الواقع  أتطلع لرؤيتها مرة أخرى
في دور  درامي حزين، فقط لأنني أعلم أنها
تستطيع وتقدر على ما هو أبعد من ذلك، إنني ألمح ذلك البركان داخل تلك المرأة في كل
مرة فأشعر بالإحباط.

«رغم إن أنا
شغلي قليل لكن الناس ما بينسونيش.. لأني بضحكهم» هي تعلم جيداً المعادلة، بثقة
وابتسامة راجية لقليل من التقدير والفهم، تقولها لمحدثيها، حين تأتي الفقرة الخاصة
بآراء الجمهور فتبدو على الوجوه حالة من الانبهار «معقول كل الناس دي بتحبك» كأنما
الأمر مفاجأة أو غير متوقع!

نعم «كل
الناس دي تحبها وأكثر!».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى