منوعات

علماء يدعون للاقتداء بالليبيين القدماء.. الصحراء الكبرى كانت مليئةً بالأسماك

عندما نتحدث عن الصحراء بشكل عام، فإن آخر ما قد يرد إلى الذهن احتمال وجود أسماك أو حتى مساحات خضراء، ولكن قبل آلاف السنين كانت هذه الصحراء الكبرى التي تمتد بطول شمال إفريقيا موطناً للقليل من الحيوانات النادرة المُتكيّفة على العيش في الأراضي الحارة القاحلة.

فخلال العصر الهولوسيني كانت الصحراء الكُبرى أرضاً خصبة تملؤها الأسماك، وفق ما اكتشف العلماء مؤخراً.

إذ قالت دراسةٌ نُشِرَت أواخر
شهر فبراير/شباط 2020 في دورية PLOS One إنّ الأسماك مثّلت 80% من أصل 17,551 من البقايا الحيوانية التي
عُثِرَ عليها في ملجأ تاكاركوري الصخري بمنتصف الصحراء. 

وهذا يعني اختلافاً كبيراً
تماماً عن الصحراء الجافة التي نراها ونعرفها اليوم.

وقالت أستاذة الجغرافيا
بجامعة يوتاه كاثلين نيكول، التي لم تُشارك في الدراسة لمجلة Popular Science: “إنّ منطقة جنوب
غرب ليبيا حالياً هي منطقةٌ غير قابلةٍ للسُكنى -إذ إنّها من أكثر المناطق القاحلة
في الصحراء الغربية -لذا وجود هذه البقايا خارج عن المألوف حقاً”.

وأظهر السجل الأحفوري أيضاً
أنّ الحيوانات العائمة انخفضت أعدادها بمرور السنوات، تزامناً مع تغيُّر مناخ
المنطقة. 

إذ إنّ 90% من البقايا ذات
التواريخ الأقدم كانت من فصائل الأسماك، ولكن مع مرور الوقت وقبل 5 آلاف عامٍ
تقريباً باتت الحيوانات المائية تُمثّل أقل من النصف. 

وبحلول هذا الوقت، لم يتبق سوى الأسماك الصغيرة التي تستطيع التكيُّف مع المياه الضحلة ودرجات الحرارة العالية.

وكان سافينو دي ليرنيا،
مُؤلّف الدراسة ومدير البعثة الأثرية بجامعة سابينزا في روما، يعمل في ليبيا منذ
عام 1990. وقال إنّه قبل 12 ألف عام، أدّت التحوُّلات في أنماط الرياح الموسمية
إلى جلب مياه الأمطار للمنطقة. 

ومع ازدياد الأمطار، نمت
الممرات المائية التي ربطت بحيرة تشاد في الجنوب بنهر النيل في الشمال، ما فتح على
الأرجح ممراً لهذه الأسماك حتى تصل إلى منتصف الصحراء الكبرى بهذه الأعداد.

وتكشف العلامات التي عُثِرَ
عليها في بقايا الأسماك عن أدلةٍ على وجود سكان آخرين: البشر الذين كانوا يقتاتون
عليها.

إذ أوضح دي ليرنيا:
“فُوجِئت شخصياً بحقيقة أنّ السمك كان نوعاً من المواد الغذائية الأساسية،
حتى خلال العصور الحجرية الحديثة والعصور الرعوية”. 

وبنهاية المطاف، تحوّل العديد
من أولئك الناس إلى رعي الأغنام والماعز.

وقبل 5 آلاف عامٍ تقريباً،
تغيّر المناخ بشكلٍ دراماتيكي. إذ قال مُؤلّف الدراسة أندريا زيربوني، عالم الآثار
الجيولوجي بجامعة ميلان، إنّ التغييرات في الغلاف الجوي بسبب موقع الأرض أثناء
دورانها حول الشمس أدّت إلى تغيير مواسم الرياح الموسمية بسرعة، واختفت الأمطار
التي كانت تُبقي الصحراء الكبرى خضراء فعلياً.

وأردف: “مرّت المنطقة
بأكملها بتغييرٍ دراماتيكي في المسطحات. وتحوّلت بعض المناطق فجأةً إلى صحراء
شديدة القحولة”.

ويعتقد بعض العلماء، ومنهم دي
ليرنيا، أن البشر ربما ساعدوا في إحداث هذا التغيُّر المناخي حين تحوّلوا من الصيد
وجمع الثمار إلى الحياة الرعوية. 

إذ نشر زيربوني وكاثلين ورقةً بحثية عام 2018 أوضحا فيها كيف تداخلت عوامل
زيادة الرعي وتعرية التربة وتغيّر أنماط الرياح الموسمية معاً. 

إذ أدّى الرعي إلى تعرية
التربة وتعبئة الغبار، وهو الأمر الذي يقول زيربوني إنّه زاد قحولة المنطقة.

ولكن لا يتفق الجميع على فكرة أن البشر ساعدوا في تجفيف الصحراء. بل في الواقع، جادلت دراسةٌ أخرى من عام 2018 بأن التحوّل في اتجاه الرعي ربما أبقى المنطقة خضراءً لفترة أطول من المُفترض.

وبالنسبة لأستاذ الجغرافيا
الطبيعية بكلية الملك في لندن نيك دريك، الذي لم يُشارك في الدراسة الجديدة، فإنّ
قصة جفاف الصحراء الكبرى تحتمل المرونة، ويُمكن أن نتعلّم منها ونحن نُواجه الضغوط
المُتزايدة لتغيّر المناخ بسبب الإنسان.

وقال دريك إنّ سكان جرمة في
ليبيا كانوا يتطلّعون إلى الإصلاحات التكنولوجية من كافة أنحاء العالم، باستخدام
أنظمة الري الفارسية وامتطاء الأحصنة الرومانية والجمال العربية من أجل
التنقّل. 

وسمحت لهم تلك البراعة بالعيش
في تلك المناطق والازدهار خلال التحوّل المناخي الهائل، فتكيّفوا ونجوا طوال آلاف
السنين، قبل أن تكتسحهم الإمبراطوريات الأخرى. 

وجِرمة مدينة أثرية ليبية في الجزء الجنوب الغربي من البلاد بالصحراء الكبرى تنسب إلى سكانها القدامى الجرمنت. واشتهر الجرمنتيون بجرأتهم الكبيرة وقدرتهم على اختراق الصحراء وشجاعتهم النادرة في التصدي للغزاة، فقاوموا النفوذ الروماني بالتحالف مع القبائل الليبية الأخرى، إلى أن افتتحها أحد قادة الفتح الإسلامي في المغرب العربي عقبة بن نافع عام 49 هـ (حوالي 669 م). وكان وقت ذاك مدينة عامرة بالسكان ومحطة على طريق القوافل بين إقليم طرابلس في الشمال، وبين أواسط إفريقيا في الجنوب.

وربما انتهى أمر الأسماك
والحيوانات من الفترات الأكثر رطوبة، لكنّ مجتمعهم ما يزال قائماً.

والابتكار هو الحل لإبقاء
مجتمعاتنا على قيد الحياة في مواجهة المناخ المُتغيّر، بحسب دريك. 

وفي وجود تطوّرات مثل
تكنولوجيات الطاقة المُتجدّدة، يأمل دريك في أن يحذو البشر حذو سكان جرمة.

وأضاف: “تكمُن فرصتنا في
أنّنا سنبتكر أشياء جديدة على الأرجح. ويُمكنك أن ترى ذلك يحدث في كافة أنحاء
العالم من حولنا الآن”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى