لايف ستايل

علم النفس التغذوي: المعدة مفتاح التغلب على الاكتئاب، ولكن أي طعام؟

هل يساعد تناول طعام غني بالخضراوات الخضراء والمأكولات البحرية على التحكم في الحالة المزاجية؟ نعم، هناك فرع ناشئ ومتنامٍ في العلوم يُعرف بـ «علم النفس التغذوي»، يركز على الطريقة التي يؤثر بها الطعام في الصحة العقلية والنفسية.

تقول فليس جاكا، مديرة مركز
الغذاء والحالة المزاجية بجامعة ديكن في أستراليا ورئيسة الجمعية الدولية لبحوث
علم النفس التغذوي: «ترتبط جودة الطعام الأفضل، بغضّ النظر عن طريقة قياسك
لهذه الجودة، بانخفاض نحو 30% في مخاطر الإصابة بالاكتئاب». 

وذكرت ذلك أيضاً في كتابها
بعنوان «Brain Changer: The Good Mental Health Diet«.

في شهر سبتمبر/أيلول الماضي،
توصل تحليل لـ26 دراسة سابقة إلى أن الطب النفسي، إلى جانب اتباع النظام
الغذائي لدول حوض البحر المتوسط الغني بالخضراوات الخضراء والفواكه والمكسرات
والبقول وزيت الزيتون والمأكولات البحرية، قد يساعد على تخفيف أعراض
الاكتئاب. 

كما وجد تحليل الدراسات أن
الأشخاص الذين يأكلون كمية أكبر من اللحوم أو منتجات الألبان أو الأطعمة المعالجة
معرَّضون لمخاطر الإصابة بالاكتئاب بشكل أكبر. 

ومن بين 26 دراسة، عدد قليل
جداً أظهر عدم وجود علاقة بين النظام الغذائي والصحة العقلية، بحسب ما نشره موقع WebMD.

ووجدت تجربة عشوائية صغيرة محكومة، نُشرت منذ عدة أسابيع، ظهور
تحسن على الحالة المزاجية لطلبة الجامعة الذين يعانون أعراض الاكتئاب خلال 3
أسابيع فقط من الاعتماد على نظام غذائي مماثل. 

ويعتبر هذا النوع من التجارب
«معياراً ذهبياً» بين الباحثين.

ولكن قبل أن تتخلص من أدوية
مضادات الاكتئاب وتهرع إلى أقرب سوق للخضراوات، لا تشير أي من تلك الأبحاث إلى أن
النظام الغذائي وحده يمكنه معالجة أو الوقاية من الاكتئاب. 

ولكنها تشير إلى أن تحسين
النظام الغذائي يمنحك أساساً قوياً للشفاء، بغض النظر عن أي علاجات أخرى تجربها.

يقول دور رمزي، الأستاذ المساعد بقسم الطب النفسي في كلية الأطباء والجراحين بجامعة كولومبيا ومؤسس عيادة المخ والتغذية في نيويورك: «تبدأ بالحديث عن خضر الكوسة فيظن الأشخاص أنك تقصد أن يتوقفوا عن تناول دواء زولوفت. وبسبب الوصمة المجتمعية، يفضل الأشخاص عدم تناول الأدوية. فيقدمون على تلك الخطوة، ظانين أن كل شيء قد يتغير بالطعام فقط. تجب عليهم مناقشة مسألة الأدوية مع الطبيب المختص».

يختبر
العلماء تأثيرات العناصر الغذائية على الصحة العقلية منذ عقود، ولكن فكرة تزايد
أهمية النظام الغذائي بالنسبة للصحة العقلية حديثة نسبياً. 

يقول رمزي:
«نعرف بالفطرة أن أدمغتنا تحتاج التغذية. ويزداد فهمنا يوماً بعد يوم مدى
فظاعة النظام الغذائي الأمريكي وتأثيراته السلبية على صحتنا البدنية، وصحتنا
العقلية أيضاً».

وتوصل مع زميله إلى ما أطلقوا
عليه «درجة مقاومة الطعام للاكتئاب»، بناء على العناصر الغذائية التي
تحظى بمواصفات مضادات الاكتئاب. 

الأطعمة التي تحتوي على كميات
أعلى من العناصر الغذائية المقاوِمة للاكتئاب، تتضمن الأطعمة ذات الصدفتين، مثل
المحار والرخويات، فضلاً عن الخضراوات الخضراء مثل الجرجير والسبانخ

ويقول رمزي إن الأمر لا يقتصر
على تلك الأطعمة فقط، فقط وصف أيضاً مجموعة من الخضراوات والمأكولات البحرية
والمكسرات والبقول والأطعمة المخمرة. 

ويقول إن ذلك يشبه أطعمة
منطقة حوض البحر المتوسط.

استمعت جيني مكارثي، محامية
من نيويورك، إلى محاضرات رمزي الإلكترونية بعنوان «تناول الطعام للتغلب على
الاكتئاب» منذ عامين. 

أرادت جيني فعل ما بوسعها
للحفاظ على صحتها، خاصة مع التاريخ المَرضي لعائلتها في معاناة الاضطراب ثنائي
القطب ومرض السكري من النوع الثاني. لذا استمعت إلى محاضرات رمزي، وحاولت اتباع
توصياته.

أصبح يومها العادي يتضمن
خضراوات خضراء في الوجبات الثلاث؛ والأسماك مثل السلمون أو القد؛ والبقول؛
والخضراوات الحمراء أو البرتقالية أو الصفراء؛ والفاكهة والمكسرات؛ بالإضافة إلى
المكملات الحيوية وكبسولات زيت السمك. 

ليست هذه أسهل خطة للتواصل
الاجتماعي مع الآخرين، ولكن مكارثي تدرك أن المثالية ليست هدفاً في ذاتها. 

لذا تنضم إلى أصدقائها عند
الخروج للعشاء ليلاً، متوقعة أن تشعر ببعض الخمول والكسل في اليوم التالي، من أثر
تناول الأطعمة غير المعتادة لها.

تقول مكارثي: «ألاحظ
فرقاً كبيراً في مستويات الطاقة، وقدرتي على تحمُّل الأمور التي تحدث في العمل
عندما ألتزم نظامي الغذائي». 

وتضيف: «هذا العام، لم
أعانِ أعراض الاكتئاب، ولم أحتج أي استشارة عقلية أو نفسية. ولم أعانِ الغضب، أو
التوتر أو القلق».

لا يقتنع
الجميع بمزايا النظام الغذائي لدول حوض البحر المتوسط من أجل مقاومة الاكتئاب، على
الأقل ليس في أنواع الاكتئاب التي لا تستجيب إلى العلاجات الأخرى. 

يقول كريس
بالمر، مدير قسم الدراسات العليا والتعليم المستمر بمستشفى ماكلين في بيلمونت،
وأستاذ مساعد الطب النفسي بكلية الطب في جامعة هارفارد، إن الحمية الكيتونية ساعدت مرضى الاكتئاب المقاوم
للعلاج. 

وعكس النظام الغذائي لدول
البحر المتوسط، ينتج عن الحمية الكيتونية محددات يمكن قياسها في البول، ليتمكن
الباحثون من تحديد ما إذا كان الأشخاص ملتزمين قواعد الدراسة والنظام الغذائي أم
لا.

ويقول بالمر: «أبسط طريقة للتفكير بشأن تأثير الحمية الكيتونية
هي إن كانت خلايا المخ لديها مشكلة مع مصدر الطاقة، فإنها لن تعمل بشكل صحيح. ولن
تفرز المقدار الكافي من السيروتونين (المادة الكيميائية المرتبطة بالحالة
المزاجية). والنقص النسبي للسيروتونين هو أحد النظريات الرئيسية حول أسباب
الاكتئاب».

الحمية الكيتونية التي يستخدمها بالمر ليست تلك الحمية نفسها التي
تنتشر على منصة إنستغرام. إنها برنامج صارم يخضع للإشراف الطبي. يقول بالمر إن النظام الغذائي قد يتسبب في بعض الأعراض الجانبية الخطيرة خلال
الأسابيع الأولى، مثل «الأنفلونزا الكيتونية»، أو قد يُغيّر الطريقة
التي تعمل بها الأدوية. على سبيل المثال، قد يعاني الأشخاص الذين يتناولون أدوية
لارتفاع ضغط الدم انخفاض ضغط الدم.

ويقول بالمر: «إذا جرّب الأشخاص هذا النظام الغذائي من تلقاء
أنفسهم من دون فهم، فقد ينتهي بهم الأمر يائسين من الوصول إلى أي نتيجة.
الاضطرابات العقلية والنفسية الحادة تستحق وتحتاج تدخلاً طبياً مختصاً للمساعدة.
ولا يمكن اعتباره مشروعاً يعمل عليه الفرد ذاتياً».

لأن علم النفس التغذوي لا يزال مجالاً جديداً للدراسة، وبسبب صعوبة تتبع
ما يأكله الأفراد خلال الأبحاث طويلة المدى، يظل العلماء غير واثقين بمدى تأثير
الأنظمة الغذائية على الصحة العقلية والنفسية. 

ولكن هناك مقياس قد يبدو واعداً للدراسة: بيئة الميكروبات المعوية.

تقول جاكا: «هناك أكثر
من 20 دراسة نجريها حالياً في مركز الغذاء والحالة المزاجية، نركز في 15 من تلك
الدراسات بشكل رئيسي على بيئة الميكروبات المعوية البشرية».

لأن الجهاز الهضمي يعالج كل ما نأكله، فإنه يتأثر بسرعة وبعمق بنظامنا
الغذائي. يتغير التوازن الميكروبي استجابة لما يمر خلال الجهاز الهضمي. ويؤثر ذلك
في أجهزة المناعة والتمثيل الغذائي، فضلاً عن السلوكيات الدماغية.

يقول بالمر: «يكمن التحدي في وجود مليارات الميكروبات والكائنات
الدقيقة في جهازنا الهضمي، وحتى الآن لا يمكن أن يجزم أحد بما هو مفيد منها وما هو
مضر». 

لذا، إذا كان تناول المكملات الحيوية قد يكون مفيداً، فإنَّ تناول
الأطعمة التي تعزز صحة الجهاز الهضمي قد يبدو أكثر منطقية.

ما الذي تعتمد عليه بيئة الميكروبات المعوية؟ يقول رمزي:
«النباتات والأطعمة المخمّرة».

سواء كنت مصاباً بالاكتئاب، أو هناك تاريخ عائلي للإصابة به، أو تريد
فقط تهدئة تقلباتك المزاجية، هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن تغيير نظامك
الغذائي قد يساعد على تحقيق ذلك.

إذا أردت إجراء تغيير اليوم، من دون إشراف طبي، فإن جاكا ورمزي
يشجعان الأشخاص على تناول مزيد من الأطعمة النباتية بشكل عام، مثل الخضراوات
الخضراء والملونة، والفواكه، والبقول والمكسرات والبذور والحبوب الكاملة، إلى جانب
الدهون الصحية، والأطعمة الصحية والبروتينات الحيوانية الهزيلة. 

بمعنى آخر، تناوَل كثيراً من الأطعمة التي تراها على الأغلب في أي من
برامج الأنظمة الغذائية «الصحية». 

ولتعزيز صحة جهازك الهضمي، ينصح رمزي أيضاً بتناول الأطعمة المخمرة
مثل مخلل الخيار والملفوف.

تقول جاكا: «إذا قررت ضبط نظامك الغذائي، فلست مضطراً إلى إجراء
تغييرات حادة وعنيفة. يمكنك إضافة مزيد من الخضراوات الخضراء والأطعمة البحرية في
البداية». فحتى لو لم تتناول طعاماً صحياً طوال الوقت، فإن إدخاله في حِميتك
من مسببات السعادة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى