كتاب وادباء

على من تبكى السماء والأرض …؟

بقلم الكاتب الأديب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى

  • * نعم... قالها القرآن الكريم ” فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين” وماذا تركوا وراء ظهورهم من أعمال صالحة حتى تبكى عليهم السماء والأرض..؟ وماذا قدموا لدينهم ووطنهم بل للبشرية كلها من خير وحق وحرية وعدالة حتى تبكى عليهم السماء والأرض..؟ إنهم لا يستحقون إلا أن يكونوا فى سجل النسيان . لا يستحقون غير التجاهل وعدم الاهتمام لأنه من لم تسر حياته , لم تغم مماته .فلا الأرض تذكرهم بعمل صالح , ولا صعد للسماء منهم عمل صالح أيضا , فلما الحزن والبكاء عليهم..؟ أتى ابن عباس رجل ، فقال : يا أبا عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ قال : نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه ، وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، بكى عليه; وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ، ويذكر الله فيها بكت عليه ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير ، قال : فلم تبك عليهم السماء والأرض .

    السماء

    * وقال ” مجاهد “ ما من مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا . “ فلما سأل أتبكى الأرض..؟ قال : وما للأرض لاتبكى على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود ..؟وما للسماء لا تبكى على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوى كدوى النحل ..؟ إن هولاء الظلمة , فرعون وقومه ومن سار على خطاهم إلى يوم الدين ينطبق عليهم قول الله تعالى ” كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين ” لقد تركوا كل شئ , تركوا الآبار والبحار والأنهار , تركوا البساتين والزروع وقاعات المؤتمرات الفخمة التى كانوا يتآمرون فيها على عباد الله المستضعفين . تركوا النعم والخير والثروة والمال والسلطة . تركوا كل شئ وذهبوا لله فرادى عرايا كما خلقهم أول مرة ليقفوا خزايا ناكسوا رؤوسهم وليحملوا ذنوبهم وآثامهم فوق ظهورهم الهشة الضعيفة التى تعجز أن تحمل كل هذا الكم الهائل الضخم من الجرائم ضد البشرية .

    * إن السماء والأرض لن تبكى على من فسدوا وأفسدوا , لا ولن تبكى على من ضلوا وأضلوا , لا ولن تبكى على من أذلوا العباد وقهروا البلاد وأفقروها وجعلوا أعزة أهلها أذلة . لن تبكى السماء والأرض على كل من باع وطنه وضحى بدينه ليرضى الناس بغضب الله , ليرضى الأسياد لأنه ارتضى أن يكون لهم عبدا مملوكا لايقدر على شئ غير السمع والطاعة العمياء وتنفيذ أوامر الحظيرة التى قبل أن يعيش فيها ذليلا خانعا .لن تبكى السماء والأرض على من هربوا المليارات , وزوروا الانتخابات , وأغلقوا نوافذ الحرية بالضبة والمفتاح فى وجه الشعب . وفى المقابل فتحوا أبواب السجون والمعتقلات لكل حر شريف إذا تلفظ ببنت شفه ليكون مصيره الويل والثبور وعظائم الأمور . لن تبكى السماء والأرض على هولاء المجرمين لأنهم يستحقون دمعة واحدة لأن أرض الله تشهد بجرائمهم فى حق الدين والوطن بل والبشرية كلها .

    * إنما تبكى السماء والأرض فقط على كل عبد مؤمن باع دنياه واشترى آخرته , على كل من ضحى بكل غال ورخيص من أجل أن يرفع راية الحق والعدل والحرية . إنما تبكى السماء والأرض على كل عبد قال كلمة حق فى وجه سلطان جائر فقتله فمات شهيدا . إنما تبكى السماء على كل من أبوا أن يكونوا أحذية رخيصة فى أرجل الطغاة يمسحون فيها قذارتهم وأدرانهم .

    إنما تبكى السماء والأرض على من قدم روحه ونفسه رخيصة فى سبيل الله عز وجل , وفى اللحظة التى يتدلى فيها حبل المشنقة برؤوسهم ليلفظوا أنفاسهم الأخيرة , هى لحظة علو وارتقاء أرواحهم إلى أعلى عليين . إنما تبكى السماء كل من ارتوت الأرض من دمائهم عبر التاريخ لينبت من ورائهم جيل يرفض الخضوع ويأبى الذل والهوان فى كل مكان وزمان . نعم .. الظالم سيفنى , والمظلوم سيموت , والكل سيقف أمام الله عز وجل . لكن شتان بين هولاء وهولاء .

    شتان بين قوم تلعنهم السماء والأرض , وبين قوم تحتفى بهم كل من السموات والأرض ولا يظلم ربك أحدا .

     

     
     
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى