آخر الأخبارتقارير وملفات

عمران خان: للغرب لسنا عبيداً لكم

لن أركع أمام أي أحد، ولن أسمح لشعبي بالركوع أمام أحد

تقرير بقلم رئيس التحرير

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

كان لها “لن نكون عبيداً لكم” كان لهذه العبارة التي أطلقها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بوجه الغربيين

وقع كبير لدى صناع القرار في الادارة الاميركية، التي بعثت بوفد دبلوماسي رفيع من خارجيتها الى اسلام آباد، وتسليم عمران خان رسالة من 4 صفحات تحتوي في مفادها على تهديد صريح واضح لا لبس فيه; اما ان تسمح بإنشاء قواعد عسكرية اميركية (وتبتعد عن الصين وروسيا ضمنا) أو سيتم الاطاحة بك، وبالفعل بدأت واشنطن اجراءات الاطاحة، وقد تصدى لها حلفاء وادوات اميركا في باكستان عبر دعوة البرلمان لسحب الثقة من رئيس الحكومة بقرار اميركي.

الرسالة التي كان طابعها سري ونشرها الى العلن يخالف القانون الباكستاني حسب خبراء حقوقيين، لا سيما ذكر اسم الدولة (أمريكا) التي وصل منها التهديد، الا ان عمران خان قرر المواجهة والذهاب بعيداً فيها، لا سيما وان التهديد الاميركي ايضا بملاحقته ومحاسبته على مواقفه سيستمر حتى بعد إقصائه عن السلطة حسب مصادر باكستانية مطلعة ، بل ظهر في خطاب متلفز (الخميس) حذر فيه الاميركيين، وقال “لن أركع أمام أي أحد، ولن أسمح لشعبي بالركوع أمام أحد، ان الشعب المسلم لا يمكن ان يصبح عبداً للاجانب”، موضحاً “إننا نمر بلحظات مصيرية، ونتعرض لمؤامرة دول اجنبية، لقد هددت اميركا باسقاط حكومتي لانني رفضت اقامة قواعد عسكرية لها على ارضنا، لكننا سنقاوم ولن نستسلم لها وسنقوم باسقاطها باذن الله”.

 وبدا واضحاً ان عمران خان الرئيس المشاكس للغرب قرر خوض المواجهة مع الولايات المتحدة الى النهاية، والمعركة مع الاحزاب الحليفة لها في الداخل سواء بقي في منصب رئاسة الوزراء ام لا، مضيفاً “اذا ما صوّت البرلمان على عزلي، فانني لست فقط لن استقيل، بل وراجع بقوة اكبر”، وقال: ” لقد طلبت من وزير خارجيتنا انه ومع ازدياد التوتر فان عليه تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة “في إشارة الى الصين وروسيا وايران. 

أمام هذا التصعيد والتدخل الاميركي الفاضح بفرض قرارات على الحكومة الباكستانية، دعت الاحزاب والقوى الموالية لعمران خان، وكذلك الحركات الوطنية والاسلامية المعارضة للتدخل الاميركي الى يوم غضب شعبي عارم، يشارك فيه ملايين الباكستانيين، فقد دعا أمين عام حزب مجلس وحدة المسلمين العلامة رجا ناصر عباس جعفري، الى المشاركة الواسعة في المظاهرات ورفع شعار “الموت لامريكا”، وقال مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب السيد شفقت الشيرازي اننا رغم انتقادتنا لحكومة عمران خان لكنه لا يسعنا اليوم الا الوقوف معه ضد الغطرسة والتكبر الاميركي”، ودعا الشيرازي في جلسة حوارية مع الاعلاميين في بيروت إلى ضرورة احترام الحقوق في باكستان وعدم التدخل في شؤونها، وفي نهاية الجلسة وكخطوة رمزية تم حرق العلم الاميركي. 

منذ وصوله الى السلطة عام 2018 وتحت عنوان موقع باكستان الجيواكونوميك وليس الجيوستراتيجي بنى عمران خان سياساته الخارجية، فقدّم مصالح شعبه وبلاده الاقتصادية على اي مصالح اخرى، وسعى لايجاد توازن بين الشرق والغرب، فوطّد علاقاته مع دول الجوار لا سيما روسيا الصين وايران، ضارباً عرض الحائط الطلبات الاميركية المتكررة بالابتعاد عن هذه الدول، كما وعمد الى وقف التدخلات السعودية في السياسات والشؤون الداخلية لبلاده، وتسديد ديونه لها التي طالما ابتزته فيها، فلم تعد باكستان حليفاً يمكن ان تستند عليه الرياض، ظهر ذلك جلياً برفض اسلام آباد المشاركة عملياً في التحالف العربي الذي يشن العدوان عل اليمن منذ اكثر من سبع سنوات، مستنداً بذلك على قوته الشعبية والبرلمانية، وعلى تحييد المؤسسة العسكرية الجيش والقوات المسلحة التي تحاول ان تكون على مسافة واحدة من كافة الاطراف لكن لم تبتعد كثيرا عن الولايات المتحدة التي تواصل تدريب الجيش ومده بالخبرات.

انتقد رئيس وزراء باكستان عمران خان الولايات المتحدة على لومها بلده على خسارة حربها في أفغانستان، وعبّر عن تفاجئه وهو يراقب جلسات الكونغرس الأخيرة بشأن أفغانستان من عدم ذكر التضحيات التي قدمتها باكستان كحليف لأميركا.

وفي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست حيث صرح  أنه منذ عام 2001 حذر مرارا وتكرارا من أن الحرب الأفغانية لا يمكن الانتصار فيها، وأن الأفغان، كما يشهد تاريخهم، لن يقبلوا أبدا بوجود عسكري أجنبي طويل الأمد، ولا يمكن لأي طرف خارجي، بما في ذلك باكستان، تغيير هذا الواقع.

وعبّر خان عن أسفه لأن الحكومات الباكستانية المتعاقبة بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 سعت إلى إرضاء الولايات المتحدة بدلا من الإشارة إلى خطأ النهج العسكري، وكيف أنه في محاولة يائسة من أجل الأهمية العالمية والشرعية المحلية وافق الدكتاتور العسكري الباكستاني برويز مشرف على كل طلب أميركي للدعم العسكري بعد 11 سبتمبر/أيلول، وهو ما كلف باكستان والولايات المتحدة ثمنا باهظا، حسب قوله.

الغضب الامريكي ضد خان، جاء بعد ان سجل مواقف متقاربة مع روسيا التي زارها مع بداية حرب أوكرانيا، ورفض إدانتها، وهاجم ازدواجية الغرب، كما رفض السماح لأمريكا ببناء قواعد عسكرية في باكستان، لذلك اعطت امريكا الضوء الاخضر، للمعارضة للإطاحة به.

اللافت ان الغضب الامريكي ضد خان لم ينحصر في استخدام “اللعبة الديمقراطية” وفقا للقياسات الامريكية، حيث تعالت الاصوات المحذرة من تدخلات أمريكا، عبر شراء الذمم لشراء الأصوات بهدف الوصول للعدد المطلوب (172صوتا ) للإطاحة بخان، بل تعداها تهديد خان بالتصفية الجسدية، كما اعلن الاخير في مقابلة بأن حياته في خطر، وأن ثمة جماعة يعرفها تخطط لاستهدافه في لندن.

على المستوى الدبلوماسي وفي تأكيد اضافي على التدخل الامريكي السافر في الشأن الباكستاني، استدعت الخارجيّة الباكستانيّة، القائم بأعمال السفير الأمريكي، للاحتجاج على دعم امريكا مساعي الإطاحة بعمران خان.

وعلى المستوى الشعبي، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي، وجود دعوات لخروج مظاهرات شعبية داعمة لرئيس الوزراء عمران خان، واعتماد شعار “الموت لأمريكا”، بعد ان اعلن خان، انه تلقى تهديدات من أمريكا، لعزله او تصفيته.

يبدو ان استخدام المعارضة، لسوء الإدارة الاقتصاديّة، وارتفاع التضخم، وضعف العملة المحلية، كذريعة لعزل خان، لم تنطل على الشعب الباكستاني، فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بباكستان لم تكن وليدة حكومة خان، الا ان امريكا تسعى للإتيان بحكومة خانعة، وتابعة، تنفذ الاجندات الامريكية دون نقاش او اعتراض.

ان تلويث امريكا للديمقراطية، في الدول العربية والاسلامية، بهدف استخدامها كوسيلة لتنفيذ مآربها، لم يعد امرا خفيا، فهي تستغل ضعف النفوس وكذلك عملاءها، في هذا الديمقراطيات، عبر المال وتحريك الشارع، لاسقاط الحكومات والشخصيات الوطنية في الدول التي تعترض على سياساتها او ترفض تدخلها في شؤونها الداخلية، ولا يحتاج المرء ان يبذل جهدا كبيرا ليقف على نماذج من هذه المؤامرات والمخططات الامريكية ضد شعوب العالم الثالث وحتى الشعوب الاوروبية، وكان لباكستان نصيب الاسد من هذه المخططات، حيث لم يكمل اي رئيس وزراء باكستاني دورته، منذ زمن طويل، فأما ان يتم تصفيته جسديا واما عزله واسقاطه، فقد قررت امريكا الا تشهد باكستان، الدولة النووية الاسلامية الوحيدة، استقرارا سياسيا ، مهما كلف الامر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى