تقارير وملفات إضافية

فراعنة أم عرب؟ جدل قديم حول هوية أقباط مصر يفجره مسلسل «بابا العرب»، فما سر تمسك الكنيسة بهذا الاسم؟

أسئلة كثيرة وصراعات أكثر، أثارها الإعلان عن مسلسل يجسّد حياة بابا الأقباط الأرثوذكس الراحل شنودة الثالث، تحت اسم مسلسل «بابا العرب».

أبرز ما يلفت في الجدل الذي أثاره المسلسل صراع الهوية، الذي بدا من اسم المسلسل المقترح أنه يتجه إلى حسم الموقف من العروبة بتأكيد عروبة الأقباط المصريين، وهو أمر كافح بعض الأقباط عقوداً طويلة لإثبات عكسه، في حين يرى البعض أن هذا الجدل عمره قرون وليس عقوداً فقط.

الإعلان عن المسلسل فجَّر صراعاً من نوع آخر، أو لنقُل جدَّد الصراع الممتد بين المحافظين المنتمين إلى البابا شنودة الراحل، والليبراليين المحسوبين على البابا الحالي تواضروس الثاني، داخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية.

ولكن أبرز ما توقَّف عنده قطاع كبير من المتابعين للشأن القبطي في مصر، حول اسم المسلسل، هو دوره في «صراع الهوية» بأوساط الأقباط، والذي توحَّش على مدار عقود طويلة، ومحاولات المسيحيين الدؤوبة إثبات أصولهم الفرعونية، وتأكيد أنهم لا ينتمون إلى العرب.

إذ إن إطلاق اسم «بابا العرب» على مسلسل تلفزيوني يتناول سيرة حياة البابا الراحل، يتنافى مع رؤية كثير من الأقباط التي يؤكدونها، وهي أنهم لا ينتمون إلى العرب، ليصبحوا بين ليلة وضحاها «عرباً»، وشنودة الثالث أباً لهم!

عدد كبير من الأبطال، أقباط ومسلمين، سيشاركون في المسلسل، حسبما قال القُمّص بموا الراهبُ بدير الأنبا بيشوي في وادي النطرون شمال مصر، والمشرف والمتابع لإنتاج مسلسل «بابا العرب».

وأوضح أن الدير هو من سيختار من سيمثّل شخصية البابا، لكنه لم يحدد موعداً لبدء تصوير المسلسل، مؤكداً أنه حالياً في مرحلة الإعداد، والتصوير سيستغرق 4 أشهر، والمونتاج 3 أشهر، وسيخرج المسلسل إلى النور في العام المقبل.

يغطي الجدل حول اسم المسلسل الذي ربط البابا بالعرب، جدلاً لا يقلُّ أهمية ولكنه أقل وضوحاً.

إذ تساءل كثيرون عن جدوى عمل كهذا في توقيت شديد الحساسية بالنسبة للكنيسة المصرية، وهل الإعلان عنه له علاقة بـ «الصراع المتأجج»  الدائر الآن في الكنيسة وخارجها وعلى صفحات التواصل الاجتماعي بين التيار المتشدد ويمثله أبناء البابا شنودة وأصحاب الفكر التنويري الذي يمثله البابا الحالي تواضروس الثاني، وكلاهما ينتميان إلى طائفة الأرثوذكس الأكبر عدداً في مصر، حيث يقدَّر عددهم بـ15 مليون مسيحي طبقاً لما صرَّح به بابا الأقباط المصري، في حين تتحدث المصادر الرسمية عن نسبة تدور حول 7 في المئة، أي نحو سبعة ملايين؟

توفي البابا شنودة ولكن نفوذه ما يزال قائماً.

فالكنيسة القبطية تشهد حالياً صراعاً بين تيارين: أحدهما يوصف بالمحافظ، يرى نفسه يسير على نهج البابا شنودة، والآخر يسمى بـ «التنويريين»، يقوده البابا الحالي تواضروس.

الصراع يدور بالأساس على قضايا كنسية بين تيار محافظ وآخر تجديدي، وظهر واضحاً خلال زيارة بابا الفاتيكان لمصر في أبريل/نيسان 2017، حينما وقَّع معه تواضروس وثيقة «تحلُّ مسألة كانت مصدراً دائماً للتوتر في الحوار بين الأقباط الأرثوذكس والكاثوليك، ألا وهي الإصرار على معمودية ثانية للمسيحيين الذين يتحولون من طائفة الكاثوليك إلى طائفة الأرثوذكس (يشكل ذلك اعترافاً نسبياً من كل طرف بصحة إيمان الآخر)».

ولكنَّ المحافظين بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية رفضوا الوثيقة.

وعقب انتهاء زيارة البابا، أعلن المركز الإعلامي التابع للكنيسة القبطية أن الوثيقة تعد بياناً مشتركاً وليس اتفاقية.

وأوضح المركز أن البيان تضمَّن عرضاً لعلاقة الكنيستين في الماضي والحاضر، ولم يتضمن أي إضافات على الصعيد الإيماني أو العقيدي أو غيرهما، سوى التمسك بالسعي الجاد في طريق الوحدة المؤسسة على الكتاب المقدس.

وأرجع مصدر كنسى، في تصريحات لموقع»مبتدا«، صدور هذا البيان إلى احتجاج المتشددين بالمجمع المقدس على الاتفاقية؛ وهو ما دفع الكنيسة إلى التراجع، رغم أنها أعلنت أنها اتفاقية لعدم إعادة المعمودية.

وإذا كان مشهد اسم المسلسل وما أثاره من جدل قد استحوذ على اهتمامات كثيرين، فإنَّ هناك أيضاً مشهداً آخر ليس أقل أهمية، بل قد يكون أكثر تأثيراً في شعب الكنيسة، وهو الصراع الداخلي.

إذ يعلم المسؤولون عن الملف القبطي في مصر أن هناك تياراً داخل الكنيسة، ربما شعر في السنوات الأخيرة باستياء شديد من استبعاده، واستشاط غضباً من افتتاح قسم جديد على التراث العربي المسيحي بالمركز القبطي، في حين تم تجميد قسم اللاهوت (العقيدة) الذي كان يترأسه الأنبا الراحل بيشوي، أحد صقور الكنيسة المصرية وحامي الإيمان الأرثوذكسي وتراث البابا شنودة.

ويقول مصدر محسوب على التيار العلماني بالكنيسة، لـ «عربي بوست»، إن ما حدث كان صفعة على وجوه هؤلاء الذين حاربوا على مدار عقود، وجود قسم هكذا، وكان من الضروري إيجاد مَخرج لنشر الفكر الشنودي بين الأجيال الجديدة.

وتوقَّع المصدر أن يُستخدم العمل في تغذية هذا الفكر، وأن يحاول نشر أنه «لا بابا بعد البابا شنودة، ولا أحد يستطيع ملء الكرسي الباباوي بعده».

هذا الصراع بين المحافظين والمجددين ليست له علاقة بفكرة عروبة الأقباط، ففي داخل كلا التيارين المؤيد والمعارض لفكر العروبة والاسم، فهناك رفض من التيارين اسم المسلسل، وهناك أيضاً بعض الموافقين من التيارين على الاسم.

فالصراع بين التيارين على المسلسل نفسه وليس الاسم.

إذ إن خروج المسلسل في هذا التوقيت يدخل في إطار الصراع بين الطرفين، وإحساس الجناح الشنودي بأن هناك من يسحب البساط من تحت أرجلهم؛ ومن ثم يحاولون تقوية هذا الفكر الشنودي في مواجهة نفوذ فكر البابا الحالي.

وفي إطار حماسة الشنوديين اختاروا هذا الاسم الذين جدَّد جدلاً إضافياً عن عروبة الأقباط، فلماذا اختاروا هذا الاسم المثير للجدل؟

يقول مصدر قبطي لـ «عربي بوست»، إن المسلسل سيكون من 34 حلقة، وأعدَّ المادة التاريخية له المؤرخ الكنسي نشأت زقلمة، وكتب الحوار الدكتور عطا الله توفيق.

وأضاف أن المسلسل لايتناول أي صراع على الهويات، ولن يتطرق إلى ذلك.

لكن اختيار الاسم يقر أمراً واقعاً، يفخر به المصريون عامة، والأقباط خاصة، حسب قوله، وهو أن التاريخ خلَّد رأس الكنيسة القبطية مقروناً بلقب بابا العرب؛ ومن ثم فالمسلسل احتفاء بوطنية الكنيسة، والتزامها القومي.

يقول باحث سياسي لـ «عربي بوست» (رفض ذكر اسمه)، إن عنوان المسلسل مسَّ عصباً حساساً، وهو العلاقة بين الأقباط والعروبة.

وهو سجال قديم جديد، عرفته مصر منذ قرون، وتأجج في غضون القرن الماضي، من خلال حوارات كثيرة تمحورت حول هويّة مصر السياسية والاجتماعية، وكان التساؤل يدور حول المكوّن العروبي -بمعناه الاجتماعي والسياسي- في الهوية المصرية، وعلاقة ذلك بمفهوم القومية المصرية التي يرجعها أصحابها إلى العصر الفرعوني.

ويشرح الباحث أنه تمت إعادة طرح قضية الهوية المصرية داخل الأوساط القبطية بداية القرن الحادي والعشرين أيضاً، ولكن على أسُس مغايرة لما تم تداوله في حوارات القرن الماضي.

والجديد أن المطروح هو تقسيم المواطنين المصريين بين طائفتين: الأولى قبطية مسيحية، يرى أصحابها أنها صاحبة الأرض الأصيلة، وأن هناك جزءاً من شعب مَـصر يحافظ على نقائِه العرقي منذ آلاف السنين، والثانية عربية مسلمة ليست أصيلة لا عِرقاً ولا ديناً، وجزء آخر مختلط، له جذوره المتعدّدة ودينه المغاير، والأفضل له أن يعود إلى منابع تلك الجذور، أي الجزيرة العربية.

وفجَّرت محاضرة الأنبا توماس، وهو أسقف مرموق في الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، يوم 18 يوليو/تموز عام 2008، والتي قالها أمام معهد هدسون الأمريكي للحريات، صدمة حول هوية مصر الراهنة، وتضمّنت المحاضرة، التي كان عنوانها «خِبرات الأقباط أو الأقلية المسيحية الأكبر بالشرق الأوسط في مناخ الأصولية الإسلامية»، عدداً من المقولات المثيرة، منها أن كلمة «قبطي» تعني «مصري» وليس مجرد مسيحي، وأن الفتح العربي لمصر في القرن السابع الميلادي، ليس سوى غزو ترتّب عليه أن يتحول بعض المصريين إلى الإسلام؛ ومن ثم لم يعودوا أقباطاً، أي مصريين.

ظهرت بعد ذلك عديد من المقالات والحوارات حول هوية مصر، وهل هي فرعونية أم عربية، وأثارت لغطاً تحوَّل إلى فتنة في العقد الأخير، وأدى إلى إذكاء روح التعصب وإنماء الكراهية، فبعض المسيحيين يعتقدون أنهم «أصحاب الأرض الأصليين»، وأن المسلمين -كما قال الأنبا بيشوي ذات مرة- «ضيوف»، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة دفعت البابا شنودة إلى الرد عليه.

هذه المغالطة التي تعتبر المسلمين أغراباً في مصر، جعلت شباب المسيحيين في حالة احتقان أحياناً، مردِّدين المَثل القائل: «البيت بيت أبونا والغُرْب يطردونا». 

وقد تبنَّى كثير من الأقباط في مصر، بصفة فردية، ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، باعتبارها فرصة لمعالجة واقع تهميش الأقليات السائد في دول المنطقة، لكن بعد تلاشي الحماسة وفي ظل تطور الأوضاع، عاد الخطاب القديم للظهور.

وانبرى كل طرف ينبش في فتن الماضي حول هوية مصر الدينية، حيث يعتبر بعض الإسلاميين أن مصر إسلامية، في حين يرى نظراؤهم من المسيحيين أن أصلها قبطي، وهُم أصحاب البلد، وأن الإسلام انتشر فيها بالقوة.

ثم شهدت الساحة المصرية في 2017 تصعيداً خطيراً، من جراء الصراع على الهوية بدخول المؤسسات الدينية الرسمية على خط إشعال فتيل الاستقطاب السياسي الديني، وتهديد مقومات الوحدة الوطنية، وتهديد السِّلم الاجتماعي، وتصعيد خطابات الكراهية.

وكانت أشهر التصريحات ما قاله القس مكاري يونان (كاهن الكنيسة المرقسية الكبرى بالقاهرة)، والتي أشار فيها إلى أن «مصر مسيحية الأصول والتاريخ، والإسلام انتشر بالرمح والسيف، والعقيدة المسيحية طاهرة لا تعرف القتل الذي تعرفه الأديان الأخرى».

في الاتجاه المقابل قام معهد الدراسات القبطية الذى يرأسه البابا تواضروس الثاني بخطوة لافتة، عندما أعلن منذ أسابيع قليلة عن إنشاء قسم للتراث «العربي» المسيحي، أسوة بالمعاهد البحثية المتخصصة التابعة للكنائس الإنجيلية والكاثوليكية.

وبالرغم من أن التسمية هي المعتمدة أكاديمياً في المعاهد المحلية والعالمية وحتى الجامعات الأجنبية، فإن البعض من الأقباط اعتبره «طمساً للهوية القبطية» وتزييف تاريخ القبط في مصر، بسبب الحساسية القبطية تجاه قضية التعريب أو الاستعراب.

المفكر القبطي سليمان شفيق يرى أنه لا خلاف على أن هناك «تراثاً مسيحياً منقولاً للعربية، أو كُتب بالعربية، بل إن هناك مسيحيين عرباً، مضيفاً أنا لست ضد دراسة التراث المنقول للعربية للمسيحيين، سواء أقروا بعروبتهم أو كانوا عرب اللسان، ولكن بكل المعايير العلمية الأقباط المسيحيون ليسوا عرباً، حسب قوله.

 الغريب أن الجدل المحموم حول هوية الأقباط  لم يكن رادعاً للمؤرخ القبطي نشأت زقلمة، معد المادة التاريخية لمسلسل حياة البابا شنودة من الميلاد إلى الممات وهو يختار لقب «بابا العرب» من بين أسماء كثيرة أُطلقت على البابا شنودة.

واللافت أنه بدلاً من تسليط الضوء عن عمل يعد حدثاً فريداً في تاريخ الكنيسة القبطية، تم تسليطه على اسم العمل.

فهل اختيار هذا الاسم نتيجة لتغير الموقف القبطي من مسألة الهوية العربية، أم أنه مجرد لعب على الحبال!

بمعنى، هل الدافع هو أنه إذا كان اسم «العرب» سيجلب مكاسب ومزيداً من المتابعين والمتبرعين لعمل درامي فلا مانع من الاستعانة به، وإطلاقه على مسلسل لشخصية جدلية مثل البابا شنودة الثالث.

وفي هذا الصدد، كتب الناشط القبطي فادي كريم على صفحته بفيسبوك أن اختيار اسم (بابا العرب) للعمل الدرامي غرضه الحس التسويقي، «ولّا انت عايزهم يسموه بابا الكرازة يصرفوا 80 مليون جنيه وفي الآخر مايشوفش العمل إلا تاسوني إنجيل والأستاذ فانوس».

تبريرات اختيار الاسم لم تلق قبولاً من أقباط  كثر، فقد استنكر نشطاء التناقض الذي يطرحه الاسم، متسائلين عن كيف يصرُّ الأقباط على هويتهم الفرعونية، ويعترضون على وجود قسم للتراث «العربي» المسيحي، معتبرين ذلك تذويباً للهوية القبطية لصالح المكون العربي، وفي ذات الوقت يطلقون اسم «بابا العرب» على شخصية كاريزمية بحجم البابا شنودة.

وأصدرت حركة شباب كريستيان للأقباط الأرثوذكس بياناً رسمياً ترفض فيه تسمية المسلسل «بابا العرب»، وعلَّقت على الاسم بأنه «مرفوض».

وفي حيثيات رفض الاسم أوضح البيان أن الاسم فقط يدل على أن المسلسل ليس له أي بعد ديني وهو مسيّس أو تجاري.

وأضافت: «البابا شنودة ليس محمد صلاح الذي أطلق عليه «فخر العرب»، وسجلت الحركة الاعتراض رسمياً على الاسم، بما أنه عمل كنسي، وكان من الممكن تسميته معلم الأجيال بدلاً من «بابا العرب».

وقالت: ورداً على المضلّلين الذين يبررون أن الـ80 مليون جنيه سوف يتم استرداد أضعافها من شركات الإعلانات والفضائيات عند شراء المسلسل، فإن هذا يكرّس التناقض، وإن الهدف ليس إنتاج مسلسل روحي من أجل الكنيسة والإيمان ومعلم الأجيال، بل عمل تجاري بحت، وهذا خزي وعار في حق قداسة البابا شنودة الثالث والمتاجرة به.

من جانبه سجَّل الباحث إسحاق إبراهيم على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي اعتراضه على إطلاق اسم (بابا العرب) على المسلسل، مشيراً إلى أن الاسم ليس له سند من الواقع، ويكشف عن نوايا العمل المزعوم إنتاجه، وجاء ضمن سلسلة التضخيم التي باتت تسبق أسماء القيادات الدينية منذ سنوات، مؤكداً أن البابا شنودة الراحل كان بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وبطريرك الكرازة المرقسية فقط.

وكتب الباحث القبطي يوسف إدوارد مقالاً تحت عنوان «بابا المصريين وليس بابا العرب»، متسائلاً أين السياق العربي في الأمر، ولماذا بابا العرب؟

يقول أحد النشطاء بحركة شباب ماسبيرو لـ «عربي بوست»: إن معنى بابا العرب يدل على أن بطل المسلسل ليس «البابا بتاعنا»، لأننا مصريون ولسنا عرباً، فنحن نتكلم العربية، لكن أصلنا مصري قبطي واللغة لا تعني الأصل، حسب قوله.

ويتساءل: الكنيسة القبطية تتعلق بمصر فقط، وليس الدول العربية الأخرى، فهل كانت علاقته قوية بالكنائس الآشورية والكلدانية وغيرها في المنطقة، لدرجة أنه كان بابا لهم أيضاً؟!  طبعاً هذا لم يحدث، فلماذا إذاً نفرض على باقي العرب أنه بابا لهم؟!

ويضيف: «السعودية لا توجد بها أية كنائس، بينما المسيحيون في إثيوبيا ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية وليسوا عرباً، فهل كان شنودة الثالث بابا للسعوديين وليس بابا للإثيوبيين؟».

ويقول الناشط ساخراً: «بحثت عن الألقاب التي نالها البابا شنودة عبر المحرك البحثي (جوجل)، لمعرفة من أين جاء لقب بابا العرب هذا؟ وصدمني أن اللبنانيين هم من أطلقوا عليه (بابا العرب وبابا المقاومة) إبان زيارته إلى لبنان أوائل شهر يوليو/تموز من العام 1995، «إذن علينا أن نحمد الرب باختيار بابا العرب وليس بابا المقاومة اسماً للعمل الفني!» .

ودعا المعارضون المسيحيون الكنيسة للتراجع عن تلك الخطوة، وقال الكاتب الصحفي أشرف حلمي أنه كان من الأجدر مشاركة أبنائه من الشعب القبطي في اختيار اسم العمل الذي يسرد قصة حياة أبيهم، كما تتبعه العديد من الكنائس والمدارس القبطية، معرباً عن اعتقاده بأن الأمر ما زال مطروحاً لاختيار اسم بديل للعمل الذي سيظل عالقاً في أذهان الأجيال المقبلة.

وسط الجدل المحتدم في أروقة الكنيسة المصرية ظهر فريق ثالث لا يرى تناقضاً بين عروبة الأقباط ومصريتهم.

يقول الكاتب القبطي ومؤسس التيار العلماني في مصر كمال زاخر، لـ «عربي بوست» إن الأقباط أكثر تمسكاً وحماساً بالتاريخ الفرعوني، لأنه ربما يكون الملجأ في مواجهة حالة التصحر العربي، مع الصحوة التي صنعها الرئيس أنور السادات للتيارات الإسلامية الراديكالية، وبالتالي قد يكون محاولة للاحتماء في وجه هذه الهجمة المتصحرة وليست العربية.

وبالنسبة لـ «بابا العرب» فقد أطلق اللقب على قداسة البابا شنودة في حياته ولم يُبد اعتراضاً عليه، بعد مواقفه السياسية في قضايا زيارة القدس والتطبيع وموقفه من الرئيس السادات.

وكان البابا شنودة قد رفض طلب الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات زيارة الأقباط للمعالم المسيحية في القدس، كخطوة للتطبيع، بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل.

إذ رأى أنه سرعان ما ستزول الخلافات العربية حول مبادرة السلام، ولكن سينظر للأقباط على أنهم خونة العرب إذا شاركوا في التطبيع.

وهو الموقف الذي أغضب الرئيس السادات من البابا، الذي فرض الإقامة الجبرية على شنودة قبيل اغتياله.

واستمر موقف البابا الرافض للتطبيع بعد انتهاء عهد السادات.

وقال البابا آنذاك: «لن أذهب إلى القدس إلا مع شيخ الأزهر». ثم أعاد التفكير في احتمال أن يذهب شيخ الأزهر فعلاً إلى إسرائيل. وسأل عند منتصف التسعينيات: «هل يمكن أن يفعلها شيخ الأزهر؟».. فقيل له: «هذا احتمال وارد»، فسأل مرة أخرى: «هل يمكن أن تعترف الدول العربية والإسلامية جميعها بإسرائيل؟».. فقيل له: «هذا مستبعد تماماً». فأجاب بحسم: «لن أذهب إلى القدس أبداً».

ويشير كمال زاخر إلى أنه من الطبيعي أن تجذب شخصية تاريخية اشتبكت مع الأحداث، وربما صنعت بعضها، مثل البابا شنودة صناع الدراما، فقد امتد تأثيره لما يزيد عن نصف قرن في فترة تقلبات عنيفة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

ولأنه شخصية خلافية فقد امتد الخلاف إلى ما نشر عن اعتزام أحد الأديرة إنتاج مسلسل يتناول حياته، فهو بالضرورة يحمل وجهة نظر صانعيه، التي قد لا توافق وجهات نظر آخرين، شأن كل الشخصيات العامة.

ويقول: يزداد الأمر تعقيداً مع قداسة البابا شنودة، سواء في مرحلة شبابه ما قبل انخراطه في سلك الرهبنة أو مرحلة الرهبنة المبكرة وتحولات علاقته بالأب متى المسكين، ثم مرحلة الأسقفية، وبعدها البابوية وتقلبات العلاقة مع السادات، التي انتهت بدراما عزله عن كرسيه البابوي في سبتمبر/أيلول 1981.

ويؤكد زاخر على أن اسم العمل الفني هو ترجمة لرؤية أصحابه ولا يعمم على بقية التوجهات، مختتماً حديثه قائلاً: «أظنها ضجة بلا سند، وربما يفتح الباب لأعمال تالية تثري الحوار وتعيد الأقباط لدائرة الاهتمام لحساب دولة المواطنة».

أما الكاتب القبطي سامح فوزي فقد أشاد باسم «بابا العـرب»، وكتب في مقال بصحيفة الشروق الخاصة يقول «دون خوض في مسألة الهوية، فقد حمل البابا شنودة في حياته لقب بابا العرب، ولا بأس أن ينتج عمل درامي يحمل هذا الاسم، شريطة أن تتصدى له شركة إنتاج عامة، ولا يعتمد على تبرعات.

الطريف في الأمر أن جدلاً جانبياً طفا على السطح عمّن له الحق الفني في استخدام لقب «بابا العرب».

فبالتزامن مع المسلسل المعلن عنه دخل على الخط المخرج ألبير مكرم، الذي أعلن عبر حسابه على فيسبوك أنه يُخرج فيلما تحت عنوان «بابا العرب».

وقال: «بخصوص اللغط اللي حاصل اليومين اللي فاتوا بخصوص فيلم بابا العرب، أولاً أنا بعمل فيلم اسمه «بابا العرب» مش مسلسل، والبرومو التشويقي بتاعه نزل من شهر فبراير (شباط) 2019، وهو من إنتاج شركة الريماس، ومش بنلم أي تبرعات للعمل، التبرعات للمحتاجين مش للأعمال الفنية».

وأضاف أن الفيلم غير متوقف ولا ممنوع، مؤكداً حصوله على كل الموافقات الرقابية وموافقة الكنيسة موقعة ومختومة من نيافة الأنبا مارتيروس، أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد، ورئيس لجنة المصنفات الفنية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

وتابع: «اسم «بابا العرب» أنا مستخدمه من 2012، وفي برومو موجود على «يوتيوب» بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2012، وتم إثباته في وزارة الثقافة بتاريخ 15 يوليو/تموز 2015، في حقوق الملكية الفكرية، وغير مفهوم على الإطلاق استخدام نفس الاسم للدعاية لعمل آخر».

ويرى القمص بموا، المشرف على العمل، أن المسلسل أنسب من الفيلم من حيث المادة الفيلمية، لأنه من المستحيل أن يستطيع فيلم مدته ساعتان أن يعرض  مشواراً عمره 88 عاماً، هي عدد سنوات حياة البابا شنودة، لذا كان من الأفضل تقديم هذه السيرة الذاتية الرائعة من خلال مسلسل.

وكانت الكنيسة قد وأدت مشروعاً لمسلسل عن البابا شنودة عام 2016، وشنَّ المجلس الملي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية هجوماً حاداً على جهات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، بعدما أعلن الممثل حسن يوسف عن عزمه تقديم مسلسل يتناول حياة البابا شنودة، مهددة باللجوء للقضاء حال إنتاج أي عمل دون الحصول على إذن الكنيسة، وذلك في بيان رسمي صدر عن المجلس، ونقلته الصفحة الرسمية للكنيسة القبطية.

وأكد المستشار منصف نجيب سليمان عضو المجلس الملي العام على أحقية الكنيسة في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لكل من تسول له نفسه إنتاج فيلم أو مسلسل تلفزيوني عن حياة البطريرك الراحل.

وأوضح منصف أن إنتاج أعمال فنية عن حياة أي من الشخصيات العامة والمشاهير يستلزم إذناً كتابياً من الورثة، وهو ما طالبت به الكنيسة، التي تعتبر وريثة البابا الذي قضى حياته راهباً في أديرتها وبطريركاً لكرازتها المرقسية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى