آخر الأخبارتحليلات

فشل مصر وسيطاً في أزمة غزة لإنحيازها الدائم الى الجانب الصهيونى

تحليل بقلم رئيس التحرير

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

جاء فشل جهود الوساطة المصرية في إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، بالإضافة إلى استبعاد القاهرة من اجتماع باريس سابقاً، ليعزز مؤشرات تراجع مكانة مصر الإقليمية، وعجزها عن لعب دور خارجي، يساهم في حماية الأمن القومي ومكانة مصر الدولية، وذلك بسبب سياسات السلطة الحاكمة، التي انقلبت تماماً على حقائق الدور التاريخي لمصر، ونظرية الأمن القومي، ومصالحها العليا. وقد أثّر إصرار هذه السلطة على التواطؤ في حصار غزة، وعداء حركات المقاومة ومساندة العدوان، بطريق مباشر أو غير مباشر، أثر بشكل سلبي وغير مسبوق على مكانة مصر، وقوتها الناعمة في المنطقة.

عملية “السهم الواقى” الإسرائيلية

أن إسرائيل حاولت توريط مصر باغتيالات عملية “السهم الواقي” التي أطلقتها في غزة فجر الثلاثاء، واستهدفت حركة “الجهاد الإسلامي”، بالتزامن مع إضطرابات السودان المتواصلة منذ منتصف الشهر الماضي.فكيف وصلت مكانة مصر وقوتها الناعمة في الملف الفلسطيني إلى هذه الدرجة غير المسبوقة من التدهور والتراجع؟ وما هي مكامن سياسات الفشل في إدارة الأزمة الحالية من منظور الأمن القومي، وبالمقارنة بالمراحل السابقة؟

يمكن القول إن التراجع والتدهور الحالي في مكانة مصر ودورها لا يمكن استيعابه بدقة، من دون إدراك عميق لحقائق وطبيعة موقعها في الصراع العربي الإسرائيلي والانقلابات المأساوية في ممارسة وسياسات واستراتيجيات النظم والقيادات الحاكمة من أنور السادات وحسني مبارك والسيسي. فالدور المصري ينطلق من نظرية الأمن القومي ومصالح مصر العليا، وأهم ركائزها أن التهديد الحقيقي لمصر يأتي من العدو الإسرائيلي، وليس من حركات المقاومة كما يحصل الآن. ولذلك، فمساندة حركة التحرر الفلسطيني لا ترتبط فقط بالأبعاد الإنسانية والأخلاقية، أو كما ادعى السيسي، في خطابه في ذكرى 23 يوليو/تموز، أن مصر قدمت مائة ألف شهيد من أجل فلسطين، فهذه الحروب كانت من أجل مصر وفلسطين معاً.  فمن منظور الجغرافيا السياسية، كانت إقامة إسرائيل بمثابة قطع للتواصل الجغرافي والبشري بين مصر ودول المشرق العربي، بل إن وجود إسرائيل نفسها في الرؤية الاستعمارية الغربية جاء كأداة وعصا غليظة، لمنع حركات التحرر والوحدة العربية والإسلامية. ولذلك، دخلت مصر في حرب 1948 لمنع نشوء كيان صهيوني معاد على حدودها الشمالية الشرقية، وتوالت المواجهات العسكرية الضارية في حروب 1956 و1967 و1973. ومن المنظور الاقتصادي، يقوم ارتباط إسرائيل بالرأسمالية العالمية على أساس استغلال موارد المنطقة المالية والبشرية، لخدمة اندماج إسرائيل في النظام الاقتصادي العالمي، ولذلك، نظرت مصر في عقد التسعينيات بتوجس وقلق كثيرين لمشروعات التعاون الاقتصادي الشرق الأوسطي، التي كانت تستهدف إدماج إسرائيل اقتصادياً في المنطقة، طرفاً يحتكر المعرفة والتكنولوجيا فيما يقدم العرب والمصريين الأيدي العاملة والمال، وفقاً لنظرية الشرق الأوسط الجديد.

 

ولا شك في أن بداية التدهور في دور مصر ارتبط بمعاهدة كامب ديفيد، التي مهدت لسلام مصطنع بين مصر وإسرائيل، على حساب نظرية الأمن القومي المصرية التقليدية، وأدى ذلك إلى قطيعة وانشقاق تاريخي في العلاقات العربية العربية، وعزل مصر وتجميد موقعها في جامعة الدول العربية في نهاية عصر السادات. وقد سعى نظام مبارك، في أوائل عهده، إلى إقامة نقطة توازن في العلاقة، باعتبار أن التعاون والسلام، وحتى التطبيع مع إسرائيل، لا يكون بالضرورة على حساب العلاقة مع الدول العربية وحركة التحرر الفلسطينية، على وجه الخصوص. ولكن السنوات الأخيرة في عهد مبارك شهدت تراجعاً غير مسبوق في دور مصر، بتبعيتها شبه الكاملة للسياسة الإسرائيلية الأميركية، وقبولها الضمني للاعتداء الإسرائيلي على لبنان في 2006 وغزة في 2008، في إطار مخطط توريث السلطة لنجل مبارك، وحرصه على حيازة الرضا الأميركي والإسرائيلي لهذا الأمر. وقد كانت أبرز نتائج ثورة يناير تحسين العلاقات مع الطرف الفلسطيني المقاوم، وتجميد العلاقات مع إسرائيل، خصوصاً بعد محاصرة سفارة إسرائيل في القاهرة، ثم دعم حكومة الرئيس محمد مرسي غزة والمقاومة في صفقة الأسرى، وإجهاض العدوان على غزة في 2012، مما أعاد إلى مصر رونقها وحضورها العربي المفقود.

وعلى الرغم من أن التحول في دور مصر ارتبط باتفاقية كامب ديفيد، إلا أن طبيعة نظام الحكم ونمط القيادة والنسق الإدراكي لصناع القرار يكشف عن تفاوتٍ في الممارسة والسياسات. وتكشف المقارنة بين مرحلتي نظام مبارك، وسلطة السيسي الحاكمة، عن مستوى أعمق من التدهور والانحدار في مكانة مصر ودورها، فعلى الرغم من ممالأة نظام مبارك إسرائيل وتورطه في تطبيعٍ غير مسبوق معها، إلا أنه كان حريصاً على استخدام بعض وسائل الضغط المتاحة، ومن أهمها الحراك الشعبي والمظاهرات في الشارع المصري، أوراق ضغط على أميركا وإسرائيل، بينما يقمع السيسي كل أنواع المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بكل عنف وقسوة. كما كان نظام مبارك يسمح بالجهود الإغاثية والمؤتمرات المناصرة للقضية الفلسطينية، فتشكلت اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة، التي قدمت الكثير من رموز العمل العام في مصر، وكثيراً ما نشطت لجنة الإغاثة الانسانية في نقابة الأطباء، في إعداد القوافل والمساعدات الطبية لغزة على الرغم من الحصار، وأجهض تقييد نظام السيسي العمل النقابي هذا الدور، وأدى تحالف أحزاب جبهة الإنقاذ مع أجهزة الدولة إلى السيطرة على النقابات، خصوصاً الأطباء، وإلى تغييب دورها الوطني والإغاثي، في التخفيف عن أهل غزة، وفقدت مصر مصدراً من أهم مصادر القوة الناعمة.

ومن ناحية ثالثة، كان نظام مبارك أكثر قدرة على المناورة في بعض الأحيان، حيث كان في وسعه المراوغة باستخدام بعض الأدوات الدبلوماسية، مثل استدعاء السفير المصري من تل أبيب أو الدعوة إلى اجتماعات قمة عربية رمزية، لإظهار التضامن ولو شكلياً مع فلسطين. أما السلطة الانقلابية فليس لديها هذه المرونة، بل هناك جمود وتصلب في مساندة إسرائيل وعداء للمقاومة جعلها تمنع قوافل الإغاثة الانسانية التي يعدها النشطاء، ولم يجر حتى مجرد التلويح بسحب السفير المصري، كما كان يحصل سابقاً، بل استمرت رحلات مصر للطيران إلى مطار بن جوريون بالوتيرة نفسها، على الرغم من تجميد شركات طيران عالمية عديدة رحلاتها.

حصار قطاع غزة حصار مشترك من مصر وإسرائيل

أما نظام السيسي فيحاصر القطاع وغزة، بشكل أكثر قسوة، حيث يغلق معبر رفح بشكل شبه دائم، ويهدم الأنفاق، بهدف خنق القطاع وإضعاف سلطة حماس. وفي المقابل، تحظى السلطة المصرية بتأييد واسع النطاق من إسرائيل، واللوبي الإسرائيلي في واشنطن، والذي تدخل أكثر من مرة، من أجل استمرار المعونة العسكرية للجيش المصري بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

عملية السهم الواقى بدون علم مصر ضربة قاسية لنظام الحكم فى القاهرة

فجر الثلاثاء، أعلن الجيش الإسرائيلي شن عملية عسكرية ضد قطاع غزة أطلق عليها اسم “السهم الواقي”، أسفرت عن مقتل 13 فلسطينيا بينهم 4 أطفال و4 نساء، و3 من قادة “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي”.

ووفق تقارير إعلامية، فإن قادة سرايا القدس الذين تم اغتيالهم فجرًا من قبل الجيش الإسرائيلي، كانوا يتجهزون للسفر برفقة وفد من المكتب السياسي للحركة، إلى خارج قطاع غزة.

وبحسب التقارير فإن قادة السرايا الذين تم اغتيالهم كانوا سيتوجهون مع وفد قادة الجهاد إلى مصر التي أبلغتهم، الإثنين، أن بإمكانهم السفر من القاهرة إلى خارجها.

وأوضحت التقارير أن القادة كانوا متخفيين منذ فترة عن الأنظار، وبعد تلقي الإذن بالتجهز للسفر توجهوا لعائلاتهم لوداعهم قبل أن يتم قصفهم داخل منازلهم فجرًا.

ونقل موقع “الجزيرة” عن مصدر دبلوماسي لم يسمه، قوله إن عملية السهم الواقي خلفت غضبا مكتوما بين القاهرة وتل أبيب بسبب تجاهل الأخيرة المتعدة لضرورات الأمن القومي المصري.

وذكر المصدر ذاته أن اشتعال حدود مصر مع قطاع غزة المحاصر يتزامن مع الوضع المضطرب على الحدود الجنوبية مع السودان؛ بسبب تفجر الوضع هناك وعبور موجات من النازحين باتجاه القاهرة.

وتوقع المصدر الدبلوماسي أن يعاني الموقف المصري مزيدا من الارتباك هذه المرة، مشيرا إلى أن القاهرة فتحت قنوات اتصال إضافية مع كل من غزة وتل أبيب للوصول إلى التهدئة.

ولا شك في أن فشل جهود الوساطة، واستبعاد مصر من المشاركة في مؤتمر باريس، لم يمثلا المظهر الوحيد لانهيار مكانة مصر، وتراجع قوتها الناعمة ودورها الإقليمي، فالرأي العام العربي، وحتى الدولي، ينظر بغضب وسخط إلى السياسة المصرية، فالمظاهرات التي تعم أنحاء مختلفة من دول العالم تنتقد الحصار المصري على غزة، وعداء السلطة المصرية لحركات المقاومة بشكل صريح. ومصر السيسي أصبحت موضع اتهام صريح بالتواطؤ، وجاء في استطلاع رأي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، أجراه مركز أوراد في 23 يوليو/تموز 2014 أن نحو 93% من الفلسطينيين يرون دور الحكومة المصرية سلبياً في الأزمة، وهذه نسبة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المصرية الفلسطينية، وهي النسبة نفسها التي حصلت عليها الولايات المتحدة في الاستطلاع نفسه، أي أن نظرة الفلسطينيين إلى دور مصر في الأزمة، هي نظرتهم نفسها إلى أميركا الحليف الرئيسي لإسرائيل. ومن زاوية براغماتية بحتة، لا تعيها حتى قيادات السلطة الحاكمة، فإن الفشل في إدارة الأزمة الحالية يؤثر بشكل خطير على دور مصر وسيطاً وعامل تهدئة واستقرار في الاستراتيجية الأميركية.

والخلاصة أن نظام السيسي يعرّض الأمن القومي، ودور مصر الإقليمي، إلى تراجع وتدهور غير مسبوق، في ذلك التحالف والتواطؤ مع العدو التاريخي لمصر، الذي يمده بمزيد من مصادر القوة، لتهديد أمن مصر ودورها، وسياساته تحول الحلفاء من حركات المقاومة، الذين يساهمون في حماية وضمان أمن الحدود المصرية، إلى أعداء محتملين.

يشهد التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل في سيناء مستويات ومراحل متقدمة جدا، ويعتبر الأقوى منذ سنوات وعقود طويلة، فكلاهما تعملان ضد حماس وتنظيم الدولة، وقد طلب مسئولون كبار في تل أبيب والقاهرة من واشنطن الامتناع عن أي خطوة من شأنها إخلاء أو تقليص قواتها في شبه جزيرة سيناء.

أجندة مشتركة بين القاهرة وتل أبيب

نفذ الجيش المصري جملة من الخطوات في شمال سيناء لتقليص مخاطر المنظمات المسلحة، وأقام منطقة عازلة كبيرة على حدود قطاع غزة، وهدم منازل المصريين في رفح المصرية، وعمل على إخلاء الآلاف منهم من المنطقة، وتأمل تل أبيب والقاهرة أن تنجح ضغوطهما بثني واشنطن عن تنفيذ هذه الخطوة المقلقة لهما.

أجندة مصر وإسرائيل فى التعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية

على صعيد المواقف المصرية الإسرائيلية من الفصائل الفلسطينية، فقد أظهرت تل أبيب والقاهرة غضبا مشتركا من تنامي علاقات حماس مع دول بعينها في المنطقة، خاصة إيران وتركيا، ولم تتوان المخابرات المصرية بإيصال رسالة لحماس مفادها أنها إن أرادت أن تبقى مسيطرة على غزة، فإن على قيادتها أن تختار ما تصفه “الطريق الصواب”، بالاقتراب من مصر، والقطيعة مع عدوتيها إيران وتركيا.

أن مصر وإسرائيل لديهما مصلحة مشتركة في إدارة الملف الفلسطيني بشكل عام، وعلى وجه التحديد ساحة غزة، لأن الدور الذي تلعبه مصر وسيطا مهما بين حماس وإسرائيل أمر حاسم في إنهاء جولات العنف الدورية، ما يجعل إسرائيل تعتبر سلامها مع مصر رصيدا بالغ الأهمية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى