آخر الأخبارالأرشيف

فورين بوليسي.. الأنظمة المستبدة الفاسدة وليست «سايكس بيكو» وراء فوضى الشرق الأوسط

طوال القرن الماضي، وحتى الآن، كان التركيز على اتفاقية «سايكس بيكو»، وهذا التركيز كان نتاجا لدراية سيئة بالتاريخ ومعرفة ضئيلة بالعلوم الاجتماعية. حتى إن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد فشلها في الشرق الأوسط ، لم تعلن حتى عن غضبها من حيث المبدأ على موت اتفاقية «سايكس بيكو»، لأن الصفقة نفسها كانت ميتة من الأساس.

إن اتفاقية «سايكس بيكو» لم تناقش أساسا حدود كل دولة على حدة بينما كانت كل دولة تعيش اتفاقيات ما بعد الحرب. حيث بدأ رؤساء وزراء بريطانيا وفرنسا نشاطهم لتقويض اتفاقية «سايكس بيكو» سريعا، والتفاصيل حول ذلك معقدة ولكن «مارجريت ماكميلان» قامت بتوضيح كل شيء في كتابها «أضواء على باريس 1919» وكيف تحالفت بريطانيا وفرنسا في الحرب ضد الروس الذين قرروا الانسحاب بعد الثورة البلشفية عام 1917.

جاء رئيس الوزراء البريطاني ليصادق ويبارك المناطق التي استولت عليها فرنسا والتي رسمها «سايكس» و«بيكو» وهي مناطق تشمل جنوب شرق تركيا والجزء الغربي لسوريا ولبنان والموصل ولكنها لم تعد حصنا ضروريا بين المواقع البريطانية و الروسية في المنطقة بعكس المناطق الإنجليزية التي كانت تلعب دورا مهما في الفصل بين المواقع البريطانية والروسية.

في الواقع نجح الضباط الاستعماريون والدبلوماسيون الأوربيون في ترسيم الحدود الجديدة بين الدول في الشرق الأوسط، إذ لم تكن موجودة سابقا على الخرائط ولكن كانت موجودة سياسيا واقتصاديا وواقعيا بما فيها بعض التقسيمات الإدارية العثمانية.

temp1

وبالنظر للحدود الموجودة حاليا في الشرق الأوسط فإن وجودها يرجع لمؤتمر سان ريمو والذي أسفر عن توقيع اتفاقية سيفر في أغسطس/آب 1920 والتي قضت بوضع فلسطين والعراق تحت الانتداب البريطاني عام 1920 وسوريا تحت الانتداب الفرنسي عام 1923.

قد سبق أن ضم العثمانيون ولاية الموصل للعراق العربي والذي شمل البصرة وبغداد وعرف حينها باسم المملكة الهاشمية العراقية.

ويرى الكثير من النقاد في الشرق الأوسط أنه يجب ترسيم الحدود بين الدول بشكل طبيعي على طول الأنهار والجبال من أجل ضمان استمراريتها. هذا النقد أو الافتراض الذي تنتقده معظم، إن لم يكن جميع الدول، التي استقرت حدودها جاء بموجب ترتيبات سياسية معينة وليس بناءاً على مفاوضات جرت بين أطراف مختلفة. ناهيك عن كونه شهد عدم تجانس بين السكان داخل تلك الحدود.

هذا الكلام ينطبق على الشرق الأوسط الذي رسمت حدوده على أساس عمل توازن بين المصالح الاستعمارية هناك. لقد أصبحت هذه الحدود حدوداً دولية في القرن الماضي. بعض الدول كمصر والعراق وإيران أصبحت موطناً لهويات ثقافية متماسكة بطريقة تعكس هوية العصر الحديث. وهناك دول أخرى كالسعودية والأردن والتي أنشأت دولتها قبل قرن من الزمن لم يكن أحد ليذكرها أو يتحدث عن هويتها تاريخيا، إلا أنها أمة قائمة الآن وسلامة أراضيها تعني الكثير لشعبها.

إن الصراعات الجارية في الشرق الأوسط لم تكن يوماً حول شرعية الحدود أو مسميات الدول بل كانت صراعات من أجل على الحكم. وبغض النظر عما آلت إليه الأمور في سوريا اليوم، فإن الصراع السوري كان نتيجة هبة وانتفاضة شعبية شملت كل فئات الشعب رجالاً ونساء كبارا وصغارا شيعة وسنة أكراداً وعلويين ضد نظام الحكم الجائر والمستبد تماماً كثورة الليبيين والتونسيين واليمنيين والبحرينيين في عامي 2010 و 2011.

إن الأنظمة الفاسدة والجائرة هي السبب الرئيسي وراء المحن التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الفتن الطائفية والعرقية والدينية المتفشية هناك. فلا يجب جعل اتفاقية «سايكس بيكو» شماعة أخطاء لما يحدث من انقسامات عرقية ودينية في المنطقة. يجب لوم القادة السياسيين الفاسدين الذين يسعون للبقاء لوقت أطول في سدة الحكم كـ«صدام حسين» الذي أسس حزب البعث كوسيلة لتقوية حكمه السني على حساب الشيعة والأكراد. وكذا مثل «بشار الأسد» ومن قبله والده اللذين أسسا شبكة من الداعمين له والمنتسبين لحزبه العلوي تحظى بمزايا تتفرد بها عن الآخرين وأما القادة السعوديون فيتبنون وجهة نظر وهابية تقوم على التفرقة الطائفية للوقوف بوجه إيران الشيعية في صراع من أجل الهيمنة الإقليمية وهذا ما يحدث فعلياً في سوريا والعراق واليمن.

يبدو أن نمط السياسة والحكم الذي يختاره زعماء الشرق الأوسط الواحد تلو الآخر هو السبب الحقيقي في الصراعات القائمة هناك والتي جعلت الشعوب تقاتل بعضها البعض. ومن المتوقع أن تنقسم الكثير من الدول في الشرق الأوسط بسبب الضعف الحاصل فيها.

إن الدعوة إلى «سايكس بيكو» جديدة ما هي إلا أسطورة لتبرير السياسات الواهنة في الشرق الأوسط عبر افتراض أن نهاية «سايكس بيكو» هو سبيل الشعوب للخلاص وبناء مستقبل أفضل.

يجب التوقف عن مثل هذه السخافات وعدم إعطاء «سايكس بيكو» حجماً ومصداقية أكثر من حجمها وأثيرا أكبر من تأثيرها الحقيقي على الوضع الراهن والاضطرابات التي تعاني منها المنطقة.

المصدر | فورين بوليسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى