الأرشيفتقارير وملفات

فى الوقت الذى تتجه انظار العالم الى مكة المكرمة لمتابعة شعائر الحج يقوم محافظ البحر الأحمر بالحجة الصغرى للقطب الصوفي “أبي الحسن الشاذلي”، بجوار مدينة مرسي علم جنوب شرق مصر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وداخلة في الحديث الصحيح: ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ((الجماعة)). وفي رواية أخرى: ((ما أنا عليه وأصحابي))

شهد مقام الصوفي “أبي الحسن الشاذلي”، بجوار مدينة مرسي علم بمحافظة البحر الأحمر جنوب شرق مصر، توافد أكثر من مئة ألف زائر، منذ وقفة عرفات الأحد، من أجل ممارسة ما يعتبره مشايخ الطرق الصوفية “حجة صغرى”، ويصرون على الالتزام بطقوس يوم عرفات، وينحرون الذبائح؛ وينشدون المدائح النبوية.
يأتي ذلك في إطار المشاركة باحتفالات الذكرى السنوية لمولد الصوفي، المتزامنة مع موسم الحج، التي تقام بوادي “حميثرة”، وتشهد إقبال المتصوفين من مختلف محافظات مصر، ودول عربية وإسلامية عدة، لمدة تسعة أيام.
ويقع المقام أعلى جبل حميثرة، ويعتبر “قبلة” للصوفيين، الذين يصرون على زيارته كل عام، وقد رفعوا هذا العام شعار “تحيا مصر”، الذي صكه رئيس الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، على سياراتهم، وتنقلاتهم، وأمتعتهم.

ابو-الحسن-الشاذلى
وبمقتضى هذا الحج، يقصد الزائرون قرية صغيرة بوادي حميثرة تسمى “أبا الحسن الشاذلي”، إذ وافته المنية بذلك الوادي عند مروره به إلى ميناء عيذاب جنوب البحر الأحمر، للذهاب لقضاء الحج، حيث يتوافد الآلاف من المنتمين للطرق الصوفية من كل بقاع الأرض بمشاركة أهالي محافظات وسط الصعيد المجاورة، لحضور مولد القطب الصوفي، بالقرب من ضريحه، ومسجده .
ويصف علماء ما يفعله هؤلاء بأنه بدعة وضلالة وتناقض مع العقيدة الإسلامية، إضافة إلى كونه شركا بالله، فيما ذكرت تقارير إعلامية محلية أن الاحتفال هذا العام شهد حضور قرابة 150 ألف شخص من الطرق الصوفية ومريديهم ومحبي “الشاذلي” بمختلف المحافظات ودول عربية، منها: “المغرب وليبيا وتونس والسودان”.
والمثير للانتباه هذا العام، وفق مراقبين، هو الاهتمام الرسمي الكبير بـ”الحج الأصغر”، إذ قامت الأجهزة الرسمية بتوفير المياه المبردة على سيارات كبيرة تحمل صور رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي وشعار “تحيا مصر”، بحضور محافظ البحر الأحمر والقيادات التنفيذية والسياسية بالمحافظ.
وفي ما شبه البعض ما يحدث بأنه تقليد مماثل لحج الشيعة للأضرحة في النجف وكربلاء بالعراق، في ظل مخاوف من انتشار التشيع بمصر، أعلن محافظ البحر الأحمر، اللواء أحمد عبدالله، حالة الطوارئ القصوى بجميع القطاعات الخدمية لمدينة مرسي علم وإلغاء الإجازات للاحتفال بالليلة الختامية لمولد “أبي الحسن الشاذلي”.
وتم تخصيص دوريات أمنية ومرورية على الطريق من مرسي علم حتى قرية الشيخ الشاذلي مرورا بسيدي سالم لتأمين الزوار وتأمين الطريق مع تواجد سيارات الإسعاف بشكل مكثف، بالإضافة لدعم الوحدة الصحية بالقرية بأطباء من مديرية الصحة في كل التخصصات، وتوفير الأدوية اللازمة، ونقل عشرات الأطنان من مياه الشرب إلى الساحات المنتشرة بجوار الضريح المزار.

طقوسهم طقوس الحج
ويبدأ أتباع الشاذلي شعائرهم، بالوقوف أعلى جبل حميثرة في يوم عرفات، من طلوع الشمس حتى الزوال، تزامنا مع وقوف الحجاج على جبل عرفة، وأداء مناسك الحج والطواف حول الضريح، ويطلقون على شعائرهم “الحج الأصغر”.
ويذكرون أن “الشاذلي” صعد إلى قمة جبل حميثرة للاختلاء والتعبد خلال رحلته إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الجح، لذلك يقضي زوار الشاذلي يومهم بعد صلاة الفجر في صعود الجبل، ويتناوبون على زيارة ضريحه مرددين عبارة: “مدد يا شاذلي”.
وبعد طلبهم المدد يطلقون أمانيهم ودعواتهم، ويبنون ما يشبه البيوت من حجارة الجبل، معتقدين أنهم بهذا العمل يبنون لأنفسهم بيوتا في الجنة.
ثم يكونون حلقات الذكر الليلية في الضريح للصلاة والدعاء، وبعدها ينحرون عددا كبيرا من رؤوس الماشية في أيام المولد، داخل ساحات كل طريقة، إذ يوجد بمحيط الضريح ساحات أقامتها الطرق الصوفية لاستقبال أبنائها في وقت المولد.
وتنظم كل طريقة موكبا يدور حول الجبل، وينتهي عند مقام الشاذلي، ثم تبدأ حلقات الذكر والمديح النبوي.
ويعتبر الزاحفون إلى الضريح أن الطقوس التي يمارسونها ليست شركية، ويقولون إن ماء عيذاب له مذاق ماء زمزم، برغم الشكوى من أن المياه هنالك لا تصلح للشرب أصلا، لكنهم يعتقدون أنها مباركة بعدما غُسل بها “الشاذلي”. وبعد خروجهم من الضريح يرددون: “لبيك اللهم لبيك”.
اتهامات لهم بالشرك بالله
والأمر هكذا، يتهم علماء كثيرون أتباع الطوق الصوفية بالشرك بالله.
ويقول مؤسس ائتلاف أحفاد الصحابة وآل البيت، ناصر رضوان، إن هذه الممارسات تعد نوعا من “حج الضرار”، الذي يجب التصدي له وإيقافه، مؤكدا أن هذه الموالد تمارس فيها طقوس شركية لا تمت إلى دين الإسلام بصلة.
في المقابل، ينفي المنسق العام لائتلاف الطرق الصوفية، مصطفي زايد، هذه الاتهامات، مؤكدا أن ما يحدث هو زيارة الضريح ثم الصعود إلى قمة الجبل “لرؤية المكان الذي كان يصلي ويتعبد فيه سيدي أبو الحسن الشاذلي، كما يعتبره البعض فرصة للتنزه والتقاط صور مختلفة لهم من أعلى الجبل”.
من هو “أبو الحسن الشاذلي”؟
أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، تنسب له الطريقة الصوفية الشاذلية ، وسكن في محافظة الإسكندرية، وقد ولد عام 571 هجريا بقبيلة الأخماس الغمارية، حيث تفقه وتصوف بتونس، وسكن مدينة (شاذلة) التونسية، ونسب إليها، لكنه توفي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب عند توجهه إلى بيت الله الحرام في أوائل ذي القعدة 656 هـجريا.
وتتلمذ أبو الحسن الشاذلي في صغره على يد الإمام عبد السلام بن مشيش، في المغرب، وكان له كل الأثر في حياته العلمية والصوفية.
ثم رحل إلى تونس، وإلى جبل زغوان، حيث اعتكف للعبادة، وهناك ارتقى منازل عالية، كما في الفكر الصوفي، ودرس بها على أبو سعيد الباجي، ورحل بعد ذلك إلى مصر، وأقام بالإسكندرية، حيث تزوج وأنجب أولاده شهاب الدين أحمد وأبا الحسن علي، وأبا عبد الله محمد وابنته زينب.
وفي الإسكندرية أصبح له أتباع ومريدون، وانتشرت طريقته في مصر بعد ذلك، وانتشر صيته على أنه من أقطاب الصوفية في العالم أجمع.
وخلال رحلته إلى الحج، طلب من تلميذه المرسي أبو العباس، أن يحضر فأسا ومقطفا، وحين سأله عن سر إحضارهما، قال الشاذلي مقولته الشهيرة: “عند حميثرة سوف ترى”. وتوفي هنالك، ودفنه تلميذه بعدما حفر له قبره بالفأس التي أحضرها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى