اخبار إضافيةالأرشيف

فى مستنقع الأكاذيب ,لا تطفو سوى الأسماك الميتة

بقلم الأديب الكاتب
السعيد الخميسي
 *  قيل في منثور الحكم : فى مستنقع الأكاذيب , لا تسبح سوى الأسماك الميتة . وفى المجتمعات المتهالكة الآيلة للسقوط , لا يعلو فيها غير الأصوات السيئة  التى تنشر الأكاذيب والفواحش ماظهر منها وما بطن . يقتل مئات المصريين المصلين  الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريمة  فى بيت الله وتتحول أجسادهم الضعيفة إلى جثث هامدة وأشلاء متناثرة ولحوم مفرومة فى جريمة نكراء قلما يحدث مثلها فى تاريخ البشرية . وبدلا من تحديد هوية الجناة الحقيقيين المجرمين الذين لا وطن لهم ولا دين ولا ملة , وفى ثوان معدودات وبدون تحقيق أو تدقيق أو جمع بيانات تفصيلية وموضوعية , يتم إراحة العقول وتلقى الاتهامات هنا وهناك على قوم آخرين لا ذنب لهم  ولا جريمة .  وعندئذ يفرح الجاني الحقيقي والمجرم الأصلي بجريمته ويزداد فيها ويتطلع إلى مزيد من شرب الدماء وفرم اللحوم  طالما أن سهام الاتهام لا تشير إليه لا من قريب ولا من بعيد . فيظل آمنا مستقرا فى مخبأه استعدادا لارتكاب جرائم أخرى . وكان حرى وجدير بالذين يسمون أنفسهم خبراء ومفكرين ومحللين ويخرجون علينا بطلعتهم البهية  حين نصبح وحين نمسي , أن يجهدوا أنفسهم فى البحث والتدقيق ويتعبون عقولهم فى مشقة البحث عن هؤلاء الجناة ومن أين أتوا ولمصلحة من يرتكبون تلك الجرائم . غير أنهم استسهلوا القضية ولم يحكموا بالسوية ولم يفعلوا ولن يفعلوا لأن مهمتهم ليست فضح المجرمين وكشف هويتهم , بقدر ماهى نشر الكذب والتضليل والفاحشة بين المصريين وإقناع الناس بما لايمكن أن يكون صحيحا أو حقيقيا أو موضوعيا . السؤال هو : لمصلحة من الكذب والتضليل وإشاعة الفواحش بين المصريين . ولمصلحة من يهرب الجناة الحقيقيين بجريمتهم وأيديهم ملطخة بالدماء ؟

* إن الكذب والتضليل هما رأس الفواحش . وإذا تطايرت شرارة الكذب العمد لتضليل المجتمع , فإن الحرائق تشتعل لتلتهم الأخضر قبل اليابس . وللحسرة والأسف فإن الذين يقودون سفينة الكذب والتضليل ونشر الفواحش المهلكة بين طوائف المجتمع هم بعض المحسوبين على تيار النخبة المثقفة المخولة فى الأصل بنشر الوعي والعلم  والثقافة بين الناس.  إن المجرم الحقيقي يفرح وينتشي وتطول رأسه عنان السماء عندما يرتكب جريمته , ثم يختبأ وهو مطمئن ومستقر لأنه على يقين أن سهام الاتهام لن تطوله ولن تنال منه شيئا مذكورا . وبهذه الفلسفة الغوغائية الهمجية السطحية يستمر المجرم فى جريمته يقتل ويخرب ويدمر ويفتى بغير ما أنزل الله . ثم يأتى فلاسفة الفضائيات وخبراؤها ونخبتها ومفكروها لكى يتهموا الأبرياء ويبرأوا المتهمين فشلا منهم فى الوصول إلى مخابئ وأوكار الجناة الحقيقيين .  وهذا هو قمة الضلال والتضليل وإشاعة الفواحش بين المصريين . يقول الله عز وجل في سورة النور فى معرض الحديث عن حادثة الإفك ” إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب اليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وانتم لاتعلمون . ”  وإذا أمعنت معي النظر فى لفظ ” يحبون “,  تجدها تعنى مجرد ميل قلبى وهوى نفسي فى إشاعة الفاحشة بين صفوف المؤمنين. فما بالكم بالذين يروجون الفاحشة وينشرونها بل ويمارسونها عيانا بيانا  ليل نهار على مرأى ومسمع من المجتمع….؟ ماذا أعد الله لهم…؟

* والذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى المجتمع لهم صفات محددة يعرفون بها أولها: ” إذ تلقونه بألسنتكم ” فالقران وصفهم بأنهم حمقى لايعقلون لأنهم ينقلون الكلام من لسان إلى لسان دون أن يمر الكلام على الآذان . هل هناك حماقة أكبر من ذلك…؟ هل هناك رعونة أضخم من ذلك..؟ هل هناك جهل متفشي وغباء متحكم أبعد من ذلك…؟ لا تدبر.. لا فكر.. لاعقل… ألسنتهم أمام عقولهم لان ألسنتهم تقودهم إلى مصارعهم. أما عقولهم فهى مغلقة لحين إشعار آخر . فاللسان مصدر التلقى ومركز التفكير ومحل التدبير. هذا  هو منتهى ثقافتهم ومبلغ علمهم. ألسنتهم طويلة لكن عقولهم قصيرة لا تفهم ولا تستوعب ولا تحلل مدلول ومفهوم الكلام . هم خبراء على الورق , وفى الواقع لا يختلفون كثيرا عمن نهب وسرق وقتل .

* ثانيا : ” وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به علم….!” نعم… هذه هى صفتهم الأخرى فالقرآن يصفهم بالجهل والغباء والخواء. ثم تأمل معى لفظ ” بأفواهكم ” فالإنسان يتحدث بلسانه بصفة خاصة وليس بفمه على وجه العموم وفى هذا دلالة على أنهم يفتحون أفواههم عن آخرها للتدليس والتدنيس ولنشر الفاحشة كما تنشر الجراثيم المعدية الأمراض المهلكة بين الناس . ويا ليت شعري لو أنهم يفقهون مايقولون…! لكن للأسف ليس لهم به علم ولا دراية ولا خبرة. هم فقط يفتحون أفواههم لينبعث منها الموبقات وجراثيم العداوة التى تفتك بجسد هذه الأمة وهذه غايتهم وهذا هدفهم … الفساد والإفساد… الضلال والإضلال… العبث بمستقبل البلاد ومصالح العباد. ليس هناك مسلم حقيقى مهما كان مستواه الخلقي والسلوكي يصل به المدى إلى أن يفتح النار على المصلين المسالمين فيرديهم أكواما من الجثث  المقتولة. إن إبليس يستحى أن يفعل تلك الجريمة لبشاعتها .

* ثالثا ” وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيما…! ” نعم… إنهم يحرقون أرض الوطن ويكذبون ويضللون وينشرون الشائعات الكاذبة التى لا أصل لها ولا مصدر لها غير عقولهم الفارغة التافهة التى لا تتقدم إلا إلى الوراء . وهم فى كل ذلك يحسبون أنهم لم يرتكبوا جرما .. ولم يفعلوا معصية .. ولم يطعنوا الوطن بخنجر مسموم فى ظهره..! يحسبون كل ذلك شيئا هينا بسيطا لان الوطن بالنسبة لهم ماهو إلا فندقا للمبيت . إن وجدوا فندقا آخر أفضل خدمة ذهبوا وتركوه .لا يذرفون الدمع مدرارا إلا على مصالحهم الشخصية الذاتية الفردية. على هذا تربوا ومن اجل هذا عاشوا وشربوا وأكلوا وتغوطوا .  إن وطننا قد ابتلى بمثل هؤلاء الذين قدموا الكذب على الصدق , والخيانة على الأمانة , والشائعات على الحقائق الدامغات . ثم يقول عز وجل ” يعظكم الله أن تعودوا لمثله أن كنتم مؤمنين” هو تحذير من الله عز وجل لدجالين كل عصر وكذابين كل دهر أن يتخلصوا من تلك الصفات الذميمة والطبائع الدميمة وان لا يعودوا إليها إن كانوا حقا مؤمنين بالله   مخلصين لأوطانهم  . فتلك الحماقة وهذه الغباوة ليست من صفات الفرد السوى التقى النقى المؤمن بقضيته فى أى عصر من العصور وفى أى زمن من الأزمنة  .

*   سئل أحد الصالحين الحكماء” من السفلة…؟ قال : الذين يبيعون دينهم بدنياهم…! فقيل له : ومن سفلة السفلة…؟ قال : الذين يبيعون دينهم بدنيا غيرهم…! أرأيتم كيف…؟ بالله عليكم هل رأيتم أو سمعتم أو شاهدتم أسفل من ذلك وأحط  ؟ قوم باعوا دينهم ووطنهم وأرضهم بدنيا غيرهم . إنني أناشد تلك النخبة عالية الصوت التى تتحكم فى وسائل الإعلام إلى أن تتحرى الصدق والأمانة بعيدا عن أى أيدلوجيات سياسية ترضى هذا أو ذاك عند تحليل المعلومات , أو نشر بيانات  لأن الصدق أقصر الطرق إلى الحقيقة .وكما يقولون الحقيقة كراكب الجمل لا يمكن إخفاؤها طويلا . ولقد عانت مصر وعان الوطن من  بعض وسائل الإعلام الكاذبة المضللة على مدار السنوات العجاف الخالية . لقد حولوا النكسة إلى انتصار , والصحراء إلى أرض خضراء , والديكتاتورية إلى حرية , والسجون إلى فنادق خمسة نجوم , والغربان والبوم إلى ملائكة أطهار لا  يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . لمصلحة من قلب الحقائق وإشعال الحرائق وعدم مصارحة الشعب بحقيقة مايجرى حوله ؟ إن الشعب فقط هو صاحب الحق فى هذا الوطن , وهو الذى يحمل همه وفقره ومعاناته فوق كاهله , وهو الذى يتحمل الفاتورة ويدفع ثمنها باهظة أضعافا مضاعفة . أليس إذا من حقه أن نصارحه بحقيقة الموقف , ومن الذى يسعى لتخريب الوطن وإراقة الدماء ونشر الفوضى الخلاقة ؟ وطن بلا شعب يفهم الحقيقة , هو بمثابة أرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء . من فضلكم أيها الخبراء والمحللون والمفكرون والإعلاميون : قولوا الحق ولو كان مرا لأن الدواء المر هو الطريق للفكر الحر حيث الشفاء والصحة والعافية . أليس كذلك ؟

اللهم بلغت.. اللهم فاشهد . والله من وراء القصد والنية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى