منوعات

فيضانات وحرائق وطاعون وحتى انهيار الإمبراطورية الآشورية بالعراق، كوارث وراءها التغير المناخي

قال باحثون في نظرية جديدة، إن «الإمبراطورية الآشورية الحديثة» التي كانت قوة عظمى قاهرة تسيطر على الشرق الأدنى على مدى قرابة 300 سنة قبل تقهقرها، وقف خلف صعودها وانهيارها التغير المناخي. 

وليس بعيداً عن فترة ما قبل الميلاد، فقد عزا خبراء حدوث فيضانات عارمة في مدينة البندقية، والحرائق التي اندلعت في أستراليا، بل وانتشار الطاعون في منطقة بالصين هذا الأسبوع إلى التغير المناخي، في حين حذر باحثون من أن الاحتباس الحراري قد يصيب أجيالا قادمة بأمراض تستمر طوال العمر.

ويحمل ارتفاع درجة حرارة الكوكب في طياته مخاطر حدوث نقص غذائي وانتشار أمراض معدية والفيضانات والحرارة الشديدة، وقال الباحثون إنه إذا لم يحدث شيء لتغيير هذا الوضع فإن التداعيات قد تكبل جيلا كاملا بأمراض لا تفارق أفراده طوال حياتهم.

وكان لافتاً ما توصل إليه علماء عن كون التغير المناخي قد مثّل سبباً رئيسياً في انهيار الإمبراطورية الآشورية في عام 912 قبل الميلاد تقريباً، تلك الإمبراطورية التي نمت لتمتد من البحر المتوسط نزولاً إلى مصر، وعرضاً إلى الخليج الفارسي.

ولم يمر وقت طويل بعد موت الملك آشوربانيبال قرابة عام 630 قبل الميلاد، حتى بدأت الإمبراطورية في التضعضع، مع نهب مدينة نينوى الكبرى في 612 قبل الميلاد، ومع نهاية القرن السابع قبل الميلاد، كان انهيار الإمبراطورية قد اكتمل، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، أمس الأربعاء.

ويقول العلماء في دراسة جديدة، إنَّ تبدُّل حظ الإمبراطورية يبدو متزامناً مع تغير شديد في مناخها من الرطب إلى الجاف، وهو تغير قد يكون مصيرياً في إمبراطورية تعتمد على المحصولات الزراعية.

ويقول مُعدُّو الدراسة: «شجَّع ما يقارب قرنين من الزيادة في هطول الأمطار وفي المحصولات الزراعية، على التمدن مرتفع الكثافة والتوسع الإمبراطوري، الذي لم يكن مستداماً عندما تَغيَّر المناخ إلى الجفاف الشديد خلال القرن السابع قبل الميلاد».

وبكلمات أخرى، فمع لعب الحرب الأهلية والتوسع المفرط والهزيمة العسكرية دوراً في انهيار الإمبراطورية، كان من الممكن أن يكون العامل الكامن هو تراجع المحصولات، الذي قاد إلى انهيار الاقتصاد، وإلى مفاقمة الاضطرابات والصراعات السياسية.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن نيكولاس بوستجيت، خبير الحضارة الآشورية من جامعة كامبريدج -الذي لم يشارك في هذه الدراسة- قوله إن من المعقول أن يكون التغير المناخي قد ساعد على القضاء على الإمبراطورية. 

وأضاف: «لا نملك تفسيراً أفضل لما حدث للإمبراطورية الآشورية خلال تلك الأوقات»، مضيفاً أن هناك ندرة في السجلات المكتوبة في الفترة ما بين 645 قبل الميلاد ونهب نينوى.

ولدراسة التأثير المحتمل للمناخ، حلل فريق من العلماء عينتين من الرواسب الكلسية المأخوذة من كهف «كونه با» في شمال العراق، لفحص نِسب نوعين مختلفين من ذرات الأكسجين، تُعرف بالنظائر داخل الرواسب المعدنية المتكونة من تدفق المياه إلى الكهف. وتكشف هذه النسبة مستويات هطول الأمطار.

وجمع الفريق النتائج باستخدام تقنية التأريخ بعنصر الثوريوم-230، ليكشفوا أنه بين 925 و550 قبل الميلاد، كانت هناك مرحلتان مختلفتان في المناخ: 

المرحلة الأولى الممتدة حتى عام 725 قبل الميلاد تقريباً، والتي كان مناخها يتميز بأنه أرطب من متوسط الظروف المناخية.

وبالفعل، يقول الفريق إن الفترة ما بين 850 و740 قبل الميلاد كانت الأرطب على مدى 4 آلاف سنة والتي تكشفها الرواسب، وهي الفترة التي تتوازى مع توسع الإمبراطورية الآشورية الحديثة.

أما المرحلة الثانية فتتميز بالجفاف المتزايد، وهي ما بين 675 و550 قبل الميلاد، أي في أثناء انهيار الإمبراطورية الآشورية الحديثة، حيث وقعت المنطقة في قبضة جفاف شديد.

وقال أشيش سينها، من جامعة كاليفورنيا، وهو عالم متخصص بالمناخات القديمة والمُعِد الرئيسي لهذه الدراسة، إنه في الفترات التي كانت الإمبراطورية الآشورية الحديثة واسعة الانتشار فيها، «تُظهر النماذج الحاسوبية وبيانات هطول الأمطار الحديثة أن كثيراً منها كان سيتأثر بظروف مماثلة لظروف كهف كونه با».

وأضاف: «إذا واجهت هذا الجفاف الحاد والشديد، فإنه يميل إلى التأثير على منطقة أوسع كثيراً من موقع واحد».

وعلاوة على ذلك، فقد كشفت بيانات الأقمار الصناعية الحديثة أن إنتاجية المحصولات في شمال العراق حساسة للغاية تجاه التغيرات الصغيرة في معدل هطول الأمطار، عندما تكون المستويات منخفضة، وأنها تنخفض بسرعة في المنطقة بأكملها خلال فترات الجفاف.

واستنتج الباحثون بورقتهم المنشورة في دورية Science Advances، أن الاتجاه إلى الجفاف الشديد قد يكون حمل أثراً مدمراً على المجتمع. 

وقالوا إن الأزمات الحديثة تدعم وجهة نظرهم، مشيرين إلى موجات الجفاف الشديدة بين عامي 1999 و2001، وبين 2007 و2008 والتي أدت إلى إخفاقات حادة في المحصولات الزراعية ووفاة الماشية وإشعال أزمات اجتماعية بشمال العراق.

وقال العالم سينيها، إنه «في القرن العشرين، قد يتفوق التأثير البشري على المناخ على التباين الطبيعي. وهذا هو سبب اعتقادنا أن شدة حالات الجفاف الحديثة تقارب أو تفوق قليلاً شدة حالات الجفاف التي وقعت في عام 600 ق.م».

أما جيمس بالديني، خبير تحليل الرواسب الذي لم يشارك في الدراسة، فقال إنها (الدراسة) لم تدع مجالاً للشك في أن الإمبراطورية الآشورية الحديثة استمتعت بغزارة الأمطار، والتي أعقبتها موجة جفاف شديدة.

وأضاف: «على الرغم من أن حالات الانهيار تلك كانت بلا شك، ذات عوامل متعددة، وهو ما أجمع عليه مُعدو الدراسة، فإنني أتفق معهم على أن الجفاف كان محفزاً مؤكداً تقريباً لسقوط الإمبراطورية»، مشيراً إلى أن أنماطاً مناخية مشابهة حدثت خلال نمو وانهيار حضارة المايا القديمة قرب نهاية الألفية الأولى.

وأشار قائلاً أيضاً: «لقد نما عدد السكان بالتوازي مع كمية الأمطار ووفرة الطعام، لكن بمجرد تخلي الأمطار عن تلك المناطق فترات طويلة من الزمن، تسبب ذلك في مجاعة وعدم استقرار سياسي وحروب أهلية وغزو أجنبي».

وأضاف بالديني أن الماضي قد يحمل دروساً مهمة للحاضر، إذ يدفع استخدام الوقود الأحفوري إلى التغير المناخي.

وقال: «كشفت دراسة حديثة أن الجفاف الشديد هو السبب الكامن خلف الحرب الأهلية السورية، وأنه من الواضح على نحوٍ متزايد أن الهجرة من الساحل الإفريقي جنوب الصحراء الكبرى مدفوعة بالجفاف»، مضيفاً: «نأمل أن نتعلم من التاريخ، وأن نواجه التحديات التي يطرحها التغير المناخي بطريقة أفضل من الحضارات السابقة».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى