تقارير وملفات إضافية

في حال ثبوت ملء إثيوبيا لسد النهضة.. هل لدى مصر خيارات فعالة أم لم يعد هناك بديل للعمل العسكري؟

جاء إعلان إثيوبيا بدء ملء سد النهضة رسمياً ثم نفيها هذه التصريحات، ليؤشر على أن لحظة الحسم قد اقتربت بالنسبة لملف الخلاف حول مياه النيل، فماذا ستفعل مصر، في حال ثبوت قيام إثيوبيا ببدء ملء سد النهضة رسمياً؟

 وأعلن وزير الري الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، الأربعاء 15 يوليو/تموز، البدء في عملية تعبئة سد النهضة، رغم تعثر الاتفاق مع كل من مصر والسودان حول المشروع المثير للجدل، بسبب مخاوف من تأثيره على حصة البلدين.

ثم سرعان ما نفي وزير الري الإثيوبي، أن الحكومة بدأت في ملء سد النهضة الإثيوبي.

وصرح الوزير لوكالة أسوشيتد برس بأن الصور التي نشرتها وكالة “رويترز”، للمياه المخزن خلف السد عكست الأمطار الغزيرة وأن التدفق كان أكبر من التدفق الطبيعي، وليست ملئ للسد.

في المقابل، أصدرت وزارة الري والموارد المائية السودانية، الأربعاء 15 يوليو/تموز، بياناً رسمياً تناقلته وكالة الأنباء الرسمية في البلاد ووكالة رويترز، كشفت فيه عن تراجع في مستويات المياه، بما يعادل 90 مليون متر مكعب يومياً، ما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة.

الوزارة السودانية، وفق البيان، جدَّدت رفضها لأية إجراءات أحادية الجانب، في ظل جهود الاتحاد الإفريقي ورئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، للتوصل إلى توافق ما بين الدول الثلاث.

و قال السودان في البيان: “تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية معلومات وصور ملتقطة بالأقمار الصناعية، تشير إلى بدء إثيوبيا في ملء سد النهضة بالمياه قبل التوصل لاتفاق حول الملء الأول والتشغيل”.

أضاف: “وطلبت وزارة الري والموارد المائية من أجهزتها المختصة بقياس مناسيب النيل الأزرق التحري عن صحة هذه المعلومات. واتضح جلياً من خلال مقاييس تدفق المياه في محطة الديم الحدودية مع إثيوبيا، أن هناك تراجعاً في مستويات المياه بما يعادل 90 مليون متر مكعب يومياً، ما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة”.

وسبق أن قال رئيس الوزراء الإثيوبي، إن خلاف بلاده مع مصر حول تشغيل وفترة ملء سد النهضة “سيُحَل في البيت الإفريقي”، وقال نصاً: “لن نضر بمصر، وسنبدأ ملء السد للاستفادة من موسم الأمطار الغزيرة، لن نحرم مصر من الماء، وسنتوصل لاتفاق قريباً”.

وقال بيان صادر عن وزارة الري الإثيوبية: “اختُتمت اليوم 13 يوليو/تموز 2020 المحادثات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي التي استمرت على مدار 11 يوماً برعاية الاتحاد الإفريقي وبحضور وزراء المياه من الدول الثلاث وممثلي الدول والمراقبين، بهدف التباحث حول اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة”.

وقال الوزير الإثيوبي: “في نهاية الاجتماع، اتفق الوزراء على قيام كل دولة برفع تقريرها النهائي عن مسار المفاوضات، غداً إلى دولة جنوب إفريقيا، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، تمهيداً لعقد القمه الإفريقية المصغرة”.

 اللافت أنه في إعلان إثيوبيا بدء ملء السد وحتى قبل نفيه فإن الوزير الإثيوبي قال إن هذه المرحلة التي وصل إليها سد النهضة في إثيوبيا، تُمكن من بدء عملية التخزين الأوَّلي المقدر بـ4.9 مليار متر مكعب، مما يجعل هذا الإعلان حتى في نسخته الأولى حمّال أوجه بحيث يحتمل سيناريوهين: أن بدأت العملية فعلية للملء، أو أن السد أصبح مستعداً لعملية الملء ولكنها لم تبدأ بعد.

وقال بيكيلي إن ما وصلت إليه أعمال البناء في السد يتيح بدء ملء بحيرة السد، بشكل طبيعي، قائلاً إن المفاوضات التي اختُتمت بين الدول الثلاث؛ إثيوبيا والسودان ومصر وبحضور مراقبين وخبراء أفارقة، شهدت اتفاقاً حول بعض النقاط.

وقد يكون هذا الخطاب المزدوج حمَّال أوجه، بهدف ألا تقطع إثيوبيا على نفسها خط الرجعة في حال قيام مصر بالتصعيد، وهو أسلوب اتبعته أديس أبابا منذ بداية الأزمة، حيث تتقلب مواقفها من التهديد والوعيد إلى تأكيد عدم الرغبة في الإضرار بمصر والعودة إلى المفاوضات التي يبدو واضحاً أن هدفها كسب الوقت وتبريد الموقف المصري بينما تواصل هي العمل الميداني.

وأشار الوزير الإثيوبي إلى أن بلاده تحفظت على بعض النقاط، مضيفاً أن عمليتي بناء وتعبئة سد النهضة تسيران بشكل طبيعي.

ويأتي ذلك ، في ظل تعثر أكثر من جولة مباحثات مع مصر والسودان، حول عدد من الجوانب الفنية والقانونية المرتبطة بالمشروع.

ويوم الثلاثاء، أرسل السودان تقريره النهائي إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي، بشأن مفاوضات سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا، عقب ختام المفاوضات التي استُهلت في الثالث من يوليو/تموز الجاري واستمرت حتى 13 يوليو/تموز، تحت رعاية الاتحاد الإفريقي.

وشمل التقرير النهائي تقييم السودان لهذه الجولة من المفاوضات، حيث تمت الإشارة إلى التقدم المحدود في القضايا العالقة، كذلك شمل التقرير مقترحات من جانب السودان لحل تلك القضايا.

في غضون ذلك، يُتوقع أن يدعو رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، بصفته رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، إلى قمة إفريقية مصغرة من رؤساء دول المكتب الإفريقي ورؤساء دول وحكومات الدول الثلاث؛ للنظر في الخطوة القادمة؛ سعياً لتوقيع اتفاق شامل يُرضي طموحات الدول الثلاث.

 ويثير هذا الإعلان تساؤلاً مُلحاً، ثم التراجع عنه هو: ماذا ستفعل مصر، بعد ثبت قيام إثيوبيا ببدء ملء سد النهضة رسمياً؟

وما هي الخيارات المتاحة أمام مصر، بعد تضاؤل فرص الحل السياسي، خاصة في حال إعلان إثيوبيا بدء ملء سد النهضة رسمياً وبشكل نهائي، ما سيضع الحكومة المصرية في موقف حرج داخلياً وخارجياً، خاصة أنها أعلنت أكثر من مرة عن عدم قبولها بدء ملء خزان السد قبل التوصل إلى اتفاق نهائي ترتضيه الدول الثلاث؟

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، الإثنين الماضي، إن أجهزة الدولة كافة تعمل للدفاع عن مصالح مصر، بعد انتهاء الجولة الحالية من مفاوضات سد النهضة، التي يرعاها الاتحاد الإفريقي، دون التوصل إلى توافق.

وأوضح أن أجهزة الدولة كافة ستظل تعمل بمنتهى العزيمة للدفاع عن مصالح مصر وفق القانون الدولي.

واعتبر الوزير أن الجانب الإثيوبي تراجع عن تفاهمات تم التوصل إليها خلال اجتماعات واشنطن حينما كانت الولايات المتحدة راعية لمفاوضات سد النهضة.

وسبق أن قال مصدر دبلوماسي مصري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”عربي بوست”، إن الاتحاد الإفريقي سيرفع تقريراً بتفاصيل جولة المفاوضات الحالية، إلى مجلس الأمن الدولي، الذي سيعيد مناقشة القضية لاتخاذ قرار بشأنها.

وكشف المصدر أن مصر سوف تضغط من أجل تحويل القضية إلى محكمة العدل الدولية للبتّ فيها، باعتبارها تمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليَّين، وقال: “هذا التصرف يمثّل صفعة للجانب الإثيوبي، الذي يرفض تدويل القضية؛ نظراً إلى ضعف موقفه”.

من جانبه، رأى الدكتور محمد نصر علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، أن موقف الاتحاد الإفريقي غير واضح وغير مبشِّر، خاصة في ظل تعنُّت الجانب الإثيوبي وعدم اتخاذ موقف إفريقي تجاه هذا التعنت، مُلمحاً إلى وجود شبهة انحياز من جانب دولة جنوب إفريقيا التي تترأس الاتحاد الإفريقي حالياً، إلى إثيوبيا.

وأوضح علام في تصريحات سابقة، أن الاتحاد الإفريقي ستكون أمامه عدة خيارات في حال إخفاقه بشكل كامل، في تحقيق تقدم بالمفاوضات، منها تحويل القضية إلى إحدى اللجان الخاصة التابعة للاتحاد الإفريقي؛ وذلك لاستمرار التفاوض، مثل لجنة الأمن والسلم أو لجنة الحكماء، وهذا غير مفيد لمصر أو السودان، فهو استمرار لإضاعة الوقت، أما الخيار الأفضل لمصر فهو إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي مرة أخرى، والذي يحيلها بدوره في حالة التعنت الإثيوبي إلى محكمة العدل الدولية.

ويرى الوزير الأسبق أن هذا الخيار ترفضه إثيوبيا بشكل كامل؛ لأنه يضعها أمام مسؤولياتها، ولا يدع لها مجالاً للمماطلة وكسب مزيد من الوقت، خاصةً أن موقفَي مصر والسودان هما الأقوى من الموقف الإثيوبي، الذي لا يعتمد على أسس قانونية سليمة، وإنما يريد أن يفرض سياسة الأمر الواقع، من خلال استدراج مصر والسودان إلى مزيد من المفاوضات العبثية، وكسب مزيد من الوقت حتى يكتمل بناء السد.

وحول الخيارات القانونية والدبلوماسية التي لا تزال أمام مصر، والخيارات الأخرى التي قد تلجأ إليها، قال علام: “الخيارات الدبلوماسية والقانونية تنتهي الآن في ظل استمرار التعنت الإثيوبي، وأمام مصر أوراق أخرى تستطيع اللجوء إليها، ولكنها لا تعلن عنها”.

واستبعد المصدر الدبلوماسي المصري أن تلجأ “القاهرة” إلى الحل العسكري مباشرة، في حال فشل المفاوضات الجارية حالياً بشأن سد النهضة، والتي يُشرف عليها الاتحاد الإفريقي، وشدَّد على أنَّ مصر لن تلجأ إلى الخيارات العسكرية إلا إذا استنفدت كل الجهود الدبلوماسية والسياسية والقانونية، مؤكداً أن المعركة الدبلوماسية والسياسية لم تنتهِ حتى الآن.

وأشار المصدر إلى أن مصر غير مضطرة إلى الحل العسكري حتى الآن، لأن حقوقها المائية مصونة وفق القانون الدولي،؛ ومن ثم فإن موقفها التفاوضي ما زال هو الأقوى أمام كل المنظمات والقوى الدولية، التي توسطت لحل الخلافات طوال الفترة الماضية.

فالولايات المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، ثم الاتحاد الإفريقي، يرون أن مصر مرنة، وقدّمت كل التسهيلات من أجل عدم عرقلة إنشاء أو تشغيل سد النهضة، وأن الجانب الإثيوبي هو الذي اتبع سياسة المماطلة والعرقلة، لأن لديه نوايا أخرى لم يعلن عنها حتى الآن.

وأقرّ المصدر في تصريحه السابق لـ”عربي بوست”، بأن عدم اللجوء إلى الخيار العسكري حالياً ليس معناه استبعاد هذا الخيار نهائياً، مشيراً إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري، قال في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، قبل أسبوعين، بشأن أزمة سد النهضة، إن “الدفاع عن البقاء ليس محض اختيار”.

وشدَّد على أن مصر خلال السنوات الأخيرة، أنفقت مليارات الدولارات من أجل امتلاك الإمكانات كافة، وأحدث الأنظمة العسكرية المتطورة.

كما أنشأت العديد من القواعد العسكرية داخل حدودها، وأبرزها قاعدة “برانيس”، التي تقع في أقصى الجنوب الشرقي للحدود المصرية، والتي تمثل أقرب نقطة عسكرية مصرية من الحدود الإثيوبية.

وأشار المصدر الدبلوماسي في حديثه لـ”عربي بوست”، إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحركات مصرية مكثفة، لإعادة تحالفاتها القوية مع عديد من دول العالم، خاصةً الدول الإفريقية المجاورة لإثيوبيا، والتي تربطها علاقات استراتيجية تاريخية مع الدولة المصرية مثل جنوب السودان، وإريتريا.

واعتبر أن زيارة الرئيس الإريتري لمصر مؤخراً، تأتي في إطار هذه التحركات التي تهدف إلى تطويق الحدود الإثيوبية، فضلاً عن التقارب الواضح لأول مرة بين موقفي السودان ومصر من أزمة سد النهضة، وهو نتاج تحركات قوية في هذا الاتجاه.

وتتباين القدرات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير لتكون في صالح مصر، ولكن فيما يتعلق بالقدرات البشرية، فإن إثيوبيا أكثر سكاناً، إذ تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد السكان بإفريقيا تليها مصر في المرتبة الثالثة.

من الناحية الاقتصادية، يبلغ إجمالي الناتج المحلي المصري -وفقاً للقيمة الاسمية- 302 مليار دولار مقابل 91.66 مليار دولار لإثيوبيا، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2019، أي إن الناتج المحلي المصري 3 أضعاف الإثيوبي.

وتصنف عديد من التقديرات الجيش المصري كتاسع أقوى جيش في العالم، ويراه البعض أقوى جيش بالشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، فإن الفجوة بين البلدين التي نراها في الاقتصاد والتعليم تزداد حدتها بالجوانب العسكرية.

فالجيش المصري جيش شرق أوسطي، يتسم كعديد من جيوش هذه المنطقة بأن عدد أفراده كبير، كما يمتلك أعداداً كبيرة من الدبابات والطائرات والعربات المدرعة (عامة تُعتبر جيوش كثير من دول الشرق الأوسط من أكبر الجيوش عدداً بالنسبة للسكان، كما ترتفع نسب امتلاكها للدبابات على غرار الجيشين التركي والإسرائيلي، وكذلك العراقي والسوري قبل الأزمات التي تعرضا لها).

فهناك فارق هائل بين الجيشين  لصالح مصر، ولكن هل يعني ذلك أن القاهرة تستطيع معاقبة إثيوبيا على تجاهل مطالبها في مسألة سد النهضة وشن حرب عليها أو قصف السد؟

الواقع أن الحروب ليست مجرد إحصاءات عن فارق القوة بين الجيوش، ولكن الأمر أعقد من ذلك بكثير.

المؤثر الأول في أي صراع بين البلدين هو الجغرافيا، لا توجد أي حدود مشتركة بين البلدين؛ ومن ثم لا تستطيع مصر استخدام قواتها البرية الضخمة ضد أديس أبابا، إلا عبر عمليات إنزال جوي ضخمة، وهو أمر لا تستطيعه سوى دول قليلة في العالم، غالباً هي الولايات المتحدة وبصورةٍ أقل روسيا.

البديل الثاني هو عملية عسكرية عبر الحدود السودانية، وهو ما يعني توريط السودان في الحرب.

والسودان أبدى رغبة واضحة في عدم التصعيد مع إثيوبيا، ورفض توجُّه مصر إلى مجلس الأمن رغم تحرشات أديس أبابا العسكرية به.

كما أن إثيوبيا واحدة من أعقد البلدان جغرافياً في العالم، وتتكون من هضاب ضخمة وسلاسل جبال وأودية تقلل من فاعلية المدرعات بشكل كبير، وتعطي أفضلية لصاحب الأرض الذي يستطيع استغلال الجغرافيا التي يعرفها جيداً، خاصة في حروب العصابات التي تخسرها عادةً الجيوش النظامية.

كما أن الشعب الإثيوبي محارب، والنظام مركَّب، إذ يعتمد إضافة إلى الجيش على سلسلة من الميليشيات المرتبطة بالنظام، وهو الأمر الذي يجعل شكل الحرب معه معقداً، كما فعل مع السودان مؤخراً.

تبعد إثيوبيا عن مصر أكثر من ألف كيلومتر مما يجعل استخدام الطائرات لتنفيذ غارات جوية على السد مسألة معقدة.

إذ إن أقرب قاعدة مصرية لإثيوبيا تبعد عن سد النهضة نحو 1500 كم، ولا تمتلك القاهرة سوى عدد قليل من الطائرات القادرة على الوصول إلى إثيوبيا، منها طائرات رافال الفرنسية التي يبلغ نصف قطرها القتالي 1800 كم، إضافة إلى نحو 12 مقاتلة من طراز إف 16 بلوك 52، ولا تمتلك مصر طائرات تزود بالوقود.

ورغم أن الرافال قادرة على تزويد نظيراتها بالوقود فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة محدودة في مداها.

وهناك غموض حول كيفية حماية إثيوبيا للسد، إذ إن معظم نُظمها الجوية قديمة، ولكن يُعتقد أنه محمي بنظام بانتسير الروسي الحديث نسبياً.

وهي منظومة متوسطة المدى مضادة للطائرات والصواريخ الكروز والطائرات من دون طيار، إلا أن الشكوك حامت حول قوة وكفاءة المنظومة بعد تدمير الطائرات المسيَّرة التركية للمنظومة في ليبيا وسوريا عدة مرات.

ولكن يظل بُعد المسافة وقلة الطائرات المصرية القادرة على الوصول لإثيوبيا أمراً يزيد صعوبة أي محاولة مصرية لقصف السد، خاصةً أن طائرات السوخوي 27 الإثيوبية رغم قدمها وتأخرها في مجال الإلكترونيات والرادارات مقارنة بالرافال والـ”إف 16 بلوك 52″ فإنه تظل لديها قدرات مميزة بمجال القتال الجوي التلاحمي، في مقابل أن الطيارين المصريين سيكون عليهم أن يقاتلوا بعيداً عن قواعدهم.

كما أن افتقاد مصر وجود طائرات تزوَّد بالوقود يجعل المهمة محفوفة بالمخاطر، إذ سيكون من الصعب على الطائرات المصرية الاشتباك لوقت طويل مع أي طائرات معادية؛ حتى لا ينفد وقودها.

وقد يكون الحل بالنسبة لمصر تنفيذ ضربة مباغتة، وهو أمر لا يمكن ضمانه في ظل احتمال تلقِّي إثيوبيا معلومات عن الغارة المصرية من قِبل بلد مثل إسرائيل أو أي قوة عظمى لديها أقمار صناعية وقدرات استطلاع وتجسس متقدمة.

وحتى لو تمكنت مصر من التغلب على الصعوبات الفنية في عملية قصف السد، فإن التبعات السياسية كبيرة، فأي عملية تعني عبور أجواء السودان، الذي يحاول تجنب مواجهة مع إثيوبيا.

كما أن من شأن أي عملية، جلب انتقادات دولية لا سيما إفريقية، كما أن إثيوبيا تحظى بتعاطف لدى الرأي العام الغربي في ظل صعود موجة رفض عارمة للعنصرية ضد السود، ويلاحَظ صعود موجة تعاطف بين عدد من النواب السود في الكونغرس الأمريكي، تحاول تصوير الصراع على أنه تنمُّر من دولة عربية بيضاء على دولة إفريقية تحتل مكانة خاصة لدى السود في العالم باعتبارها أقدم حضارة إفريقية سوداء.

كما يعتز الأفارقة في العالم بأن إثيوبيا هي القوة الإفريقية السوداء الوحيدة التي هزمت قوة أوروبية كإيطاليا في معركة العدوة الشهيرة بنهاية القرن التاسع عشر، إضافة إلى المكانة التي اكتسبتها إثيوبيا باعتبارها معقل المسيحية في إفريقيا لدى الغرب (علماً أنه يُعتقد أن أغلب سكانها مسلمون رغم الهيمنة المسيحية).

ولكن يظل خيار العمل العسكري بقصف السد رغم صعوبته الشديدة، وتداعياته الضخمة ليس مستبعداً بالنسبة لأي صانع قرار مصري، في ظل التعنت الإثيوبي واستغلال أديس أبابا كل العوامل السابقة لتجاهل مطالب مصر والسودان، وتعاملها مع النيل باعتباره ملكاً إثيوبيّاً خالصاً، وهو الأمر الذي يعرّض البلدين لخطر وجودي، وفي ظل توقُّع أن مجلس الأمن لن يغير من الأمر شيئاً.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى