آخر الأخبارالأرشيف

“قافلة العودة النوبية”.. ثورة مصر القادمة من الجنوب

فور برس

تحت مسمى “قافلة العودة النوبية”؛ تجمع العشرات من أهالي النوبة، من مختلف القرى والمحافظات، قبل أن يستقلوا نحو 25 ميكروباص وحافلة، للتوجه إلى منطقة توشكى، بغرض التعبير عن اعتراضهم على قرارات الدولة، بشأن مشروع المليون ونصف المليون فدان، التابع لشركة الريف المصري، الذي يتضمن بيع أراض، من بينها “توشكى” وقرية فور قندي النوبية.

وبعد أن قطعوا نحو 30 كيلومترًا؛ فوجئوا بقوات أمن تمنعهم من المرور، بعد أن أخبروهم بعدم إمكانية عبورهم إلى وجهتهم، ما أدى إلى تفاقم موجة الغضب، التي اعترت أهالي النوبة، وتباحثوا بينهم، قبل أن يفترشوا الأرض، متخذين قرار الاعتصام في المكان؛ لحين السماح بفتح الطريق لهم، أو تحقيق مطالبهم.

يُشار إلى أن أزمة النوبيين، ظلت تخفت حينًا وتتصاعد حينا، في صورة احتجاجات متفرقة، حتى جاء الدستور الأخير بالمادة 136، التي تقضي بحق النوبيين في العودة لأراضيهم، التي هجروا منها وقت بناء السد العالي، في مدة لا تتعدى 10 سنوات، منذ إقرار الدستور في يناير 2014.

النوبة

المفهوم الأمني الخاطئ

في مقال له بعنوان “لمن يريد أن يفهم مشكلة النوبيين”، قال مدير عام آثار أسوان، أحمد صالح: “النوبيون دعاة انفصال!، النوبيون دعاة تدويل!، هذا هو المفهوم الأمني للتعامل مع النوبيين المصريين، وهي دائما مطرقة للدق على أعناق النوبيين كلما طالبوا بحقوقهم، ومنذ أكثر من ستين عاما وهذه هي التهمة الموجهة إلى النوبيين، كلما فكروا في المطالبة بحقوقهم، ومما يؤسف له أن الرأي العام دائما ما يلتقط هذا الطعم الأمني، وتبدأ حملات مضادة ضد النوبيين، تتهمهم بالخيانة والعمالة وتفتيت الوطن، والأكثر مدعاة للأسف أن الإعلام المصري يتلقي الاتهامات من أجهزة أمنية، ودون أن يفكر في فحصها، فإنه يكررها كالببغاء”.

أضاف: “وهنا تكمن المشكلة أن الرأي العام والإعلام المصري، ليس لديهما دراية بجزء من الشعب المصري، وهم نوبيو مصر، ولا يعرفون ما هي الحقوق التي ينادي بها النوبيون، منذ أكثر من قرن، ومن أجل معرفة الحقوق النوبية سنعطي مثالا لجزء من الشعب المصري، كانت له نفس الحقوق ونفس المطالبات، وحصل عليها دون اتهامه بالتخوين والعمالة”.

وتابع: “وهذا المثل أهل مدن القناة، الذين تم تهجيرهم من مدنهم وقراهم، بسبب الحرب التي دارت بين مصر وإسرائيل، وعندما انتهت الحرب طالب أهل القناة بالعودة إلى مدنهم وقراهم، وحققت لهم الدولة مطالبهم كاملة، وعوضتهم عن فترة التهجير، ولم يزعم أحد أن أهل القناة دعاة انفصال أو تفتيت، للمناداة بحقوقهم، ولم تبخل الدولة عن تعويضهم زمن الهجرة، وملكت لهم الأراضي والبيوت التي هجروا إليها، كما أعادت تشييد المناطق التي هجروا منها”.

وهنا يبقى السؤال: ما الفرق بين أهل مدن القناة وأهل النوبة؟ لن تجد فارقا بين المشكلتين، أهل النوبة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهم يعانون من فيضان النيل، الذي كان يدمر مزارعهم وبيوتهم، ولم يفكر أحد في مساعدتهم أثناء فترة الفيضان من كل عام، ولمدة خمسين سنة، وفي هذه الفترات كان النوبيون ينقلون بيوتهم علي حسابهم الخاص ويعيدون استصلاح أراض جديدة، ولم يفكر النوبيون طوال هذا الزمن في الانفصال أو تفتيت الوطن.

حال النوبيون

مدير عام آثار أسوان، أكد أنّ النوبيين تجرعوا الآلام بسبب وطنيتهم، وقبولهم الهجرة لمشروع قومي يفيد مصر كلها، وهو مشروع بناء السد العالي، وصدقوا وعود الحكومة بأن الأراضي التي سيهجروا إليها لن تختلف عن موطنهم القديم، ونقلوا بطريقة مهينة سجلها التاريخ، ولن يغفر لمن قاموا بإدارة هذا التهجير المهين، ووجدوا أنفسهم مهجرين إلى أراض صحراوية، لم يكتمل بناء بيوتها، وعاشوا لأكثر من سنة في خيام كاللاجئين، حتي تكتمل بيوتهم.

أضاف: “وعاني النوبيون في موطن التهجير الجديد، في كانتونات محاطة بتقاليد وعادات تختلف عنهم، وتحولت مشكلة التهجير إلى أزمة نفسية، بعد أن رأى النوبيون أنفسهم وهم يفقدون العادات تلو الأخرى، والتقاليد واللغة والموسيقي والفلكلور الخاص بهم، ولم يجدوا من الحكومات المتعاقبة أي مساعدة، ووضعوا لأنفسهم حلولا أهلية يستطيعون بها أن يحافظوا على تراثهم، والمشكلة الأعمق أن الأقارب في التهجير، أبعدتهم الحكومة إلى قرى في محافظات عدة، كأسوان وقنا”.

وتابع: “ومنذ عام 1964 ومشاكل النوبيين تزداد في مناطق المهجر، فغالبية القرى النوبية لم يعد بها امتداد أفقي، لكي يبني النوبيون مساكنهم، وأعدادهم تتزايد بشكل كبير، والبطالة ترتفع لعدم وجود فرص عمل للشباب، ووصلت نسبة البطالة بينهم إلى 80%، وكل الحكومات المتعاقبة لم تفكر في حل مشاكل النوبيين الجديدة، وتصدى الأمن لملف النوبة، حين يتم الحديث عن عودة النوبيين إلى بلادهم القديمة”.

سبب الأزمة

وفق مشروع المليون ونصف المليون فدان، الذي طرحه عبد الفتاح السيسي للاستثمار في مصر، تم عرض أراضٍ في مناطق النوبة، لبيعها بالمزاد العلني إلى جانب الأراضي الأخرى.

وفور تناهي الخبر إلى أبناء النوبة، هرع العشرات من المواطنين إلى قطع طريق “أبو سمبل -أسوان” السبت الماضي 19/11/2016، احتجاجا على اعتراض قوات الأمن قافلتهم، التي نظموها للمرة الثانية، متوجهين إلى منطقتي توشكي وخورقند، رافضين طرح أراضيهم للبيع، ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان؛ ومؤكدين مجددا أحقيتهم بتلك الأراضي “المميزة”، التي تقع على بحيرة ناصر.

وخلال تظاهراتهم، رفع المشاركون شعارات ولافتات، نددوا فيها بالاتجاه الحكومي لبيع “أرضهم التاريخية” بالمزاد العلني، ودونوا على اللافتات المرفوعة شعارات “توشكي نوبية – النوبة ليست للبيع – على الدولة احترام المادة 236 من الدستور”. وأصدرت القافلة بيانا، طالبت فيه برفع طرح أراضي خورقند من كراسات الشروط المطروحة للمزاد العلني، وإعطاء الأولوية لتمليك باقي أراضي مشروع توشكي لشباب الخريجين من أبناء محافظة أسوان، كما طالب البيان بسرعة ترسيم حدود القرى النوبية.

ولدى تجمع المئات من أبناء النوبة في أسوان، رافعين مطالبهم إلى الجهات الحكومية، وبعد مرورهم من “كمين” مطار أسوان، وعند الكيلو 40 بطريق “أسوان – أبو سمبل” السياحية، تصدى كمين أمني مسلح بالمصفحات وسيارات الشرطة والأمن المركزي للمسيرة “النوبية”، مانعا مرور القافلة؛ ما دفع المشاركين إلى النزول من سياراتهم، في مسعى من جانبهم لإقناع قوات الأمن بإفساح الطريق لهم للمرور، غير أن تعليمات عليا صدرت بعدم السماح للقافلة بإكمال سيرها، وتحت أي ظرف من الظروف، وهنا، بدأ الموقف في التأزم، حيث جاء الرد على الرفض الأمني بقطع الطريق في الاتجاهين، وافترش المئات الطريق.

وما ضاعف حدة الأزمة، ذلك الخلاف الذي طرأ بين أبناء محافظة أسوان أنفسهم، حيث شرع أعضاء برلمان المحافظة الحدودية، والقريبة من شمال السودان، في طلب تخصيص 12 ألف فدان من أراضي توشكي للنوبيين بنسبة ثابتة، على أن تقسم باقي الأراضي على جميع أبناء المحافظة.

لكن المقترح البرلماني أثار غضب القبائل العربية، ووصفوا تلك التوصيات بأنها تمثل ظلما لأبناء القبائل، الذين يمثلون 92% من سكان أسوان، وعقدت القبائل العربية اجتماعا، أوصوا فيه برفض أي قانون أو تشريع، يتضمن تمييزا بين أبناء محافظة أسوان، كذلك رفض ما تم الاتفاق عليه بين نواب البرلمان عن المحافظة بشأن تقسيم أراضي توشكي على أساس عرقي، وأن تتم عمليات توزيع الأراضي على أساس المواطنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى