آخر الأخبارالأرشيفتقارير وملفات

قانون “من أين لك هذا”؟ ومسرحية المحكمة الجنائية الدولية

بقلم الخبير السياسى والمحلل الإقتصادى

دكتور صلاح الدوبى

الأمين العام للمنظمة

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا

رئيس اتحاد الشعب المصرى

كنت أقرأ كتاب عن التجارب النووية الفرنسية قبيل الاستقلال، ولم أكتف بهذا، لكنني ذهبت إلى الشبكة العنكبوتية وخاصة اليوتيوب لمشاهدة أفلام عن المشوهين الجزائريين إثر التعرض للتجارب النووية وكأني سمعت إبليس يهمس في أذني بأنه لا يستطيع تحمل عدة دقائق في تأمل ضحايا الجيل الثاني والثالث من الذين تشوهت رؤوسهم وأيديهم وأرجلهم وأعينهم وآذانهم وأسنانهم فأصبحوا حطام مومياوات تعيش بيننا.
غضبت على فرنسا الاستعمار والاستدمار في كل مكان من العالم، فالتدميريون يحملون بين أضلعهم حمماً من نار جهنم أو يزيد، ولا يختلف الديني عن السياسي، واللص عن القاتل، والمتطرف عن الداعية، والمؤمن عن الكافر، والمذهبي عن السفاح.

بدأت أحاول التخفيف من ثقل التاريخ الماضى حتى ألعن مذابح الحاضر، فقلت لنفسي بأن القسوة لا دين لها، والغلظة تغطي قلوب المؤمنين وغير المؤمنين على قدم سواء، والمسلمون والمسيحيون واليهود والبوذيون والكونفيوش والهندوس وغيرهم مارسوا التجارب النووية في خيالهم لأن الفرصة لم تتُح لهم في الواقع.

كنت أفكر بصوت عال ، بأن الإنسان خُلق من طين، لكن أمريكا وفرنسا وإنجلترا استبدلوا به جمرات من نار ليتساوى مع الشيطان، وقابيل أورث أحفاده الشر كله، وبدون تجارب نووية كانت المذابح لا تتوقف، من ملك بلجيكا في الكونغو، مروراً برواندا في منتصف التسعينيات حتى ذُبح على مرأى من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مليون رواندي، وليس انتهاء بجوانتانامو وأبوغريب وغرقى البحار وحربين عالميتين أكلتا خمسين مليونا، وفيتنام وحرب عالمية ثالثة بدأت للتو ولم تسخن بعد ناهيك عن اليمن وسوريا دولة الأشباح.

من أين لك هذا ايها الدكتاتور العسكرى؟

ألا يتطلب “من أين لك هذا” وتوريث الحكم في نظام جمهوري محاكمة نزيهة وشاملة؟ ماذا عن تحويل الدولة المصرية إلى دولة بوليسية؟ ماذا عن انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة التي قامت بها الأجهزة الأمنية؟ ماذا عن القتل الهمجي كما حصل مع المدون خالد سعيد الذي تحول لأيقونة الثورة؟

أتسآئل كيف يصنع الفقر في مصر، فإن لم يكن النظام مسؤولا عن تفشي الفقر ونظام المساعدات الدولية، والبطالة، فمن المسؤول؟

كيف نتخلص من الاستبداد ان لم نحاكمه من خلال معرفتنا بواجبات الحاكم ودوره ومسؤولياته تجاه شعبه. بلا محاكمة الأفعال سيعود الاستبداد بحلة جديدة وشكل جديد وسيأخذ معه ما تبقى من عوالم العرب.

إن أحد أخطر المسائل الملتبسة في الواقع العربي هي علاقة العرب بالدولة. فالدولة كانت ولازالت أداة للإثراء وللقمع واداة للفرض وللفساد، هذا لا يعني ان الدولة والنظام السياسي لا يقومان بالتنمية في بعض الحالات، لكن تلك التنمية تقع بسبب تقاطع المصالح وليس بسبب غاية هدفها المجتمع والنهوض بالشعوب.

وفي الواقع فإن تهمة تدمير الشعب وتدمير الدولة هي التهمة الحقيقية للمستبدين العرب. هذا لا يعني سجن الرؤساء كما يريد البعض أو تصفيتهم كما حصل مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي أم إعدامهم كما حصل مع صدام حسين، فذلك انتقام لا ينهي الاستبداد، بل الأهم محاكمة المرحلة برموزها وثقافتها وببشاعتها وذلك بهدف بناء حاله لا تنهي الاستبداد وأمراضه.

بعد أن حكم الدكتاتوريون العرب بلدانهم بقبضة من حديد ومارسوا الاستبداد والاستعباد على شعوبهم لسنوات عديدة، جاء وقت إسقاطهم الواحد تلو الآخر كأوراق الخريف. إلا أن نهاية كل رئيس عربي تهاوى حتى الآن اختلفت عن مثيلاتها، رغم أن الأنظمة التي وقف هؤلاء الرؤساء على قمتها تشابهت في كونها أنظمة استبدادية.

فالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي كان أول الرؤساء الذين أصابتهم رياح التغيير العربي، إذ أنه لم يستطع مقاومة الضغط المتزايد للشعب الغاضب، وسرعان ما هرب في مطلع يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، طالباً اللجوء في المملكة العربية السعودية الحاضنة لرؤساء رفضتهم شعوبهم. أما الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فقرر البقاء في مصر رغم معرفته أن أيامه كرئيس للدولة قد انتهت لثقته الشديدة بأن القضاء المصرى يحكم بناءا على أوامر من جيش كامب ديفيد.

“وفي حالة حدوث جرائم وخيمة، لا بد من تطبيق القانون الجنائي”. لكن مسألة تطبيق القانون الدولي أو المحلي يجب تقريرها حسب كل حالة على حدة. وفي هذا الصدد يضيف ميركل لدويتشه فيله أنه “في حال عدم توفر قوانين محلية قادرة على ضمان محاكمة عادلة ومنصفة، فيبقى من الأفضل إحالة الملف إلى المحكمة الدولية”.

إلا أن محاكمة الطغاة داخل أوطانهم وتحت أعين الشعب تحمل طابعاً رمزياً مهماً لا يجب الاستهانة بها. فهدف هذه المحاكمات يبقى في الأساس إعلاء صوت الحق والقانون والعدالة، وهذا شيء مهم بالنسبة للديمقراطيات العربية الناشئة، التي تسعى لإظهار وجه مغاير من خلال المحاكمة والاستقلال القانوني. هذا الرأي يشاطره الخبير القانوني الألماني ميركل، ويقول في هذا الصدد إن “القانون الجنائي يعتبر من أهم القوانين التي تستطيع الدول أو الحكومات الجديدة من خلاله إظهار وفرض سيادتها”، مضيفاً أن تتبارى أنظمتنا المتهالكة في القمع والسجن والتشريد والتجريد من الجنسية والتعذيب والاغتيال وقصف المناطق الثائرة عشوائياً، ويتبارى أعداؤها الثائرون والمسلحون من كل الاتجاهات، مع غلبة الجهاد التكفيري طبعاً، في التفجير والتفخيخ والقتل والتعذيب. كلا الطرفين فقد انسانيته أو طرحها من ضمن ما طرح من معطيات ثقافة الأنسنة التي رفضها.”أغلب الحكومات الجديدة تسعى إلى توثيق سيادتها نحو الخارج من خلال قضاء عادل”.

هكذا وصلنا إلى حيث نحن اليوم. تتبارى أنظمتنا المتهالكة في القمع والسجن والتشريد والتجريد من الجنسية والتعذيب والاغتيال وقصف المناطق الثائرة عشوائياً، ويتبارى أعداؤها الثائرون والمسلحون من كل الاتجاهات، مع غلبة الجهاد التكفيري طبعاً، في التفجير والتفخيخ والقتل والتعذيب. كلا الطرفين فقد انسانيته أو طرحها من ضمن ما طرح من معطيات ثقافة الأنسنة التي رفضها.

لكننا نحن أيضاً، الناس، الشعب، المواطنين، الأفراد، فقدنا إنسانيتنا أيضاً. فقد رضخنا لسطوة أنظمتنا الغاشمة وقبلنا بالوضع المأسوي لحقوق الإنسان ونسينا معذبينا وسجناءنا بل واستمرأنا مناظر التعذيب على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحقق أكبر أرقام مشاهدة.

الظلم وفقدان السيادة وعدم وجود موقع تعريف داخل السلطة للشعب يولد دوماً غضبا وشكا في الحياة نفسها وقيمتها، وفي الإرهاب تجتمع كل هذه مع مشاعر أخرى داخل وعي إيديولوجي يبرر ضرورة العنف للوصول إلى غايات حتى لو كان على حساب الأبرياء، وذلك على أساس عقائدي بالتكلم نيابة عن الشعب والتواجد في مكان أعلى من سلطة القانون، الإرهاب عموماً هو صورة على مرآة الحكومات الإرهابية أو توابع لتلك الحكومات، فالدكتاتورية كانت دوما أرضاً ممهدة للإرهاب، جيلاً بعد جيل داخل دكتاتورية فاشية يولد منها حتماُ حركات إرهابية، هذا ما حدث في ألمانيا وإيطاليا وفي اليابان أيضا، ولكن تبقى هنالك إشكالية منْ يمكننا أن ننعته إرهابياً ومنْ ننعته ثائراً.

تزايد دائرة العنف من الإرهابيين وتصاعد وتيرة الحرب ضد الإرهاب تسيطر على العالم اليوم والضحية هم من يستغلهم الإرهابيون والمحاربون ضد الإرهاب، باسم الحرب على الإرهاب فقدَ المواطن في الغرب الكثير من حريته الشخصية وحقوقه أيضا، فقانون الحرب على الإرهاب أصاب خصوصيات الفرد وحريته الشخصية عبر سن قوانين تمنح الدولة التنصت على هاتفه وحجزه أن تطلب الأمر دون تهمة محددة، تغيرت بالنسبة إلى سبعينات القرن العشرين أشكال التنظيم وخصوصا في نطاق تمويل الإرهاب وشبكة التواصل الدولي مثل الاستفادة من التقنية الحديثة للاتصالات وجعلها وسيلة إستراتيجية في العمل الإرهابي

الكراهية والإرهاب ليس من صنع عربي وتتواجد في أمكنة كثيرة، وحسب اعتقادي أن لهما أقصد الإرهاب والكراهية مع (اللا أمان) وشيجة، ألمانيا مثلا في تاريخها وصلت إلى الوحدة الوطنية بعد دكتاتورية ثم ديمقراطية على نموذج غربي، والإرهاب كما قلتُ سابقاً يأتي بعد كل نظام دكتاتوري، نظام يقتل ويعذب يعدُ الأرض حتما للإرهاب والكراهية

الضغط الخارجي على الدكتاتوريات لكي يسهل عملية التغيير وحقوق الإنسان والحركة الديمقراطية للشعوب المضطهدة، هذا الضغط مرغوبا به لو كان لأجل الديمقراطية حقا وتغيير النظام القمعي وليس لمجرد الضغط، ولكن أفكرُ أن هذا الأمر فيه الكثير مما يستحق أن يقال، إن بعض الدول تضغط على بعض الدول لأجل مصالح معينة وليس لهموم الشعب ومشاكله أي وجود أو أهمية في عملية هذا الضغط،

تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الانغماس في عمليات عسكرية في العالم العربي، بينما يتلقى الدكتاتوريون العرب مساعدات سياسية وعسكرية سخية للحفاظ على حكمهم.

لماذا يتمسك الغرب الإستعمارى، وخاصة الولايات المتحدة، بهذه السياسة تجاه العالم العربي؟

الإجابة على هذا السؤال تأتي من مثال تاريخي قديم، الذي رعى فيه تحالف أنجلو أمريكي انقلابًا في إيران على محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيًا، وذلك في العام 1954.

لم يكن الهدف من الانقلاب هو القضاء على خطر الهيمنة السوفييتية على إيران، ولا تأمين تدفق النفط، وإنما لا بد من عدم السماح لحركة وطنية بالتحكم في مصير البلاد بدلاً الاستعمار الجديد وحلفائه في الداخل.

إن نمط السلوك السياسي الأمريكي أظهر بوضوح سلوكها العدائي الصريح تجاه الحركات الوطنية والتقدمية والعلمانية في العالم العربي والشرق الأوسط.

وهذا يظهر في الدعم الأمريكي للجيش الدكتاتورى المصري والملكيات الخليجية والنظام العراقي الطائفي. فالهدف من هذه السياسة هو قمع تلك الحركات التي قد تغير موقف العالم العربي كمنطقة هامشية في النطاق الأمريكي، وينهي السيطرة الغربية على المنطقة.

وهكذا، فإن الهدف هو الحفاظ على المجتمعات العربية في حالة من الهشاشة والاستقرار. وهذا بدوره يحول دون التنمية المجتمعية ووقف صعود قوة منافسة محتملة التي قد تعطل السياسة الأمريكية في هذه المنطقة من العالم.

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2019-01-30 05:44:50Z | |

إن دعم الحكام المستبدين، الذين يمثلون التخلف في العالم العربي والذين يعملون لإبقائه في حالة من الضعف، أصبح ذا أهمية قصوى للولايات المتحدة والغرب. فهذا الهدف الاستراتيجي ينسخ أهدافًا أخرى، مثل الأمن أو مكافحة الإرهاب.

ثمة منطق سائد بين المعلقين السياسيين يفترض أن الغرب مجبر على التعامل مع الدكتاتوريين العرب لأنهم الوحيدون القادرون على وقف تمدد الإسلاميين المتشددين. وهكذا، فهم يعتبرون أخف الضررين.

وما لا يثير الدهشة، هو أن هذه الحجة هي نفس التي يستخدمها الدكتاتوريون العرب لقمع شعوبهم. وهكذا، فإن هؤلاء الدكتاتوريون يكررون خطاب حلفائهم الغربيين. ولكن هل هذه الحجة حقيقية؟ يمكن لبعض الأمثلة أن تبرز زيف هذه الحجة.

في مصر، وفي أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب شعبيا من السلطة، شن الجيش حملة قمع شديدة ضد معارضيه. ولم تهدف هذه الحملة لقمع الإخوان فحسب، التي غدت قوة مستنزفة من الناحية السياسية، لكنها هدفت إلى إحداث استقطاب في النظام السياسي بشكل يضمن الدعم للجيش أمام الطبقات المدنية الوسطى.

وكان الغرض هو دفع مؤيدي الإخوان نحو العنف أمرًا جوهريًا في سبيل نجاح هذه الاستراتيجية. وهكذا، يظهر الوضع وكأنه صراع بين «المتحضرين» و«الهمج»، وتظهر حاجة إلى وجود رجل قوي لاستعادة النظام، إلى جانب خلق تهديدات أمنية. كل ذلك كان مكونًا رئيسيًا لخلق شرعية النظام الجديد، وهكذا، فإن منطق الحاجة إلى دعم الدكتاتوريين من أجل محاربة الإرهاب تبطل نفسها.

وبناءً على ذلك، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان الدكتاتوريين لمحاربة إرهاب هم نفسهم من خلقوه. وهو سلوك أقل ما يقال عنه أنه أصبح مفضوحا لكل شعوب العالم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى