ثقافة وادب

قاوم أعداءه “بالتبوُّل” أم لعنته ساحرة شريرة؟ القصة الغريبة لتمثال الطفل الذي يتبول في بلجيكا

إذا سافرت يوماً ما إلى بروكسل، عاصمة بلجيكا وعاصمة الاتحاد الأوروبي ستستمتع بمظاهر الفن وأنت تسير في شوارع مدينة المسارح و المتاحف. لكنّك ستشاهد أيضاً تماثيل “عجيبة” في تلك العاصمة، فهناك التمثال الأشهر “الطفل الذي يتبول”، لكنّ هذا التمثال الشهير ليس الوحيد، فلتتعرّف معنا على عائلة التماثيل الأشهر في بروكسل: عائلة مانيكين.

فور وصولك إلى بروكسل سيفاجئك أوّل تمثالٍ تراه لطفلٍ صغير يتبول فيما يشبه النافورة. يقع هذا التمثال في الجزء القديم من المدينة بين شارع de L’Étuve وشارع Chene، بجوار الساحة المركزية في بروكسل Grand Place.

التمثال هو طفلٌ في نافورةٍ برونزية تعود للقرن السابع عشر. عندما ترى تلك النافورة قد لا تستطيع وصفها بـ”الفخمة أو بالتحفة الفنية”، لكنّها كذلك بالنسبة للأهالي المحليين، فلديهم إعجابٌ كبير بها، وهناك العديد من القصص والذكريات و الاحتفالات السنوية التي تربطهم بالنافورة. بل إنّ البعض يعتبر أنّ هذا التمثال هو دليل على مرح الشعب البلجيكي وحرية واستقلال تفكيرهم.

لكنّنا لو تساءلنا كيف ولماذا وُجد هذا التمثال لوجدنا أن هناك العديد من الخرافات والحكايات حول أصله. البعض منها قابلٌ للتصديق، والبعض الآخر غريب جداً كالأسطورة التي لا تحدث إلا في مخيلة راويها.

في إحدى هذه الروايات عن أصل التمثال، والتي ربما تكون معقولة أكثر من غيرها، فإن العاصمة بروكسل كانت مليئة بالمدابغ في العصور الوسطى، وكانوا يجعلون الأطفال يتبولون على الجلد؛ لأن البول يساعد على جعل الجلد أكثر ليونة، فهل التمثال هو تكريم للدباغين بطريقة فكاهية مثلاً؟

أمّا الرواية الأخرى فيظهر فيها طفل النافورة، والذي اسمه جوليان، على أنّه بطلٌ أنقذ بروكسل من الهلاك. تقول الأسطورة إنّ بروكسل كانت محاصرة بالأعداء، وفي خطوةٍ تكتيكية منهم تظاهروا بالتراجع ليوهموا أهلها بزوال الخطر.

ولكنهم في الواقع كانوا يخفون البارود تحت أمتعتهم، ورأى الطفل جوليان الصمامات المشتعلة وسرعان ما تبول عليها و أطفأها، فكان التمثال هو امتنان للطفل الذي أنقذ المدينة بتبوله على البارود. 

أمّا إحدى الروايات الغريبة الأخرى، فهي أنَّ ساحرةً أمسكت صبياً وهو يتبول على باب بيتها الأمامي، فغضبت منه ولعنته حتى يتبول إلى الأبد بمثانةٍ ممتلئة دائماً، ثم حولته إلى حجر، ومن هنا كان التمثال.

وفي روايةٍ أخرى قريبة إلى الواقع بعض الشيء عن الطفل مانيكين بيس، أنه اختفى خلال أحد الاحتفالات في المدينة، بحث عنه والداه بذعرٍ لأيام، حتى وجدوه يتبوّل في زاوية الشارع، وقد كان والده تاجراً ثرياً، لذلك قرّر وضع التمثال في الزاوية نفسها، التي وجد فيها ابنه المحبوب بنفس الوضعيّة.

وقد ذهب أهالي بروكسل لأبعد من ذلك، إذ يعتقد بعضهم أن مانيكين بيس هو نفسه الدوق جودفري الثالث. وحدث أنّ الدوق الصغير هرب من قلعة والده ذات يوم، حتّى يتمكَّنَ من اللعب مع أطفال آخرين في بروكسل، وتم العثور عليه أخيراً في زاوية الشارع الشهيرة.

لكنَّ الروايات لم تكتفِ بهذا الحد، فإحدى الأساطير تقول إن جودفري كان يبلغ من العمر عامين فقط عندما توفي والده، وقد حصلت حرب بعد موت والده، وطلب حرّاس الملك الصغير العون من كونت منطقة الفلاندرز.

وافق الكونت، لكنّ قواته طالبت برؤية الملك الذي يقاتلون من أجله، ولإرضائهم وضعوا جودفري في سلّة معلّقة في شجرة بلُّوط لتشجيع القوات بعدما رأوه جميعاً.

وكانت طريقة تشجيع الملك الصغير بين الحين والآخر بالوقوف والتبوُّل على رؤوس أعدائه. فاز حلفاء جودفري في المعركة واحتفلوا بالنصر في بروكسل، كما زرعوا شجرة بلوط هناك، و هذا هو السبب في أن الشارع المجاور لـلتمثال يدعى Rue du Chêne، ويعني “شارع البلوط” بحسب الأسطورة. وبجانب شجرة البلوط تلك أقاموا تمثالاً لملك التبول، الطفل الذي شجّع جيشه بهذه الطريقة العجيبة. 

توسّعت تماثيل عائلة مانيكين لتشمل تمثالاً لأختٍ له بحسب إعتقاد  أهالي بروكسل، واسمها جينيكي بيس (Jeanneke Pis) ولها تمثال يقع وسط بروكسل في نقطةٍ مواجهة لتمثال مانيكين بيس.

وتم تصميمه من قبل دينيس أدريان ديبوفري في عام 1985 وأقيم في عام 1987، أراد دينيس من خلال التمثال تقديم قيمة لحيِّه وفكر أن تكون من خلال تقديمه “شيئًا فولكلوريًا”، وعندها جاءته فكرة تصميم نظيرة أنثى لتمثال مانيكين بيس، وذلك كما يقال “لتحقيق المساواة بين الجنسين”.

يصور التمثال البرونزي فتاةً صغيرة لديها ضفيرتين قصيرتين وتبتسم إبتسامة طفلةٍ مشاكسة، تجلس القرفصاء وتتبول على قاعدةٍ من الحجر الجيري الأزرق الرمادي. الناس الذين يزورون جينيكي يرمون العملات المعدنية في النافورة تحت الفتاة أحيانا و يذهب المال إلى مؤسسةٍ خيرية لأبحاث السرطان. والتمثال محاط حالياً بأعمدةٍ معدنية لحمايته.

أمّا العضو الثالث والأصغر من عائلة تماثيل التبول في بروكسل فهو الصديق الأوفى للإنسان: الكلب.

يدعى التمثال زينيكي – Zinneke. صنع زينيكي النحات توم فرانتزن سنة 1998 رغبة منه في صنع تمثال يحاكي كلبه الخاص الذي اعتاد الناس رؤيته أحيانا يتجول في الحي، ومن الصعب العثور عليه والوصول له فمن المحتمل أنك لن تميزه من النظرة الأولى، لأنّك ستظنّه كلباً حقيقياً يبول وليس تمثالاً.

لكنك عندما تحدق لمدةٍ أطول ستتعرّف على التمثال الذي يبول، وتتمثل الفكاهة البلجيكية النموذجية حقيقةً في جعل كلبٍ يتبوّل عامل جذب سياحي رئيسي.

فهل تشجعكم مثل هذه المعالم السياحية على زيارة بروكسل ورؤية تماثيلها التي وإن لم تكن لائقة للبعض فهي مميزة وغريبة بالنسبة لآخرين و مقصد الكثير من السياح الذين تجذبهم أحيانا الروايات و الأساطير التي تحكى عن التماثيل أكثر من التماثيل نفسها؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى