لايف ستايل

كدتُ أن ألحد وأن أخلع حجابي.. أُحدثكم من إسطنبول (1)

في كثير من الأحيان
نجعل حياتنا صعبة بأيدينا، نُضيّق على أنفسنا ونرهقها ونجلدها، ولا نكتفي بذلك؛ بل
نتعدّى على خصوصيات وحياة غيرنا.

في الوقت الذي يحتاج
فيه ابنك، والدك، صديقك، أو أياً كان من طرفك المحيط، وجودك بجانبه، تكون أنت
بعيداً، نفسياً وفكرياً وقريباً جسدياً منه، لا تعطيه أي اهتمام أو اعتبار، ولا
تدرك ما الذي يمرّ به.

وخلال وجودك معهم،
تنبعث منك طاقة سلبية، أو تتعامل معهم بلا شعور، أو تلقي أحكامك واحداً تلو الآخر،
محاوِلاً إثبات نفسك، مؤكداً أنك الأصوب، وأن ما تقوله وتفكر فيه هو الأنسب،
بعيداً عن رغبات وحاجات الطرف المقابل.

هل فكرت في أن تضع
نفسك مكان الشخص الذي أمامك، وأن تفكر من زاويته؟ هل جرَّبت أن تصل إلى نقاط تلاقٍ
نفسية وفكرية مع شخص ما، يحتاجك ولا يُعبّر عن هذه الحاجة، أو حتى عبّر سابقاً
ووجد جداراً إسمنتياً بينكما، فتَراجَع.

التفِت حولك، ستجد
هناك كثيراً من الناس يحتاجونك، وآخرين أنت تظلمهم أو تكون قاسياً معهم، ولا
تتفهَّم وجهة نظرهم ورغباتهم وحاجاتهم.

هل تعلم أنك وأنت
جالس، هناك من يجلس بجانبك يتفتَّت قلبه، يبكي دماً ولا تشعر! وأن بداخل كل شخص
معارك كبيرة لا أحد يسمع عنها أو يراها؟ وعلى الرغم من ذلك حين تسأله: كيف حالك؟
يقول لك: بخير الحمد لله، وأنت؟

ليعمّ الصمت مجدداً، ويستمر
هو في معركته التي لا ينتصر فيها أحد. هي معركة بدأت منذ أن وُلد، ولن تنتهي إلا
بموته. فأطرافها لا تريد إنهاءها أو لا تعرف كيف، لذا قد تبقى للأبد.

هناك مَن تُعامله
بحُكم مسبق ولا تشعر بما في داخله ولا تقرأ أفكاره، هل تراه في الطرف المقابل؟ إنه
يحترق ألماً بسبب كلمة قلتها له ولم تلقِ لها بالاً.

ولربما ليس غاضباً
منك، وإنما يحاول أن يُخرج نفسَه من مستنقع ووحْلٍ بسبب غيرك، ويحتاج أن تساعده.
امدُد يدك، لا تتردد.

ما الذي يدفع الإنسان
إلى الإلحاد؟ حين أفكر وأتعمق في الأمر، أرى أن تفكيره الكبير النابع من حاجته
لعديد من الأشياء، أولها الحُب والتعاطف والعناق والمشاعر التي تطمئن روحه، هي أحد
أبرز أسباب ذلك.

لو كان هذا الشخص حصل
على حاجاته العاطفية والنفسية واستقر من هذا الجانب، فسيؤدي ذلك إلى تعزيز إدراكه
وتفكيره وإبداعه، ولن يفكر في شيء خارج عن نطاق الدِّين والحكم والمنطق.

ولكن الضغط الكبير
الذي يوضع فيه الإنسان يجعله يفكر في أمور أكبر مما كان يتصور، ومن الممكن أن يصل
إلى مرحلة الكفر والإلحاد أو الانتحار، إن لم يُعِد بوصلته للطريق الصحيح بطريقة
ما.

الأوضاع الضاغطة تجعله
بعيداً جداً، وإما أن تردّه فطرته السليمة أو يفكر معه الشيطان أو توجهه نفسه
الأمَّارة بالسوء.

جميع هذه الأمور تصبح
دافعاً كبيراً له ليكوّن شيئاً جديداً، أو لا يكون كما كان سابقاً، أو يتغير 180
درجة.

هذا ليس هراء، إنما من
محض تجربة مررت بها، جعلتني أُصنَع من جديد. مررت بمواقف ضاغطة جعلتني أتحوّل،
أتكوّر، أتمدد وأتقلص، وبعدها عُدت إلى طبيعتي.

نعم، صُنعت من جديد،
بعد أن وصلت إلى مرحلة لا أؤمن فيها بوجود الله ولا أريد من حياتي شيئاً، وددت أن
أنتحر، لكني لم أعرف كيف ذلك.

وددت
خلع حجابي وأن أتحرر من أي قيد يميّزني عن غيري، أي
شيء يصنّفني، وأبتعد. أن أذهب إلى أي طريق بلا هدف، شعرت بالضياع، بالألم، بسخف
الحياة، ولا قيمتها، وعدمها.

شعرت بأن جميع الناس
لا شيء، أجساد ضعيفة تسير على الأرض، بلا جدوى، نهايتها طعام للدود. ومع الوقت
اكتشفت أني هشَّة، لكني قوية، أبكي لكني متماسكة.

دمعتي سهلة، أذرفها
بصمت شديد، بألم داخلي وحرارة لا يشعر بها أحد. لماذا أبكي؟ لأن القلب فاض وما عاد
يحتمل فيفرغ بالدمع، وبعدها أشعر ببرودة بأطرافي، وراحة عجيبة.

بصمت شديد قد أبكي،
ولا يراني أحد، تتلألأ عيوني من الدمع، ولكنهم لا يفهمون هل هو بكاء أم من أعراض
الزكام؟ ليس مُهماً، ولا أبرر لهم، ولا يسألون أصلاً.

لا أحد يسألك ما بك،
قد يرون تغيراً في عينيك، وجهك، يعزونها إلى المرض أو النعاس أو النوم الزائد،
ولكنهم لن يعرفوا أن هذا نتيجة بكاء، أو عدم نوم، أو غيرها من عوارض الألم القلبي.

الحياة صعبة أو باللغة
التركية “حياة تشوك زور” (Hayat çok zor)، هذه جملة نرددها كثيراً ونضحك، وتُذكَر في موقف صعب جداً، تكون
فيه الأبواب موصدة، ونرى أن لا مخرج قريباً.

وبهذه الجملة يمكنك أن
تُلخّص كتاباً من الألم، وتختصر ساعات من الشكوى، ولا ترهق نفسك في عناء الشرح
والتوضيح، فهي اختصرت بداخلها كل ما يمكن أن يقال. ويكون الرد عليها: “إييييه
والله الحياة صعبة”.

مجرد كتابة هذه الجملة
جعلتني آخذ نفَساً عميقاً وأشعر بالخِفّة، شعرت بأنها تعزية لآلامي، وأنها تجعلني
أكثر صبراً وتحمُّلاً، ففي اللحظة التي تقولها أن تُصدّقها وتؤمن بها.

عندما أتذكر آيات
القرآن الكريم التي تتحدث عن أن الإنسان خُلق في كبد، أي في نصَب وتعب ومشقَّة،
أعلم أن هذه الجملة خرجت من هنا.

الحياة صعبة، نعم هي
صعبة ولكننا نعيشها، ونتألم ونكمل مسيرنا، وفي كل يوم جديد نستيقظ صباحاً لنفعل ما
نفعله كل صباح، ونرى الأشخاص ذاتهم، وغيرهم. لا مشكلة، المهم أننا نمارس الأشياء
ذاتها، ونتلقّى مزيداً من الصفعات، ونحمل كثيراً من الآلام، ونتابع.

ولكن ماذا الذي يجعلنا
نكمل المسير؟ ما الدافع؟ هلأ لأنه لا حل آخر لدينا؟ لا مَنفذ؟ أم هناك شيء آخر
يدفعنا إلى ذلك؟

نعم هناك دافع..
سأقصّه عليكم

وللكلام تتمة

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى