ثقافة وادب

كل المدن فانية إلا إسطنبول باقية.. الكتاب الذي يُلخص لك قصة هذه المدينة العظيمة

«الفتح 1453 وعلامات الساعة».. عنوان كتاب للمؤلف التركي
فريدون أمجن عن مدينة إسطنبول، التي كانت وستبقى من أهم مدن العالم اليوم، وكذلك
في الماضي، عندما كانت حاضرة الدولة العثمانية، وقبل ذلك كانت عاصمة الإمبراطورية
البيزنطية والحاضرة الدينية  للمسيحية الأرثوذكسية والمنافِسة لروما حاضرة
الفاتيكان الذي يمثل المسيحية الكاثوليكية، وقد اتخذ فتح القسطنطينية على يد محمد
الفاتح مَعلماً زمنياً لابتداء العصور الحديثة وانتهاء العصور الوسطى؛ لما له من
أهمية بالغة في التاريخ.

تحقق الفتح للسلطان محمد بن مراد، في حين استعصت القسطنطينية على
أربع حملات إسلامية لفتحها أيام الأمويين والعباسيين، وهذا الكتاب هو الطبعة
العربية  لهذا المؤلٓف المهم الذي استفتح بمناقشة تاريخية لما كانت تمثله
القسطنطينية في الأساطير العثمانية وبعض الأساطير المنسوبة للمسيحية وما ورد في
ذكرها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأحاديث الفتن والملاحم في آخر الزمان.

المؤلف يميل إلى ما يميل إليه آخرون من أن الحديث المشهور (لتفتحن
القسطنطينية فلَنعم الأمير أميرها ولَنعم الجيش ذلك الجيش) ليس حديثاً صحيحاً،
وعلى الأغلب فإنه لا نصاً ولا روحاً ينطبق على فتح السلطان محمد الفاتح، ولكنما
هذا لا ينقص من عظمة الفتح ولا من عبقرية الفاتح. وتأتي أهمية هذا الكتاب من كونه
يراجع كل المؤلفات عن الفتح الحديثة والقديمة، ويرجح بين مروياتها ويحدد ما يترجح
لديه من أصحها، ولذا يمكن الحديث عن إجابات لأسئلة مثل:

أولاً: لماذا كان هناك إصرار عند سابع خلفاء بني عثمان، محمد بن مراد الثاني، على فتح القسطنطينية؟

الإجابة تدور هنا حول طموح إمبراطورية ناشئة لم تؤسس شرعيتها بعدُ في العالم الاسلامي، وقد أضحى من ثقافة أمرائها أهمية فتح القسطنطينية، خاصة وهي على حدود الأناضول، والثاني أن محمد بن مراد، الذي تنازل له والده عن السلطنة فأصبح سلطاناً مدة سنتين، ثم استعاد والده منه السلطنة- كان يواجه اتهاماً مبطناً بعدم اكتمال كفاءته، بدليل أن والده استعاد منصب السلطان منه وكان لوزراء الابن والأب دور في إعادة مراد؛ خوفاً من عدم تمكن الابن محمد من مواجهة تمرد الانكشارية، أو كسب الحرب في موقعة فارنا أمام ممالك صليبية، ولذا فقد كان محمد بحاجة إلى إثبات نفسه بعمل كبير كهذا.

السبب الثالث أن بني عثمان رأوْا أن المماليك في مصر يقومون بالإشراف على الحج، وعليه فقد وجدوا أن دورهم في منافسة المماليك إنما يُكتسب برفع راية الجهاد.

النقطة الرابعة وهي تُحسب لعبقرية محمد بن مراد، وهي أن قراءته لأحوال أوروبا جعلته يشخص الوضع الأوروبي بأنه أضعف من أن يقف بشكل مؤثر مع إمبراطورية بيزنطة، فالخلاف بين الأرثوذكسية والكاثوليكية في تلك المرحلة من الزمان كان أكبر من دعاة الوحدة بينهما، وقد ثبت ذلك خلال الحرب، إذ لم يتقدم لمساعدة بيزنطة إلا وحدات من مقاتلي البندقية، في حين لم تتحرك بقية الممالك الأوروبية، وهو ما تطابَق مع قراءة محمد بن مراد للأحداث.

وتحضيراً للحرب، بدأ محمد الثاني بتقديم بعض التنازلات لإمبراطور
القسطنطينية، حتى يموه على إكماله حصن روملي الذي كان منطلقاً لفتح القسطنطينية،
كما استفاد من أحد المجريين، مهندس المدفع الذي لم يستطع إقناع إمبراطور
القسطنطينية بفكرة المدفع العملاق، ولكن  محمد بن مراد اقتنص الفكرة عندما
عُرضت عليه، بل استطاع فريقه أن يُدخل عليه أدوات تحسّن من الأداء وتتلافى العيوب.

وهكذا فإنه أخذ من الأوروبيين فكرة المدفع التي غيرت صورة التسلح
في العالم ونقلته من السيف والرمح إلي المدافع والبنادق، وليت الدولة العثمانية
دأبت على تطوير هذا القطاع، إذن ربما عاشت مزدهرة أطول مما حصل.

لجأ السلطان إلى المكيدة، فنقل السفن إلى البر الأوروبي منزلقة على
خشبٍ سطحه مشبَّع بالزيت لتسهيل النقل؛ وذلك حتى تتجاوز إغلاق مدخل القرن الذهبي،
وتمكن من الدخول إلى المدينة من الجانب البحري الذي لم تكن أسواره بنفس كفاءة بقية
الأسوار.

مارس العثمانيون في محاولتهم الناجحة هذه لفتح القسطنطينية وسائل
عديدة، مثل المدافع واﻹنزال البحري وحفر الأنفاق للدخول من تحت الأسوار، كل هذا
التصميم استطاع أن يلغي التردد الذي كان ينتاب بعض مساعديه من حكمة الاستمرار في
الحصار مع خسارة كثير من الجنود والعتاد.

كان دخول المدينة بعد حصارٍ دامَ 54 يوماً، بعد أن استنفد السلطان
كل المغريات التي عرضها علي إمبراطور القسطنطينية ليدخلها صلحاً، ويتفق المؤلف مع
معظم الروايات التي تقول إن محمد بن مراد قد أعلن لجيشه إتاحة المدينة للسلب
والنهب والأَسر ثلاثة أيام على أن تبقى الأشياء غير المنقولة للسلطان. لم يجد مؤلف
هذا الكتاب من يشكك في هذه المعلومة، وإنما تعلل بأن هذا هو القانون الإسلامي حين
تُنتزع المدن بالقوة، ولست متأكداً من صحة قوله من الناحية الدينية، والواضح أن
الفاتح بعدما رأى كمية الدمار الذي حاق بالمدينة من جراء نهبها، تأسف كثيراً وأمر
بإيقاف السلب والنهب، بل افتدى كثيراً من الأسرى، ﻷنه كان راغباً في أن تحتفظ
المدينة برونقها، ليتخذها عاصمةً وقد كان.

يرى بعض المؤرخين أن في بقاء كنائس بجهة معينة من المدينة ما يفيد
بأن جزءاً من المدينة قد أخذه الفاتح صلحاً، لكن ليس هناك رأي مرجح في التاريخ،
وإن أورد بعض المؤرخين أن يهود المدينة وبعض المسيحيين قد راسلوا الفاتح قبل دخول
المدينة وتواطأوا معه على الاستسلام، فاستُثنيت معابدهم وكنائسهم من تحويلها إلى
مساجد.

وفي رواية المؤلف لتاريخ الفاتح، أكد أنه كان مثل بقية الخلفاء،
يحتاط لولاية العهد بالاقتتال أو بالغدر بالإخوة المحتملين للمنافسة على ولاية
العهد، فرغم أنه ليس له دخل مباشر في التخلص من أخويه الأكبر سناً، أخوه علاء
الدين مثلاً هو الذي كان أبوه يهيئه لولاية العهد، لكنه توفي في عهد والده، إلا
أنه حسم الأمر بمجرد أن تولى السلطة، فقد أرسل من يقتل أخاه الرضيع ذا اﻷشهر
الثمانية من العمر أسفنديار، وزوّج أم أسفنديار زوجة أبيه لأحد خَدمه بالقوة، وكاد
يزوج زوجة أبيه الأخرى لخادم آخر، لكنه خاف من أبيها ملك صربيا، فأعادها إليه.

أحد الأسئلة المهمة التي تطرق إليها الكاتب، هو: هل القبر المعروف اليوم في إسطنبول هو قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري؟ يقول الكاتب إن الصحابي أبا أيوب قد توفي في أثناء مشاركته في حملة معاوية بن أبي سفيان على إسطنبول، وإنه دُفن مع 70 من زملائه عند الأسوار، وعلى الأغلب فإن قبره هو أحد قبور تلك المنطقة وليس بالضرورة القبر نفسه، ولم يجد المؤلف ما يُؤكد أن اكتشاف أحد المشايخ للقبر تم خلال حملة الفاتح وقبل النصر، وأن الهدف من إعلان اكتشاف قبره كان رفع الروح المعنوية للجيش، ويرجَّح أن تحديد المقبرة تم بعد الفتح.

لا شك في أن إسطنبول جديرة بما قاله أحد المؤرخين: «كل المدن الأخرى فانية، ولكن إسطنبول ستبقى حية ما بقي الناس».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى