اخبار إضافيةكتاب وادباء

كيفية تغيير واقع الأمة – منهج التغيير “الجزء الرابع”

علماء الأمة الإسلامية والمفكرون وأثرهم في التغيير

من روائع الأديب الكاتب

د. محمد سعيد آل تركي

علماء الأمة الإسلامية والمفكرون وأثرهم في التغيير

في ساحة الصراع الدائر بيننا كطرف (الأمة الإسلامية) وبين من يقود الأمة إلى هلاكها من الاستعمار وأوليائه، يبرز للأمة من حين لآخر في الإعلام علماء ومفكرون إسلاميون(!)، سياسيون واقتصاديون وأصوليون.

يتميز هؤلاء العلماء عادة بمستوى عال من العلم والفكر، وبمظهر يُذهل علمُهم السامعَ والناظر، وكأن الله لم يخلق في العلم أمثالهم، ولا تلبث أن تقوم بعض القنوات الفضائية أو الإذاعية بإبرازهم وتسليط الأضواء عليهم أكثر، فيبدأ الناس بالتالي يعرفونهم ويتعلقون بهم، ويُفتنون بشخوصهم، وهناك أمثالهم أو من هم خير منهم ولكن لم يُظهره الإعلام، أو ممن لم يقبلوا هم بالظهور في الإعلام المرئي والمسموع، فهؤلاء يكاد لا يعرفهُم أحد سوى أقرب المقربين.

هذه الفئة من العلماء والمفكرين المعلومين أو من غير المعلومين، قد حظوا جميعاً من العلم الشرعي والسياسي والإداري وغيره شيئاً كثيراً، وملكوا من الفكر ما هو خير لهم وللناس أجمعين، وباتوا اليوم أكثر من السابق أصحاب رأي لا تستغني عنهم الأمة الإسلامية، ولكن في الحقيقة أن قضية التغيير اللازمة اليوم للأمة الإسلامية لم تحظ بقبول كثير من هؤلاء، بل امتنع أكثر هؤلاء من السير في ركابها لأسباب معلومة وغيرها مجهول، وسنأتي على ذكرها.

إن عملية التغيير لها قوانينها وشروطها، ولها قواعد خاصة بها، فهي لا تمهل أحداً ولا تجامل أحداً، ولا تقدّس عالماً أو مفكراً أو عبقرياً، فقطار التغيير لا يسير إلا بمن يستقله ويعين عليه، ويعين على نفع المسلمين جميعاً. وبالتالي فقد سار قطار التغيير بدون هؤلاء وتركهم وأهملهم، لأنهم لم يعمدوا إلى التغيير ولم يعنوا أنفسهم الركوب في قطاره.

متى يكون العلماء والمفكرون صالحين للتغيير؟

  • الولاء:

ما لم يكن ولاء العالم خالصاً لله وحده، أو في ولائه لله ولرسوله ولدين الإسلام شك، أو من كان في ولائه شيء لحاكم أو محكوم، أو لهوى، فهو ليس من الأمة الإسلامية في شيء، ولا يصلح لإصلاح أو تغيير.

أي إنّ العلماء والمفكرين إنْ لم يكن علمُهم قائماً على الإيمان بالله ورسوله وبالإسلام كما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فليس منهم أصلاً من هو صالح للتغيير، حتى ولو كان يحمل كل علوم الدنيا أو الآخرة، وحتى لو ظهر على شخصه سماحة الصالحين ونور الغر المحجلين.

  • قرار العمل للتغيير:

صاحب العلم أو العالِم أو المفكر الفذ يجب أن يكون لديه القرار للعمل على التغيير بصدق، وبالتالي يكون بحق قائداً نهضوياً يسير في ركاب التغيير، ولا يصح أن ينشغل فكره وعمله واهتمامه بشيء آخر غير التغيير والإصرار عليه، فلا يشتغل ولا ينشغل بالوعظ والإرشاد، ولا ينشغل بالدعوات الإصلاحية، أو الأعمال الخيرية ويميل إليها أو عنده قناعة بها، وأن لا يكون منشغلاً بالتحاليل السياسية، أو منشغلاً بجانب من جوانب الدين وخاصة بالفقه، أو ببعض أصول الدين، تاركاً وراءه أعمال التغيير وقوانين التغيير، بل يجب أن يوظف كل علمه وأعماله ومواقفه في سبيل التغيير، فإن كان كذلك منشغلاً ومشتغلاً في أمور كهذه فليس فيه أصلاً خير للأمة ولا فائدة منه، ناهيك عن صلاحه لأمر التغيير، وهو بالتالي لا ينفع إلا نفسه، ولسان حال أحدهم كحال مجاهد قوي شجاع يخوض معركة مع العدو فرداً دون الجيش الذي ينتمي إليه، أو يكون كالذي يبنى لنفسه جنة يسرح فيها ويمرح، فرحا بها متفاخراً بامتلاكها بين الناس.

  • العمل الجماعي:

عملية التغيير يستحيل فيها العمل الفردي مهما بلغ أحدهم من العلم والفكر، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد قام ببناء كتلة قوية عقديا على الإيمان بالله ورسوله في مكة، وبعد تأسيس الكتلة انطلق لطلب النصرة من القبائل “لتأسيس الدولة”، ولم يفعل ذلك عندما كان فرداً، ولذا فإن العالِمَ المفكر المخلص ليس له قيمة في واقع الأمة الإسلامية في قضايا تغييرها وتغيير واقعها ما لم يكن فرداً في كتلة تحمل نفس العلم والفكر، وتعمل بنفس المنهج، وتسير لنفس الغاية والهدف، أو يكون هذا العالِمُ المفكر المخلص هو مؤسس هذه الكتلة للتغيير، وهو رجلُها الأول، وأن لا يكون هو رجلها الأخير أو الأوحد، فإن لم يكن كذلك فإن هذا العالِمَ ليس له قيمة في واقع التغيير، ولن يكون له أثر أو تأثير في عالم التغيير.

قال الله تعالى:

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)آل عمران 

  • العلم السياسي:

يتطلب للعالم والمفكر المؤمن بالتغيير اليوم أن يكون عنده علم بالواقع السياسي المحلي والعالمي، استنادا إلى العلم الشرعي، ويلزمه الإلمام أو الإحاطة بالتاريخ السياسي القريب خاصة والبعيد، وكيف آلت الأمة والبلاد الإسلامية إلى ما آلت إليه اليوم، لا أن يأتي أحد العلماء أو من الفقهاء يتحدث في شؤون الإسلام والمسلمين، ولا يعلم شيئا عن التاريخ والواقع السياسي العالمي، وليس له دراية بالتحركات الأوروبية والأمريكية في المنطقة الإسلامية وأعمالهم السياسية والعسكرية فيها. أو لا يكون عنده علم ووعي ودراية بالسياسات الاقتصادية المطبقة في العالم الغربي ويخضع لها العالم الإسلامي، أو لا يعرف أصلاً السياسة الاقتصادية في الإسلام مقارنة مع الاشتراكية أو الرأسمالية، وغير ذلك كثير من العلوم السياسية.

  • العلم بالمبادئ العالمية الأخرى:

العلم بالفكر الإسلامي لوحده عيب على العالِم المؤمن بالتغيير، العازم على نهضة المسلمين، فما يقابل الإسلام من أفكار عقدية ونظامية أخرى من المبدأ الرأسمالي أو الاشتراكي، أو العقائد الأخرى المختلفة، إن العلم بها مقارنة بالإسلام أمر أساسي في عملية التغيير.

  • شمولية العلم بالإسلام:

العلم بماهية الإسلام عقدياً، والعلم ببناء الدولة الإسلامية في جميع جوانبها النظامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الجوانب أمر ضروري للعالِم الساعي للتغيير، وكذا العلم بماهية تطبيق نظام الإسلام في العصر الحديث، والعلم بكيفية إعادته لواقع الحياة أمر مهم وعظيم، ولا أدري كيف يعتلي أحدهم منبر الحديث للملايين وهو لا يمتلك تصوراً عن ماهية الدولة الإسلامية، أو لا يمتلك تصوراً عن كيفية استئناف الحياة الإسلامية، وكيفية إعادة الحكم بما أنزل الله، أو لا يدري ما هي أصل مشكلات العالم الإسلامي اليوم، أي ليس على علم بما كان وبما هو كائن أو بما يجب أن يكون.

  • العلم بكيفية تغيير واقع الأمة الإسلامية الحالي:

يجب أن يكون العلم بكيفية التغيير جزءاً من عقلية العالم والمفكر الإسلامي النهضوي، فإن تغيير واقع الأمة الإسلامية الحالي يتطلب هذه المعرفة وهذه الدراية، فأمر التغيير ليس لعبة أو لهواً أو أفكاراً سطحية وآراء وأهواء، مختلفة ومتباينة ومتناقضة بين هذا العالم أو ذاك، وليست هي أعمال تستند على اجتهادات شخصية غير شرعية ولا تستند إلى الدليل الشرعي،  بل كيفية التغيير علم فكري وسياسي وشرعي ويجب أن يكون مؤصلاً تأصيلا شرعياً، فإن لم يكن لدى العالم علم بذلك الأمر سياسيا وشرعيا وفكرياً وتحدث إلى الناس في أمر كيفية التغيير فإنه يضلهم ويزيد فرقتهم وانقسامهم ويزيد فقدان ثقتهم بدينهم.

  • كلمة الحق:

يجب على العالِم والعامل للتغيير أن يكون ناصحاً لله ولرسوله وللمسلمين، أي يجب أن يقول كلمة الحق، لا يجامل في الحق ولا يداهن، ولا يُخفي شيئاً منه ولا يوارب، ولا يلمّح بالحق بل يصارح، ويصدح بقول الحق مجاهراً به ومتحدياً، لا يختلف في فهم منطقهِ اثنان، ولا يخاف لقول كلمة الحق أحداً من الناس أو الحكام، ويدلّ المسلمين ويرشدهم على من يجدون عنده ضالتهم، ومن هو الأجدر بالإتباع في سبيل التغيير في هذه الأيام، التي لا يُحكم فيها بالإسلام، أي يجب أن يكون العالِمُ مناراً يُستضاء به، لا شماعة يُعلق عليها الناسُ الأعذار ويختلقون بسببه الأقوال والذرائع، وأن لا يحكّم الهوى في أقواله، بل يكون رضوان الله وحده هو الغاية ونهاية الأرب، فإن لم يكن كذلك، وليست لديه الشجاعة والإقدام اللازمتين، فليتق الله وليدع هذا الأمر لمن يقدر عليه، ولا يوهم الناس بشخصه ولا يغرّنهم بنفسه ولا يُغرّر بهم، أو يكذب عليهم.

  • العلم الفكري والسياسي:

من أولويات العلم لدى من يريد التغيير ويعمل له العلم الفكري والسياسي، فالثقافة الشرعية الواسعة والعريضة لا تُغني عن العلم الفكري شيئاً، فالعلم الفكري يرتبط بالواقع ارتباطا تفاعلياً مباشراً، فما يحمله العالِمُ من ثقافة وعلم، إن لم يكن له تأثير على الواقع، ولم يكن في علمه حلولاً لمشكلات الأمة العظمى ناهيك عن الصغرى انطلاقا من العلم الشرعي، إن لم يكن كذلك فالكتب خيرٌ من هذا العالِمِ أو ذاك، وأحفظ منهم للعلم، فالثقافة العامة الأكاديمية ثقافة جامدة إن لم تستخدم لتغيير الواقع، ولا تغني من الحق شيئاً. فالمطلوب من العالِم أن يقود الأمة للتغيير بعلمه، لا أن يكون كتابا متحركا.

أما الفكر السياسي فهو علم تفاعلي متعلق برعاية شؤون الأمة، وهو فكر ينظر العالِمُ من خلاله إلى كل الدنيا وما يحدث فيها، والكيفيات التي يدير السياسيون فيها بأنواع السياسات المختلفة كفة الحكم في البلدان المختلفة إقليميا وعالمياً، وينظر من خلاله إلى علم السلم والحرب والمعاهدات، ويعي به المصالح وتحرك الجيوش من ثكناتها.

العلم السياسي يعتمد دائما على العلم بالمبادئ المختلفة، وعلى ما يقرره هذا المبدأ أو ذاك من قيم وأخلاق أو مصالح يؤمن بها، وما ترسمه وترتضيه من كيفية لتحقيقها، إما سياسيا أو عسكريا أو دعوياً، فيدرك العالِمُ ويعي التحركات السياسية والعسكرية وأغراضها وأهدافها. فإن لم يكن العالِمُ المكلف بقيادة الأمة للتغيير غيرُ عالمٍ بهذه المسائل، فأنى يكون له أن يكون نافعاً للأمة وللتغيير فيها.

هذه هي مجمل مواصفات الشخصيات التي نستطيع أن نثقَ بها في سبيل التغيير، وليس لمجرد أن يظهر أحدهم في الإعلام وتُسلط عليه الأضواء يكون هو الجدير بإعطاء الثقة له، ولآرائه أو أفعاله أو أقواله، حتى ولو كان يحمل من الثقافة الإسلامية الشيء العظيم أو السياسية، فقضيتنا أيتها الأمة الإسلامية هي قضية التغيير، التي لها رجالها الحقيقيون، وليس رجالها المشهورين إعلامياً.

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} البقرة159

قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الجمعة5

في شعب الإيمان للبيهقي عن وافد بن سلامة عن يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أحدّثكم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله على منابر من نور؟ فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين يحببون عباد الله إلى الله، ويحببون عباد الله إليّ، يأمرونهم بما يحب الله وينهونهم عما يكره الله، فإذا أطاعوهم أحبهم الله).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى