تقارير وملفات إضافية

كيف أصبحت قطر مستثمراً رئيسياً في مصر رغم اتهامات «دعم الإرهاب»؟

إعلان شركة «قطر للبترول» نجاح تشغيل مصفاة لتكرير النفط في مصر وهو أكبر «استثمار قطري» في دولة عربية وإفريقية مسألة تحتاج للتوقف طويلاً أمامها من أجل فهمها وتحليل مدلولاتها، فذلك يضع الكثير من الأسئلة أمام النظام المصري ومؤسساته عليهم الإجابة عنها للشعب المصري أولاً وأخيراً.

عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، أعلنت شركة «قطر للبترول» أمس الأحد 10 نوفمبر/تشرين الثاني عن نجاح تشغيل مشروع مصفاة لتكرير النفط في مصر، فيما يعد «أكبر استثمار» لها في دولة عربية وإفريقية، وقالت الشركة إن تشغيل جميع وحدات مصفاة الشركة المصرية للتكرير في مسطرد (شمال القاهرة) كان ناجحاً، مُضيفة أنها تمتلك نسبة 38,1% في شركة التكرير العربية، التي تمتلك بدورها نحو 66.6% من أسهم الشركة المصرية للتكرير، صاحبة المشروع.

وأوضحت «قطر للبترول» أنه يتوقع أن تصل المصفاة إلى طاقتها الإنتاجية الكاملة قبل نهاية الربع الأول من 2020 «وهو ما يقلل من اعتماد مصر على المنتجات البترولية المستوردة ويساهم في خلق فرص عمل للقوى العاملة المحلية ودعم قطاع الأعمال المساند في هذه المنطقة الحيوية من جمهورية مصر العربية»، حسب البيان.

في ظل المقاطعة السياسية الرسمية بين البلدين منذ يونيو/حزيران عام 2017، ربما يتبادر إلى ذهن البعض أن بيان الشركة غير صحيح – رغم استبعاد ذلك لخطورته على سمعة الشركة وتأثير ذلك على قيمتها السوقية – لكن من الطبيعي أن نبحث عن تصريح مصري رسمي يؤكد أو ينفي صحة المعلومات.

حمدي عبدالعزيز، المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول المصرية، قال في تصريحات خاصة لشبكة سي إن إن الأمريكية إنه «لا تأثير للتوترات السياسية بين مصر وقطر على استثمارات الأخيرة في القاهرة، ضارباً المثل بمجالات عديدة، منها البنوك – فى إشارة إلى بنك قطر الوطني – فضلاً عن تواجد السفارة القطرية».

وفيما يتعلق بمصفاة مسطرد، أكد عبدالعزيز ما جاء في بيان الشركة من أن التشغيل لا يزال تجريبياً: «مشروع الشركة المصرية لتكرير البترول مازال تجريبياً، وسيتم التشغيل الكامل له في الربع الأول من العام المقبل».

عبدالعزيز تحدث أيضاً عن أهمية المشروع في خفض فاتورة استيراد مصر من المواد البترولية «وهو توجه تسانده الدولة في إطار خطة لضبط العجز التجاري».

المعلومات حول المشروع من خلال موقع الشركة المصرية للتكرير تشير إلى أن العمل المبدئي للمشروع بدأ في يوليو/تموز 2012 (أي بعد بداية فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي)، وكان من المقرر أن تكون مرحلة التشغيل في 2016، وبالطبع يمكن تفهم أن سبب تأخير الانتهاء من المشروع يرجع للأحداث السياسية التي شهدتها مصر وما تلاها من أحداث «الأزمة الخليجية».

والمشروع عبارة عن تطوير لمعمل تكرير شركة القاهرة لتكرير البترول الموجود في مسطرد منذ 1969، وذلك بالشراكة بين القطاعين العام (الهيئة العامة للبترول) والخاص ممثلاً في الشركة المصرية للتكرير.

وقبل نحو شهر، قال رجل الأعمال أحمد هيكل رئيس مجلس إدارة شركة القلعة، أحد المساهمين بمشروع مسطرد، إن التشغيل التجاري للمصفاة سيبدأ في الربع الأخير من العام الجاري، مُشيراً إلى أن المشروع ورَّد بالفعل أكثر من 700 ألف طن من إنتاجه إلى هيئة البترول الحكومية.

هذا الموضوع يحمل في طياته كثيراً من التناقضات، أولها تجاهل الإعلام المصري للقصة على الرغم مما تحمله من أخبار جيدة تصب في صالح الاتجاه السائد وهو الحديث المستمر عن «الإنجازات» وتحسن وضع الاقتصاد المصري – بعيداً عن انعكاس ذلك على حياة غالبية الشعب من عدمه – فلم يتم نشر خبر عن الموضوع وهو أمر لافت.

يمكن تفهم تجاهل القصة في ظل الهجوم الذي يشنه الإعلام المصري على قطر واتهامها ليل نهار بالعمل على تخريب الاقتصاد المصري وتقويض أركان الدولة ودعم الإرهابيين وقائمة الاتهامات طويلة، فوجود مشروع بتلك الضخامة والأهمية وتصريح المتحدث باسم وزارة البترول عن أن «التوترات السياسية» بين البلدين لم تؤثر على الاستثمارات القطرية ومنها بنك قطر الأهلي ينسف تلك الادعاءات من أساسها.

الخلاف بين مصر وقطر إذاً هو خلاف سياسي وارد في العلاقات الدولية، والموقف المصري ضد قطر لم يكن موقفاً أصيلاً بقدر ما كان استجابة للسعودية والإمارات والبحرين وهو ما يمكن قراءته على أنه «تسديد فواتير سياسية» لا أكثر ولا أقل، والإعلان عن مصفاة تكرير النفط خير دليل من الناحية العملية.

إذ ليس منطقياً أبداً أن تكون دولة (قطر) متهمة بكل تلك الاتهامات من دعم للإرهاب ومحاولات لتدمير مصر، بمواصلة استثماراتها في نفس البلد وعلى هذا المستوى، مما يطرح سؤالاً هاماً حول الموقف المصري من قطر ودوافعه وخفايا قرار المقاطعة.

السؤال الأبرز الذي تطرحه هذه القصة هو هل يمكن أن تجد الأزمة بين مصر وقطر طريقاً للانفراج قريباً؟ لا أحد يمكنه الجزم في ظل الطريقة التي تتم بها إدارة الملفات السياسية في مصر، لكن تظل الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات فصديق اليوم عدو الغد وعدو اليوم صديق الغد كما يردد دائماً أهل السياسة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى