الأرشيف

كيف استطاع المجلس العسكرى السودانى العميل أن يثيرعراك بالأيدي والكراسي بين ممثلي الأحزاب من الثوار في السودان

بقلم الخبير السياسى والمحلل الإقتصادى

دكتور صلاح الدوبى

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا

رئيس اتحاد الشعب المصرى

“عضو مؤسس في المجلس الثوري المصري”

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا، أظهر عراك حاد نشب بين ممثلي الأحزاب السياسية في السودان بعد اجتماعها بالمجلس العسكري.

وأظهر المقطع المتداول على نطاق واسع، ممثلي هذه الأحزاب وهم يتبادلون الصفعات واللكمات ويقذفون حتى الكراسي في وجوه بعضهم بمشهد صادم أثار جدلا واسعا.

وقال ناشطون إن تفرقة المعارضة التي سعى لها المجلس العسكري للاستحواذ على الحكم، قد نجحت وبدأت تؤتي ثمارها سريعا مع الدعم الإماراتي والسعودي.

وكان حساب “بدون ظل” الشهير بتويتر ـ يعرف نفسه على أنه ضابط بجهاز الأمن الإماراتي ـ كشف أمس عما وصفه بآخر تقرير حديث، من داخل الجهاز الأمني عن الوضع في السودان وما صنعه النفوذ الإماراتي هناك.

وما يجعل مشروع الثورة السودانية في قمة الصعوبة، كونه يسعى إلى إسقاط نظام ذي رأسين إسلاموي وعسكري، خلق داخل الدولة دولتين متطرفتين: دولة الإخوان ودولة المليشيات. فدولة الجبهة الإسلامية العميقة التي أسسها  الترابي وحكمت عبر الحزب المؤتمر الوطني القائم، ما زالت تُحكم قبضتها على كل مؤسسات الدولة والمجتمع من الجيش إلى الإذاعة والتلفزيون مروراً بالقضاء وهياكل الاقتصاد وموارد البلاد بما فيها النفط والذهب والأرض.

في المقابل، أسس عمر البشير دولة المليشيات القبلية بالموازاة مع الأجهزة النظامية، وقام بترقية مليشيات “الجنجويد” المتهمة بجرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية بعد أن غيَّر اسمها  من “حرس الحدود” الى “قوات الدعم السريع” وعزز أعدادها وعتادها ونشرها في معظم أنحاء البلاد ثم حَوَّلها إلى قوات مرتزقة في حرب اليمن. ولضمان ولائها له واستقلالها عن أجهزة الدولة، مَلَّكَها النظام أراضي ومشاريع استثمارية وشركات بما فيها شركة لتعدين عن الذهب.

هذا هو النظام الذي قامت الثورة من أجل إسقاطه، فواجهها بقتل العشرات من المواطنين واعتقال وتعذيب المئات وإعلان  حالة الطوارئ. لكن الشعب قاوم وأصر على مواصلة ثورته

انقلاب الجيش على الثورة

رغم ما تم تداوله البعض من تلميع لصورة الجيش السوداني في الآونة الأخيرة، فإن هذا الأخير لم يحمِ الثورة، بل إن عدداً من صغار الضباط والجنود والشرطة هم الذين انحازوا إلى الشعب وحموا الثوار. أما جنرالات البشير فلقد وقف معظمهم وقفة نيرون وهو ينظر لروما وهي تحترق.

بعد ستة أيام من اعتصام الثوار في الميدان، فاجأت قيادة الجيش الجميع بادعاء أنها قامت بانقلاب عسكري من أجل تحقيق مطالب الثورة.  وبالغت في خداعها حين ظهر الجنرال عوض ابن عوف ليقرأ بتلعثم بياناً يقول فيه “لقد اقتلعنا ذلك النظام”، وكأن النظام شجرة موز أو كأنه لم يكن في ذات اليوم نائباً لرأس النظام ورفيق دربه وشريكه في كل الفظائع. ثم أعلن ابن عوف عن تأسيس مجلس عسكري يقود الفترة الانتقالية لمدة سنتين وإلغاء الدستور وغيرها من القرارات التي وضعت الجميع أمام الأمر الواقع.

ويُعزي البعض هذا الموقف إلى ضعف خبرة قيادة الثورة، في حين يرى آخرون أنه ربما تم اختراقها من طرف حلفاء النظام. بعيداً عن نظريات المؤامرة، من الواضح أن ما أضعفها هو كونها تضم عدداً من الأحزاب والقوى التي تفتقد إلى المصداقية، لا تتبنى مواقف تقدمية ولا تؤمن بالتغيير الجذري لنظام الحكم أو تتردد فيه.

ويكفي النظر إلى لائحة الموقعين على إعلان الحرية والتغيير، للتأكد بأنها تضمّ عدداً من السياسيين الانتهازيين الذين يجيدون اللعب على كل الحبال ولهم تاريخ طويل في شق الصفوف عبر تحالفاتهم مع النظام.

لكن ومن حسن حظ السودان أن الشعب الذي أشعل فتيل الثورة لم يقل كلمته الأخيرة بعد.  فما زال الثوار يتوافدون على ميدان الاعتصام من كل ربوع الوطن وما زال الشباب يحرسون متاريسهم وينصبون خياماً للاعتصام طوال شهر رمضان إن لم يتم الإعلان على نهاية حكم العسكر.

سترينا الأيام المقبلة إن كان الشارع أو قوى الحرية والتغيير أو غيرهم قادرين على تدارك الموقف، لوضع حد لشراكة مريبة مع أعداء الشعب والديمقراطية وإنقاذ ثورة لم يشهد لها السودان مثيلاً.

المال مقابل العسكرة!

الإمارات والسعودية تدعمان النظام العسكري السوداني وتعرقلان الحُكم المدني

قالت صحيفة التايمزالبريطانية إن السعودية والإمارات تمارسان ضغوطاً على المجلس العسكري الحاكم في السودان عبر المعونات الاقتصادية التي قُدمت للخرطوم عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير من أجل عرقلة الحكم المدني.

وبحسب الصحيفة البريطانية، يهدد الحلفاء الخليجيون للرئيس السوداني المعزول بعرقلة العودة للحكم المدني، من خلال توفير الدعم الاقتصادي لمجلس عسكري انتقالي، يشكو المحتجون من أنه جزء من النظام القديم.

أموال سعودية إماراتية في البنك المركزي السوداني

ووعدت الدولتان الخليجيتان بتحويل 500 مليون دولار للبنك المركزي السوداني لسد العجز في احتياطيات العملة الأجنبية، إضافة إلى إرسال 2.5 مليار دولار من الأغذية والأدوية والمنتجات البترولية.

أدت المظاهرات التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول إثر الارتفاع الحاد في أسعار الخبز، إلى اعتصام عشرات الآلاف من السودانيين أمام مقر قيادة الجيش هذا الشهر. واستجاب الجيش بإجبار البشير على التنحي، لكنه على الفور واجه مطالب من الحركة الاحتجاجية بالتنازل عن السلطة. وقد مهَّد ذلك الطريق لمعركة ثانية بين الجيش والشعب، وهي التي تخوضها السعودية والإمارات حالياً.

وأضافت روزاليند: «يُعتقد أن هذا الدعم كان مدفوعاً بشكل أساسي بالحاجة لضمان بقاء القوات البرية السودانية مشاركة في حرب اليمن، وهو ضمان سارع المجلس إلى تقديمه»، بحسب الصحيفة البريطانية.

المال مقابل الدعم العسكري

كان الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عنصراً حيوياً في المفاوضات التي أدت لانتشار القوات السودانية في اليمن عام 2015. نائبه الفريق محمد حمدان، المعروف باسم «حميدتي»، هو قائد ما يسمى بقوات الدعم السريع التي شكلت الجزء الأكبر من المقاتلين المنتشرين.

دُفع للبشير حتى يرسل قوات إلى اليمن قبل أربع سنوات، حين بدأ الاقتصاد السوداني، المحروم من ثلاثة أرباع عائداته النفطية السابقة بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، في التعثُّر، بحسب الصحيفة البريطانية.

كانت الصفقة ناجحة في البداية. قالت الخرطوم إنها تلقت مليار دولار من السعودية في أغسطس/آب 2015 لدعم احتياطياتها من النقد الأجنبي، وقد أثبت الجنود السودانيون الذين صقلتهم المعارك أهمية حيوية في الهجوم البري السعودي والإماراتي على الحوثيين.

«ارفعوا أيديكم عن السودان»

وأمام قيادة الجيش، حثَّ المتظاهرون جيران السودان على كف أيديهم عن شؤونهم الداخلية.

وقال أمين محمد، أحد المتظاهرين ويعمل مدرساً: «هناك ثلاث قوى تعوق تقدمنا، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر».

الجارة مصر ليست متورطة في حرب اليمن، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسي، الضابط السابق في الجيش والذي تولَّى السلطة بانقلاب مدعوم شعبياً عام 2013، لم يعترض على شرعية الحكومة العسكرية الجديدة على عتبة داره.

رفض الاتحاد الأوروبي الاعتراف بالمجلس العسكري، لكن الاتحاد الإفريقي برئاسة السيسي، خفَّف يوم الثلاثاء 23 أبريل/نيسان من الضغط على النظام المؤقت، بتمديد مهلة زمنية لتسليم السلطة إلى ثلاثة أشهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى