آخر الأخبارتحليلات

كيف رسخ البرلمان الأوروبي حكم المستبدين في القارة العجوز؟

تقرير اعداد

فريق التحرير

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تقريرًا أعدَّه الكاتب داليبور روهاك، زميل أول في معهد أمريكان إنتربرايز، تناول فيه تراخي الدول الأوروبية في الدفاع عن مبادئ الديمقراطية ومؤسساتها، بل وتورط الأحزاب الأوروبية في توفير الغطاء الذي يرسِّخ حكم المستبدين في الوقت الذي كان من المفترض أن تقف فيه سدًّا منيعًا أمام تجاوزاتهم وانتهاكاتهم للديمقراطية في بلدانهم بوجه خاص وفي الدول الأخرى بوجه عام.

حزب «فيدس» يواصل انتهاكاته للديمقراطية الغربية

يستهل الكاتب تقريره بالقول إنه في أواخر العام الماضي، نشر دونالد تاسك، رئيس «حزب الشعب الأوروبي (EPP)»، وهو تجمع ليمين الوسط في البرلمان الأوروبي، تغريدة انتقد فيها «فيدس»، حزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. وبعد أن شبَّه تاماس دويتش، السياسي البارز في حزب «فيدس»، زعيم حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي، مانفريد ويبر، بالجستابو (البوليس السري الألماني النازي خلال الحرب العالمية الثانية، الذي كان يحتجز الأشخاص دون دعوى قضائية ولعب دورًا رئيسًا في الخطة النازية لإبادة يهود أوروبا)، بدا أن حزب «فيدس» على وشك أن يُطرد أخيرًا من أكبر عائلة سياسية في الاتحاد الأوروبي – مرةً أخرى.

أضاف الكاتب أن المشهد المتكرر لطرد حزب أوربان استمر طوال العقد الماضي تقريبًا، ومع ذلك لم يزل حزب «فيدس» عضوًا في حزب الشعب الأوروبي. وصحيح أن مشاركة الحزب «عُلِّقت» منذ عام 2019، ومُنِع فعليًّا من المشاركة في القرارات الجماعية التي يتخذها حزب الشعب الأوروبي. ومع ذلك، لم يزل يتمتع أعضاء حزب «فيدس» في البرلمان الأوروبي بحق التحدث في الجلسة العامة نيابةً عن تجمع حزب الشعب الأوروبي، ويواصلون القيام بالمهام المكلَّفين بها في اللجان والمواقع الرسمية الأخرى التابعة للتجمع.

وبهذا المعدل من المرجح جدًّا أنه بدلًا عن أن يستجمع حزب الشعب الأوروبي قواه لطرد حزب «فيدس» فعليًّا، سيبتعد الأخير ببساطة من تلقاء نفسه في اللحظة التي يراها مناسبة له، كما اقترح أوربان نفسه.

ويرى الكاتب أن مشكلة حزب الشعب الأوروبي مع حزب «فيدس» تمثل جزءًا من التحدي الأوسع الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي مع دولِه من الأعضاء الجدد (لم يعودوا كذلك الآن) الذين شهدت بلادهم تراجعًا ديمقراطيًّا، وأبرزهم المجر. لقد مر ما يقرب من عقد من الزمان منذ أن أعاد أوربان، باعتباره رئيس وزراء جديدًا، كتابة الدستور المجري والقانون الانتخابي وأضعف قوة المحكمة الدستورية في البلاد وقلَّم أظافرها.

«فيدس» يستهدف المنظمات غير الحكومية والمعارضة

أوضح الكاتب أنه في عام 2017، أصدر حزب «فيدس» تشريعًا جديدًا، «للتخلص تمامًا» على حد وصف مسؤول حزبي، من المنظمات غير الحكومية الممولة من الملياردير الأمريكي المجري الأصل جورج سوروس، واصفين إيَّاها بـ«العملاء الأجانب». وفي عام 2019، انتقلت جامعة أوروبا المركزية (الوسطى) المرموقة، الخاصة بالدراسات العليا الأمريكية المتخصصة في البحث العلمي، التي أسسها سوروس بعد سقوط الشيوعية، من العاصمة المجرية بودابست إلى العاصمة النمساوية فيينا، بعد أن أصبح من المستحيل على المؤسسة العمل على نحو قانوني في المجر في ظل التشريع الجديد الذي صُمِّم خصيصًا لها.

في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وفي ظل حالة الطوارئ التي أُعلنت في البلاد بسبب جائحة فيروس كورونا المُستجد، سارعت الحكومة من خلال البرلمان إلى إصدار قانون يجعل من المستحيل فعليا على أحزاب المعارضة الصغيرة تقديم قوائم وطنية (تضم مرشحين على نحو مجمع) للترشح في الانتخابات البرلمانية.

وخلال كل هذه الإجراءات والتصرفات، نادرا ما تجاوزت ردود أفعال حزب الشعب الأوروبي حاجز الشجب والاستنكار والتذمر العارض. ويكشف سلوك حزب الشعب الأوروبي كلًا من الطبيعة الجوفاء للجماعات السياسية العابرة للحدود في أوروبا والعواقب غير المقصودة من محاولة بناء ديمقراطية لعموم أوروبا.

هل تنجح الأحزاب العابرة للحدود في تعزيز الديمقراطية؟

يلفت الكاتب إلى أن البنية التحتية للأحزاب العابرة للحدود التابعة للبرلمان الأوروبي أُنشئت في الأيام الأولى للمشروع الأوروبي لتعزيز التعاون بين الأحزاب السياسية ذات الأفكار المتشابهة في البلدان المختلفة، وكان الهدف منها الدخول في عصر الديمقراطية الأوروبية الحقيقية، إذ تستمر خلاله المؤسسات السياسية في جميع أنحاء أوروبا في ممارسة دورها المتنامي على نحو مستمر.

لكن هذا لم يحدث. وطوال الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة التي وقعت في العقد الماضي، ظلت السياسة الأوروبية تتسم في الغالب بالطابع الوطني. وتوفر الأحزاب العابرة للحدود التابعة للاتحاد الأوروبي – مثل حزب الشعب الأوروبي، و«حزب الاشتراكيين والديمقراطيين (S&D)»، وحزب تجديد أوروبا الليبرالي، وغيرها – التدريب لأعضائها، وفرص التواصل، وتبادل الأفكار، وموارد أخرى، ويموِّلها دافعو الضرائب الأوروبيون إلى حد كبير

ومع ذلك فإن أمانات الحزب في عاصمة الاتحاد الأوروبي، بروكسل، لا تملي شروط البيانات الانتخابية الوطنية، ولا تفحص المرشحين الوطنيين الذين يترشحون على قوائم خاصة (قد تخالف مبادئ أحزابهم)، ولا يبدو أن لديها نفوذًا كبيرًا على أعضائها المشاغبين؛ إذ في النهاية يحدد العدد الإجمالي لمقاعد الأحزاب حجم رأيها في اللجان النيابية وفي القيادة.

ويرى الكاتب أن الدافع وراء زيادة عدد المقاعد في البرلمان الأوروبي أصبح أقوى من خلال ما يسمى بنظام أفضل المرشحين «سبيتشن كانديداتن»، الذي بموجبه تقدم الأحزاب مرشحيها لرئاسة المفوضية الأوروبية قبل إجراء الانتخابات الأوروبية. وفي حين كان من المفهوم سابقًا أن رئيس المفوضية يُحدَّد من خلال صفقة تُعقد بين الدول الأعضاء خلف الأبواب المغلقة، فإن النظام الجديد، الذي أُدخِل في عام 2014 لتحسين الشفافية، زاد من مخاطر الانتخابات الأوروبية من خلال ربط نتائجها مباشرة بالسيطرة على أعلى هيئة تنفيذية في أوروبا. وفي المقابل، تهتم الأطراف الأوروبية أكثر بحجمها الإجمالي، على حساب جميع الاعتبارات الأخرى.

KRAKOW, POLAND – 2018/07/06: A double exposure image with Prime minister of Hungary, Viktor Orban and European Union flag. (Photo by Omar Marques/SOPA Images/LightRocket via Getty Images)

شيك على بياض للفساد

يرى الكاتب أن حزب «فيدس» الذي يترأسه أوربان يعد حتى الآن صاحب أكبر سلطة في حزب الشعب الأوروبي، لكنه ليس الوحيد في هذا الشأن. فقبل أن يبدأ في طرح نظريات المؤامرة حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سعى رئيس وزراء سلوفينيا يانيز جانسا إلى ترويض مذيعي وسائل الإعلام العامة وعلق الرقابة البرلمانية على ميزانية الدولة. وعلى مر السنين، منح حزب الشعب الأوروبي أيضا شيكا على بياض لحكم رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف البشع الذي يرعى الفساد ومصالحه المالية الخاصة فقط. وفي الوقت الذي يحاول فيه الاتحاد الأوروبي الحصول على المزيد من اللقاحات لفيروس كورونا المُستجد، يفشل في الاستخدام الفعَّال للقاحات الموجودة لديه بالفعل.

وبناءً عليه حان الوقت للتوقف عن التفكير في كيان الاتحاد الأوروبي باعتباره اتحادًا واحدًا. فالاتحاد يحتوي على توجهات متعددة – وسيكون أداؤه على نحو أفضل بكثير إذا أدرك الجميع هذه الحقيقة. وفي المفاوضات التي تجري مع بكين للتوصُّل إلى معاهدة استثمار جديدة، أكدت بروكسل استقلالها عن واشنطن. ويمكن التركيز على قضية حقوق الإنسان أن يصلح الصدع الحادث عبر الأطلسي.

ويخلُص الكاتب إلى أن المشكلة تتجاوز حزب الشعب الأوروبي أيضًا. فقبل تعليق الحزب الديمقراطي الاجتماعي الروماني (على الرغم من عدم طرده)، دلَّل «حزب الاشتراكيين والديمقراطيين (S&D)» الحزب الروماني حتى في ظل تقويض حكوماته المتعاقبة لنزاهة المحاكم وخنقها لجهود مكافحة الفساد. وتحت سمع وبصر حزب روبرت فيكو للديمقراطية الاجتماعية في سلوفاكيا، وهو عضو في «حزب الاشتراكيين والديمقراطيين» أيضًا، قتل صحافي شاب وخطيبته على يد عصابات تربطها صلات بأعلى مستويات الشرطة والقضاء.

وفي الوقت نفسه يظل رئيس وزراء جمهورية التشيك، أندريه بابيس، الذي تحول إلى شخص شعبوي، عضوا يتمتع بوضع جيد في حزب تجديد أوروبا الليبرالي الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون – على الرغم من تضارب المصالح والتحقيق الجنائي الجاري بشأن إساءة استخدام بابيس للإعانات المقدَّمة له من جانب الاتحاد الأوروبي.

الطريق إلى الإصلاح

يشير الكاتب إلى أنه من حيث المبدأ، يجب أن يكون هناك ثمن سياسي تدفعه الأحزاب السياسية الأوروبية عندما يتخلى أعضاؤها عن المبادئ الديمقراطية الأساسية. ومع ذلك، ولأن السياسة الأوروبية لم تزل تتسم بالطابع الوطني إلى حد كبير، فإن قلة من الناخبين فقط يدركون أن هناك أحزابًا سياسية على مستوى الاتحاد الأوروبي. وهناك عدد أقل من هؤلاء الناخبين يرغبون في معاقبة السياسيين في بلدانهم بسبب ارتباطهم بحكام مستبدين في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. وعلاوةً على ذلك، وفي ظل تقاسم كل طرف أوروبي بعض اللوم، ينتشر اجترار مآسي الماضي ومظالِمه (بين المفاوضين) وتثور اتهامات الأطراف لبعضها البعض بالنفاق.

ومع ذلك طالما أن الأحزاب الرئيسية في الاتحاد الأوروبي ترحب بشخصيات وطنية غير ديمقراطية في صفوفها، فإنها ستستمر في منح صفة المصادقة الدولية لهذه الشخصيات. وهذا يوفر للقادة الفاسدين والمستبدين أحيانًا مصدرًا غير مستحق للشرعية، يحرصون على استخدامه لصرف الأنظار عن الانتقادات الموجَّهة لهم داخل بلادهم. وهذا عكس ما كان يفترض أن تفعله الأحزاب السياسية في الاتحاد الأوروبي. فمن خلال استيعاب الأحزاب السياسية الشابة القادمة من الشرق، يسري الأمل في أن يساعد الغرب في رعاية تلك الأنظمة الحزبية القياسية التي تدعم الديمقراطية البرلمانية وإضفاء الطابع المؤسسي عليها. ومع ذلك وعلى غرار ما حدث تمامًا مع توسع الاتحاد الأوروبي على نحو عام، تظل النتائج ضبابية بكل تأكيد.

وفي حالة المجر على وجه الخصوص، كان التهدئة المستمرة لأوربان كارثية. وقد وفرت التسوية الذي جرى التوصُّل إليها مؤخرًا بوساطة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي ضمانًا مفتوحًا لأوربان بأن ممارساته الداخلية في المجر لن يكون لها تأثير على كرم الاتحاد الأوروبي وسخائه. وعلاوةً على ذلك، وبعد مدة وجيزة من التوصُّل إلى حل وسط، أعلنت شركة صناعة السيارات الألمانية دايملر عن استثمارات بقيمة 100 مليون يورو (أكثر من 120 مليون دولار) في مصنعها في المجر، مُعوِّلة على تلقي مساعدة حكومية كبيرة من جانب الحكومة المجرية.

ويختتم الكاتب مقاله بالقول: إن التداعيات على مصداقية الاتحاد الأوروبي صارخة. ويمكن للقادة السياسيين في غرب البلقان أو أوكرانيا، على سبيل الذكر لا الحصر، استخلاص درس واحد فقط: الحكام الفاسدون في مرحلة ما بعد الشيوعية، والمستبدون الطموحون تتسامح معهم إلى حد كبير العائلات السياسية الرئيسة في الاتحاد الأوروبي.

ولسوء الحظ فمن غير المرجح أن تصحح هذه السفينة مسارها بمفردها. إذ إن المحاولات السابقة لخلق ثقافة لعموم أوروبا تتعلق بوجود برلمان ديمقراطي، وفَّرت غطاءً للاعبين السياسيين المارقين. وما لم تُجرِ هذه العناصر الفاعلة عملية تطهير كبيرة في أحزابها السياسية، فمن غير المرجح أن تتجاوز مصالح أوروبا المعلنة في الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون حدود الكلام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى