آخر الأخباراقتصاد

كيف نجحت أوكرانيا بنقل المعركة إلى داخل الأراضي الروسية

تقرير ومتابعات بقلم 

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

تتصاعد وتيرة الهجمات الأوكرانية الدراماتيكية ضد الأراضي الروسية بشكل لافت في الآونة الأخيرة، حيث هاجمت الثلاثاء 30 مايو/أيار 2023، نحو 20 طائرة أوكرانية مسيرة أهدافاً مختلفة داخل العاصمة الروسية موسكو، وأصابت عدداً من المباني السكنية؛ ما تسبب في وقوع أضرار، لكن دون وقوع إصابات خطيرة، فيما دمرت أنظمة الدفاع الجوي الروسية عدة طائرات مسيّرة أثناء اقترابها من موسكو.

أوكرانيا.. من الدفاع إلى الهجوم ، وروسيا القوة الثانية العظمى

في فجر يوم 3 مايو/أيار 2023، استيقظ الكرملين على هجوم عبر طائرتين أوكرانيتين مسيّرتين، كانتا تستهدفان مقر إقامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، “إلا أنه لم يُصَب بأذى”، بحسب بيان للكرملين.
وشقت أول طائرة مُسيَّرة سماء موسكو ليلاً، قبل الاصطدام بالمبنى الدائري في الكرملين، الذي يعود لقصر مجلس الشيوخ في القرن الثامن عشر، والذي صار الآن مقر مكتب فلاديمير بوتين. وأظهرت لقطات لاحقة اندلاع حريق صغير على السطح، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Daily Telegraph البريطانية.
وبعد 16 دقيقة، حلّقت طائرة بدون طيار ثانية، مباشرة عبر الميدان الأحمر، وانفجرت فوق المبنى الدائري، مُبعثِرَةً حطامها فوق مجمع القصر الحصين.
كانت هذه البداية الرسمية والأكثر جرأة لتحول أوكرانيا من حالة الدفاع إلى الهجوم في قلب العاصمة الروسية، ورغم اعتبار موسكو ذلك الهجوم تصعيداً خطيراً وسيتم الرد عليه بقوة، فإن ذلك لم يردع كييف عن الاستمرار في حالة الهجوم داخل الأراضي الروسية.
فبعد تلك الحادثة بثلاثة أسابيع، وتحديداً في 25 مايو/أيار 2023، استفاقت روسيا على هجوم غير مسبوق، بعد أن اقتحمت مجموعتان مسلحتان الحدود الروسية قادمتين من الأراضي الأوكرانية، ونفذتا عملية وُصفت بـ”أخطر توغل في الأراضي الروسية” منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، حيث هاجم المسلحون منطقة بيلغورود الروسية، وأعلنت موسكو على إثر ذلك إصابة ستة أشخاص وتضرر ثلاثة منازل ومبنى إداري محلي.
ثم، في أواخر الأسبوع الماضي، شنت أوكرانيا هجوماً بحرياً بطائرة بدون طيار على سفينة تجسس روسية في المياه الروسية في البحر الأسود. والآن، في صباح الثلاثاء، هاجمت ما يصل إلى عشرين طائرة مسيرة موسكو، مما يؤكد حملة الهجمات الجريئة التي توعدت بها روسيا بعد استمرار حملات القصف العنيفة لكييف.
ما أهمية استهداف موسكو بالنسبة لبوتن ؟
بدءاً من الضربات الرمزية إلى الهجمات الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، تشكل هذه العمليات جزءاً من الممارسة العسكرية القياسية. ويقول مسؤولون دفاعيون ومحللون أمريكيون وأوكرانيون لصحيفة فاينانشيال تايمز، إن هدف كييف هو خداع العدو وإرباكه على أرضه و”تشكيل” ساحة المعركة قبل هجوم كبير.
وقال جون سبنسر، الرائد السابق بالجيش الأمريكي الذي يرأس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة في ويست بوينت: “كانت عمليات الخداع دائماً جزءاً من الحرب، ولكن الآن يتم تضخيم تأثيرها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي”.
مضيفاً: “عمليات المنطقة الرمادية الأوكرانية التي تتطلب من روسيا إنفاق الموارد – سواء كانت تلك القوات أو العمليات الإعلامية. إنهم يخدعون الروس ويفرضون انتباههم في مكان آخر”.
من جهته، قال مسؤول أوكراني رفيع للصحيفة البريطانية: “يبدأ الهجوم الناجح بهجوم نفسي ناجح، معنويات الروس ليست في أعلى مستوياتها”.
ويقول مايك مارتن، الضابط السابق في الجيش البريطاني ومؤلف كتاب How to Fight a War: “الفكرة هي خلق الكثير من المعضلات لهيكل القيادة الروسية، واختلاق مشاكل مثل اختراق الخطوط الأمامية، لتشتيت انتباه القيادة الروسية وشل حركتها”.
ويبدو أن عمليات الهجوم الأخيرة كان لها بعض التأثير النفسي في موسكو. وتعليقاً على توغل بيلغورود، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن “الحرب تتطلب عملاً صعباً للغاية ومتوتراً، والتطورات الأخيرة تثير الأسئلة باستمرار”.
في أعقاب هجوم الطائرات بدون طيار على موسكو يوم الثلاثاء 30 مايو/أيار، علق Rybar، المدون الروسي الشهير المؤيد للحرب، على تطبيق وسائل التواصل الاجتماعي تليغرام: “إذا كان الهدف من الهجوم الأوكراني هو الضغط على السكان الروس نفسياً، فإن ظهور الطائرات الأوكرانية بدون طيار في السماء فعل ذلك، رغم أن موسكو تفعل ما تستطيعه لوقف تلك الهجمات”.


هل تجر الهجمات الأوكرانية الحرب لمزيد من التصعيد لا تريده أمريكا؟

يقول موقع responsiblestatecraft الأمريكي إن الهجمات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية بمثابة نداء إنذار لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فيما يتعلق بصعوبة السيطرة على التصعيد في أوكرانيا لتقليل مخاطر انجرار الولايات المتحدة إلى الحرب.
لهذا السبب، تواصل السياسة الأمريكية الرسمية معارضة الهجمات الأوكرانية على أراضي روسيا نفسها، وفي العام الماضي، وعدت الحكومة الأوكرانية واشنطن بعدم القيام بذلك.
وبعد أن تعرضت أوكرانيا للغزو من قِبل روسيا، تتمتع أوكرانيا بالطبع بحق قانوني وأخلاقي كامل للرد على الأراضي الروسية كما يقول الموقع الأمريكي. وسواء كان هذا في مصلحة الولايات المتحدة، فهذه مسألة مختلفة تماماً – وبالنظر إلى الدور الأمريكي الحاسم في تسليح ودعم أوكرانيا، فإن الإدارة الأمريكية لها أيضاً الحق في أن يكون لها رأي في كيفية استخدام مساعداتها.
لكن بالنسبة لإدارة بايدن (والغالبية العظمى من حكومات حلفاء أمريكا في الناتو)، فقد وعدوا ناخبيهم مراراً وتكراراً بأنهم لن يسمحوا للغرب بالانخراط مباشرة في حرب مع روسيا. لذلك فإن تمكين الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية يشير في النهاية إلى هذا الاتجاه بالضبط.
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز صوراً تشير إلى استخدام مدرعات أمريكية في الهجوم البري الذي نفذته مجموعتان مسلحتان من الأراضي الأوكرانية يوم 25 مايو/أيار، وهذا ما أكده دينيس نيكيتين، قائد فيلق المتطوعين الروسي أحد الجماعات المسلحة المتورطة. صرح نيكيتين سابقاً بأن مجموعته تعمل “مباشرة تحت قيادة كييف”، وأن “الهجوم على بريانسك تمت الموافقة عليه من قِبَل السلطات الأوكرانية”.
بعد ذلك التوغل، أصدر البنتاغون بياناً قال فيه: “يمكننا أن نؤكد أن حكومة الولايات المتحدة لم توافق على نقل أي طرف ثالث للمعدات العسكرية الأمريكية إلى المنظمات شبه العسكرية خارج القوات المسلحة الأوكرانية، ولم تطلب الحكومة الأوكرانية مثل هذا النقل”.
قد يكون هذا ما تقوله واشنطن للأوكرانيين، لكن من غير الواضح ما إذا كان الأوكرانيون يستمعون. ونفت كييف علناً ​​تورطها في التوغل، لكنَّ مسؤولاً أوكرانياً اعترف سراً بحدوث “تعاون”.
بافتراض أنه لم يكن هناك تحوّل في سياسة الولايات المتحدة، فإن هذه الهجمات الجريئة يمكن أن تكون مؤشراً على الدرجة التي تشعر بها كييف الآن أنها قادرة على تجاهل رغبات الولايات المتحدة بينما تستمر في تلقي مبالغ ضخمة من المساعدة الأمريكية.
تتزامن هذه الهجمات مع إعلان الولايات المتحدة أنها ستزود أوكرانيا الآن بطائرات قاذفة مقاتلة من طراز F-16 – وهي طائرات يمكنها ضرب عمق روسيا. وقال بايدن إن الرئيس زيلينسكي قد وعد بأن هذه الطائرات لن تُستخدم في الواقع لمهاجمة الأراضي الروسية، ولكن بالنظر إلى التطورات الأخيرة وتقييم المخابرات الأمريكية بأن أوكرانيا كانت وراء عدة هجمات في روسيا، فإن الاعتماد على مثل هذه الوعود قد يكون مخاطرة.
في النهاية، يقول محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية للموقع الأمريكي، إن “المشكلة المتعلقة بزيادة دعمنا المستمر لأوكرانيا اعتقاداً منا بأن روسيا ليس لديها أي خطوط حمراء، هي أننا لن نعرف أننا تجاوزنا الخط الأحمر حتى نتجاوزه فعلياً وترد علينا روسيا بذلك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى