تقارير وملفات إضافية

كيف يحاول الرئيس التونسي إجبار الأحزاب على التصويت لحكومات كفاءات لن تشارك بها؟

هل ستمر حكومة الكفاءات التونسية التي يسعى رئيس الوزراء المكلف هشام المشيشي لتشكيلها من شخصيات مستقلة رغم أنف الأحزاب؟

هذا السؤال بات يشغل الشارع والساحة السياسية التونسية بقوة منذ أكثر من أسبوع، في ظل إصرار غالبية الأحزاب الكبرى في البلاد على حكومة سياسية، وتوجّه الرئيس لتشكيل حكومة كفاءات.

ورغم حالة الرفض الحزبي هذه لحكومة الكفاءات، فإن مراقبين يرجحون تمرير الحكومة بسبب خشية الأحزاب من الذهاب إلى انتخابات مبكرة تضيع مكاسبها البرلمانية الحالية، ولعدم رغبتها في بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية بقيادة إلياس الفخفاخ.

والإثنين، قال رئيس الوزراء التونسي المكلف، في تصريحات صحفية، إن “الاختلاف الكبير بين السياسيين يحولُ دون تشكيل حكومة من جميع التيارات، ما يحتم (تشكيل) حكومة كفاءات مستقلة تماماً”.

والحكومة “المستقلة” مرفوضة من حركة “النهضة” (54 نائباً من أصل 217) وحزب “قلب تونس” (27 نائبًا)، و”التيار الديمقراطي” (22 نائباً)، و”ائتلاف الكرامة” (19 نائباً)، وحركة “الشعب” (15 نائباً).

واللافت هنا أن “التيار الديمقراطي”(يسار وسط) والشعب (ناصري) كلاهما، كان مناهضاً لحزب النهضة في العديد من المواقف، ولكنهما الآن يتفقان معها في رغبتها في تشكيل حكومة سياسية.

فيما تدعم خيار حكومة الكفاءات أربع كتل برلمانية هي: “الإصلاح” (16 نائباً من أحزاب صغيرة)، والكتلة الوطنية (11 نائباً منشقون عن حزب قلب تونس)، و”الدستوري الحر” (16 نائباً)، وكتلة “تحيا تونس” (16 نائباً).

ولم تحسم كتلة “المستقبل” (9 نواب) موقفها بعد من حكومة المشيشي المقبلة.

“رغم الغالبية الحزبية المعارضة لحكومة كفاءات مستقلة، فإن  الأحزاب ستجد نفسها مضطرة للتصويت لها رغم تحفظاتها ورفضها لها”، حسب الباحث في الفلسفة السياسية المعارضة رياض الشعيبي.

وقال الشعيبي، للأناضول، إن “الأحزاب السياسية بين خيارين، إما التصويت على الحكومة ومنحها الثقة أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو السيناريو الذي تتهرب منه أغلب الأحزاب خشية فقدان مكاسبها الحالية في البرلمان”.

وتابع: “بالنظر للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الصعب في البلاد وتراجع شعبية الأحزاب وتوقع نسبة المشاركة في أي انتخابات مبكرة ضعيفة جدا، المحتمل هو أن تصادق أغلب الأحزاب في نهاية المطاف على حكومة الكفاءات المستقلة”.

المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة يوافق الشعيبي في ما ذهب إليه، معتبراً أن “حكومة المشيشي ستمر في ظل خوف الأحزاب من حل البرلمان والانتخابات المبكرة”.

وأضاف بوعجيلة: “ستمر وزارة المشيشي كذلك خوفاً من استمرار حكومة تصريف الأعمال خاصة أن الرئيس سعيد يمكنه الإبقاء عليها في ظل غياب محكمة دستورية تفسر الدستور”.

وتابع: “تأويل الرئيس للدستور يجعل حكومة تصريف الأعمال تستمر لأشهر وحتى لسنوات، وهذا لا يرضي حركة النهضة وحزب قلب تونس”.

ويذهب بوعجيلة إلى أن “تمرير حكومة المشيشي سيتبعه التفكير في تغيير قانون الانتخابات وتشكيل المحكمة الدستورية”.

وتوقّع في هذه الحالة أن “تصبح حكومة المشيشي بعد 6 أشهر في مهب الريح  وموضع سحب ثقة”.

إلا أنه لا يستبعد “أن يذهب المشيشي في إطار تقدير مصلحة البلاد، بعد التشاور مع الأحزاب السياسية إلى حكومة تجمع بين الكفاءات المستقلة والحزام الحزبي”.

ويُعتبر تكليف حكومة كفاءات مستقلة، وفق خبراء، رسالة ثانية من الرئيس سعيد، إلى الأحزاب بعدم قناعته بأنهم يستطيعون تحقيق تطلعات المواطنين، بعد “رسالة” تكليف المشيشي بتشكيل الحكومة من خارج كل الأسماء التي اقترحتها الأحزاب.

ويرى الباحث الشعيبي أن “الرئيس التونسي ينطلق من رؤية تحقر العمل الحزبي وتعتبر أن الديمقراطية القائمة على الأحزاب لا تستطيع أن تحقق تطلعات المواطنين”.

وأضاف الشعيبي: “في اختيار الرئيس سعيد للمشيشي من خارج مرشحي الأحزاب توجه لتهميش دور الأحزاب”.

واعتبر أن “الإشكال القائم هو أن حكومة الكفاءات لا تقدم أي ضمانات للمجموعة الوطنية حول البرامج التي يمكن أن تطبقها، وستكون بالتالي غير مسؤولة سياسياً على نتائج عملها والوحيد الذي سيتحمل مسؤولية فشل الحكومة أو نجاحها هو رئيس الجمهورية”.

من جانبه، يعتقد المحلل السياسي بوعجيلة أن “ثمة جملة من العوامل التي تبرر رسالة الرئيس سعيد للأحزاب، فوضع المنظومة الحزبية منذ ثورة 2011 لا يشجع على أن تحترم هذه الأحزاب”.

وأضاف بوعجيلة: “هناك صدى لدى الشعب بأن الأحزاب كلّها سيئة ولم تقم بشيء لفائدة المواطن، والرئيس يلعب على هذه الورقة التي لها إمكانية النجاح”.

وتابع: “حتى على المستوى العربي نحن في سياق نرى حراكاً شعبياً في كثير من البلدان قائماً على مواجهة كل الطبقة السياسية مثلما ما يحصل في العراق ولبنان”.

وذكر بوعجيلة أن “هناك عاملاً آخر شجع الرئيس سعيد على هذا الاتجاه يتمثل في الرغبة في أن يتحول إلى عنوان وفاعل سياسي آخر مختلف على العناوين القائمة على الساحة”.

وأوضح أنه لا يمكنه القيام بذلك “إلا إذا أقام رؤية على استهداف العناوين القائمة”.

وحول ما يمكن أن يشكله فرض حكومة الكفاءات المستقلة من مخاطر على الانتقال الديمقراطي في تونس، قال الخبير الشعيبي إنه “إذا بقي رئيس الجمهورية ملتزماً بالدستور، فإن حكومة الكفاءات المستقلة يمكن أن تستمر في أداء مهامها”.

إلا أن الشعيبي عبر عن “الخشية من ألا يطرح الرئيس بدائل سياسية للحوار داخل مجلس النواب وبين الفاعلين السياسيين، وأن يحاول فرض آرائه على الساحة الوطنية من خلال إجراءات تعسفية مستغلاً حكومة الكفاءات التي ستدين له وحده بالولاء”.

وقال: “من أخطر التحديات التي واجهها الانتقال الديمقراطي منذ 10 سنوات هو ما نعيشه اليوم من تقليل للأحزاب والنخبة السياسية رغم عدم إنكار مسؤولية الأحزاب السياسية أيضاً عن الوضع الحالي”.

وفي ذات السياق، حذّر الحبيب بوعجيلة من إمكانية “وجود من يريد إقناع الرئيس سعيّد بأن حكومة الكفاءات يجب أن تكون وستضطر الأحزاب للقبول بها أو تحمل فشل تشكيلها أو تعطيل أعمالها”.

وقال بوعجيلة: “إذا كان هذا التفكير قائماً فستدخل جميع الأطراف (الرئيس والأحزاب) في وضعية صراع وسيكون الانتقال الديمقراطي ضحية”.

ورأى أن “هذه الحالة ستدفع الشعب ليقول إن الجميع فشلوا والديمقراطية لم تأتِ بشيء، حينها يمكن فسح المجال لفكرة الزعيم الأوحد، ويصبح طلب القوي العادل أكثر من طلب التعددية والديمقراطية”.

ورجح بوعجيلة “وجود مؤمرات حقيقية مهمتها تشويه الطبقة السياسية وبعد ذلك الديمقراطية لتمر إلى شكل جديد من الاستبداد الذي يصبح طلباً شعبياً وليس أمراً مفروضاً”.

وعاشت تونس مؤخراً أزمة سياسية حادة، نتيجة تصاعد الخلافات بين الفرقاء السياسيين، وشبهات تضارب مصالح أجبرت رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على الاستقالة.

في 25 يوليو/تموز الماضي، كلف الرئيس التونسي، هشام المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة خلال شهر واحد، بدأ يوم 26 من الشهر ذاته.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى