آخر الأخباركتاب وادباء

” لقد فهمتكم ” من شارل ديغول الى زين العابدين بن علي

بقلم الباحث المتخصص

فرج كُندي

عضو مؤسس فى “منظمة إعلاميون حول العالم”

بعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في 2 نوفمبر 1954 ميلادية و اثبات قدرتها على الاستمرار في المقاومة والنجاح في الصمود امام الة القمع الفرنسية المتوحشة, وعزمها على التضحية للوصول الى هدفها المنشود في تحرير التراب الجزائري من المستعمر الفرنسي والتأكيد على ان الجزائر ليست فرنسية بل هي عربية ودينها الاسلام .

وبسبب هذه الانتهاكات والتعذيب المنهجي ضد السكان الجزائريين صدم الراي العام الفرنسي من التقارير الصحفية التي وردت عن تصرفات الجنود الفرنسيين ذكرتهم بأساليب القمع النازي المتوحش الذي مارسته القوات النازية ضد المقاومة الفرنسية الرافضة للاحتلال الالماني لفرنسا .وكان من اهم هذه الاصوات هو الفيلسوف الفرنسي الشهير جون بول سارتر.

في حين علت اصوات المستوطنين الفرنسيين في الجزائر مطالبة بسحق الثورة الجزائرية وابادة أي صوت جزائري يطالب بحقة في الحرية و الاستقلال, وسرعان ما نجحت في اسقاط حكومة ” بفيملين ” واعادة الجنرال شارل ديغول بطل المقاومة الفرنسية الى الحكم في يونيو 1958 ميلادي الذي شرع في تقديم دستور جديد للاستفتاء ونجح من خلاله في اعلان الجمهورية الفرنسية الخامسة ( جمهورية ديغول ) .

كان اول الاجراءات التي اتخذها الجنرال المنتخب حديثا ان طار الى الجزائر للوقوف على مطالب مجموعات المستوطنين الفرنسيين الذين اعلنوا التمرد على حكومتهم في محاولة لطمأنتهم في خطاب شهير اعلن فيه ان الجزائر ستبقى فرنسية وعرض برنامجه الذي يرضي حشود المتظاهرين الهائجين ويلبي طموحاتهم. كان الغرض منه هو طمأنة الجيش والمستوطنين الفرنسيين في الجزائر قائلا (( لقد فهمتكم )) دون اعتبار أو فهم للحركة الثورية الوطنية الجزائرية ومطالبها بالحرية والاستقلال الذي انتزعته بعد تضحيات جسيمة بلغت ما يقارب المليون ونصف المليون شهيد, اجبرت ديغول على اعلان استقلال الجزائر في 3 يوليو 1962 ميلادية.

يقابل هذا المشهد في الجزائر مشهد اخر في تونس مع الجنرال زين العابدين بن على الرئيس التونسي الاسبق في خطابه الشهير لجمهور المحتجين التونسيين عقب اندلاع ثورة يناير 2011 ميلادي التي اعقبت قيام المواطن البسيط ” البوعزيزي ” احد سكان مديمة ” سيدي بوزيد ” الفقيرة احتجاجا على ممارسة اجهزة بن على التي قامت بإهانته وبمصادرة عربته فكان رد فعله ان اقدم على اشعال النار في جسده , مما دفع بجماهير مدينة ” سيدي بوزيد ” للخروج في مظاهرات احتجاجا على الممارسات القمعية التي تمارسها اجهزة بن على وعلى تدني المستوى المعيشي الذي دفع ” البوعزيزي ” الى الاقدام على احراق نفسه.

كانت المظاهرات في “ سيدي بوزيد ”  الشرارة الاولى في اندلاع مظاهرات عارمة في كل ارجاء التراب التونسي تضامنا مع ” البوعزيزي ” ومطالبة بالحريات والحقوق وتحسين مستوي المعيشة .

قابل النظام هذه التظاهرات الجماهيرية المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية, بكافة انواع القمع والقتل والسجن, ومارس ابشع انواع البطش لوأد هذه المطالب, التي تحولت الى ثورة عارمة تطالب بإسقاط نظام بن على, وقيام نظام جديد قائم على الحرية والتبادل السلمي على السلطة, وهذا مالم يقبله جنرال سابق فى الجيش تولى وزارة الداخلية ثم رئاسة الوزراء ثم  جاء الى كرسي الرئاسة عبر انقلاب داس به دستور البلاد .

كثفت اجهزة بن على القمعية محاولاتها سحق ارادة الشعب التونسي لكن كانت تضحيات ابناء تونس اكبر من قمع الة بن على القمعية حتى اجبرته ان يقف امام الشعب التونسي منكسرا خانعا خائفا يقول ” لقد فهمتكم ” هي نفس الكلمة التي رددها الجنرال ديغول امام جموع المستوطنين الفرنسيين في الجزائر قام باستدعائها الجنرال بن على لكونه ذو خلفية عسكرية وثقافة  فرنكوفونية ” بكل غباء لأنه وضع الكلمة ” الصح ” في الوقت الخطاء في المكان الخطاء فلا هو ديغول ولا الشعب التونسي هو جموع المستوطنين الفرنسيين, فمطالب الشعب التونسي هي الحرية والعدالة الاجتماعية على ارضه ومن خيرات بلاده في حين المستوطنين الفرنسيين محتلين وغاصبين لحريات وثروات شعب الجزائر .

وباستدعاء بن على لكلمة ديغول في الوقت الخطاء والمكان الخطاء كأنه يستدعي النتيجة الصحيحة التي جاءت عقب  كلمة الرجلين , فقد اجبرت ثورة التحرير الجزائرية القوات الفرنسية ومستوطنيها على الخروج الي الابد منهزمة منكسرة من أرض الجزائر في عام 1962ميلادي وكذلك اجبرت الثورة التونسية الجنرال بن على الهروب من تونس والي غير رجعة  في يناير 2011 ميلادي .

وهذه سنة التاريخ الفهم المستكبر والمتأخر لا يجدي مع اصرار الشعوب على نيل الحرية, ولا يطيل عمر الاستبداد ولا يحمي المستبدين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى