تقارير وملفات إضافية

لماذا أعلنت الإمارات إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل في هذا التوقيت ومن سيكون التالي من الدول العربية؟

رغم أن العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب معروف بشكل كبير بأنها وصلت لمستوى التحالف والتعاون الحميم، فإن الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل فجأة دون تمهيد يثير تساؤلات حول سر العجلة في هذا القرار، وهل هناك أسباب جديدة طرأت تقف وراءه.

وكانت وكالة أنباء الإمارات قد أعلنت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، اتفقوا في اتصال هاتفي جرى اليوم على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.

وقال البيان “سوف تجتمع وفود من دولة الإمارات وإسرائيل خلال الأسابيع المقبلة، لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة، والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة، وإنشاء سفارات متبادلة، وغيرها من المجالات ذات الفائدة المشتركة”.

يأتي هذا التطبيع في وقت تقوم فيه إسرائيل بخطوات لابتلاع الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وسط مصير مظلم للمسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين وأولى القبلتين.

ولكن حسب البيان الإماراتي، فإنه نتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي، وبناء على طلب الرئيس ترامب، وبدعم من دولة الإمارات، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراض فلسطينية وفقاً لخطة ترامب للسلام، وتركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي.

غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علق على الإعلان عن تجميد ضم أراضي الضفة بعد الاتفاق مع #الإمارات بأنه تأجيل مؤقت.

توقيت الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل، وفحوى الإعلان يكشف السبب في هذه العجلة، التي تخدم القادة الثلاثة.

بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يواجه مأزقاً حقيقياً في الانتخابات جراء إدارته السيئة لأزمة كورونا، فإن هذا يمثل نصراً رخيصاً لا يستطيع منافسه الديمقراطي جو بابدن التقليل من قيمته.

فعلى مدار التاريخ كان الصراع العربي الإسرائيلي ملفاً معقداً بالنسبة لأي رئيس أمريكي إلا ترامب.

فقبل ذلك كان الحلفاء العرب لأمريكا مهما كان خنوعهم أو نفورهم من القضية الفلسطينية يضغطون على واشنطن لمنع أي خطوات من شأنها إلحاق ضرر كبير بالقضية الفلسطينية، كما كانوا يقاومون ضغوطاً أمريكية للتطبيع، خاصة العلني، مع إسرائيل.

ولكن مع الجيل الجديد من القادة العرب، وتحديداً الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومحمد بن زايد، والأمير محمد بن سلمان، انعكست الآلية، وأصبح بعض المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين يسعون لكبح جماح هؤلاء القادة العرب، في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، والتفريط في الحقوق الفلسطينية واستهداف رموزها.

وحتى ترامب نفسه أكثر رئيس منحاز لإسرائيل في تاريخ أمريكا، بدا غير متحمس لتطبيق خطة ضم الضفة، بعد أن وافق عليها ضمن صفقة القرن التي يبدو الثلاثي العربي صامتاً عليها بشكل غريب، وتم الاحتفال بها بوجود عربي.

وبالفعل، البيان المشترك للدول الثلاث، حمل ثناء من قبل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على مشاركة الإمارات العربية المتحدة، في حفل الاستقبال الذي أقيم في البيت الأبيض، في 28 يناير/كانون الثاني، حين قدم الرئيس ترامب خطته للسلام، وأعربا عن تقديرهما للتصريحات الداعمة التي أدلت بها الإمارات العربية المتحدة.

والآن ترامب  يحتاج إلى نجدة في الانتخابات، ولذا عاد إلى جعبته العربية ليحصل على خبر سيحتل به نشرات الأخبار، فهو محظوظ بحلفاء عرب متحمسين للعلاقات مع إسرائيل أكثر منه.

وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن التطبيع مع الإمارات سيعطيه دفعة هائلة في مواجهة احتجاجات شديدة على حكمه، واتهامات بالفساد تلاحقه، واحتمالات انهيار الائتلاف الحاكم المضعضع أصلاً والذهاب.

فهذه الخطوة ستجعل موقفه أقوى في حال الذهاب لانتخابات رابعة لن يكون فيها مسلحاً فقط مع تطبيع إماراتي، بل أيضاً تطبيع هو بمثابة كارت أخضر عربي لابتلاع الضفة الغربية، خاصة أنه تم الإعلان عن وقف الخطة وليس إلغاءها.

وفي الوقت ذاته، بالنسبة للإمارات فإن خطوتها التطبيعية ستزيد فرص فوز مرشحها ورئيسها الأمريكي المفضل دونالد ترامب، في وقت يتوعد فيه الديمقراطيون إذا فازوا بالانتخابات بإنهاء عهد التفويض بلا حساب للمستبدين العرب من أصدقاء ترامب.

ولكن إقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل، ليس فقط متعلقاً بالأهداف الانتخابية لنتنياهو وترامب.

ولكن بهدف استراتيجي مهم، هو التحالف الذي تحاول الإمارات تشكيله ضد تركيا.

بالنسبة للشيخ محمد بن زايد، الرجل القوي في الإمارات، فالقضية الرئيسية لديه هي الديمقراطية والإخوان المسلمون وتركيا.

فالرجل لا يبدو أنه يأبه بأن إيران تحتل جزره الثلاث، وتسيطر على أربع عواصم عربية أو أن الحوثيين هزموا فعلياً التدخل السعودي الإماراتي وأصبحوا سادة اليمن.

وفي مقابل هذا العداء الغريب من قبل بن زايد للإسلاميين السنة لا الشيعة، والمعتدلين لا المتطرفين، والذي بدأ يتركز أكثر على تركيا، وأردوغان شخصياً، إلى درجة المضاربة على الليرة التركية لإضعافها، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو ميالاً لأردوغان، وأكثر تبنياً لوجهة نظره في قضية ليبيا تحديداً، حيث تتواجه الإمارات وتركيا، كما أنه لا يبدو أنه يأبه كثيراً للخلاف اليوناني التركي، الذي تصر فرنسا التدخل فيه بطريقة تقوي الشكوك بأنها مدفوعة من قبل أبوظبي، حليفتها العربية الأثيرة، وممولة صفقات الأسلحة الخاصة بها في المنطقة.

ومن هنا، ليس هناك وسيلة لجذب ترامب للصف الفرنسي الإماراتي المصري في مواجهة تركيا أفضل من إغرائه بالملف الإسرائيلي في وقت الانتخابات.

كما أن الهدف من التحرك الإماراتي أيضاً جذب إسرائيل، وهي طرف في الصراع في شرق المتوسط، اتسم بالتقلب أحياناً بين التقارب مع مصر واليونان وقبرص، والانقلاب عليهم، وعدم قطع شعرة معاوية مع تركيا، التي تبدو تل أبيب غاضبة منها في الأساس بسبب مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني، في وقت تخلى فيه عنه كبار الزعماء العرب.

ويأتي ذلك بعد وعيد تركي غير مسبوق للإمارات بمعاقبتها، ولم يصدر من شخصية عادية، بل من وزير الدفاع خلوصي آكار، وهو تهديد جاء الرد الإماراتي عليه ضعيفاً، ما يشير لقلق أبوظبي من نوايا أنقرة.

ولذا فإن هذه الخطوة التطبيعية الفجة جزء منها استقواء بإسرائيل وأمريكا، ومحاولة لإبعاد ترامب عن أردوغان.

ولذا كان لافتاً التصريح الإسرائيلي الحاد الداعم لليونان في مواجهة تركيا، والذي قد يبدو متسقاً مع موقف تل أبيب الغاضب من دعم أنقرة للشعب الفلسطيني وإن كان مختلفاً في حدته.

فهذا التصريح الإسرائيلي يبدو أكثر حدة من نبرة المواقف الإسرائيلية التي لا تريد قطع شعرة معاوية مع تركيا.

ولكن قد يكون هذا التصريح وما يترتب عليه من توتر إضافي لعلاقات إسرائيل مع تركيا هو ثمن ضروري يدفعه نتنياهو نظير المكاسب الكبيرة التي تقدمها له أبوظبي.

والإمارات لم  تحاول إخفاء هذه الحقائق، إذ قال البيان الإماراتي إن أمام الدول الثلاث العديد من التحديات المشتركة في الوقت الراهن، وستستفيد بشكل متبادل من الإنجاز التاريخي الذي تحقق اليوم.

في المقابل، فإنه لتمرير هذه الأهداف فإن البيان تحدث عن وقف وليس إلغاء خطة الضم للضفة.

كما تحدث البيان أن الطرفين سيواصلات جهودهما في هذا الصدد للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبحسب خطة السلام، يجوز لجميع المسلمين أن يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وينبغي أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة أمام المصلين من جميع الأديان.

واللافت أن البيان لم يتحدث إطلاقاً عن سيطرة المسلمين على المسجد الأقصى، بل زيارته، كما لم يُشر إلى الموقف العربي الرسمي، وهو أن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين التي يجب أن تقام على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، في تماهٍ واضح من أبوظبي مع مساعي إسرائيل لضم القدس.

كما لم يشر البيان إطلاقاً إلى الجولان السوري، المحتل عام 1967، والذي اعترفت إدارة ترامب بضمه إلى إسرائيل.

واللافت أيضاً أن البيان يتحدث عن إسرائيل ستركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي.

وإذ تؤمن كل من الولايات المتحدة ودولة الإمارات وإسرائيل بإمكانية تحقيق إنجازات دبلوماسية إضافية مع الدول الأخرى، فإنها ستعمل معاً لتحقيق هذا الهدف، في تمهيد واضح لعملية تطبيع مماثلة من قبل البحرين، وقد تكون فيها السعودية (وفي الأغلب بنفس الشروط).

ومع أن اتخاذ السعودية مثل هذا القرار أكثر صعوبة بالنظر لوزنها الديني، والتأثير الباقي للملك سلمان بن عبدالعزيز الكابح للاندفاعة للتطبيع، لكن الحملة التي يتعرض لها ولي العهد السعودي  الأمير محمد بن سلمان في الولايات المتحدة بسبب الاتهامات له بمحاولة اغتيال رجل الاستخبارات سعد الجبري، قد تجعله أكثر استعداداً للانصياع للمبادرة الإماراتية والرغبات الترامبية.

بدايه التطبيع الخليجي من الامارات

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى