كتاب وادباء

لماذا تقدم “الغرب ” وتأخر “العرب ؟”

من روائع الأديب الكاتب

السعيد الخميسى

*  حقيقة دامغة لا ريب فيها لا يختلف فيها اثنان ولا يتناطح عليها عنزان أن  ” الغرب ” قد حقق تقدما مهولا ونجاحا كبيرا فى شتى مجالات الحياة العلمية والاقتصادية والسياسية والتعليمية وغيرها حتى وصل إلى سطح القمر والكواكب الأخرى للعلم والبحث واستكشاف أسرار الكون الفضائية . بينما عالمنا العربي مازال مقبورا مع الأموات فى باطن الأرض السابعة يبحث عن خرم إبرة لكى يتنفس منها الصعداء . المقارنة ظالمة بيننا وبينهم . نعم .. هم بلا تاريخ كبير أو تراث قديم أو مجد تليد , لكنهم أخذوا بأسباب التقدم والرقى فأعطاهم الله عز وجل الدنيا , لأن الدنيا لمن يعمل ويجتهد ويجد . أما نحن فى عالمنا العربي , فإننا بلا شك ضحية حكومات لم تؤد دورها على كافة الأصعدة , فتأخرت الشعوب وتبلدت الأوطان وتيبست الدول فى ثلاجة دفن الموتى . لقد أصبحت بعض الدول تتسول لقمة عيشها , بل تحولوا إلى عشائر وقبائل يقتل بعضهم البعض وكأنها ردة إلى عصر الجاهلية الأولى .

* لقد كانت أوروبا فى العصور الوسطى ترضخ تحت حكم الكنيسة وسميت تلك الحقبة بالعصور المظلمة Dark Ages لاتعرف تقدما ولاعلما وكان يحكمها نظام كهنوتي ثيوقراطي. حيث كانت سلطة الكنيسة هى الآمر الناهي وهى التي كانت توزع صكوك الغفران وتحدد من يذهب إلى الجنة ومن يذهب إلى النار..! . وتستمد فيها السلطة الحاكمة سلطاتها من الله على حسب زعمهم ومن ثم تصبح معارضتها هو عدوان على سلطة الله فى الأرض  , ومن هنا كان مصطلح الفاشية الدينية الذي ألصقوه بكل ماهو اسلامى اليوم ظلما وزورا . فى أوروبا  , كان يتم حرق و قتل العلماء و المفكرين إبان العصور الوسطي لأنهم قالوا أن الأرض ليست مركز الكون وهذا ما يخالف الاعتقاد القويم الذي اعتمدته الكنيسة الكاثولوكيه آنذاك ، تم حبس ” غاليليو” آخر  3 سنوات من عمره فى منزله تحت الإقامة الجبرية ، تم قتل عشرات العلماء و المفكرين و الفلاسفة لأنهم خالفوا الكنيسة حينذاك .

* بينما كانت أوروبا تعيش فى ظلمات بعضها فوق بعض , كانت بغداد فى دولة هارون الرشيد هى منارة العلم والأدب والثقافة تتطلع إليها أنظار أوربا الغارقة فى بحر من الظلام . وقد دامت تلك الحضارة أكثر من خمسة قرون وكانت تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلسي . ارتقت فيها العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية. ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الثانية والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها. وتطورت العلوم خصوصًا الفيزياء الفلكية والتقنية، وابتكرت عدد من الاختراعات كالساعة المائية . و صارت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأي والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع ، حتى ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوربا رسلها إلى بلاطهِ تخطب وده، وتطلب صداقته.

* هذا هو تاريخنا القديم الذي أبهر العالم . فما الذي حدث اليوم حتى  انقلبت الطاولة وانقلبت الموازين رأسا على عقب . الحق أقول أن هناك أسبابا لايمكن حصرها فى مقال واحد لأنها أكثر من أن تعد وتحصى . ولنأخذ مثالا واحدا للدلالة على أن أوربا والغرب قد أخذوا بأسباب التقدم  والرقى. فمثلا السيناتور الأمريكي أو النائب البرلماني فى دول أوربا ليس فردا عاديا , بل هو مركز استنارة لكل المجتمع الذي انتخبه . فلا يمكن لهذا النائب أن يوافق أو يرفض أى اقتراح سياسي قبل الرجوع لمستشاريه المتخصصين فى شتى فروع العلم والمعرفة والسياسة والاقتصاد حتى يستأنس برأيهم ويقف على حقيقة الأمور . إن النائب هناك له مركز استشارى على أعلي مستوى للرجوع إليهم ومناقشتهم فى كل قضية قبل أن يبدى رأية فى أى مسالة تخص وطنه حتى يكون على علم وهدى .

* ومن جانب آخر , انظر وتأمل إلى مستوى نائب البرلمان فى عالمنا العربي. ستصدم وستصاب بأزمة نفسية وعصبية كبيرة عندما أذكرك بأن السادة النواب في عالمنا العربي هم  من ضمن أسباب كوارثنا وتأخرنا وفقرنا وجهلنا . فهذا نائب متخصص فى النهب والسرقة , وهذا متخصص فى اللهو واللعب , وهذا متخصص فى التزوير والتدليس , وذاك أمى لا يقرأ ولا يكتب ولا يعلم للعلم طريقا . أضف إلى ذلك لصوص المال العام والمتورطين فى علاقات مشبوهة بأعداء الوطن . ولاننسى نواب التصفيق والتكبير والتهليل والموافقة دون علم أو دارية بأى قضية محورية تمس الأمن القومى للوطن. إن النائب العربى ضعيف الشخصية هش البنية الأساسية الفكرية , غاية مراده أن يظهر على الشاشة أمام أبناء دائرته وهو نائم يتثاءب من فرط الكسل والتراخى . وإذا تحدث عن طريق الخطأ انكشف جهله وانفضح أمره وظهرت ضحالة ثقافته إلا مارحم ربى .

* أما عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب وحرية الصحافة , فحدث ولا حرج . فمازال عالمنا العربي بعيدا كل البعد عن تلك الثقافة , يسمع عنها ولم يعايشها قط . المسؤول  فى عالمنا العربى صغيرا كان أم كبيرا , وزيرا كان أم غفيرا  لا يستقيل وإنما يقال , يحاسب ولا يحاسب , يصيب ولا يخطأ , يأمر ولا يؤمر . أما المسؤول عند الغرب فهو شخص عادى بل أقل , له خطة زمنية محددة لتنفيذ برنامجه وإلا سوف يحاسب حسابا عسيرا على أى تفريط أو إفراط . ليس عند الغرب آلهة ولا أنصاف آلهة , وإنما عندهم بشر يصيبون ويخطؤون ويحاسبون أمام برلمانات قوية تمثل الشعب . لم يتقدم الغرب من فراغ , لكنهم احترموا شعوبهم ووظفوا قدراتهم توظيفا سليما لخدمة قضاياهم . أما نحن العرب فمازلنا كما يقول الشاعر : كالعيس فى البيداء يقتلها الظمأ.. والماء فوق ظهرها محمول . الله أسأل العفو والعافية لأوطاننا وعالمنا العربى المنكوب .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى