تقارير وملفات إضافية

لماذا حرص السيسي على سرية جلسة البرلمان بشأن التدخل في ليبيا؟ له أهداف أخرى غير إخفاء استعدادات الجيش العسكرية

لماذا عقد البرلمان البرلمان المصري جلسة سرية بشأن التدخل في ليبيا؟ ولماذا لم يتم عقد الجلسة بشكل علني حيث كانت ستُعد في هذه الحالة فرصة لحشد الرأي العام وراء القوات المسلحة.

ولماذا طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصلاً عقد جلسة للبرلمان للموافقة على إرسال قوات الجيش إلى ليبيا، رغم أن السوابق القليلة التي تدخلت مصر فيها في الخارج عسكرياً لم تستلزم بالضرورة إذناً من البرلمان، علماً أنه في هذه العهود كان البرلمان أقوى من البرلمان الحالي الذي يُعد الأضعف في تاريخ مصر.

تساؤلات عدة أثارها التكتم الشديد الذي أحاط بجلسة البرلمان المصري بشأن التدخل العسكري في ليبيا، والتي تم عقدها بشكل سري، رغم أن مثل هذه الجلسات تعقد في أغلب دول العالم بشكل علني، خاصة أنها لا تتضمن تفاصيل عسكرية يجب حجبها عن العدو المفترض.

ونادراً ما سمع الشعب المصري بجلسات تفويض من قبل مجلس النواب، حيث إن أغلب الحروب التي خاضتها مصر كان أمر تدخل الجيش يصدر من رئيس الجمهورية مباشرة، حسب وصف موقع RT الروسي.

ووفقاً لوسائل الإعلام المصرية، فإن الدستور المصري قبل 2014 لم يتضمن المادة 152، التي تنص على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء.

وقال اللواء جمال مظلوم، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، إن “الجلسة تم التصويت فيها على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، أمر لم نشهده من قبل في التاريخ المصري الحديث، ففي معظم الحروب التي شهدتها مصر، كان إرسال القوات المسلحة لأي أغراض قتالية قراراً يصدر من رئيس الجمهورية مباشرة”.

وعن أسباب “سرية” الجلسة، قال وكيل مجلس النواب المصري السيد الشريف في مداخلة مع الإعلامي أحمد موسى، إن اللائحة الداخلية المنظمة لعمل المجلس يجب أن تكون سرية حفاظاً على الأمن القومي المصري.

ولكن يلاحظ عدة أشياء ترتبط بعقد هذه الجلسة، أبرزها أن الجلسة لم تذكر ليبيا أو تركيا بالاسم، بل القرار يتضمّن موافقة مجلس النواب على إرسال عناصر من القوات المسلحة في مهام قتالية خارج حدود الدولة، في الاتجاه الاستراتيجي الغربي، ضد أعمال الميليشيات الأجنبية.

وبصرف النظر عن أن المعنى واضح ومفهوم، ولكن عدم الإشارة إلى ليبيا وتركيا بالاسم في القرار يشير إلى رغبة في عدم المبالغة في التصعيد من قبل الرئيس المصري، واستخدام قرار البرلمان كورقة في المفاوضات حول سرت والجفرة ومنطقة الهلال النفطي، في ظل وجود مفاوضات عسكرية بين الجانبين الليبيين، تخاض حالياً برعاية أممية، والأنباء عن تقديم حكومة الوفاق مقترحاً لإقامة منطقة عازلة، تمتد من الهيشة الجديدة وحتى السدادة قرب سرت وتاغوراء، حسب تقارير إعلامية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال بعد قرار البرلمان المصري إن بلاده تتابع عن كثب المستجدات في الساحة الليبية، مشيراً أنها لن تعطي أي فرصة لأي طرف يفكر في تنفيذ خططه هناك.

من جانبها، دعت الأمم المتحدة لمساعدة الليبيين على الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، بدلاً مما سمته بإضافة “الكيروسين إلى النار”، وقالت إن تفويض البرلمان المصري للسيسي بإرسال قوات خارج الحدود بالاتجاه الغربي “يعد مصدر قلق كبيراً”.

ورداً على أسئلة صحفيين بشأن تفويض البرلمان المصري، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، “ستيفان دوجاريك”، خلال مؤتمر صحفي عبر دائرة تلفزيونية: “نتابع ذلك عن كثب.. هذه التطورات مصدر قلق كبير”.

الرغبة في عدم المبالغة في التصعيد مع حكومة الوفاق وتركيا قد تكون وراء قرار القاهرة بأن تكون جلسة البرلمان المصري، لمنح تفويض للقوات المسلحة للتدخل في ليبيا سرية.

يريد الرئيس المصري استخدام هذا التفويض ورقةً في مواجهة حكومة الوفاق وتركيا والولايات المتحدة (التي يمكن اعتبارها الوسيط الوحيد في الأزمة، بينما الفاعلون الآخرون متورطون في الأغلب).

ولكن في الوقت ذاته لا يريد الرئيس السيسي عقد جلسة علنية للبرلمان سيتبارى فيها النواب في الحماسة بشكل قد يحرج الرئيس إذا انتهى الأمر بعدم التدخل في ليبيا أو تدخل محدود لن يؤدي إلى تغيير جذري على الأرض.

كما أن الأمر من شأنه خروج التصعيد المصري عن خطوطه المحسوبة، والتي بدا أنها تميل إلى التهدئة أكثر من التصعيد، سواء من جانب القاهرة أو حتى أنقرة، خاصة في ظل اتصالات ترامب مع الرئيسين المصري والتركي.

الأهم لدى الطرفين المصري والتركي أن كلاهما لا يريد الحرب، أو تحديداً الحرب مباشرة بين جيشي البلدين الأكبر في المنطقة، وكلاهما يعلم أن الحرب قد تقع أحياناً رغم إرادة الطرفين، وعقد جلسة علنية ببرلمان أغلبه من الهواة والمزايدين قد يفسد المعادلة الدقيقة التي يخوضها الطرفان.

وبالتالي فإن جلسة برلمانية مفتوحة قد تحمل مخاطر تصعيد غير محسوب أكثر من حملها مخاطر لتسريب أسرار عسكرية عن التدخل المحتمل للجيش المصري (على الأرجح أن أعضاء البرلمان الأكثر شكلية في تاريخ مصر يعلمون عن الجيش المصري أقل مما تعرفه مراكز الأبحاث العالمية التي تنشر مقالاتها علناً، أو حتى أقل من الصحفيين الدوليين المتخصصين في الشأن العسكري).

ولكن هناك سبب إضافي قد يكون وراء سرية الجلسة.

في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ومن قبله بالأخص الرئيس أنور السادات، كان هناك دور ما للبرلمان، وكان يتم الحفاظ على حد أدنى من الأداء النيابي حتى لو شكلياً، وكان أعضاء البرلمان المصري على مسمياته، وبالأخص رئيسه، لهم تراتبية مهمة في السلطة المصرية، وكان للحزب الوطني دور حقيقي في السلطة، بحيث يستحق أن يلقب بالحزب الحاكم.

ولكن جاء الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي من قلب النظام العسكري، حاملاً احتقاراً شديداً لأروقة الدولة المصرية التقليدية (مفضلاً الأجهزة الأمنية والعسكرية حتى في بناء المنازل)، وفي مقدمتها البرلمان والأحزاب، واختفى الاحتفاء الشكلي بالبرلمان، وأصبح المصريون يترحمون على فصاحة فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب الأسبق، التي كانوا يرونها مبالغاً فيها مقارنة بالأخطاء اللغوية الفادحة لعلي عبدالعال، رئيس مجلس النواب الحالي، وضعف أدائه الذي لا يختلف عليه حتى أعتى مؤيدي النظام.

فمن الواضح أن السلطة نفسها تتعامل مع البرلمان باستخفاف وهيمنة أمنية كاملة، سواء في طريقة اختيار أعضائه، أو في إدارة طريقة عمله (كما ظهر في إقرار التعديلات الدستورية على عجالة)، وبالتالي لا يريد النظام الذي همّش البرلمان في كل خطوة أن يعطيه بطولة مزعومة في معركة ليبيا، التي يصورها باعتبارها معركة القومية العربية والوطنية المصرية المنشودة.

يظل الأهم في فهم التعامل المصري مع الأزمة الليبية، رصد ثلاث نقاط هامة بعيداً عن البرلمان الذي يقلل النظام نفسه من قيمته.

الأولى المواقف الخارجية، لاسيما الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والإمارات، الثانية موقف الطرف الآخر، وهي طريقة تعامل تركيا وقوات حكومة الوفاق مع أي تدخل مصري.

والنقطة الثالثة هي موقف الحلفاء الليبيين المفترضين على الأرض، وهو موقف من الواضح أنه مازال ملتبساً، إذ إنه من الواضح أن هناك خلافات أو محاولات مصرية لتهميش حفتر لصالح بعض زعماء القبائل المحسوبين على رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، وهو أمر من شأنه إضعاف جبهة قوات شرق ليبيا.

لأنه بينما حفتر مشروع برقاوي بالأساس، إلا أن له وجوداً في الوسط والغرب، بينما نفوذ عقيلة صالح وجوده الأساسي في أقصى شرق ليبيا، حيث توجد قبيلة العبيدات ومعقلها طبرق، وهو ما يجعله عاملاً مساعداً لأي دخول محتمل للقوات المصرية عبر حدود ليبيا الغربية، ولكن تأثيره سيكون محدوداً في أي معارك في منطقة سرت والهلال النفطي.

الأمر الذي يثير تساؤلاً حول إذا ما كان أي تدخل مصري محتمل سيكون هدفه نصرة حفتر في مواجهة قوات الوفاق، فلماذا إذن تجاهل السيسي تماماً الإشارة إلى حفتر، وما يسمى الجيش الليبي الوطني في خطبه الأخيرة، أم أن هدف التدخل المصري سيكون خلق نفوذ مصري مباشر عبر تواجد الجيش المصري مع تحالفات قبائل المنطقة الحدودية بين البلدين، والتي هي بطبيعتها قريبة لمصر.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى