تقارير وملفات إضافية

لماذا خالف ترامب نصائح مستشاريه وسمح للأتراك بإنشاء منطقة آمنة بشمال سوريا؟

جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسماح للقوات التركية بدخول شمال سوريا لإقامة منطقة آمنة ليشكل تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية وينهي واحدة من أكثر الإشكاليات في العلاقات التركية الأمريكية، وكذلك يفتح الباب لاحتمال عودة ملايين اللاجئين السوريين لبلادهم.

والإعلان الأمريكي جاء بعد تهديد تركي بتنفيذ هجوم في شمال سوريا بعد التأخر الأمريكي في تنفيذ اتفاق أبرم في أغسطس/آب 2019، بشأن إنشاء منطقة آمنة أو عازلة على الحدود السورية مع تركيا بتنسيق بين الأمريكيين والأتراك.

وتريد تركيا إنشاء «منطقة آمنة» على عمق 20 ميلاً وبطول 300 ميل على الحدود التركية السورية شرق الفرات. وقالت إن تلك المنطقة ستكون مخصصة لعودة مليون سوري على الأقل.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد مكالمة هاتفية مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان اليوم الأحد إن الولايات المتحدة ستقف جانباً مع إطلاق أنقرة لعملية «مخطط لها منذ فترة طويلة».

وقال بيان للبيت الأبيض صدر في وقت متأخر مساء يوم الأحد: «لن تدعم القوات المسلحة للولايات المتحدة أو تشارك في العملية، ولن تكون قوات الولايات المتحدة، بعد أن هزمت «الخلافة» الإقليمية لداعش، موجودة في المنطقة المجاورة»، وفقاً لأقوال أخرى لداعش.

وتمثل هذه الخطوة تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية، بعدما كان التحالف مع الأكراد يمثل واحدة من أكبر مشكلات العلاقات بين واشنطن وأنقرة صاحبة ثاني أكبر جيش في حلف الناتو.

ولكن لماذا تحرص تركيا بهذا الشكل على التدخل في شمال سوريا وإقامة منطقة عازلة على حدودها، ولماذا اتخذ ترامب هذا الموقف؟

هناك هدفان رئيسيان لاهتمام تركيا بإنشاء منطقة عازلة أو آمنة على حدودها مع سوريا.

الأول هو رغبتها في تأمين حدودها وعدم إقامة قوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد لدويلة في هذه المنطقة لأن أنقره ترى أن قوات حماية الشعب الكردي ما هي إلا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا وأغلب الدول الغربية.

وحسب معهد كارنيغي فقد أُنشئ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عام 2003 على يد عناصر سوريين في حزب العمال الكردستاني المسلح المناهض للدولة التركية.

السبب الثاني لرغبة تركيا في إنشاء منطقة عازلة هو خطتها لتسكين ملايين اللاجئين السوريين في هذا الجزء من بلادهم غير الخاضع لنظام الأسد الذي هربوا منه.

فمن المعروف أن تركيا هي أكبر مستضيف للاجئين السوريين في العالم، وأصبح هذا يمثل ضغطاً على حكومة حزب العدالة والتنمية وهو ما ظهر في انتخابات بلدية إسطنبول التي خسرها الحزب.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الإثنين 28/ 01 / 2019، إن بلاده تهدف إلى إقامة مناطق آمنة في شمال سوريا حتى يتمكن نحو أربعة ملايين لاجئ سوري تستضيفهم تركيا من العودة لبلادهم.

وذكر أردوغان الذي كان يتحدث في إسطنبول أن نحو 300 ألف سوري عادوا بالفعل وأنه يتوقع عودة ملايين السوريين إلى المناطق الآمنة. 

وينظر الأتراك والثوار السوريون بريبة إلى المقاتلين الأكراد الذين تحالفوا منذ بداية الأزمة السورية مع النظام السوري رغم أنه تاريخياً قد اضطهدهم كما رفضوا الانضمام للأطر السياسية التي شكلتها المعارضة السورية وسيطروا على أماكن ذات غالبية عربية في شمال سوريا.

ويقول السكان المحليون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» إن تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولّد مشاعر استياء لدى العرب المثقّفين والمتمرّسين الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بإدارة مناطقهم، حسب تقرير لمعهد كارنيغي.

ويتولى الأكراد عادة اتخاذ القرارات الكبيرة والصغيرة في المناطق ذات الأكثرية الكردية والعربية على السواء.

وفي حين عُيِّن العرب في مناصب عسكرية ومدنية قيادية في جميع المناطق ذات الأكثرية العربية، يتخذ الكوادر الذين يوصَفون بأنهم «مستشارو» القادة العرب المحليين، معظم القرارات، ويتجاوزون أحياناً العرب المكلَّفين رسمياً بالمسؤوليات والمهام. 

ويصف أحد النشطاء في دير الزور الكوادر الأكراد في الهيئات التي يتولى العرب رسمياً قيادتها، بأنهم «العلويون الجدد«، في إشارة إلى الطائفة التي ينتمي إليها آل الأسد الذين يشغلون معظم المناصب النافذة في سوريا. 

وسبق أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً بسحب القوات الأمريكية من سوريا البالغ عددها 2000 جندي في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018.

وتسبب هذا القرار في استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس بسبب أمر السيد ترامب المفاجئ وبعد ذلك يومين، استقال بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف لهزيمة داعش. في الأشهر التالية.

وعمل المسؤولون الأمريكيون بعد قرار ترامب بهدوء وراء الكواليس لضمان بقاء مستوى معين من القوات في شمال شرق سوريا.

ومن الواضح أن الموقف في شمال سوريا والاختيار بين الحليف التركي القديم والشريك الكردي الجديد كان دوماً محل خلاف بين الرئيس ترامب ومسؤولي إدارته.

ودوماً كان هناك توتر خطير حول شمال سوريا داخل الإدارة الأمريكية.

يريد ترامب ألا تتحمل بلاده مسؤولية هذه المنطقة بعدما لعبت بلاده دورها في هزيمة داعش.

وسبق أن هدّد الرئيس الأميركي بنقل جهاديين تعتقلهم قوات حليفة لواشنطن في سوريا وإطلاق سراحهم على حدود أوروبا إذا لم تبادر فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى إلى استعادة رعاياها من بينهم.

في شهر أغسطس/آب 2019، توصلت تركيا لاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة مركز عمليات مشترك شمال سوريا. وأوضحت الوزارة أن المركز يهدف إلى «تنسيق وإدارة تطبيق منطقة آمنة بالاشتراك مع الولايات المتحدة».

 وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام من المفاوضات بين مسؤولين أتراك وأمريكيين أملاً في منع هجوم تلوح به أنقرة ضد وحدات حماية الشعب الكردية المتواجدة شمال سوريا والتي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية.

 وقالت وزارة الدفاع  التركية آنذاك إن الهدف النهائي هو إقامة «ممر سلمي.. يضمن أن يتمكن أشقاؤنا السوريون من العودة إلى بلادهم».

ومنذ ذلك، تعمل القوات الأمريكية والتركية معاً على سلسلة من تدابير بناء الثقة -بما في ذلك رحلات الاستطلاع المشتركة والدوريات البرية- في قطاع طوله 75 ميلاً من تلك المنطقة الحدودية التي يبلغ طولها 300 ميل.

القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة انسحبت عدة أميال ودمرت التحصينات في تلك المنطقة.

لكن تركيا رأت أن هذه الخطوات شكلية وليست تنفيذاً حقيقياً للاتفاق.

لم تكن وتيرة هذه العمليات بالسرعة الكافية بالنسبة للسيد أردوغان، وفي الأسبوع الماضي بدأ أردوغان الإشارة إلى أنه يعتزم شن توغل عبر الحدود.

وقد دعا كل من وزير الدفاع مارك ت. إسبير والجنرال مارك ميلي، الرئيس الجديد لرؤساء الأركان المشتركة، نظيريهما الأتراك الأسبوع الماضي لمحاولة الحد من التوترات.

ولكن أردوغان عبر عن «إحباطه من فشل البيروقراطية العسكرية والأمنية الأمريكية» في تنفيذ اتفاق المنطقة العازلة خلال اتصال مع ترامب.

وفي اليوم السابق، حذر الزعيم التركي من أن أنقرة قد تشن هجوماً عبر الحدود «في أقرب وقت».

ويبدو أن التهديدات التركية أدت إلى قرار السيد ترامب الذي صدر يوم الأحد، حسب صحيفة The New York times الأمريكية.

في الأسبوع الأخير من قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر/أيلول 2019، كان كبار المسؤولين الأمريكيين يقولون إن هناك إجماعاً في حكومة الولايات المتحدة، بما في ذلك السيد ترامب، على ضمان حماية القوات الكردية ضد تركيا.

وكان أردوغان قد سافر إلى نيويورك بقصد التحدث عن سوريا والأكراد مع السيد ترامب في جلسة خاصة. حضر مأدبة عشاء جماعية استضافها السيد ترامب، ولكن لم يعقد الاثنان اجتماعاً رسمياً هناك.

لقد قال ترامب في إحدى المناسبات إن السيد أردوغان «أصبح صديقاً لي».

حسب الصحيفة الأمريكية فقد تكون الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين التي جرت يوم الأحد قد تم تنظيمها كبديل للاجتماع الذي لم يعقد في نيويورك.

وقرر الرئيسان إجراء لقاء في العاصمة الأمريكية واشنطن، الشهر القادم، بناء على دعوة من ترامب.

 ولفت المسؤولون الأتراك الانتباه إلى تبادل الإشارات الإيجابية بين ترامب وأردوغان خلال اجتماع قمة مجموعة العشرين في اليابان في يونيو/حزيران كدليل آخر على وجود علاقة قوية بين الزعيمين.

ودار اجتماع اليابان حول مسألة شراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400  والتي دافع فيها ترامب عن وجهة النظر التركية.

ويؤكد الرئيس التركي ومسؤولون أتراك منذ أيام أن تركيا لها مسوغ قانوني للتدخل في الأراضي السورية استناداً إلى اتفاق وقعته في 1998 مع سوريا تعهدت بموجبه الأخيرة بمنع حزب العمال الكردستاني من التحرك في شمال أراضيها.

وتم توقيع بروتوكول أضنة لعام 1998 بين سوريا وتركيا، حيث وعدت دمشق بإنهاء الدعم لحزب العمال الكردستاني. وقال أردوغان إن البروتوكول يسمح أيضاً لتركيا بدخول سوريا متى وأينما واجهتها تهديدات بذلك. 

صباح اليوم الإثنين، أفادت وكالة أنباء حوار السورية المرتبطة بالقوات الديمقراطية السورية أن القوات الأمريكية بدأت تنسحب من بلدات سير قنية الحدودية -والمعروفة باللغة العربية باسم رأس العين- وتل أبيض حول الفجر.

المسؤولون الأمريكيون الذين اتصلت بهم صحيفة نيويورك تايمز في وقت متأخر يوم الأحد لم يذكروا مدى عودة القوات الأمريكية من الحدود التركية، أو ما إذا كان هذا يشير إلى بداية انسحاب شامل أكبر من الـ1000 جندي أمريكي في شمال شرق سوريا يقومون بعمليات مكافحة الإرهاب ودعمها. 

وتعتمد هذه القوات على شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية التي تضم 60 ألف مقاتل، بما في ذلك الميليشيات الكردية والعربية.

وقال مسؤول أمريكي لصحيفة نيويورك تايمز «لن ندعم الأتراك ولن ندعم قوات الدفاع الذاتي». «إذا ذهبوا للقتال، فسوف نبقى خارج الأمر». 

يخشى المسؤولون الأمريكيون من تأثر الحرب على الإرهاب بالتوتر بين تركيا والأكراد.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، دخل تنظيم داعش في مخيم الهول المترامي الأطراف في شمال شرق سوريا، ولا توجد خطة جاهزة للتعامل مع 70 ألف شخص هناك، بما في ذلك الآلاف من أفراد عائلة مقاتلي داعش.

ويقول مسؤولو الاستخبارات الأمريكية إن معسكر الهول، الذي يديره حلفاء أكراد سوريون بقليل من المساعدات أو الأمن، يتحول إلى بؤرة لإيديولوجية داعش. 

كما تحتجز القوات السورية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة أكثر من 10000 مقاتل من داعش، بما في ذلك 2000 أجنبي، في سجون مؤقتة منفصلة.

وقال مسؤولون أمريكيون مساء الأحد إن احتجاز كل هؤلاء الأشخاص قد يكون في خطر، وهذا يتوقف على ما إذا كان أي توغل تركي يشعل نزاعاً أكبر بكثير في شمال شرق سوريا.

وانتقد بيان البيت الأبيض يوم الأحد «فرنسا وألمانيا ودولاً أوروبية أخرى» لرفضها استعادة المواطنين المحتجزين في شمال سوريا.

وقال البيان «ستكون تركيا الآن مسؤولة عن جميع مقاتلي داعش في المنطقة التي استولت عليها خلال العامين الماضيين في أعقاب هزيمة» الخلافة «الإقليمية من قبل الولايات المتحدة».

أردوغان أكّد أيضاً أن تركيا مصممة على استمرار مكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، واتخاذ كافة التدابير لتجنب مشكلة مشابهة (لداعش) في المنطقة.

يمثل القرار الأمريكي نموذجاً لطريقة ترامب في الإدارة، إنه يقوم على سؤال بسيط ما الذي يعود على الولايات المتحدة من البقاء في أتون هذا الصراع المعقد في شمال سوريا.

وبينما يرى نقاده أن قراره يعد تخلياً عن الحلفاء الأكراد، ويحاولون تفسيره بالكيمياء التي تربطه بأردوغان.

فإن ترامب من جانبه، يرى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعاملت مع تركيا بعدم إنصاف عندما سحب حلف الأطلنطي صواريخ باتريوت في ذروة توتر علاقات أنقرة مع موسكو بعد إسقاطها طائرة روسية اخترقت المجال الجوي التركي عام 2015، كما رفضت إدارة أوباما بيع صواريخ باتريوت لتركيا.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى