تقارير وملفات إضافية

لماذا يتجنب بعض نشطاء هونغ كونغ تأييد احتجاجات السود الأمريكيين؟ فتش عن علاقتهم المعقدة بترامب

تُصارغ الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ من أجل التوفيق بين الدعم الذي تتلقاه من دونالد ترامب وموقفها من القمع الوحشي للاحتجاجات على قتل الشرطة لجورج فلويد.

في الأسابيع الماضية اندلعت احتجاجات غير مسبوقة لحركة “حياة السود مهمة” Black Lives Matter، على إثر مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض، وانتشرت في كل الولايات الأمريكية وفي بلدان أخرى، متجاوزة القيود التي فرضتها جائحة فيروس كورونا.

لكن في هونغ كونغ، حيث الاحتجاجات المنظمة على مدار العام تحمل الكثير من التشابهات مع احتجاجات الولايات المتحدة، لم تخرج مسيرة حاشدة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

فقد فشلت محاولة لتنظيم فعالية لحركة حقوق السود يوم الأحد، 14 يونيو/حزيران، بعد أن عبر المحتجون المؤيدون للديمقراطية عن مخاوفهم المتعلقة بموافقة الشرطة وسلامة الحضور، نظراً لتاريخ وحشية الشرطة. وقد قال المنظمون، وهم ليسوا على صلة بحركة هونغ كونغ، إن الشرطة كانت “رائعة” ودعمت فكرة المسيرة، لكنها لم تصدر موافقتها.

وأُلغيت الفعالية في نهاية المطاف، واتهم المنظمون بعض الناس بكونهم “محرضين” و”يروجون لأجندة خاصة بهم”.

وتجري محاولة ثانية لتنظيم مسيرة أخرى، أملاً في معالجة فشل الأسبوع الماضي والمضي قدماً.

يأتي الجدل في خضم نقاشٍ معقد حول أوجه التشابه والاختلاف بين الحركتين الاحتجاجيتين، وما إن كان المتظاهرون في هونغ كونغ عازفين عن الانضمام إلى احتجاج ضد حليفهم الأكبر: ترامب.

تتشابه احتجاجات الولايات المتحدة وهونغ كونغ في كونها حركة لامركزية لحقوق الإنسان تركز على وحشية الشرطة، وفي مسيراتها تُهاجم الشرطة الصحفيين. وتحظى الحركتان بدعمٍ دولي واسع.

لكن أكبر داعم لاحتجاجات هونغ كونغ يراه البعض أكبر عدو لحركة حقوق السود: إنه دونالد ترامب.

وتقول محتجة في منتصف العشرينات، طلبت تسميتها في المقال بـ”إم”، إن العديد من المحتجين في هونغ كونغ يعرفون بالسياسات المحلية للرئيس الأمريكي ويختلفون معها، لكن بعضهم عازف عن انتقاده.

وأضافت إم: “إنهم يعرفون بدرجةٍ ما أنهم يتعرضون للاستغلال، لكن بعد أعوامٍ من الصمت، يشعرون بأن أي دعم من رئيس أمريكي هو نجاحٌ لهم”.

ويضم الحراك في هونغ كونغ طيفاً واسعاً من الآراء السياسية، وأحياناً يهلل البعض لترامب كحليفٍ قوي لموقفه الصارم من الصين. وحين مررت الحكومة الأمريكية قانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ العام الماضي، رفع المتظاهرون لافتات تشكر الرئيس وحكومته.

وقال أعضاء بحركة هونغ كونغ تحدثوا إلى صحيفة الغارديان البريطانية إن أسباب صمت أبناء هونغ كونغ إزاء الاحتجاجات في الولايات المتحدة معقدة.

فالناس في هونغ كونغ، ولا غرابة، يركزون على التهديدات المباشرة للحراك المؤيد للديمقراطية في إقليمهم، بينما تسعى الصين إلى تعزيز سيطرتها.

وأضاف هؤلاء الأعضاء أن الناس في هونغ كونغ لا يعرفون الكثير عن تاريخ حركة حقوق السود وسياستها، أو السياسة في الولايات المتحدة، وهم عازفون عن التعليق على المسألة. وعلى هونغ كونغ أيضاً أن تواجه مشكلة العنصرية الخاصة بها، وفقاً لآخرين. 

وقال البعض إن دعمهم لترامب قائمٌ بشكلٍ كبير على العداوة المشتركة له وللمحتجين في هونغ كونغ للحزب الشيوعي الصيني، ويشعر المحتجون أن الرئيس الأمريكي ورموزاً أخرى من الحزب الجمهوري كانوا الأبرز في دعم المحتجين.

حين بدأت الاحتجاجات في الولايات المتحدة، شارك مستخدمو الإنترنت في هونغ كونغ نصائح مع الأمريكيين عن كيفية حماية النفس في وسط الحشود، وكيفية تعطيل عبوات الغاز المسيل للدموع، وكيف “تتحول إلى ماء” حين تُداهمك قوات مكافحة الشغب. وقد شعر كثيرون بالانتماء لتلك الحركة.

لكن حين بدأت التغطية الإعلامية في التركيز على العنف والنهب وإشعال الحرائق، مع هجوم ترامب على المحتجين والشرطة باستعمال الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل والقوة المفرطة، سارع أشخاص يحملون أيديولوجيات متعارضة، ومن بينهم الحكومة الصينية إلى الانغماس في شبكة معقدة من التصريحات الإعلامية والاتهامات. منهم الداعمون لترامب والمحتجين في هونغ كونغ، والداعمون للصين والاحتجاجات في الولايات المتحدة، والداعمون للمحتجين دون القادة، وغيرها من تجميعات مختلفة لوجهات النظر.

ومنهم من جادل بشأن أعداد الوفيات والاعتقالات، ومنهم من انخرط في تقديرات ملتوية لأسباب الحراك وأساليبه، ومنهم من ضخَّم من آراء المحرضين من اليمين المتطرف.

وعلى شبكة الإنترنت، شارك البعض وجهة نظر الناشط الطلابي صَني تشونغ، الذي قال للغارديان إنه يدين بالطبع وحشية الشرطة، لكن الأمريكيين لديهم آليات مثل الانتخابات الحرة يمكنهم محاسبة الضباط والحكومات من خلالها.

وقال صني: “إن وحشية الشرطة موجودة وندينها، لكن الحكومة عاقبت رجال الشرطة بالفعل. لا يمكن أن نرى ذلك يحدث أبداً في هونغ كونغ”.

ونأى بعض أبناء هونغ كونغ بحركاتهم عن التدمير الذي أحدثته الاحتجاجات الأمريكية، وقالوا إن المحتجين في هونغ كونغ لم يُمارسوا أعمال النهب، في ما بدا إشارة إلى أن قمع الشُرطة في الولايات المتحدة له مبررات أكثر، لكنهم تجاهلوا وقوع بعض أعمال التخريب والعنف في هونغ كونغ.

وحين ركَّز أحد رموز اليمين المتطرف، آفي يميمي الأسترالي المولود في إسرائيل والمحرض ضد المسلمين، على أعمال التدمير وقال إنه من “المُشين” مقارنة الاحتجاجات في هونغ كونغ باحتجاجات الولايات المتحدة، شكره الناشط المؤيد للديمقراطية والرمز الإعلامي جيمي لاي على “دفاعه عن أبناء هونغ كونغ”.

وقالت المتظاهرة إم إن هناك سردية دولية منتشرة عن أن سكان هونغ كونغ هم “المحتجون النموذجيون”.

وأضافت: “هناك رغبة في أن يقول الناس: ‘نحن لسنا مثلهم! ما زلنا طيبين! وإن دعمتموهم فلماذا لا تدعموننا؟ نحن لا نخرق أي قوانين!”.

ورداً على دعواتٍ لإصدار بيان عن الاحتجاجات بالولايات المتحدة، قال جوشوا وونغ، الناشط الشاب واسع الشهرة وقائد حزب “ديموسيستو”، إنه يقف مع حركة “حقوق السود مهمة” وضد وحشية الشرطة “في أي مكانٍ كانت”.

وقال زميله بالحزب في واشنطن، جيفري نغو، إنه يعترف بأن حركة هونغ كونغ بها عيوب، وهناك مجموعة “صغيرة لكن عالية الصوت” من اليمين المتطرف المؤيد لترامب داخل الحركة، تحتفي بخطابه.

وأضاف نغو: “ربما يعزف آخرون عن الحديث عن احتجاجات الولايات المتحدة لأنه يرون فيها عيوباً مثل عمليات النهب والتدمير العشوائي للملكية الخاصة. لكنني أرى أن هذا مجرد تشتيت من القضية على المحك: العنصرية الممنهجة”.

وفي مقالٍ افتتاحي نُشر يوم الثالث من يونيو/حزيران، حذر الموقع الأدبي اليساري Lausan شعب هونغ كونغ من اعتبار ترامب صديقاً لهم، ومن أن علاقة الحركة باليمين الأمريكي يزداد اضطرابها ويقل استقرارها مع الوقت.

وأكمل المقال: “تماماً كما لا يهتم هؤلاء السياسيون بحيوات السود، فإنهم لا يهتمون بحيوات أهل هونغ كونغ. فدعمهم لحركة هونغ كونغ متوقفٌ منذ البداية على أهدافٍ جيوسياسية أوسع نطاقاً، وهو دعمٌ هشٌ هشاشة نزوات السياسة الخارجية الأمريكية

في الحقيقة، لم يكن دعم الولايات المتحدة لهونغ كونغ يهدف إلى منفعة أهلها. فالمدينة ما هي إلا وسيلة تُعاقب بها الولايات المتحدة الحزب الشيوعي الصيني، حتى وإن كان في ذلك تضحية بأهل هونغ كونغ”.

وتقول إم إن الناس يعرفون ذلك بدرجة كبيرة، لكنه اليأس.

“من المهم أن نتساءل مع إذا كنا نخلط ‘دعم ترامب’ بـ’دعم الولايات المتحدة’، أو ‘دعم أيٍّ يكن من يقف في صفنا ويقدم لنا شيئاً، لكنه للأسف ترامب، فلندعم ترامب إذن’. لقد توسل أبناء هونغ كونغ لمساعدة العالم لأعوام طوال، واحتجاجات 2019 ليست المرة الأولى التي تُحاول فيها هونغ كونغ المقاومة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى