تقارير وملفات إضافية

لماذا يقلق الأردن دون باقي العرب من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.. فتِّش عن وعد بلفور الجديد

أثار الإعلان في 13 أغسطس/آب 2020، عن توصل إسرائيل والإمارات إلى اتفاقٍ يمهد الطريق لعلاقات دبلوماسية رسمية بين الدولتين، عديداً من ردود الفعل الانتقادية، لاسيما من الفلسطينيين، باعتبار أنهم الأشد تضرراً من التطبيع الإقليمي مع إسرائيل.

ومع ذلك، ففي الأردن المجاور، نظرت السلطات هناك أيضاً بقدر كبير من القلق، في كيفية تأثير تلك التطورات على المملكة الهاشمية، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

كان تقرير صادر عن منظمة “القدس الدنيوية” غير الحكومية الإسرائيلية حذّر من أن صياغة البيان المشترك الأوّلي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد يعني ضمناً وقوعَ تغييرات في وضع الأماكن الدينية في القدس الشرقية المحتلة، والتي كانت واقعة تحت الوصاية الأردنية منذ ما يقرب من قرن.

يقول بيان الاتفاق إن “كل المسلمين الذين يأتون بسلام يمكنهم زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، ويجب أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحةً للمصلين المسالمين من جميع الأديان”.

لطالما كان وضع الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية في القدس موضوعاً حساساً، مع تركيز أي توتر بدرجة أكبر على مجمع المسجد الأقصى، المعروف أيضاً باسم الحرم الشريف.

ومع أن الصياغة الغامضة للبيان تمسُّ على نحو مباشر الوصاية الهاشمية على المسجد، فإن السلطات الأردنية أبدت حذراً بشأن الاندفاع إلى المعركة.

وفي هذا السياق، قال مسؤول أردني كبير فيما يتعلق بشؤون القدس، طالباً عدم الكشف عن هويته، لموقع Middle East Eye البريطاني: “هذا موضوع حساس للغاية”، مضيفاً أن الأردن مضطر إلى أن يأخذ في الاعتبار “آلاف الأردنيين العاملين في الإمارات”، واحتمال تأثرهم إذا اندفعت عمان بقوة إلى الاحتجاج على أي تغييرات في الوضع القائم.

الأردن هو الوصي الرسمي على الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية في القدس منذ عام 1924، عندما أعلن الشريف حسين، الذي أطلق ما يُعرف بالثورة العربية الكبرى على الإمبراطورية العثمانية، أنه الوصي على الأماكن المقدسة في القدس.

وحتى بعد تخلي الأردن عن مطالبته بالسيادة على الضفة الغربية المحتلة في عام 1988، لم يتخلّ قط عن وصايته على الأماكن المقدسة في القدس.

وجاءت معاهدة سلام “وادي عربة” عام 1994 بين الأردن وإسرائيل لتُقر رسمياً بدور عمان وصياً دينياً على تلك الأماكن المقدسة.

وفي عام 2013، أضفت اتفاقية بين الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مزيداً من الطابع الرسمي على دور الأردن في القدس، حتى إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة.

ويعود تمسك الأردن باتفاقية الوضع القائم التي تعود إلى العهد العثماني، والتي تنص بوضوح على أنه في حين يُسمح لغير المسلمين بدخول مجمع المسجد الأقصى، فإنهم لا يمكنهم ممارسة شعائرهم أو الصلاة في الحرم الشريف.

في المقابل، لطالما رفض بعض الإسرائيليين هذه القواعد، بناءً على اعتقاد بأن الحرم الشريف قد شُيِّد في المكان ذاته، الذي كان يوجد فيه المعبدان اليهوديان الأول والثاني، ما وصل ببعض الشخصيات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة إلى الدعوة علناً إلى تدمير المسجد الأقصى، ليمكن بناء الهيكل الثالث محله.

وعلى هذا النحو، أثارت الصياغة الغامضة للبيان الإسرائيلي الإماراتي مخاوف من تقييد حقوق المسلمين في الحرم الشريف، لاسيما أن البيان لم يذكر سوى المسلمين الذين يتعبدون في المسجد الأقصى، وليس المجمع المحيط به بأكمله.

من جانبها، جدّدت الخارجية الأردنية، مساء الثلاثاء 1 سبتمبر/أيلول 2020، موقف عمان الذي ينص على أن “المسجد الأقصى المبارك والحرم الشريف، بمساحته البالغة 144 دونماً (35.5 فدان)، هو مسجد حصري للمسلمين، ولهم وحدهم حق الصلاة فيه”.

ورداً على طلب من موقع MEE للتعليق، أضافت الوزارة، دون ذكرٍ لدولة الإمارات، أن “القانون الدولي لا يُبيح لقوى الاحتلال تغيير الوضع القائم. ومن ثم على إسرائيل، القوة المحتلة للقدس الشرقية، احترام الالتزامات المفروضة بموجب القواعد الدولية والقانون الإنساني الدولي، واحترام الوضع القانوني والتاريخي القائم، كما يجب على إسرائيل احترام قدسية المسجد ومشاعر المسلمين ودور الأردن المتعلق برعاية الأماكن المقدسة”.

شهدت العلاقات الأردنية مع الإمارات توترات منذ الإعلان عن الاتفاق. فقد شارك الأمير علي بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني، مقالاً على الإنترنت ينتقد اتفاقية التطبيع، ما تسبب في ضجة دبلوماسية.

كما أعربت شخصيات أردنية أخرى عن انتقادها للاتفاق، ومنهم ربحي حلوم، رئيس لجنة فلسطين برابطة الكتاب الأردنيين والعضو الأسبق في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي قال إن احتمال فقدان الوصاية طويلة الأمد على الأقصى والأماكن المقدسة الأخرى في القدس سيكون بمثابة “وعد بلفور جديد”.

وقال حلوم لموقع MEE: “هذه خيانة للتاريخ والدين والقيم العربية، علاوة على أنها خيانة للاتفاقات التي تنص على وصاية الأردن على الأماكن المقدسة، وهو عمل عدائي مباشر ضد شعب فلسطين ومقدساته”.

أما هايل داود، وزير الأوقاف الأردني السابق، فقال لموقع MEE إنه يؤثر الحذر بشأن وضع الافتراضات.

وقال داود: “لا أعرف ما إذا كانت هناك أي وعود في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بشأن القدس، لكنني أشك في ذلك، لأن الإمارات تعلم أنها لا تملك أي شيء في القدس… ومن ثم من ليس له حق لا يمكنه التنازل لمن لا يستحق”.

على الجانب الآخر، قال الصحفي الفلسطيني داود كتّاب، إنه لا يحمل أوهاماً كثيرة حول طبيعة موقف الدولة الخليجية، “فعندما حضر السفير الإماراتي إعلان خطة ترامب، وعندما وافقت الإمارات على البيان الذي تضمن الرؤية الأمريكية [المنحازة لإسرائيل]، أكّد هذا تلقائياً دعم الإمارات لما تراه إسرائيل حق اليهود في الصلاة في الحرم الشريف”.

هذا وقد حذر مسؤول أردني، طلب عدم الكشف عن هويته، من أن أي مساعٍ “للتأثير على الوضع التاريخي للأقصى ستكون لها عواقب وخيمة”، دون أن يوضح ماهية هذه العواقب.

واستدل المسؤول بأحداث سابقة نُظر إليها على أنها تمثل تهديداً لمكانة الأقصى، فاشتعلت على إثرها مقاومة واضطرابات شعبية.

وبينما يبقى أن نرى إذا كان الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي سيؤدي إلى تغييرات في القدس، يقول المسؤول إن الأردن سيظل ملتزماً بموقفه طويل الأمد، وهو أن “أي انتهاك للوضع القائم الخاص بوصاية الأردن على الأقصى يعني تجاوزاً لخطٍّ أحمر”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى