تقارير وملفات إضافية

لن تردع السعودية وروسيا.. لماذا لن تفلح أساليب ترامب الناعمة في حل أزمة النفط؟

لا تحتاج “المسرحية الدرامية” التي أزيح الستار عنها في أسواق النفط إلى أية شخصيات مبالغة إضافية. ومع ذلك، قد يضطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قريباً لإفساح المجال لشخصية جديدة هي رجل التعريفات الجمركية، كما تقول شبكة CNN الأمريكية، إذ يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يصف نفسه بفخر أنه “رجل التعريفات الجمركية”، باستخدام سلاحه الاقتصادي المفضل لحماية صناعة النفط الأمريكية المضطربة من العدوان السعودي والروسي.

وتشتبك هاتان الدولتان في حرب أسعار ملحمية ساهمت، بجانب هبوط الطلب على النفط بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، في تراجع سعر خام النفط لأدنى معدل له منذ 18 عاماً. وأصبحت عشرات شركات النفط الأمريكية نتيجة لذلك مهددة بالإفلاس. 

وقال ترامب خلال إحاطة إعلامية، يوم الأحد 5 أبريل/نيسان: “نريد أن ننقذ صناعة عظيمة”. ويرغب ترامب في إجبار بوتين ومحمد بن سلمان على الوصول لاتفاق لتخفيض حجم الإنتاج تخفيضاً هائلاً خلال اجتماع يوم الخميس، 9 أبريل/نيسان، الذي يترقبه الجميع بشدة.

واستطرد ترامب: “لكن إذا لم يتفقا، فسأفعل ذلك. سأفرض تعريفات جمركية، تعريفات ضخمة”.

لكن استراتيجية التفاوض لن تفلح على الأرجح في الإتيان بالنتيجة المطلوبة؛ لأن واردات الولايات المتحدة من الخام النفطي من السعودية وروسيا قليلة هذه الأيام. وإن كانت التعريفات الجمركية الجديدة ستسفر عن أي شيء، فهو رد فعل سلبي على معامل تكرير البترول الأمريكية التي تعتمد على جرعات صحية من النفط الأجنبي لتعمل بكامل طاقتها.  

كشف هذا التهديد الجمركي عن وجود انقسام عميق داخل صناعة النفط نفسها. وحثت شركات النفط الكبرى، التي بُنِيَت لتحمل خام النفط الرخيص، ترامب على عدم اللجوء إلى فرض تعريفات جمركية جديدة.

وقالت شركة ExxonMobil، أكبر منتج للنفط في الولايات المتحدة، في بيان لموقع CNN: “نظام السوق الحر هو الطريقة الأنجع لتسوية الخلل الهائل بين العرض والطلب الذي نواجهه الآن”.      

ولكي تحافظ شركة ExxonMobil على معدل أرباحها، أعلنت يوم الثلاثاء، 7 أبريل/نيسان، أنها ستخفض الإنفاق بنسبة 30%، بما في ذلك خفض الاستثمار في حقل النفط الصخري Permian Basin الذي جعل الولايات المتحدة أكبر منتج نفطي في العالم.

وعلى الجانب الآخر، تتوسل شركات النفط المستقلة، التي يعاني الكثير منها من أجل الصمود، إلى ترامب لاستخدام الرسوم الجمركية لمعاقبة السعودية وروسيا على استهدافهما المنتجين الأمريكيين ذوي التكلفة العالية. وقاد حملة الضغط هذه تحالف Domestic Energy Producers Alliance، وهو ائتلاف يضم شركات النفط المحلية الأمريكية بقيادة رائدة النفط الصخري شركة Harold Hamm.

وكان تحالف منتجي النفط المحليين قد صرَّح في بيان الشهر الماضي بأن “السعودية وروسيا يتصرفان وكأنهما قوى عظمى للطاقة ويخططان للإغراق التجاري، في محاولة لتدمير الاستقلال الأمريكي في مجال الطاقة، واستعادة القدرة على إبقاء الولايات المتحدة والعالم بأكمله رهينة لأسعار النفط العالية”، ودعا وزارة التجارة الأمريكية إلى إجراء تحقيق في هذا الشأن.

تتعرض شركة Continental Resources، التي أسسها هارولد هام وهو الرئيس التنفيذي لها، للسحق بسبب النفط الرخيص. ولم تكتفِ الشركة بإعلان خفض الإنتاج بنسبة 30%، يوم الثلاثاء 7 أبريل/نيسان، بل اضطرت كذلك إلى تعليق توزيع أرباحها بالكامل.

وكان هارولد هام من بين مجموعة من المديرين التنفيذيين لشركات النفط الذين اجتمعوا مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض، يوم الجمعة 3 أبريل/نيسان. وعقب المشاركة في اجتماع البيت الأبيض، قال مايك سومرز، المدير التنفيذي The American Petroleum Institute، في تصريح لموقع CNN إن ترامب أعرب خلال تلك القمة عن رغبته في اللجوء لفرض التعريفات الجمركية الجديدة.    

ليس من الواضح ما إذا كان ترامب يفكر في تعريفات تستهدف روسيا والسعودية على وجه التحديد، أم في فرض رسوم شاملة على جميع واردات النفط الأجنبي، أو خيار ثالث بينهما. 

ويتشكك المحللون بشدة في أن التعريفات الجمركية ضد روسيا والسعودية ستغير موازين القوة تماماً في صناعة النفط.

وفي هذا السياق، قال جوي مكمونيغل، محلل سياسات طاقة كبير في شركة Hedgeye Risk Management ومسؤول سابق في وزارة الطاقة الأمريكية: “أنا على ثقة أنه من بين جميع الأشياء التي يمكن للإدارة فعلها لمساعدة القطاع، تأتي التعريفات الجمركية في ذيل هذه القائمة”. 

ويرجع هذا إلى أن الولايات المتحدة استوردت 401 ألف برميل من النفط يومياً من السعودية في يناير/كانون الثاني، وفقاً لأحدث الإحصائيات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ويمثل هذا انخفاضاً بنسبة 44% عن العام الماضي، إلى جانب أنه من بين أدنى معدلات الاستيراد الإجمالية الشهرية منذ منتصف الثمانينيات. يُذكر أن روسيا أرسلت 95 ألف برميل فقط من النفط إلى الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني.

ومن ثم، تمثل الواردات من النفط السعودي والروسي مجتمعين 8% من إجمالي واردات الولايات المتحدة النفطية.  وقال باولو رودريغيز ماسيو، محلل أسواق نفط كبير في شركة Rystad Energy: “التعريفات الجمركية لن تشكل عقاباً قوياً. وستثبت أنها عديمة الجدوى”. 

ومع ذلك، يرى ترامب أن التعريفات الجمركية هي الوسيلة التي سيستعرض من خلالها الهيمنة الأمريكية في أسواق الطاقة. وقال ترامب، الأحد 5 أبريل/نيسان: “نحن الآن مستقلون، ولدينا نفطنا الخاص. وإذا فرضنا التعريفات الجمركية الجديدة فسنبدو وكأننا نقول: نحن لا نريد نفطاً أجنبياً.. وسنكتفي باستخدام نفطنا الخاص”. 

وقطعت الولايات المتحدة بلا شك أشواطاً كبيرة نحو تقليل الاعتماد على النفط الأجنبي. ومع ذلك فهي لم تصل إلى الاستقلال التام.

إذ لا تزال الولايات المتحدة تستورد أكثر من 6 ملايين برميل من الخام الأجنبي يومياً، معظمه من جارتيها كندا والمكسيك.

وقال مايكل تران، مدير استراتيجية الطاقة العالمية في مصرف RBC Capital Markets: “فكرة أن تستقل الولايات المتحدة تماماً في مجال الطاقة هو مجرد خطاب سياسي ترويجي”.

هناك سبب وراء هذه الواردات النفطية: إذ لا يمكن لنظام معامل تكرير النفط الأمريكي الذي يعود لعقود أن يعمل على النفط الصخري الأمريكي وحده. ولإنتاج البنزين والوقود النفاث والديزل على نحو مربحٍ، تحتاج هذه المصافي إلى كمية كبيرة من النفط الثقيل الذي لا يمكن العثور عليه إلا في الخارج. وقد همَّشت الولايات المتحدة بالفعل بعضاً من هذا النفط الذي تحتاجه بسبب العقوبات على فنزويلا.

وهذا يعني أن فرض تعريفات شاملة على جميع واردات النفط الأجنبي، أو حتى على دول خارج أمريكا الشمالية، قد تكون تبعاتها كارثية على المصافي الأمريكية. وتعاني إيرادات معامل التكرير مسبقاً من الضعف بسبب الانهيار غير المسبوق في الطلب على البنزين ووقود الطائرات بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.

إلى جانب أن عوائد البنزين تقترب من السالب؛ ما يعني أن المصافي يمكن أن تخسر في الواقع أموالاً على كل جالون بنزين تنتجه.

ولن تسفر إضافة تعريفات جمركية جديدة إلى هذا المزيج السام إلا عن تفاقم معاناة معامل التكرير.

وقال تران: “هم الذين يحصلون على التعريفات. يمكن أن يكون ترامب يخدم قاعدة تكساس المنتجة للنفط التي يحتاجها في الخريف (في إشارة إلى انتخابات الرئاسة)، لكنه قد يفعل ذلك على حساب صناعة التكرير الأمريكية”.

وسواء أقرّت واشنطن التعريفات أم لا، فأجندة اجتماع أوبك، يوم الخميس، مشحونة بالفعل. إذ ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة قياسية بلغت 32% الأسبوع الماضي على أمل أن تعلن السعودية وروسيا عن هدنة وتخفيض إنتاجهما بشكل كبير.

ونوّه تران: “إذا لم تحرز أوبك وشركاؤها إنجازاً، فسيكون في الانتظار طريق وعر جداً، وربما يصل ببرميل النفط إلى خانة العشرين أو حتى العشرة دولارات”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى