الأرشيفتحليلات أخبارية

لو ذبح المصري والسوداني علي حجر واحد، لسال دم كل منهما، في اتجاه الأخر!

صلاح الدوبى
رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا
رئيس اتحاد الشعب المصرى
عضو مؤسس في المجلس الثوري المصري
مصر والسودان شقيقان توأمان ولدا من رحم واحد هو وادي النيل كما أجراه الله تعالى، فشريان الحياة جعله الله تعالى ينبع من السودان ومن يغالب الله يُغلب، ولم يرصد التاريخ كله مرة واحدة اعتدى فيها السودان على مصر.
النيل ليس فقط ما يقسم البلدين؛ فالمشاكل والأزمات المشتركة تعصف أيضًا بالعلاقات رغم تكتُّم الطرفين معظم الوقت؛ ففي نوفمبر عام 2014، أعلنت السودان اعتقال 24 شخصًا، من بينهم مصريون يعملون في القنصلية المصرية لاتهامهم بالتخابر لصالح القاهرة، وبالرغم من أنّ التحقيقات كشفت عن وجود شركة هندسية كان حصة المخابرات المصرية فيها 50%، إلا أن خبر الاعتقال ونتيجة التحقيقات لم يصدر عنهما بيان من السفارة المصرية في الخرطوم، كما تجاهل الإعلام المصري الحادثة بالرغم من وجود مصريين.
الأمر نفسه تكرر عام 2015، حين أعلنت الخرطوم مرة أخرى احتجازها مركب صيد مصري قبل أن تُفرج عنه ثم تعود لملاحقته مرة أخرى قبل دخوله المياه الإقليمية المصرية، حيث احتجز في قاعدة بحرية، وبعد إعادة تفتيشه بجهاز كشف الأشعة، عُثر بداخله على كاميرات عالية الجودة مرتبطة بجهاز بث واستشعار وتحليل؛ ولم تردّ القاهرة على الاتهامات، لكنه في اليوم التالي قامت قوة من سلاح حرس الحدود المُرابط في حلايب وشلاتين، المثلث الحدودي المتنازع عليه، بالدخول إلى الحدود السودانية والقبض على مجموعة من العمال السودانيين في منجم، وهو الأمر الذي تكرر مرة أخرى العام الحالي؛ لكنّ الذي تغيّر هذه المرة أن الخرطوم أعلنت لأول مرة أن القاهرة تتجسس عليها.
خلال زيارة الرئيس عمر البشير الأخيرة إلى الإمارات، أعلن أن بلاده حصلت على نصف مليار دولار وديعة، والتي أسفرت عن استقرار سعر صرف الجنيه السوداني؛ وهي نفس الزيارة التي اتهم فيها المخابرات المصرية بالتجسس عليه لصالح المعارضة المسلحة، إضافة إلى دعم مصر دولة «جنوب السودان» المنفصلة بالسلاح والذخيرة، ويأتي ذلك في الوقت الذي فتحت فيه السودان مرة أخرى أزمة المثلث الحدودي المتنازع عليه، والبشير أوضح ضمنيًّا أن مصر تستضيف رموز المعارضة السودانية على أراضيها، لكنه واصل الهجوم بعدما اتهم القاهرة أنها تدبر مؤامرة ضد بلاده، ولم تمر أشهر قليلة حتى وقعت القاهرة في موقف محرج.
في مايو (أيار) الماضي، أعلن الجيش السوداني تصديه لهجومين منفصلين من جماعتين مسلحتين عبر حدود بلاده مع دولتي ليبيا وجنوب السودان في منطقة دارفور، لكنّ المفاجأة التي فجرها الجيش هي أنّهم عثروا على أسلحة مصرية بحوزة المتمردين، وكانت عبارة عن خمس مدرعات مصرية مجهزة بكامل عتادها العسكري، وأجهزة رادار حديثة موصولة بالأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى صواريخ سام7 المضادة للطيران، ولم تُعلق القاهرة سواء عبر الخارجية أو خلال بيان من السفارة المصرية في الخرطوم. أمر آخر أغضب الخرطوم؛ فخلال الشهر الماضي، وقعت حكومة جنوب السودان مع الفصائل المُسلحة وثيقة «إعلان القاهرة» داخل مقر المخابرات العامة من أجل إنهاء الحرب، وهو ما اعتبرته صحيفة «النيلين» السودانية استعداد مصر لبدء حرب ضد السودان وإثيوبيا عبر الجنوب بسبب سد النهضة.
الجيش السوداني يقبض علي مدرعات مصرية دعمت به المعارضة السودانية

https://www.youtube.com/watch?v=_ClGuSovWr8

زيارة سامح شكرى وزير خارجية السيسى الفاشل للسودان
ما يتحقق بسرعة قد يذهب أدراج الرياح بسرعةٍ أكبر، كذلك يمكن وصف «التحسُّن» الذي شهدته العلاقات بين الحكومتين المصرية والسودانية، بعد زيارة وزير خارجية القاهرة سامح شكري إلى الخرطوم أواخر أبريل (نيسان) الماضي، والتي تم الاتفاق خلالها على تخفيف حدة التوتر، ووقف «التراشق الإعلامي» بين البلدين.
جاءت زيارة  شكري بعد تصعيدٍ كبير شهدته العلاقات بين مصر والسودان، وُصف بأنه الأخطر بين البلدين منذ فترة طويلة، وصلت إلى حد الهجوم على عبد الفتاح السيسي انطلاقًا من الإذاعة الرسمية للجيش السوداني، وقرار الحكومة السودانية وقف استيراد المنتجات الزراعية المصرية «بعد أن ساهم الإعلام المصري في خلق حالة من الشعور السلبي تجاه مصر في السودان» على حد وصف وزير سوداني.
لكنّ زيارة شكري كانت قد أنعشت الآمال بتحسُّن محتمل  في العلاقة المتأزمة بين البلدين، تلك الآمال لم تصمُد طويلًا؛ إذ تبددت بعد ساعاتٍ قليلة فقط من عودة الوزير المصري إلي القاهرة، حين قررت السلطات المصرية منع صحافيين سودانيين من دخول أراضيها، وأعادتهم إلى السودان؛ بسبب انتقادات وجهوها إلي السلطات المصرية في الفترة الأخيرة.
أعاد قرار السلطات المصرية توتر الأجواء، فطالبت نقابة الصحفيين السودانية الحكومة بالردّ، بل وصل الأمر إلى المطالبة بطرد الإعلاميين المصريين العاملين في السودان، قبل أن تعلن الخارجية السودانية رسميًا أنها ستطبق مبدأ «المعاملة بالمثل» في التعامل مع مصر.
وقد زاد من الأجواء المشحونة بين البلدين، ما نقلته وكالات الأنباء عن إصابة مواطن سوداني بنيران  أطلقتها دورية للجيش المصري ظهر الأربعاء على مجموعة من الأشخاص المنقبين عن الذهب في منجم قرب «وادي العلاقي» داخل الحدود السودانية المحاذية لمصر.
فما هي  أسباب ذلك الصراع المحتدم بين البلدين  والذي يبدو إلى اللحظة عصيًا على الحل، بالرغم من اللقاءات المتكررة – والمتعددة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر البشير؟
«حلايب» ليست سبب الخلاف
في العادة،  يُشار إلى قضية النزاع الحدودي بين البلدين، كأهم أسباب الخلاف بين البلدين، مُثلث حلايب وشلاتين، المُطل علي البحر الأحمر، الغني بالموارد، والذي كان على الدوام مصدرًا للتوتر بين البلدين، هو المعني في هذا السياق.
كانت قضية حلايب أحد محاور ذلك النزاع المصري – السوداني الأخير، وأبرز ميدان لـ«المناكفة» بين القاهرة والخرطوم، فقد أعادت السودان تأكيدها أنها تمتلك الحق في تلك المنطقة، وحاولت الضغط على المصريين للجلوس للتفاوض، أسوة بـ«تيران وصنافير».
وتحدثت تقارير عن خطة سودانية لتحركات تفضي إلى «إنهاء الوجود المصري» في المنطقة، كما اتهمت السودان طائرات عسكرية مصرية باختراق الأجواء السودانية فوق منطقة حلايب، فيما وصفه وزير الدفاع السوداني بـ «الاستفزازات والمضايقات العسكرية» من الجانب المصري.
في المقابل، كانت مصر حريصة على تأكيد سيادتها على تلك المنطقة، فبث التليفزيون المصري لأول مرة صلاة الجمعة من شلاتين، في خطوةٍ فُسرت على أنها إشارة تصعيد، فضلًا عن الإعلان عن نية المصريين افتتاح «مشاريع ثقافية» في منطقة حلايب.
لكن – ودون التقليل من محورية النزاع الحدودي بين البلدين – يُمكن القول إن الحديث المتبادل بين البلدين عن أحقية كل منهما بـ«حلايب وشلاتين» كان على الدوام نتيجة للخلاف لا سببًا له، بمعنى أن تلك الأحاديث تخفت في الأوقات التي يتمتع فيها البلدان بعلاقاتٍ جيدة، فيما يُعاد إخراجها إلى الواجهة حين تسوء تلك العلاقات لسببٍ أو آخر.
أي أننا نتحدث عن أسبابٍ أخرى – حقيقية –  أدت إلى تأزم في العلاقات على خط القاهرة – الخرطوم في الفترة الأخيرة. فما هي يا ترى الأسباب الحقيقية إذن للصراع بين مُشير مصر ومشير السودان؟
إذاعة الجيش السوداني تهاجم «السيسي» وتصفه بـ«الخباز الإسرائيلي»

https://www.youtube.com/watch?v=kpFGWxrRujs

صعدت الخرطوم، من وتيرة هجومها، على «عبد الفتاح السيسي»، ووصفته عبر إذاعة «صوت القوات المسلحة» السودانية، بأنه قائد الانقلاب العسكري، الذي أطاح بـ«محمد مرسي»، الذي لا يزال حتى الآن هو الرئيس الشرعي لجمهورية مصر العربية، وفق الإذاعة السودانية.
و«صوت القوات المسلحة» السودانية، هي الإذاعة الرسمية والوحيدة المعبرة عن الجيش السوداني.
وقالت الإذاعة على لسان الإعلامي السوداني «محمد يوسف»، الخميس الماضي، «الآلة الإعلامية المصرية القذرة والسيئة السمعة في كل دول العالم ما عندهم حليف إلا إسرائيل، ويمكن أن حكومة الخباز الإسرائيلي هي التي سمحت للإعلام بالتطاول، والإعلام السوداني قادر على هذا التحدي، ونحن لكم بالمرصاد»(فيديو).
وأضاف: «كل وكالات الإعلام العالمية توبخ وصبّت جام غضبها على الإعلام المصري القذر السيئ السمعة، وكلهم يقولون: لماذا سمحت الحكومة المصرية لإعلامها بالتطاول على دول عظيمة مثل السودان وقطر والسعودية والإمارات؟».
وتابع: «هذا هو السؤال الكبير الذي طرحته كثير من وسائل الإعلام العالمية، ويمكنني الرد على هذا السؤال بأن الحكومة المصرية هي حكومة انقلاب عسكري انقلبت على الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس محمد مرسي، الذي لا يزال حتى الآن هو الرئيس الشرعي لجمهورية مصر العربية، والسيسي هو حكومة انقلاب عسكري، وكل الناس هنا تعترف حتى هذه اللحظة بأن الرئيس الشرعي في السجن».
حربٌ باردة في إفريقيا بدلا من التكامل
حين قررت مصر خوض غمار المعركة الدبلوماسية والإعلامية ضد إثيوبيا علي خلفية إصرار الأخيرة على المضيّ قدمًا في المشروع الذي يُتوقع أن تنعكس آثاره سلبًا على القطاعات الحيوية المصرية، وقتها لم يتصور أغلب المراقبين، إلا أن السودان سيكون حليفًا طبيعيًا يصطفُّ إلى جانب الموقف المصري أيًا يكن، لكن الأيام كانت حُبلى بما لا تشتهي أنفس المصريين.
تدريجيًا، بدأت تتكشف حقيقة موقف الخرطوم من مسألة السد، وقد كان هذا الموقف في جوهره أقرب إلى أديس أبابا منه إلي القاهرة، حيث طمحت الخرطوم إلى الاستفادة من السد في حجز جزء من الكميات الكبيرة  من الطمي التي تصل إلى السودان من الهضبة الأثيوبية، فضلًا عن إسهام السد في حماية السودان من الفيضان، كما أن السودان  قد تلقى وعدًا أثيوبيًّا بإعطائِه أولوية في الاستفادة من الكهرباء التي سيولّدها السد، بما يساعد في سد جزء كبير من احتياجات البلاد من الطاقة.
أثار هذا الموقف السوداني ضيق القاهرة، سيما مع توالي الإشارات على أن التقارب السوداني الإثيوبي لا يزداد مع الزمن إلا قوةً وعمقا، لم يعد يترك المسؤولون السودانيون مناسبة، إلا ويعيدون التأكيد على «حق إثيوبيا» في بناء سد النهضة، وإن حرصوا في كل مرة على التأكيد على عدم الإضرار بالمصالح المصرية.
وفي خطوةٍ ذات دلالة،  تزامنت مع الذكرى السادسة لوضع حجر الأساس لسد النهضة، زار الرئيس السوداني عمر البشير العاصمة الأثيوبية مطلع أبريل (نيسان) الماضي، ليؤكد من هناك على أهمية الاستفادة من الموارد المائية لدول حوض النيل «بصورة عادلة»، كما تم الإعلان من هناك عن اتفاق الزعيمين علي «التكامل بين البلدين في كل المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، كما أعلن البشير في تصريح ذي دلالة أن «أيّ تهديد لأمن أثيوبيا سيعتبر تهديدًا لأمن السودان».
نظرت الصحافة المصرية بالطبع إلى تلك الزيارة بشكلٍ سلبيّ، وفيما يبدو، فقد قررت القاهرة الاستسلام لفكرة الاصطفاف السوداني إلى جانب الموقف الأثيوبي، وأخذت تبحث عن حلفاء جدد في إقليم حوض النيل.
مُنتصف ديسمبر(كانون الثاني) الماضي، حطت طائرة القزم عبد الفتاح السيسي في أوغندا، حيث التقى بالرئيس يوري موسيفيني، بعدها بأيامٍ قليلة كان السيسي يلتقي برئيس دولة جنوب السودان سيلفا كير في القاهرة، قبل أن يطير في فبراير(شباط) مجددًا إلى العاصمة الكينية ليلتقي الرئيس الكيني كينياتا في زيارة استغرقت يومًا واحدًا.
دفع هذا النشاط الاستثنائي للسيسي إفريقيًا ببعض المراقبين إلى تلمُّس ملامح «الحلف الإقليمي» الجديد الذي تسعى القاهرة إلي نسجه لإحكام الحصار حول خصومها في المنطقة، تحدثت تقارير صحفية عن اتفاق ثلاثي بين مصر وأوغندا وجنوب السودان يقضي بالتعاون لدعم المعارضة المسلحة في كلٍ من إثيوبيا والسودان، على أن تقوم مصر بتوفير دعم عسكري واستخباراتي وإرسال مدربين عسكريين لتدريب الجيش الجنوبي والمتمردين.
وقد تعززت تلك الاتهامات حين ترددت علي لسان الرئيس السوداني شخصيًا، والذي أشار إلى أن «لديه معلومات عن دعم مصري لحكومة جنوب السودان بالأسلحة والذخائر».
كما اتهم المتمردون في جنوب السودان الحكومة المصرية بقصف مواقعهم لصالح القوات الحكومية، وهي الاتهامات التي نفاها الجانب المصري بشكلٍ قاطع، وإن قام جيش جنوب السودان بتوجيه شكر إلى السيسي على «المساعدات الغذائية والطبية» التي تلقتها بلاده من مصر.
ويبدو أن الجهود المصرية لم تستثنِ إريتريا، جار إثيوبيا وعدوها  اللدود، تبادل المسؤولون الزيارات وعبارات المديح، وزار القيادي العسكري السابق «حمدي بدين» العاصمة الإريترية، لبحث التعاون في مجال «الثروة السمكية»، وهو ما رآه البعض إشارة على تعاون في محاور أكثر حساسية.  قبل أن تنقل مصادر في المعارضة الإريترية أن مصر بصدد إقامة  قاعدة عسكرية على  الأراضي الإريترية، وهي الادعاءات التي نفتها الحكومة المصرية.
ويبدو أن التحركات الإقليمية المصرية باتت تمثل هاجسًا لكلٍ من مصر والسودان، ففي مارس (آذار) الماضي، وعقب إعلان الحكومة الإثيوبية أنها صدّت هجوما لمجموعةٍ مسلحة على سد النهضة، وجهت أصابع الاتهام إلى مصر، كما نقلت مؤخرًا صحيفة «ميدل إيست مونيتور» عن مصادر استخبارية في الخرطوم، أن كلًا من السودان وإثيوبيا تتأهبانِ لصدّ هجومٍ قد تشنه طائرات عسكرية مصرية على منشآت سد النهضة.
يعتقد المحلل السياسي السوداني وائل علي، أن “اتهام إسرائيل بأن لها دورا في أزمة السودان مع مصر
ويرى أستاذ “تسوية وإدارة الصراعات”، أن “إسرائيل صنعت الخلاف بين دول حوض النيل وبعضها البعض رغم أنها كانت دولة واحدة من قبل”، مشيرا إلى أن “إثيوبيا صارت هي الطرف المقبول لدى السودان، وأن القاهرة في هذا الوضع لا تستطيع عمل شيء مع أديس أبابا المستفيد من تصعيد الخلافات بين الشقيقتين”.

وقال شافعي “عندما نقول إثيوبيا فيجب أن نذكر اسم إسرائيل خلفها”، مضيفا “وفي تقديري فإن أزمة ملف سد النهضة لن تحل إلا بوساطة طرف ما؛ وهو إسرائيل، وسيكون الحل في أن تصل مياه النيل لصحراء النقب وحصول إسرائيل على جزء من مياه النيل وتحقيق حلمها التاريخي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى