تقارير وملفات إضافية

ليس حفاظاً على “التفوق الإسرائيلي” فحسب.. لماذا ترفض الولايات المتحدة بيع مقاتلات إف-35 للإمارات؟

انضمت الإمارات، في الشهر الماضي، إلى الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين تقيمان علاقاتٍ دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، الأردن ومصر. واقترن هذا الحدث الذي اكتسب طابعاً رسمياً بإقامة حفل توقيع اتفاق بالبيت الأبيض في سبتمبر/أيلول، بمناقشات حول مبيعات وشيكة لمقاتلات “إف-35” الأمريكية المتطورة للإمارات.

لكن صفقة بيع مقاتلات “إف-35” المرتقبة إلى الإمارات واجهت رد فعل سلبياً في الولايات المتحدة. إذ اصطدمت الصفقة بتحديات أخلاقية، نتيجة جرائم الحرب الإماراتية في اليمن وليبيا، والتي تشمل في الأخيرة هجوماً على مركز احتجاز للاجئين بالقرب من العاصمة الليبية وغارة من طائرة من دون طيار قتلت طلاباً غير مسلحين بطرابلس في يناير/كانون الثاني، إضافة إلى إشرافها على مرافق التعذيب في اليمن. وشكَّلت علاقة الدولة الوثيقة مع الصين أسباباً أخرى لانتقاد إتمام الصفقة.

يُضاف إلى ذلك وجود مخاوف بشأن إمكانية تزويد روسيا والصين لإيران بتكنولوجيا عسكرية متطورة، من أجل مواجهة التحسينات في القدرات الجوية الإماراتية الناتجة عن نقل تكنولوجيا “إف-35” إليها. وفي حين أنَّ هذه العوامل السلبية مثيرة للقلق بما يكفي، تمثل الشراكة الاستراتيجية المتنامية للإمارات مع روسيا أساساً منطقياً مقنعاً بالقدر نفسه، لتعليق مبيعات “إف-35” لأبوظبي، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.

على الرغم من أنَّ الإمارات تُوصَف في كثير من الأحيان، بأنها “الشريك الأكثر ثقة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب” بالعالم العربي، فقد عَمِلَت أبوظبي مع روسيا على تعزيز شرعية رئيس النظام السوري بشار الأسد، وكذلك تمكين الجنرال المتمرد خليفة حفتر من الهجوم على طرابلس الليبية. 

ويتداخل هذا التعاون العسكري على مستوى الأزمات مع علاقة ثنائية قوية على نطاق واسع. ففي يونيو/حزيران 2018، وقَّعت روسيا والإمارات أول اتفاقية شراكة استراتيجية بين موسكو ودولة من دول مجلس التعاون الخليجي. ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بأنه “صديق قديم“، قبل زيارته للإمارات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي نتجت عنها صفقات تجارية جديدة بقيمة 1.3 مليار دولار بين البلدين.

تقول المجلة الأمريكية إنه في ضوء هذه الشراكة المتنامية، يجب على الولايات المتحدة الامتناع عن تصدير طائرات “إف-35” إلى الإمارات حتى اتخاذ أبوظبي خطوات ملموسة نحو الانفصال عن روسيا. ويجب على واشنطن أن تُطَبِّق على الإمارات سابقة تعليق مبيعات “إف-35” لتركيا بعد شرائها منظومة الدفاع الصاروخية الروسية “إس-400” وإعلانها خططاً للتعاون مع روسيا في بناء نظام “إس-500”. وما لم تبقَ الإمارات بعيدة عن روسيا، فهناك خطر كبير غير مقبول، يتمثل في النقل غير المقصود للتكنولوجيا الأمريكية إلى روسيا عبر أبوظبي؛ ومن ثم إمكانية أن تصبح أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية قابلة للتشغيل المتبادل مع طائرات “إف-35”.

تعد شراكة روسيا الأمنية مع الإمارات أعمق من علاقتها مع تركيا، إذ تشمل مبيعات الأسلحة والتعاون اللوجيستي والتعاون النشط في تطوير أنظمة الأسلحة، ومن ثم فإنَّ المخاطر المرتبطة ببيع طائرات “إف-35″ إلى تركيا تتضخم وتتضاعف في حالة الإمارات. وعلى الرغم من التوترات التي أحدثتها العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي و”طالبان” والدعم العسكري للمتمردين الانفصاليين في الشيشان خلال حرب 1994-1996 مع روسيا، كانت الإمارات رابع أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية في عام 2000.

ووضعت مشتريات الإمارات للأسلحة الروسية الأساس لشراكة أمنية قوية بين موسكو وأبوظبي، واصلت نموها على مرأى ومسمع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومنذ عام 2017، اشترت الإمارات منظومة الدفاع الصاروخية الروسية “بانتسير إس-1” لاستخدامها في ليبيا، وكذلك منظومة الصواريخ المضادة للدبابات “كورنيت إي” ونشرتها في اليمن. ويشير هذا إلى أنَّ الإمارات يمكنها تشغيل طائرات “إف-35” جنباً إلى جنب مع أنظمة الدفاع الصاروخية روسية الصنع.

إضافة إلى ذلك، ذكرت الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، أنَّ موجات من الطائرات الروسية والإماراتية قدَّمت أسلحة بطريقة غير قانونية إلى قوات حفتر في ليبيا؛ مما يؤكد تنسيقها اللوجيستي في تلك الساحة. وأجرى متعاقدون عسكريون خاصون من مجموعة فاغنر الروسية مهام استطلاعية لدعم ضربات الطائرات من دون طيار الإماراتية، وتشارك الإمارات كذلك في تجنيد أفراد من تشاد والسودان للقتال لصالح مجموعة فاغنر. إلى جانب ذلك، تتبادل روسيا والإمارات بانتظام، معلومات استخباراتية حول عمليات مكافحة التمرد في سوريا؛ مما يعزز قبضة الأسد على السلطة.

وقد يؤدي استمرار المشاورات الروسية الإماراتية بشأن القضايا الأمنية إلى سيناريو تُستخدَم فيه طائرات “إف-35” الإماراتية وصواريخ “بانتسير إس-1”  أو “إس-400” جنباً إلى جنب. ويمكن أن تُنبِّه هذه العمليات المشتركة روسيا إلى نقاط الضعف المحتملة داخل طائرات “إف-35″، مما قد يسمح لموسكو بإنتاج أنظمة دفاع صاروخية قادرة على إسقاط الطائرات الأمريكية.

إضافة إلى ذلك، قد تكون روسيا والإمارات مستعدتين للتعاون في تطوير مقاتلات من الجيل الخامس. ففي فبراير/شباط 2017، أعلنت شركة الدفاع الروسية العملاقة Rostec أنها ستعمل مع وزارة الدفاع الإماراتية على تطوير طائرة مقاتلة خفيفة من الجيل الخامس. وستكون هذه الطائرة، التي سيستغرق تطويرها من 7 إلى 8 سنوات، أكثر تطوراً من طائرات “ميغ-29” التي تستخدمها روسيا حالياً. ومن شأن هذه التحديثات رفع تنافسية أسعار المقاتلات الجديدة وجودتها، وستسمح لشركة Rostec بتنافسٍ أكثر فاعلية مع شركات الدفاع الأمريكية.

وعلى الرغم من تعليق هذا المشروع المشترك في البداية، استهدفت روسيا ضم الإمارات شريكاً في إنتاج مقاتلات “سوخوي-57” في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وجاء هذا التواصل الروسي بعد أيام من إطلاق الإمارات مجمع Edge لتسهيل تطوير التكنولوجيا العسكرية داخل الدولة. ونظراً إلى أنَّ روسيا استثمرت الكثير في تحديث قوتها الجوية منذ عام 2011، فقد تستفيد من امتلاك الإمارات لطائرات “إف-35″؛ لجمع المعلومات التي تدعم خطط بناء الطائرات الخاصة بها.

تقول الصحيفة الأمريكية، إنه حتى لو لم يتكشف هذا السيناريو المحفوف بالمخاطر، فإنَّ نقل تكنولوجيا طائرات “إف-35” إلى الإمارات سيزيد من تقويض مصداقية العقوبات الثانوية الأمريكية المرتبطة بشراء الأسلحة الروسية. وتُفرَض هذه العقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات. وقد أدى التهديد بتطبيق هذا القانون إلى عرقلة قدرة الهند على شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية الرائدة “إس-400″، إلى جانب أنَّ تركيا ومصر تواجهان عقوبات محتملة بسبب شرائهما صواريخ “إس-400” ومقاتلات “سوخوي-35” على التوالي. وإذا تسلَّمت الإمارات طائرات “إف-35″، على الرغم من مشترياتها من الأسلحة الروسية، فإنَّ الموافقة المتصورة للمحاباة السياسية في سياسة العقوبات الأمريكية يمكن أن تُوتِّر علاقات واشنطن مع الدول المُعرَّضة لخطر قانون “مكافحة أعداء أمريكا” من خلال العقوبات.

ويطرح تراجع مصداقية قانون “مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”، والاعتقاد الناتج بين الدول العربية بأنَّ الاعتراف بإسرائيل هو سبيل الهروب من العقوبات المتعلقة بروسيا، تهديداً أخلاقياً خطيراً. فلطالما اعتبرت روسيا الإمارات نافذة لدخول أسواق الأسلحة المُربِحة في شبه الجزيرة العربية. ويمكن أن يثير نقل طائرة “إف-35” إلى الإمارات موجةً من مبيعات الأسلحة الروسية في أنحاء الخليج، حيث لم تعد المملكات المتحالفة مع الولايات المتحدة ترى التعاون العسكري مع روسيا على أنه عائق أمام تلقي التكنولوجيا العسكرية الأمريكية الأكثر قيمة.

ومن ناحية أخرى، إذا أدت رغبة المرشح الرئاسي الأمريكي جو بايدن في إنهاء الدعم الأمريكي للتدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن وإعادة الانخراط مع إيران، إلى خلق احتكاكات بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، فإنَّ مصداقية قانون “مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات” قد تشجع دول الخليج على الانتقام، من خلال شراء أسلحة روسية.

وبالنظر إلى مخاطر عمليات نقل التكنولوجيا المحفوفة بالمخاطر والإضرار بمصداقية العقوبات الثانوية الأمريكية، يجب على الولايات المتحدة ألا تبيع طائرات “إف-35” إلى الإمارات إلى أن تُخفف مستوى علاقتها مع روسيا.

لقد استخدمت الولايات المتحدة بالفعل تطبيع إسرائيل مع الإمارات أداةً للضغط على الصين؛ إذ شجَّعت الاستثمارات الإسرائيلية والإماراتية المشتركة التي تنافس مبادرات بناء ميناء بكين في حيفا. ويجب أن تفرض ضغوطاً مماثلة على الإمارات بشأن علاقتها بروسيا. ومن خلال اتخاذ إجراءات بشأن هذه القضية، سيتصدى صانعو السياسة الأمريكيون أيضاً لشراكة استراتيجية أسهمت بدور مهم في تقويض الهيمنة الأمريكية بالشرق الأوسط. وفي غضون هذه العملية، قد تُطوِّر الولايات المتحدة “علاقة صحية” أكثر مع الإمارات، وتضع حداً للتصورات بالإفلات من العقاب التي تسمح لأبوظبي بتحدي المصالح الأمريكية علانيةً في جميع أنحاء المنطقة، كما تقول “فورين بوليسي”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى