تقارير وملفات إضافية

ماذا حققت منتديات الشباب في مصر على أرض الواقع، وهل هي دعاية سياسية أم إدماج حقيقي؟

شهدت مصر منذ عام 2016 عقد 10 منتديات للشباب بمبادرة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، بين مؤتمرات وطنية للشباب المصري وأخرى عالمية مثل المنتدى العالمي للشباب، ما يطرح عدة تساؤلات أبرزها: ماذا تحقق لتلك الفئة العمرية حتى الآن؟ وما هدف الحكومة المصرية من عقد مثل تلك المنتديات؟

عقد السيسي المؤتمر الوطني الأول للشباب في أكتوبر/تشرين الأول في مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء وأطلق على عام 2016 عام الشباب، تبعه مؤتمرات شبابية أخرى في أسوان والقاهرة وغيرها من المحافظات.

وخلال المؤتمر الأول، أصدر الرئيس عفواً عن نحو 205 من الشباب الصادر بحقهم أحكام نهائية بتهم التظاهر ضد النظام، كما صدر أيضاً القانون رقم 515 لنفس العام وبموجبه تم إطلاق 83 من الشباب المحبوسين على ذمة نفس التهمة.

في عام 2017 انعقد المنتدى الأول لشباب العالم في مدينة شرم الشيخ بمشاركة نحو 3000 شاب من أكثر من 131 دولة حول العالم، واستمر عقد منتديات ومؤتمرات والشباب حتى بلغ عددها 10 حتى اليوم الإثنين 16 ديسمبر/كانون الأول، حيث ينعقد في شرم الشيخ أيضاً المنتدى الثالث لشباب العالم بمشاركة نحو 7 آلاف شاب وفتاة من 196 دولة، وتتركز المناقشات حول: الثورة الصناعية، الأمن الغذائي، التحديات البيئية، الذكاء الاصطناعي، الاتحاد من أجل المتوسط وتمكين المرأة، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات.

في الوقت الذي تتواصل فيه تلك المنتديات والمؤتمرات الشبابية وتحظى بتغطية إعلامية رسمية واسعة، تتواصل أيضاً المطاردات الأمنية والاعتقالات التي تطال الشباب من الجنسين بسبب معارضتهم للرئيس السيسي وسياسات حكومته.

وقد شهدت مصر في سبتمبر/أيلول الماضي مظاهرات احتجاجية طالبت برحيل السيسي شارك فيه الآلاف من المراهقين والشباب في العاصمة القاهرة وبعض المحافظات الأخرى بسبب الظروف المعيشية الطاحنة، بعد أن قامت الحكومة منذ وصول السيسي للحكم برفع الدعم عن السلع الغذائية والمواد البترولية لتتضاعف الأسعار أكثر من خمس أضعاف ويصل التضخم لمعدلات لم تشهدها البلاد من قبل، ما أدى لزيادة نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 31%، بحسب تقديرات الحكومة، وإن كانت تقارير منظمات حقوقية ومستقلة محلية ودولية تضع نسباً أعلى بكثير تصل إلى نحو 50%.

وكان رد الحكومة المصرية على تلك المظاهرات عنيفاً وتم توقيف أكثر من 1000 شاب واعتقال عدد من نشطاء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 رغم عدم مشاركتهم في المظاهرات مثل علاء عبدالفتاح وماهينور المصري وكثير من مسؤولي الأحزاب المدنية.

وتتعرض مصر لانتقادات شديدة ومتكررة في مجال حقوق الإنسان من جانب المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية التي تقدر عدد سجناء الرأي بأكثر من 100 ألف معتقل، أغلبهم من الشباب، لكن الحكومة تنفي ذلك وتصر على عدم وجود معتقلين بسبب المعارضة السياسية وأن كل من يوجد بالسجن يكون بسبب مخالفة القوانين.

وعن الهدف من عقد مؤتمرات ومنتديات الشباب بشكل مكثف، يرى سعيد صادق، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن النشاط الدعائي عادةً ما يتصدر اهتمام القائمين على منتدى شباب العالم الذي يعقد سنوياً في منتجع شرم الشيخ.

وقال صادق لوكالة الأناضول إن تلك المنتديات الدولية تمثل فرصة للحكومة المصرية لجذب أنظار العالم إلى المنتجعات السياحية في مصر، والتركيز على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية. وتابع: غالباً ما تركز الجلسات النقاشية في منتدى شباب العالم على قضايا العولمة وليس الأوضاع الداخلية، وأبرزها مثلاً: الأمن الغذائي، التحديات الأمنية، التعاون بين الشباب الإفريقي والأورو متوسطي من أجل التنمية وآفاق التعليم وبناء القدرات في عصر الثورة الصناعية.

ورأى أن منتدى شباب العالم يهدف في المقام الأول إلى الترويج والتسويق والتنشيط السياحي، لتطوير قطاع السياحة الذي تضرر كثيراً خلال السنوات الماضية، واعتبر أن المنتدى يمثل «منتجاً متفرداً» للنظام المصري لم تسبقه نماذج مشابهة في المنطقة أو العالم.

إيرادات السياحة في مصر استعادت عافيتها نسبياً، بعد أن شهدت تراجعاً حاداً، منذ ثورة يناير/كانون الثان 2011، إذ أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع إيرادات السياحة الوافدة بنسبة 28.2% على أساس سنوي في العام المالي 2018/2019، وأوضح البنك، في بيان أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، أن إيرادات السياحة صعدت إلى 12.570 مليار دولار في العام المالي 2018/2019، مقابل 9.804 مليار دولار في العام المالي السابق عليه.

على الجانب الآخر، الحكومة ومن يؤيدها يرون أن هذا العدد الكبير من منتديات الشباب، الوطني منها والإفريقي والدولي، يعكس اهتمام الرئيس السيسي وحكومته بتلك الفئة العمرية ويسعى لدمجها في العمل السياسي والخدمة العامة.

ويدلل أصحاب هذا الرأي على ذلك بتعيين 20 نائباً للمحافظين في حركة المحافظين الأخيرة التي تم إعلانها نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو ما يمثل دليلاً عملياً على جدية النظام في تأهيل جيل شاب من القادة.

ويرى مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، أن منتدى شباب العالم يعكس وجود إرادة سياسية للاهتمام بتلك الشريحة العمرية، وأضاف غباشي للأناضول أن «انعقاد تلك المنتديات الشبابية على المستويات المحلية والإفريقية والدولية بشكل دوري منتظم يؤكد حرص السلطة على التواصل وإدماج الشباب في العملية السياسية».

النسخة الثالثة من «منتدى شباب العالم» في مصر المنعقدة في شرم الشيخ حالياً في الفترة من 14 حتى 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، جعلت من تلك المنصة الشبابية حدثاً فريداً خاصاً بالنظام في مصر ولا يوجد له نظير في المنطقة والعالم، ويؤكد صادق هذا الرأي معتبراً أن المنتدى يمثل «منتجاً متفرداً» للنظام المصري لم تسبقه نماذج مشابهة في المنطقة أو العالم.

فعلى الرغم من أن المنتديات تمثل منصة شبابية يفترض بها أن تركز على مناقشة مشاكل الشباب والبحث عن حلول لمواجهتها، إلا أن الرئيس المصري غالباً ما يستخدمها في التعليق على ملفات سياسية واقتصادية وإرسال رسائل تتعلق بالنزاعات والملفات الإقليمية والدولية.

وأبرز مثال على ذلك ما حدث في المؤتمر الوطني الثامن للشباب الذي عقد في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول الماضي في شرم الشيخ وعقدت جلسة تحت عنوان «تأثير نشر الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع»، وشهدت الجلسة قيام السيسي بالرد بشكل مباشر على فيديوهات المقاول المصري محمد علي الذي اتهم الرئيس وأسرته وبعض قيادات الجيش بالفساد.

اللافت أن الرئيس أكد بعض اتهامات المقاول له بإنفاق مئات الملايين على بناء قصور رئاسية بينما غالبية الشعب تعاني من الظروف المعيشية القاسية التي فرضها برنامج الإصلاح الاقتصادي، وكان ذلك على العكس تماماً من رسائل السيسي المتكررة للشعب بأن مصر بلد فقيرة وتحتاج للمساعدة، حين قال إنه «يبني قصوراً رئاسية وسيواصل بناءها».

في ضوء ذلك يرى البعض أن تلك المنتديات تمثل فرصة للرئيس كي يوجه رسائله بشكل مباشر للعالم الخارجي وللشعب داخلياً، بينما يرى البعض الآخر أن المقصود بالشباب هم شباب البرنامج الرئاسي ومجموعات مختارة بدقة من جانب الأجهزة السيادية من شباب الجامعات وشباب السياسيين وشباب المهندسين العاملين في المشروعات القومية، وشباب الأطباء، وأيضاً شباب رجال الأعمال، وليس الشباب في مصر بالمفهوم الشامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى