تقارير وملفات إضافية

ماذا لو شارك المراهقون بالانتخابات.. هل يؤدي خفض التصويت لجعل الديمقراطية أفضل؟

هل تتحسن الديمقراطية إذا تم خفض سن التصويت في الانتخابات، أم أن هذا سيؤدي إلى زيادة مشاكلها.

جدل بدأ يثار في الولايات المتحدة بعدما ولاية كاليفورنيا بحث خفض سن التصويت إلى 17 عاماً، حيث أثار البعض مخاوف من عدم قدرة المراهقين في هذه السن لاتخاذ القرارات، بينما آخرون يقدمون حججاً تؤكد أن الديمقراطية ستستفيد من خفض سن التصويت حسب ما ورد في تقرير لموقع Mic الأمريكي.

عام 2016، كتبت ماري كوبيني خطاباً للرئيس الأمريكي باراك أوباما، تطلب منه مساعدتها في مشكلة تواجه مدينتها. أرادت كوبيني، وهي من فلنت بولاية ميشيغان، أن يزور أوباما مدينتها لينظر في كارثة المياه لديهم. كتبت: «أفعل ما في وسعي للمشاركة في الاحتجاجات والتحدث علناً إلى الأطفال الذين يعيشون هنا في فلنت»، مشيرةً إلى إمداد المياه الملوثة في المدينة بسبب استسهال الحكومة واتخاذها الحلول الأرخص. 

وأضافت أنها كانت ستسافر إلى واشنطن العاصمة لحضور شهادة ريك سنايدر أمام الكونغرس، وكان وقتها حاكم ميشيغان. كانت كوبيني في الثامنة من عمرها وقتذاك.

تحتج كوبيني على عجزها عن الانتخاب، وكيف أن مستقبلها يعتمد على أن يتخذ الأمريكيون الأكبر سناً قرارات صحيحة. وهي ليست الناشطة الصغيرة الوحيدة التي طلبت أن يتخذ ممثليها إجراءات في مشكلات قريبة منها.

بعد حادثة إطلاق النار في مدرسة مارغوري ستونمان دوغلاس الثانوية، في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا، عام 2018، بدأ الناشطون الصغار، ومعظمهم طلابٌ في الثانوية تحت الثامنة عشرة، في تنظيم الاحتجاجات والضغط على السياسيين لتقنين حيازة السلاح، بعد وقوع الحادثة المأساوية فوراً. وفي هذا الصيف، عبرت غريتا تونبرغ، السويدية ذات الستة عشر عاماً، المحيط وخاطبت الأمم المتحدة وساعدت في تنظيم احتجاجات شبابية في أنحاء العالم بسبب موضوع المناخ، الذي أخرج آلاف الشباب الأمريكيين إلى الشوارع مطالبين بالتغيير. 

وضع في اعتبارك غافين غريم، الطالب العابر جنسياً الذي مُنع من استخدام الحمام الذي يوافق هويته الجنسية في مدرسته الثانوية العامة في فريجينيا. رفع غريم دعوى قضائية عام 2015، وكان وقتها في السنة الثانية الثانوية، لحماية حقوقه المدنية، وذلك قبل عام واحد من تمرير ولاية كارولينا الشمالية «مشروع قانون الحمام» الخاص بالمتحولين جنسياً، وقبل عدة أعوام من موافقة المحكمة العليا على النظر في قضية خاصة بحقوق المتحولين جنسياً في أماكن العمل.

يقوم هؤلاء الشباب بالعمل اللازم لتناول المشكلات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر على صحتهم وأمنهم ومستقبلهم. يمكنهم التحدُّث إلى الهيئات الدولية، ويمكنهم الضغط على السياسيين، والمشاركة في المسيرات، ويمكنهم التنظيم. إنهم منخرطون مباشرة في العملية السياسية بشكل فعال، إلا أنهم غير قادرين على الإدلاء بأصواتهم. 

لكن الوضع قد يتغيَّر في كاليفورنيا، بالنسبة للبعض على الأقل. إذ أصدرت جمعية ولاية كاليفورنيا، في أغسطس/آب الماضي، تعديلاً قانونياً على دستور الولاية (ACA 8) من شأنه أن يخفض سن الانتخاب من 18 إلى 17 عاماً. وينتقل التعديل الآن إلى مجلس الولاية، حيث يتطلَّب موافقة 27 عضواً من أصل 40 من أجل تمريره. وفي حال مرره مجلس الولاية، سيكون أمام السكان فرصة التصويت على تغيير القانون، وغالباً سيكون ذلك في استفتاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. 

إذا وافق الناخبون، سيكون في إمكان سكان كاليفورنيا ذوي السبعة عشر عاماً التصويت في الانتخابات النصفية عام 2022.

قالت ميليسا روميرو، مديرة الشؤون التشريعية في رابطة سكان كاليفورنيا لحماية الناخبين، لموقع Mic الأمريكي: «لم يُمرَّرالتعديل بعد»، وأضافت «لكنه قطع شوطاً أكبر من أيِّ وقتٍ مضى. نحن واثقون أنه بمجرد أن يعطي أعضاء المجلس وقتاً لسماع صغار كاليفورنيا، سيقتنع الناس بوجود حاجة ومصلحة في أن يشارك الصغار في الانتخابات».

أوضح روميرو أن رابطة سكان كاليفورنيا لحماية الناخبين تدعم دستور الولاية ACA 8 لعدد من الأسباب. الأول هو أن للصغار آراءً واهتماماتٍ سياسية ينبغي أن يكونوا قادرين على التعبير عنها. تقول: «يرى الصغار الآن بشكلٍ مباشر عواقب عدم المشاركة في الانتخابات»، وتضيف «إنهم أكثر تنظيماً من أي وقت مضى، لأن مستقبلهم، حرفياً، على المحك».

في عام 2018، أدلى 31% من الناخبين المؤهلين في عمر 18 إلى 24، بأصواتهم في الانتخابات النصفية، بينما كانت النسبة 21% فقط في عام 2014. وكانت هذه هي أعلى نسبة تصويت بين الشباب الأقل من خمسة وعشرين عاماً في أي انتخابات نصفية. 

ويشير الارتفاع في نسبة التصويت بين صغار السن، إلى جانب موجة العمل النشط، إلى كثافة جديدة في انخراطهم في السياسة. لكن لا يزال هناك عمل كثير ينبغي إنهاؤه.

هناك جدل جديد حول خفض سن الاقتراع؛ وهو ببساطة، أن الحواجز الأقل تعني أصوات اقتراع أكثر، وليس فقط أصوات الصغار. إذ إن جعل سن الاقتراع هو 18، يخلق نقاط اختناق للمشاركة السياسية تكبح الديمقراطية الأمريكية، بحسب ما قال الناشط الشاب، تايلر أوكيكي، العضو السابق في مجموعة Power California، لموقع Mic. 

ويوضح أوكيكي، وهو في الثامنة عشرة: «الثامنة عشرة هي سن انتقال العديد من الطلاب إلى الجامعات، فهم إذن يغيرون عناوينهم وينتقلون للعيش بمفردهم. إنهم يجرون الكثير من التغييرات الكبيرة في حياتهم، ولهذا لا يُعد ذلك هو الوقت الأمثل لتقديمهم إلى الانتخاب».

يُعتبر أوكيكي ناشطاً فاعلاً للغاية ومنخرطاً تماماً في الأحداث؛ إذ كان يعمل في مبادرات تصويت الشباب لعدة سنوات، وهو يُخطِّط لإيجاد حياة مهنية في السياسة والحكومة. إلا أنه يشير، بصفته طالباً جديداً في جامعة شيكاغو، إلى أنه حتى هو نفسه لا يعرف بالضبط كيف يسجل للانتخاب، ولا هو مطلع على الهيئات والمنظمات السياسية في مدينته الجديدة. 

حقيقة أننا نسمح للناس بالتصويت في أكثر الأوقات اضطراباً في حياتهم له آثار هامة طويلة المدى. وقد أشارت عدة دراسات إلى أن أحد أقوى مؤشرات الاقتراع، هو ما إذا كنتَ قد شاركت في الانتخابات السابقة. أي أن الناس يشاركون في الانتخابات لأنهم شاركوا من قبل؛ إنها عادة.

بينما يصعب تطوير هذه العادة في الوقت الذي يترك فيه الشباب منازلهم ويبحثون عن منازل جديدة. 

ويشير أوكيكي إلى أنه يبدو منطقياً أكثر أن يبدأ الاقتراع من سن 17 -أو حتى 16، وهو ما يفضله شخصياً- وهو الوقت الذي يتعلم فيه طلاب المدارس عن تاريخ أمريكا وحكومتها. يقول: «إذا جعلنا بداية الانتخاب مصاحبة للتعليم المدني، يمكننا أن نجعل الانتخابات عادة».

هناك فوائد لجعل الناس متأقلمة على التصويت، لكن المتشككين في تصويت الشباب الصغار، يخشون أنهم -الشباب- غير مستعدين لتحمل المسؤولية. يقول جيم ليونز، الجمهوري من ولاية ماساتشوستس: «إنهم ببساطة لم ينضجوا بعد إلى المستوى الذي يؤهلهم لاتخاذ ذلك النوع من القرارات».

تبرز إحدى الحجج المعتادة ضد تصويت الشباب، وهي أن أدمغتهم لم يكتمل نموها بعد. هذا صحيح، غير أنه ينطبق أيضاً على الأشخاص الذين لديهم حق التصويت حالياً، إذ إن الأدمغة لا يكتمل نموها حتى عمر 25 عاماً

في حين أن التدهور المعرفي قد يبدأ في وقت مبكر، بدايةً من سن 30 عاماً. ومن ثمَّ، فالأمر لا يحتاج إلى عمليات حسابية معقدة لتبيّن لنا أن القوانين الحالية ربما تحول بين شباب مؤهل تماماً وبين المشاركة في عملية الانتخاب. 

وبالطبع يجب أن يستند الحق في الانتخاب إلى أكثر من مجرد تعميمات لعلم الأعصاب ودراساته، لكن إذا كانت الحجة هي أن الشباب ليسوا متطورين دماغياً بما يكفي للتصويت، فإن مراجعة علم الأعصاب جديرة بالاهتمام في هذا السياق.

كثيراً ما يزعم المنتقدون أن الشباب لا يعرفون ما يكفي عن الأحداث والسياسات الجارية، للتصويت بمسؤولية. 

ومع ذلك، يشير أوكيكي إلى أن الباحثين لم يجدوا أي فرق ذي معنى بين المعارف العامة لمن تبلغ أعمارهم 16 عاماً، وبين هؤلاء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عاماً. 

علاوة على أن خفض سن التصويت في بلدان أخرى، مثل إسكتلندا، على سبيل المثال، لم يؤدِّ إلى كارثة عامة أو شيء من هذا القبيل (ولم تكن إسكتلندا هي من صوتت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مثلاً).

والمؤكد أن أوكيكي، الذي يبلغ من العمر 18 عاماً فقط، يبدو مُطَّلِعاً بالقدر الكافي لكي يدلي بصوته، ولا سيما قدرته على استحضار الدراسات وإحصائيات التصويت دفاعاً عن حجته. ولسان حاله يقول، معبراً عن الشباب: «فقط التفتوا إلينا، تكلموا معنا، وانظروا ماذا نفعل. التقطوا أي صحيفة أمامكم، وانظروا إلى حولكم إلى كل تلك الحركات التي نقودها بالفعل».

وبالطبع، يمكن القول إن بعض الشباب ليسوا على اطّلاع أو دراية جيدة بالأمور العامة. لكنَّ مايكل كامينغز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولورادو في دنفر والذي درس العديد من المسائل المتعلقة بتصويت الشباب، يقول إنه من غير الديمقراطي أن نستبعدهم من التصويت على هذا الأساس. 

وقال كامينغز لموقع Mic: «في أي نظام ديمقراطي، يجب أن يكون للمواطنين الحق في التصويت، لأن السياسات العامة تؤثر عليهم. في الديمقراطية، لا نقول لأحد: (ما درجة ذكائك؟ أوه، أنت ذكي بالفعل، سنسمح لك بالتصويت)». بل الواقع أن الولايات المتحدة حظرت اختبارات الأمية تحديداً، لأنها كانت تستخدم بطريقة تمييزية لمنع السود والفقراء من ممارسة حق الانتخاب الذي كفله الدستور لهم.

والحقيقة أن كثيراً من الحجج المستخدمة لحرمان الشباب من التصويت هي الحجج ذاتها التي استُخدمت في الماضي لحرمان الفقراء والسود والنساء، فقد قيل أيضاً وقتها إن تلك الفئات كانت جاهلة جداً أو غير مؤهلة بطريقة ما. 

يقول كامينغز، إن استثناء فئات أو مجموعات كبيرة من الناس يُنتج «ديمقراطيات معيبة، وضعيفة». هناك أيضاً حقيقة بسيطة مفادها أن بعض كبار السن ليسوا بذلك الاطلاع أو الدراية بالشؤون العامة، ومع ذلك فإنهم يقترعون ويشاركون في الانتخاب دون أن ينطق أحد بكلمة واحدة.

يقول كامينغز إن ديمقراطيتنا غدت، مع مرور الوقت، أكمل وأقل تحيزاً، لأن مزيداً من الناس حصلوا على حق التصويت. ويضيف أنه يود لو أُزيل شرط السن للتصويت، إذ في رؤيته للنظام المثالي، يمكن للشباب بدء التصويت متى شعروا بأن لديهم الاهتمام الكافي لفعل ذلك.

من غير المرجح أن يقضى على شرط بلوغ سن معينة للاقتراع تماماً، غير أن كاليفورنيا قد تصبح طليعةَ المضطلعين بهذه المسؤولية والقائمين بها. إذ لو سمحت أكبر ولاية في الاتحاد الفيدرالي الأمريكي بتصويت الشباب في سن 17 عاماً، دون أي شروط، فإن بقية الأمة قد تبدأ في التفكير بجدية أكبر في مشروع القانون الذي تقدمت به النائبة عن ولاية ماساتشوستس، إيانا بريسلي، بتعديل سن التصويت ليصبح 16 عاماً في جميع أنحاء البلاد.

يتأثر الشباب بقوانين الأسلحة، واللوائح المنظمة لاستخدام غازات التدفئة. إنهم يتأثرون بميزانية التعليم ولوائح التمييز ضد المتحولين جنسياً في دورات المياه العمومية. 

تُجبرهم الدولة على الالتحاق بالمدرسة، وتفرض عليهم الضرائب عند العمل، وتتولى تشريع وتنظيم لوائح الرعاية الصحية الخاصة بهم. كل هذا في حين أنهم ليس لهم صوت، ولا رأي لهم في حكومتهم، وهذا يعني أن ليس لديهم أدوات يدافعون بها عن أنفسهم إذا تعرضوا للاستغلال أو التجاهل، أو مثل طلاب حادثة إطلاق النار في باركلاند في عام 2018، للاعتداء عليهم.

الديمقراطيات تصير أقل مساواةً وأكثر جوراً، عندما تستبعد فئات معينة من التصويت. إن خفض سن التصويت سيجعل الأطفال أقوى، وهذا سيجعل البلاد أقوى أيضاً.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى