تقارير وملفات إضافية

ماذا ينتظر إسرائيل بعد مقتل سليماني والحديث المتنامي عن دورها في عملية الاغتيال؟

يوماً بعد يوم تُسلط التقارير الإعلامية مزيداً من الأضواء على الدور الذي لعبته إسرائيل في عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فماذا يمكن أن تتوقع تل أبيب في الأيام المقبلة حال عادت الأمور لحافة الهاوية مرة أخرى؟

صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت تقريراً بعنوان: «التوترات بين الولايات المتحدة وإيران تُقيّد إسرائيل مؤقتاً على الجبهة الشمالية»، ألقت فيه الضوء على ما يدور في كواليس السياسة الإسرائيلية.

استغرقت وسائل الإعلام الأمريكية أكثر من أسبوع هذه المرة، ولكن في صباح يوم الأحد ظهر التقرير شبه التقليدي المتوقّع حول دور إسرائيل في قتل اللواء الإيراني قاسم سليماني. وبحسب شبكة NBC الأمريكية، وفّرت الاستخبارات الإسرائيلية معلومات إضافية حول جدول قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، الذي أقلعت طائرته من دمشق وحطّت في مطار بغداد الدولي بعد منتصف الليل في الثالث من يناير/كانون الثاني.

وقدّم تقريرٌ مُفصّل في صحيفة New York Times الأمريكية وصفاً دقيقاً لتسلسل الأحداث خلال الأسبوع الذي قُتِلَ فيه سليماني، وأورد التقرير أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان الزعيم الأجنبي الوحيد الذي أطلعته واشنطن على نيتها لقتل سليماني. ويتوافق التقرير مع تقييمات وسائل الإعلام الإسرائيلية مباشرةً في أعقاب قتله. وبالعودة إلى الأحداث السابقة، نجد أنّ تصريحات نتنياهو حول مراقبة إسرائيل اليقظة للأحداث وبقائها «على تواصلٍ مع صديقتنا الرائعة، الولايات المتحدة» قبل قتل سليماني بيومٍ واحد إبان مغادرته إلى اليونان؛ قد تُشير إلى أنّه كان يعرف شيئاً عن الأمر.

وفي يوم الأحد الـ12 من يناير/كانون الثاني، تطرّق نتنياهو إلى الوضع داخل إيران مرةً أخرى في بداية اجتماع حكومته الأسبوعي، وأدان نظام طهران لإسقاطه طائرةً تجارية أوكرانية بطريق الخطأ، وأثنى على شجاعة من يتظاهرون ضد النظام، وهنّأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قراره بفرض المزيد من العقوبات ضد إيران. لكن عهد الصمت الذي فرضه رئيس الوزراء على وزرائه ما يزال سارياً، إذ لا يزالون ملتزمين الصمت حول الأحداث في منطقة الخليج.

ويبدو أنّ الحذر الإسرائيلي يشمل في المرحلة الحالية ضبط النفس في ما يتعلّق بالأعمال الهجومية على الجبهة الشمالية. إذ إنّ التقرير الصادر الأسبوع الماضي، والذي نسب إلى إسرائيل المسؤولية عن هجومٍ على شاحنة أسلحة بالقرب من معبر البوكمال على الحدود السورية-العراقية، لا يبدو تقريراً موثوقاً. وإذا صح الاعتقاد بأنّ الأعمال الهجومية الإسرائيلة توقّفت؛ فعلى المرء أن يفترض أنّ الأمر مؤقّت حتى تتضح الصورة في ما يتعلّق بما سيحدث بين الولايات المتحدة وإيران.

وفي الوقت ذاته، يبدو أنّ الاضطرابات التي أدى إليها قتل سليماني أسفرت عن عواقب غير مقصودة، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية. إذ سعى الإيرانيون إلى تصوير إطلاقهم الصواريخ على القواعد الأمريكية في العراق الأسبوع الماضي على أنّه نهاية انتقامهم العلني. لكن القلق بين مُشغّلي دفاعاتهم الجوية أدّى إلى إسقاط طائرة ركاب أوكرانية بصاروخ أرض-جو، ومصرع 176 من الركاب والطاقم الذين لم تكُن لهم أيّ علاقة بالصراع مع الولايات المتحدة على الإطلاق. وشعر النظام بحرجٍ كبير، واستجاب أول الأمر بالأكاذيب ومحاولات التعتيم كما تفعل الأنظمة الشمولية.

وحين لم يجد الزعماء الإيرانيون خياراً آخر؛ أخبروا الشعب بالحقيقة -لكن ذلك أثار مجدداً موجة الاحتجاجات التي قمعها النظام بعُنفٍ في نوفمبر/تشرين الثاني. والآن، يُهاجم المتظاهرون الشجعان الذي خرجوا إلى شوارع طهران الطريقة التي تعامل بها النظام مع إسقاط الطائرة. وأحدث ذلك ثقباً في صورة الوحدة التي سعت طهران إلى ترسيخها بالمسيرات الضخمة، التي رافقت جنازة سليماني المُطوّلة الأسبوع الماضي. وبعكس ما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني، حين نجح النظام في قطع اتصال إيران بالإنترنت والعالم، يجري هذه المرة تسجيل التظاهرات وإذاعتها على الهواء مباشرةً. وربما لم يُشارك الكثيرون في تلك التظاهرات، لكن الصورة ما تزال مُثيرةً للإعجاب؛ لأنّها تأتي من قلب طهران، وليس المناطق النائية.

ومن المشكوك فيه أنّ يكون ترامب، أو مستشاروه الذين يملكون خبرات تفوقه في ما يتعلّق بالشرق الأوسط، قد توقّع كل ذلك حين اتّخذ قراره بشأن قتل سليماني. لكن إيران في ورطةٍ عويصةٍ الآن. إذ لم تُلغَ العقوبات الأمريكية الشديدة على النظام، والتي شنّ الإيرانيون على إثرها سلسلةً من الهجمات العسكرية داخل منطقة الخليج في مايو/أيار. في حين عادت الاحتجاجات الداخلية إلى الشوارع من جديد. كما أنّ عدم الاستقرار الإقليمي من شأنه أن يُعيد تأجيج الاحتجاجات ضد الحكومات في العراق ولبنان، وهي حكوماتٌ صديقةٌ لطهران.

ويبدو أنّ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يُواجه ضغوطاً متناقضة. فمن ناحية، لم تُقنِع إيران الولايات المتحدة برفع العقوبات، ولم تنتقم بشكلٍ مُقنِع لقتل سليماني. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنّ هجوماً مؤكّداً آخر ضد الأهداف والأرواح الأمريكية قد يُؤدي إلى رد عنيف من ترامب. علاوةً على أنّ الميليشيات الشيعية في العراق لديها حسابها الخاص الذي يجب تصفيته، في ما يتعلّق بمقتل سليماني ورجال الميليشيات الذين لقوا حتفهم خلال نفس الغارة، وليس من الواضح بعد ما إذا كانوا سيُطيعون أوامر طهران. وأخيراً، تواصل طهران توسيع انتهاكاتها للاتفاق النووي، مما يزيد حدة التوتّرات مع واشنطن.

وتحدّث الخبير البريطاني البارز في شؤون الشرق الأوسط والسفير السابق إلى السعودية جون جنكينز، في مقالةٍ على موقع Arab News السعودي الأسبوع الماضي، عن المعضلة التي واجهتها القيادة الإيرانية في ذروة الحرب الإيرانية-العراقية خلال الثمانينيات. وفي النهاية، قرّر آية الله روح الله الخميني أن «يشرب فنجان السم» كما وصفه، ويُنهي الحرب. وجلب الاتفاق مع العراق لإيران السلام ونوعاً من الانتعاشة. وكتب جنكينز: «إنّه نفس الخيار في هذه المرة أيضاً. إذا اتّخذوا قراراً خاطئاً، فستتوقّف الرهانات وتنكشف الأوراق».

ولا شكّ أيضاً أنّ تركيا وإسرائيل وروسيا والسعودية، الدول التي تُصارع إيران على السلطة والنفوذ في المنطقة، تعرف جيداً من هو سليماني. وكشفت المحادثات مع نواب القوى الإقليمية الأربع طوال الأسبوع الماضي عن مزيج من الصدمة لقتله والارتياح لعواقب ما حدث من وجهة نظرهم، إذ أضعف الأمر يد إيران الإقليمية بشدة.

ففي سوريا، حيث زاحم سليماني فلاديمير بوتين في فرض النفوذ على بشار الأسد، يبدو أنّ موسكو الآن تحظى بسيطرةٍ أكثر سهولة. ومع عدم ارتياحها تجاه رؤية إيران لشكل سوريا في أعقاب الحرب، فسوف تكون جهود روسيا لفرض إرادتها بدون عوائق نسبياً حتى يُرسّخ بديل سليماني سلطته بعض الشيء -وهي عمليةٌ ستستغرق وقتاً طويلاً على الأرجح.

وفي لبنان يُعيد الذراع الأبرز لإيران في الخارج، حزب الله، تقييم الأوضاع عقب فقدان راعيه الرئيسي. كما أنّ زعيمه حسن نصر الله، الذي كان يُعتبر لفترةٍ طويلة شخصاً لا يُمكن المساس به مثل سليماني، بات أكثر عرضةً للخطر من أيّ وقتٍ مضى، وخاصةً في ظل إعادة دراسة إسرائيل لموقفها الآن، حول مدى خطورة استهدافه خارج حالة الحرب.

أما السعودية، عدوة سليماني اللدودة التي كانت تخشى عواقب موته، فهي تشعر بطمأنينةٍ كبيرة نتيجة انعدام رد الفعل نسبياً في المنطقة حتى الآن على الأقل. وتتمتّع تركيا أيضاً بسيطرةٍ أكثر حرية في شمالي سوريا ومع أكراد المنطقة، الذين وجدت صعوبةً في التعامل معهم خلال السنوات الأخيرة بسبب علاقاتهم مع إيران.

وفي العراق، التي رسخت تحت وطأة وصاية سليماني أكثر من أيّ مكانٍ آخر، فإنّ زواله تجري معايرته بحرصٍ داخل شبكة الوكالة الممتدة التي بناها عقب الغزو الأمريكي. إذ طوّر وكلاء إيران قبضةً سيطرت على الكثير من شؤون البلاد. ولكن تلك القبضة باتت أضعف الآن مما كانت عليه قبل أسبوعٍ واحد. ولا يبدو أنّ المشروع الإقليمي، الذي بنته إيران بشق الأنفس، لا يزال مستداماً كما كان، بل يبدو هشاً بشدةٍ في بعض الأجزاء.

ولا شكّ أنّ قتل سليماني كان حدثاً درامياً وتاريخياً، لكن الأزمة في منطقة الخليج هي أبعد ما تكون عن نهايتها. وسنشعر بتداعياتها ونشاهدها في كافة أنحاء المنطقة خلال الأشهر المُقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى