تقارير وملفات إضافية

مجبَرون على الصمت.. هل لهذا غاب الغضب الشعبي هذه المرة تجاه التطبيع الإسرائيلي-الإماراتي؟

كانت قضية فلسطين وما يتعلق بها هي السبب الأبرز الذي تخرج من أجله التظاهرات في العواصم العربية، ورغم قمع تلك التظاهرات من جانب الأنظمة الحاكمة واعتقال النشطاء، فإن ذلك لم يمنعها، خصوصاً في الأحداث الكبرى، لكن إعلان التطبيع الرسمي بين الإمارات وإسرائيل – وهو حدث جلل يراه الفلسطينيون خيانة – لم يؤدّ لخروج تظاهرات شعبية بصورة تستدعي التساؤل بشأن إذا ما كان الخوف من العدوى بوباء كورونا هو السبب الوحيد؟

الغضب العارم اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي العربية، ولا يزال، وتعرضت دولة الإمارات العربية بشكل عام وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بشكل خاص لانتقادات قاسية، وصلت حد التخوين وحرق العلم وصورة الحاكم الفعلي للإمارات ووصفه بالخائن وذلك أمام المسجد الأقصى، وهي الصورة التي تناقلها وشيّرها الآلاف عبر حساباتهم، في صورة واضحة تنمّ عن أن القرار الذي اتخذه النظام الحاكم ليس له ظهير شعبي مساند.

وكان لافتاً أن تغطية ردود الفعل الرسمية والشعبية من جانب وسائل الإعلام الغربية ركزت على منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت على ما يبدو الساحة الوحيدة التي تسمح بالتعبير عن الرأي وإن كانت لا تخلو من مخاطر الاعتقال والتنكيل في ظل القوانين التي وضعتها الأنظمة الحاكمة، خصوصاً في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان وهي مصر.

فقد انتشر خبر الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي عبر منصات التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وتصدرت هاشتاغات متعددة منصة تويتر في العالم العربي بصورة عامة والخليج بصفة خاصة، وأصبحت هاشتاغات “التطبيع خيانة” و”خليجيون ضد التطبيع” و”إسرائيل” في صدارة التريندات العربية والخليجية.

كما اتخذت هاشتاغات أخرى طابعاً محلياً مثل “عمانيون ضد التطبيع”، أو “كويتيون ضد التطبيع”، اجتذبت عشرات الآلاف من المشاركات والتغريدات وإعادة النشر، حمل بعضها لقطات أرشيفية لتظاهرات سابقة دعماً للقضية الفلسطينية والبعض الآخر مقاطع فيديو وصوراً أرشيفية تذكر بأبرز محطات الصراع منذ تأسيس الدولة العبرية في أرض فلسطين عام 1948.

فهاشتاغ “خليجيون ضد التطبيع” شهد نشر مغردين تسجيلات وصوراً أرشيفية للملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز يذكرون فيها بموقفه من إسرائيل منذ نحو خمسة عقود، وتحت هاشتاغ “التطبيع خيانة” لجأ البعض للتذكير ببعض اللحظات الفارقة في مسيرة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عن طريق نشر صور أيقونية كصورة الطفل محمد الدرة خلال الانتفاضة الثانية عام 2000، وذلك بحسب تقرير لموقع يورونيوز.

فلسطين العروبة و الشرف ،فلسطين المجد
لن نخون ،ولن نبيع ، ولن نصالح
ولنا الشرف أن الكويت لا تزال مقيمة لحالة الحرب بينها و بين ” الكيان الصهيوني ” المحتل ????

#كويتيون_ضد_التطبيع pic.twitter.com/eIeAucRG66

باستثناء المظاهرات التي شهدتها مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة في فلسطين المحتلة، لم تشهد عواصم عربية خروج احتجاجات غاضبة على الإعلان الإماراتي عن الاتفاق مع إسرائيل برعاية أمريكية حول تطبيع العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب، وهو ما يرجعه كثير من المراقبين والمحللين لأسباب عديدة منها فيروس كورونا.

وعلى الرغم من خروج عشرات الآلاف من الباكستانيين في تظاهرات حاشدة تنديداً بالاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي معتبرين أنه طعنة غادرة في جسد المسجد الأقصى الذي يحمل أهمية خاصة لدى المسلمين حول العالم، فإن هذا المشهد اختفى من عواصم عربية كانت تشهد تظاهرات حاشدة في مواقف مماثلة وربما أقل حدة من الخطوة الإماراتية.

ويرى محلل سياسي مصري تحدث لـ”عربي بوست”، شرط عدم الإفصاح عن اسمه خشية الاعتقال – حسب تعبيره – أن غياب الاحتجاجات والتظاهرات لا يعني موافقة الشعوب على تلك “الخيانة التي أقدم عليها محمد بن زايد وأغضبت معظم الإماراتيين أنفسهم”، مضيفاً أن “منصات التواصل الاجتماعي أصبحت المرآة الأكثر صدقاً في التعبير عن الرأي العام في العالم العربي، في ظل الإجراءات القمعية غير المسبوقة التي تشهدها الدولة الأكبر والتي كانت قلب العروبة النابض وهي مصر”.

“منذ وصول (الرئيس المصري عبدالفتاح) السيسي للحكم، وموقفه من القضية الفلسطينية نابع من الموقف من حماس وقطاع غزة، فهو يرى أن إسرائيل أقرب لنظام حكمه من حماس الأقرب لجماعة الإخوان، حسب تفكير السيسي وقراراته، وبالتالي وجدناه منادياً بالسلام الدافئ مع تل أبيب ومسانداً لصفقة القرن، وأخيراً كان أول المهنئين بالاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي”، بحسب المحلل المصري.

وأضاف أن ذلك لا يعني الكثير بالنسبة للرأي العام الشعبي “المغلوب على أمره والذي يلجأ لمنصات التواصل للتعبير عن غضبه رغم كون ذلك مخاطرة تعرض صاحبها للاعتقال والسجن بتهم الإرهاب وفبركة الأخبار وغيرها من الاتهامات الجاهزة”.

كاتب صحفي جزائري تحدث لـ”عربي بوست” طالباً عدم نشر اسمه لأسباب أمنية أيضاً قائلاً إن فيروس كورونا يعد سبباً مهماً لا يمكن استبعاده في ظاهرة غياب الاحتجاجات الشعبية على إعلان التطبيع الإماراتي، مضيفاً أن “الجزائريين – بحسب اطلاعه على الأوضاع واتصالاته مع كثير من الناشطين – فضلوا التعبير عن رفضهم لما أقدم عليه بن زايد من خلال منصات التواصل الاجتماعي بسبب الخوف من انتشار وباء كورونا”، لافتاً إلى أن هذا هو السبب الأبرز هناك وليس الخوف من القمع الأمني أو التخلي عن القضية الفلسطينية.

وشاركته الرأي ناشطة سياسية سودانية مقيمة في القاهرة بشأن تأثير فيروس كورونا على رد الفعل الشعبي على التطبيع الإماراتي “الفج” – بحسب تعبيرها – لكنها أضافت أن هناك أسباباً أخرى ترجع لما قبل ظهور الفيروس القاتل ساهمت أيضاً في تراجع الاهتمام الشعبي بفلسطين بشكل لافت في العقد الأخير.

“لو أخذنا السودان كمثال، نجد أن هناك دعوة لمليونية جرد الحساب في أنحاء السودان اليوم (الإثنين 17 أغسطس/آب) رغم الخوف من الوباء، وهناك مؤشرات من مناطق السودان المختلفة على أن المليونية ستشهد خروجاً شعبياً مكثفاً، وهو ما يعني أننا لا يمكن أن نستبعد الهم الداخلي الطاغي لبعض الدول مثل السودان وأيضاً تونس والجزائر والمغرب بدرجات متفاوتة”، بحسب الناشطة السودانية.

وأضافت أن الظروف الداخلية في كثير من الدول العربية لعبت دوراً رئيسياً أيضاً في غياب الاحتجاجات الشعبية العارمة رداً على التصرف الإماراتي؛ “العراق ولبنان تشهدان ثورات شعبية ضد الفساد بينما ليبيا واليمن وسوريا تشهد حروباً مدمرة، ودولة كمصر تقع تحت طائلة نظام قمعي بامتياز ولا أدل على ذلك مما حدث في سبتمبر/أيلول الماضي عندما خرج الآلاف احتجاجاً على الفساد والأوضاع الشعبية المتردية فتمَّ اعتقال الآلاف ولا يزال أغلبهم في السجون حتى اليوم”.

وأضافت أن الأردن أيضاً يشهد أوضاعاً داخلية جعلت من الصعب التعبير شعبياً عن الغضب الشعبي ضد التصرف الإماراتي، ويبدو أن قمع حركة المعلمين بتلك القسوة غير المسبوقة كان بمثابة الرسالة الموجهة للأردنيين بأن النزول إلى الشوارع بغض النظر عن الأسباب ستكون له عواقب وخيمة.

لكن السبب الذي اجتمع عليه المحللون الثلاثة في حديثهم لـ”عربي بوست” هو سيطرة الأنظمة العربية بشكل كامل على وسائل الإعلام واستخدام ذلك بشكل ممنهج منذ سنوات لإلقاء اللوم على الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس وكيف أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء ضياع حقوق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة على أراضيه.

والمقصود هنا هو أنه منذ ثورات الربيع العربي أواخر 2010، أصبح المحور المعادي لتلك الثورات والمتمثل في الإمارات والسعودية – خشية امتداد تلك الثورات إليها – يكرس جميع موارده لدعم الثورات المضادة التي تقودها قيادات المؤسسة العسكرية، وهو ما نجح بامتياز في مصر، ولا تزال المحاولات مستمرة في تونس والسودان والجزائر، ولجأ ذلك المحور إلى تركيز الرسالة الموجهة للشعوب على أن جماعات الإسلام السياسي هي العدو لشعوب المنطقة وليست إسرائيل.

وبالطبع أصبحت إيران تحتل الصدارة في المشهد أيضاً لتنضم إسرائيل إلى المعسكر “السني” المناهض لإيران الشيعية وأذرعها في المنطقة، لتصبح اللقاءات الرسمية بين المسؤولين الإسرائيليين ونظرائهم في الدول العربية أمراً معتاداً على الشاشات العربية، بعد أن كان مجرد الحديث عن تواجد مسؤول عربي في غرفة واحدة مع مسؤول إسرائيلي ولو في أروقة الأمم المتحدة يتسبب في ثورة شعبية عارمة.

الخلاصة هنا هي أن التطبيع مع إسرائيل قد قطع شوطاً هائلاً على المستوى الرسمي، لكن على المستوى الشعبي لا تزال الشعوب العربية ترى في الدولة العبرية العدو الأول لشعوب المنطقة، حتى وإن تآمر الوباء والأنظمة معاً لمنع الشعوب من التعبير عن غضبها في الشارع كما اعتادت.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى