آخر الأخبار

مصر تغامر.. تصر على استقبال السياح رغم تفشي كورونا بالأقصر

لم يكن يوماً عادياً، فلقد استيقظ السياح
بمدينة الأقصر، جنوب مصر، يوم الإثنين 9 مارس/آذار 2020، ليجدوا أنفسهم مُحاصرين
في الفنادق التي نزلوا بها والسفن السياحية التي تبحر بهم في النيل، في الوقت الذي
كانت فيه السلطات الصحية تتخذ أحد التدابير المتطرّقة لمواجهة فيروس كورونا في تلك
المدينة القديمة المرتكزة في قلب السياحة في البلاد.

حيث أُرسِل الأطباء التابعون لوزارة الصحة
لفحص الزوار، على أمل إيقاف انتشار المرض. ولكن انتهى المطاف بفحص عدد قليل فحسب
من الأشخاص، وحتّى قبل صدور نتائج فحوصاتهم الطبّية، عادت الحياة إلى طبيعتها،
وتدفّق السياح وفوداً إلى المعابد الساحرة بالمدينة، وفق التقرير الذي نشرته صحيفة
New York Times
الأمريكية.

صورة أوسع للإجراءات المصرية: يعكس النهج المتناقض في كثير من الأحيان في الأقصر صورة
معضلة عظمى تواجه المسؤولين المصريين ليطرح تساؤل مهم أمام الحكومة: هل يمكن
للحكومة الاستمرار في الترحيب بالزوار المحملين بالنقود، في الوقت نفسه الذي تحاول
فيه مواجهة الأزمة الصحية التي تلوح في الأفق في المدن التي تُعتبَر جوهر صناعة
السياحة المصرية؟

لقد صارت الأقصر الآن، وهي موطن وادي الملوك
الشهير وقبر الملك توت عنخ آمون، مركزاً لتفشي فيروس كورونا في البلاد. وفي يومي
الجمعة والسبت 6 و7 مارس/آذار 2020، ثبُتَت إصابة 45 من الركاب وأفراد الطاقم على
متن باخرة نهرية تدعى “برنسيس سارة”، بالفيروس، ونقلتهم السلطات
باستخدام طائرات عسكرية إلى وحدة عزل صحّي في أحد المستشفيات الواقعة على الساحل
الشمالي للبلاد. 

مساعي وزارة السياحة: وما إن رُفِع الستار عن تفشّي المرض في مصر، زار وزير
السياحة أحد المعابد في الأقصر، يوم الأحد 8 مارس/آذار، ليعلن أن المكانَ آمنٌ
ومفتوحٌ أمام الزوار. وقال حينها الوزير خالد العناني، في معبد الكرنك الذي اصطف
السياح به في انتظار الدخول: “الحمد لله، الناس هنا”.

وإلى جانب تصريحات العناني، جاءت تصريحات
وزيرة الصحة المصرية هالة زايد، التي حذرت الناس من “المبالغة” بشأن حجم
الأزمة، وقالت: “سنتجاوز هذا معاً”.

لكن وبينما يتحدّث كلاهما، كانت الباخرة التي
تفشى الفيروس بين ركابها ترسو على ضفّة قريبة -ووضِع 136 ممن كانوا على متنها في
الحجر الصحّي- مما أجج مخاوف من أن تكون مصر على وشك مواجهة مشكلة كبيرة.

تداعيات وفاة سائح ألماني: ازداد الشعور بحدّة المشكلة ليلة الأحد، حينما توفي
سائح ألماني يبلغ من العمر 60 عاماً في أحد مستشفيات مدينة الغردقة الواقعة على
البحر الأحمر، وبهذا تكون قد سُجِلت أوّل حالة وفاة في مصر من جراء الفيروس. وقد
جاء هذا السائح من الأقصر. 

إلى ذلك فقد بيّنت المشاهد المتناقضة في
الأقصر خلال الأيام الأخيرة تلك السلوك المتزعزع للبلد للموازنة بين ردود فعلها في
مواجهة تفشّي المرض، فحتّى عندما كان الأطباء يجرون الفحوص الطبية يوم الإثنين، لم
يكونوا راغبين في عرقلة عطلة أي من الزائرين.

حيث قالت يارا أحمد، الصحفية المصرية بمهرجان
الأقصر للسينما الإفريقية، إنه من بين 400 شخص في الفندق الذي تقيم فيه، خضع 10
أفراد فقط للفحص، وبمجرّد إجراء الفحوصات، سُمِح للجميع بالمغادرة على الفور، حتّى
أولئك الذين خضعوا للفحص.

وأضافت يارا، في حديث عبر الهاتف أجرته مع
صحيفة New York Times
الأمريكية: “أصبح الناس غاضبين وقالوا ‘يجب أن نخضع جميعاً للفحص’، لكن
الأطباء قالوا: هذا كل ما بوسعنا فعله، وإذا لم يعجبكم ذلك، توجهوا بالشكوى إلى
الوزارة”.

استراتيجية معيبة: قال الدكتور سايروس شهبار من منظمة “Vital Strategies”، وهي
منظمة عالمية معنية بالصحة العامة، إنه في أفضل الأحوال، ستوضح هذه الاستراتيجية
المتبعة في إجراء الفحوص ما إذا كان فيروس كورونا قد انتشر من السفينة التي شهدت
الإصابات إلى الشاطئ المصري، مضيفاً “لكنها ليست استراتيجية احتواء، لأنك لا
تحتوي أحداً”.

حتى يوم الجمعة، كان لدى مصر ثلاث حالات
إصابة بفيروس كورونا فحسب، وهي واحدة من أقل المعدلات في الشرق الأوسط. لكن في
ليلة الإثنين، قالت السلطات إن لديها 59 حالة، معظمها كانت على متن الباخرة
النيلية في الأقصر، وهناك حالة من التوجّس العميق بشأن مدى انتشار الفيروس في بلد
يقطنه 100 مليون شخص.

بؤرة لنقل كورونا: لكن بالفعل، صارت الأقصر بؤرة لنقل فيروس كورونا إلى
بلدان أخرى.

ففي الأسبوع الماضي، جاءت نتيجة اختبار فيروس
كورونا لما لا يقل عن 29 سائحاً زاروا مصر في فبراير/شباط إيجابية بعد عودتهم إلى
بلادهم. وكان معظم السياح المصابين أمريكيين وفرنسيين، وقد سافر العديد منهم على
الباخرة “سارة”، الخاضعة للحجر الصحّي حالياً في الأقصر.

من جانبها قالت منظمة الصحة العالمية إن
الفيروس قد وصل الباخرة عن طريق سيدة تايوانية أمريكية غادرت مصر في 1
فبراير/شباط. فيما قالت مصر إنها لم تعلم بالعدوى حتى حلول الأوّل من مارس/آذار،
وقد اُكتشفت إصابة أوّل فرد من بين طاقم العمل على الباخرة “سارة” في 6
مارس/آذار. 

سياسة إخفاء الحقيقة: رغم ذلك، فإن بعض المصريين يتشككون بشأن ما إذا كانت
حكومتهم تخبرهم بالحقيقة.

ففي ظل حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، كُممت
أفواه وسائل الإعلام إلى حدٍ كبير، ولطالما أخفت الحكومة الحقيقة مراراً وتكراراً
لتجنب الإحراج الدولي أو اللوم، مثلما جرى عندما رفضت الاعتراف بأن قنبلة لتنظيم
الدولة الإسلامية (داعش) كانت هي ما أسقط طائرة نفاثة روسية فوق سيناء في عام
2015.

اما هذه المرة، يصر المسؤولون على أنهم
يتصرفون بشفافية، وتقول وزارة الصحة إنها أجرت 2166 اختباراً، وتعمل عن كثب مع
منظمة الصحة العالمية لتعقب أي شخص كان على اتصال مع شخص مصاب.

في حين قال الدكتور شهبار إن أحد أسباب
انخفاض معدلات الإصابة في البلدان التي تعاني من ضخامة الكثافة السكانية مثل مصر
وإندونيسيا، يرجع إلى افتقار تلك البلدان إلى الموارد أو أنظمة الرعاية الصحية
اللازمة لإجراء الفحوص على النطاق نفسه الذي تُجرى به في دول مثل كوريا الجنوبية
أو إيطاليا.

الاقصر قبلة للفيروس: تُعتبَر الأقصر أرضاً للعجائب القديمة التي لطالما سحرت
الأجانب، ولكن تمركزها في قلب صناعة السياحة المصرية قد جعلها عرضة للخطر من
قبل. 

فقد شهدت المدينة مذبحة إرهابية في عام 1997،
حين أطلق مسلّحون النار على السياح خارج أحد المعابد، مما أسفر عن مقتل 62 شخصاً.
وكان الهدف المعلن لمرتكبي الهجوم هو إلحاق الضرر الاقتصادي الهائل بمصر عن طريق
تضييق الخناق على السياحة في البلاد. 

 فيما يشكّل فيروس كورونا في الأوقات
الحالية تهديداً جديداً؛ إذ يقول أحد منظّمي الرحلات النيلية إن العديد من زبائنه
تركوا رحلاتهم النيلية يوم الإثنين، واتجهوا إلى أوطانهم، فيما ألغت شركات أخرى
بالأقصر رحلاتها كاملة.

غرف شركات السياحة ووكالات السفر في مصر،
قالت يوم الأحد، إن الحجوزات السياحية قد انخفضت بنسبة 80% مقارنة بالفترة نفسها
من العام الماضي.

مخاوف من تراجع السياحة: ففي الأقصر، بث الفيروس الخوف في نفوس العاملين بصناعة
السياحة. وذكرت وسائل إعلامية تديرها الدولة أن بعض العاملين على متن البواخر
تركوا وظائفهم خلال الأيام الأخيرة، خشية الإصابة بالمرض.

إلى ذلك، فقد بدت المدينة يوم الإثنين 9
مارس/آذار 2020 مهجورة، رغم أن أحد السياح من العاصمة البريطانية لندن، يدعى
لورانس ويلر، ويبلغ من العمر 46 عاماً، كان في نزهة، وقال إنه خضع للفحص على متن
الباخرة التي رست على حافّة المدينة، صباح الإثنين.

فيما ختم لورانس كلامه بالقول: “‘هذا
الفيروس يتسبب في مشكلات للجميع، ولكنني لست خائفاً، لأنني لا أعتقد أنني
سأمرض”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى