صحة

معاناة مرضى الحساسية الغذائية.. كيف يمكن أن تنهي وجبة واحدة حياة إنسان؟

تخيل كيف سيكون شعورك في حال كنت تعتقد أنَّ تناول وجبة بعينها يمكن أن يودي بحياتك، فتجاهل الحساسية الغذائية يمكن أن يؤدي إلى الموت.

ويحدث أن تبذل كل ما في طاقتك لتحمي نفسك من المكونات التي تهدد حياتك، لكن لو تلقيت دعوة من شخص ظن أنك لن تكشف ما في الأكل، أو تساهَل مطعم في مكونات الأطباق، عندها يكون صاحب الحساسية الغذائية في مأزق يتراوح بين وخز في الفم والغثيان والقيء ورد فعل تحسسي مؤلم يهدد حياته نفسها.

بحسب تقرير لمنظمة
الصحة العالمية،
يقدر معدل انتشار حالات الحساسية للأغذية بين عامة السكان، بنحو 1
– 3%  لدى البالغين و4 – 6% بين الأطفال. 

غير أنه من الصعب تقدير
معدل انتشار حالات الحساسية للأغذية، وما ذلك إلا لاستخدام منهجيات مختلفة في إطار
شتى الدراسات، ولحدوث تغييرات على حالات الحساسية للأغذية بتغير السن.

فحالات الحساسية للبَيض
واللبن أكثر حالات الحساسية شيوعاً بين الرضع، ولكنها كثيراً ما تزول بتقدم هؤلاء
في السن. 

كما أن الحساسية
للقشريات أكثر شيوعاً بين البالغين منها بين الأطفال، أما الحساسية للفول السوداني
فهي شائعة بين الأطفال والبالغين على حد سواء. 

والأطعمة المعتادة التي تسبب الحساسية تتضمن حليب البقر، والفول السوداني، والبيض، والمحار، والجوز، والقمح، والأرز، وبعض أنواع الفاكهة.

في يوليو/تموز عام 2016، توفيت البريطانية ناتاشا عدنان لابروس، ذات الـ15 عاماً، على متن
رحلة جوية تابعة لشركة الخطوط الجوية البريطانية بعد تعرضها لرد فعلٍ تحسسي بعد تناولها رغيف خبز
فرنسي من Pret a Manger كانت قد ابتاعته في مطار لندن هيثرو. 

لم تكن تدرك أنَّ الرغيف
يحتوي على السمسم الذي يُسبب لها الحساسية، وهذا بسبب كون المنافذ التي تقدم
الطعام غير ملتزمةٍ وضع تحذير من مسببات الحساسية على الأغلفة. 

وبعدما تفاقمت قضية ناتاشا،
قررت الحكومة البريطانية تطبيق «قانون ناتاشا»، الذي سيجري تنفيذه بدءاً
من العام 2021، إذ سيلزم شركات المواد الغذائية بنشر تحذير بشأن مسببات الحساسية
على جميع الأطعمة الجاهزة. 

وشهدت بريطانيا حالات وفاة
أخرى حصلت في السنوات الأخيرة، ومنها وفاة ميغان لي، ذات الـ15 عاماً، والتي توفيت
بعد تناولها وجبة سريعة تحتوي على الفول السوداني في عام 2016، وهي الحادثة التي
أدين فيها مالك شركة Takeaway ومديرها بالقتل الخطأ. 

وتشير وكالة المعايير
الغذائية إلى وجود ما يقدر بنحو 2 مليون شخص في المملكة المتحدة يعانون الحساسية
الغذائية، بمعدل 10 وفيات تُعزى إلى حساسية الطعام سنوياً. ولا توجد
أرقام.   

وتقول هيئة الخدمات الصحية الوطنية إنَّ حالات الدخول إلى
المستشفى المتعلقة بالحساسية زادت بنسبة 33% بين عامي 2011 و2012 وعامي 2015
و2016. 

وتشير في الوقت نفسه تقارير Allergy UK إلى أن ما بين 6% و8% من الأطفال مصابون بشكل من أشكال الحساسية الغذائية. 

في المقابل، بالمملكة المتحدة على سبيل المثال، اتسع سوق هذه
المنتجات بوتيرةٍ هائلةٍ وبنسبة فاقت 133 في المئة على مدار السنوات الخمس
الماضية، بل قُدِّرَ حجمها في عام 2018 بـ837 مليون جنيه إسترليني، وفق ما نشره موقع BBC.

وتقول إيزابيل سكيبالا،
أخصائية التغذية المختصة بأمراض الحساسية، لصحيفة The Guardian: «يعد تنوع
النظام الغذائي أحد العوامل التي شكلت هذا الارتفاع في نسبة الإصابة بأمراض
الحساسية؛ إذ أصبح الناس يتحسسون من الأطعمة التي لم يجربوها من قبل، مثل فاكهة
الكاكايا». 

قد يتسبب تجاهل أحدهم
لاحتياجاتك الغذائية في عواقب وخيمة على صحتك، حتى لو لم تكن مصاباً بحساسيةٍ تهدد
حياتك. 

إذ شُخِّص سيباستيان كلارك
(25 عاماً)، يعمل مصمم غرافيك في لندن، بأنَّه مصاب بمرض الداء البطني حين كان
عمره 19 عاماً؛ يمكن أن يمرضه تناول أي طعام يحتوي على أصغر كمية من الغلوتين
مرضاً شديد.

يقول كلارك: «أفقد
قرابة 3 كيلوغرامات من وزني في كل مرة أتناول فيها طعاماً يدخل الغلوتين
بمكوناته». 

لكنَّ عائلته وأصدقاءه لا
يولون اﻷمر اهتماماً كبيراً في أثناء تحضير الطعام، إذ تحدَّث كلارك عن وجبة واحدة
تناولها في منزل إحدى أقاربه التي كانت تطهو قطعة من لحم البقر، فيقول:
«أخبرتها بأنَّ الطعام لذيذ جداً، وغني بالنكهة. وقالت إنَّها وضعت نوعاً من
النبيذ ضمن مكوناته، ومن المعروف أنَّ بعضها يحتوي على الغلوتين». 

استغرق الأمر ثلاثة أسابيع
ليتعافى كلارك من تلك الوجبة. 

لم يكن كلارك الشخص الوحيد
الذي يواجه صعوبات مع أفراد أسرته؛ ولكن ما الذي يجعل شخصاً ما يتجاهل الاحتياجات
الغذائية لشخصٍ آخر بشكلٍ متكرر، إلى حدٍّ يصل إلى تهديد حالته الصحية؟ 

لا يعتقد كلارك أن القصد هو
الإيذاء المتعمد، لكن من الممكن أيضاً أن ازدياد شعبية الحميات الغذائية الجديدة
جعل من الصعب أخذ الأشخاص ذوي الاحتياجات على محمل الجد. 

وفي الوقت نفسه، تستخدم
منافذ الطعام بعض المصطلحات مثل «خالٍ من الغلوتين»، لكنها ليست سوى
عبارات طنانة تقامر بصحة الناس. 

حين يخلط العاملون بالمطاعم
بين المصابين بأمراض الحساسية والذين يتناولون الأطعمة بنهمٍ، يجد الرواد ذوو
الأوضاع الصحية المشروعة أنفسهم موضع بحث. 

إذا لم يخضع موظفو المطعم
للتدريب السليم، يمكنهم بسهولةٍ تلويث الوجبات الخالية من مسببات الحساسية. 

ليس عاملو المطاعم وحدهم هم
من يجب أن يثيروا قلق أصحاب الحساسية الغذائية، بل حتى أفراد العائلة الذين
يتهاونون أحياناً في عدم تلويث المنتجات الغذائية الخالية من مسببات الحساسية.

قد يصعب تناول الطعام خارج
المنزل للغاية حين تكون لديك احتياجات غذائية بعينها؛ وقد يؤثر الأمر في حياة
الإنسان الاجتماعية والمهنية.

غالباً ما يكون الأشخاص ممن
لديهم احتياجات غذائية محددة منعزلين اجتماعياً. 

تقول كلوي التي تعاني حساسية
غذائية: «يمكن أن يتحكم هذا الأمر في حياتك. حينما يعتبر غالبيتنا أنه يمكننا
إقامة حفلات أعياد ميلانا، أو قضاء سهرة، أو الخروج لتناول العشاء، تخيَّل كيف
سيكون شعورك في حال كنت تعتقد أنَّ تناول وجبة بعينها يمكن أن يودي بحياتك. هذا
الأمر يُصعِّب التواصل الاجتماعي للغاية ويجعله مرهقاً».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى