منوعات

معجزة في نهر الهادسن‎.. قصة الطيار الذي كرّمه أوباما لهبوطه بـ150 راكباً في نهر متجمد!

يوم 15 يناير/كانون الثاني 2009 وتحديداً الساعة
3:25 عصراً، أقلعت طائرة الخطوط الجوية الأمريكية من طراز «إيرباص» وصاحبة الرحلة
رقم 1549 من مطار «لاجوارديا» في ولاية «نيويورك» الأمريكية متجهة إلى مطار
«تشارلوت دوجلاس» في ولاية «نورث كارولاينا»… أقلعت الطائرة بقيادة الطيار
المخضرم «تشيزلي (سالي) سالنبرجر» ويعاونه المساعد «چيفري سكايلز» والمضيفات «دونا
دنت» و«دورين ويلش» و«شايلا دايل» وعلى متنها 150 راكباً… وبعد أقل من ثلاث
دقائق من الإقلاع، حدث ما لا تحمد عقباه…

بعد أقل من ثلاث دقائق فقط على الإقلاع وعلى
ارتفاع أقل من 3000 قدم، دخلت الطائرة فجأة وبدون مقدمات في مسار تصادمي مع سرب من
«الأوز الكندي» الضخم، والذي تصادم بمنتهى العنف مع الطائرة وعطل المحركين… بدأ
«سالي» و«سكايلز» إجراءات إعادة تشغيل المحركين لكن دون جدوى، وبالتالي أرسل
«سالي» رسالة استغاثة «Mayday» إلى مركز مراقبة
«نيويورك» TRACON وأبلغهم بالحادث وأنه
في طريق العودة إلى مطار «لاجوارديا»… وبالفعل، بدأ مركز المراقبة في التجهيز
لرجوعها إلى مطار «لاجوارديا»، وبعد مراجعة سريعة أدرك «سالي» أن الطائرة لن تتمكن
من العودة إلى «لاجوارديا»، وبالتالي سأل المركز عن أقرب مطار بديل… اقترح
«سالي» في البداية مطار «تيتوبورو» في ولاية «نيو چيرزي» وتمت الموافقة عليه،
ليتراجع «سالي» عن اقتراحه مرة أخرى بعد مراجعة سريعة أخرى… وبعد تفكير خاطف،
اتخذ «سالي» القرار الذي لم يتوقعه أحد، ليبلغ مركز التحكم بأنه سيهبط بالطائرة في
قلب نهر «الهادسن»…

قرار الهبوط في نهر «الهادسن» كان قراراً مرعباً
إلى أبعد حد، لأنه عبارة عن هبوط بطائرة في مجرى مائي وهي غير مجهزة لذلك النوع من
الهبوط، أو كما يطلق عليه Ditching…
تتلخص خطورة الهبوط في أمرين: أولهما احتمالية تحطم جزء كبير من جسم الطائرة -إن
لم تتحطم كلياً- وبالتالي تسرب المياه إلى داخلها وغرقها في زمن قصير جداً، أما
الثاني فهو درجة حرارة نهر «الهادسن» نفسه والتي قُدرت وقتها بين 5 درجات مئوية و7
درجات تحت الصفر، وبالتالي إصابة الركاب الناجين بالصدمة وانخفاض درجة حرارة الجسم
والوفاة في النهاية إذا لم يتم إنقاذهم بشكل سريع وعاجل «كما شاهدنا في فيلم Titanic الشهير»…

هبطت طائرة «سالي» بالفعل في قلب نهر «الهادسن»
باصطدام قوي وعنيف، ولكن بدون ضحايا… بعدها بدأ «سالي» و«سكايلز» وباقي طاقم
الطائرة عمليات الإخلاء من أبواب الهروب وقاموا بفتح «مجاري الإخلاء evacuation slides» لتكون بمثابة قوارب نجاة… لكن أحد الركاب المذعورين فتح أحد
الأبواب والتي لم يتمكن أحد من غلقها فيما بعد، لتبدأ المياه بالتسرب لداخل
الطائرة ومن إحدى الفتحات التي نتجت عن الاصطدام… في الوقت ذاته اضطر «سكايلز»
للسباحة في المياه شبه المتجمدة لجلب سترات النجاة لباقي الركاب، ودخل «سالي»
مرتين متتاليتين ليتأكد من إخلاء طائرته بشكل كامل وكان من ضمنهم راكب قعيد…

ولكن لم تنتهِ الأزمة بعد… فمع كثرة عدد
الركاب على سطح قاربي النجاة، بدأ القاربان في الغطس حتى وصلت المياه لمنتصف أرجل
بعض الركاب، ليلوح شبح التجمد في الأفق… وازداد الأمر سوءاً بصعود بعض الركاب
فوق جناحي الطائرة التي كانت بدأت في الغرق رويداً رويداً، والبعض الآخر بدأ
السباحة في المياه المتجمدة، ليتجه الوضع بأكمله لنفقٍ مظلم ما لم يتدخل أحدهم في
أسرع وقت، ليظهر النور في آخر النفق عن طريق مركز التحكم… فقد قام مركز التحكم
في نفس التوقيت الذي أبلغ فيه «سالي» عن قرار هبوطه في النهر بإبلاغ جميع السفن
الموجودة في النهر لتستعد للإنقاذ عند الهبوط…. وبالفعل تحركت السفن الموجودة
حول موقع الهبوط بسرعة لبدأ عملية الإنقاذ، كما عاونهم أكثر من 140 رجل إطفاء
وطواقم إنقاذ وجهات طبية مختلفة وفَّرت الرعاية الطبية للمصابين…

بعد انقضاء الكارثة، فتح «المجلس القومي لسلامة النقل» تحقيقاً موسعاً عن الحادث… وبالرغم من حنكته وسلامة قراره، لاقى «سالي» بعض الاتهامات التي تتضمن التقصير والإهمال، بدعوى أنه كان يمتلك الوقت الكافي للعودة إلى مطار «لاجوارديا» أو «تيتوبورو» من البداية، بدلاً من الهبوط في نهر «الهادسن» وتعريض حياة الركاب للخطر… استخدم المجلس في تحقيقه 4 «محاكيات simulators» لنفي أو إثبات ذلك الادعاء، ومن ضمن 13 محاولة للرجوع إلى مطار «لاجوارديا» لم ينجح سوى 7، ومحاولة واحدة من أصل اثنتين إلى مطار «تيتوبورو»… الأمر الذي أثار استياء «سالي» واعتراضه التام على هذه الاختبارات، لأنها لم تأخذ في اعتبارها العامل البشري، لأن أي شخص طبيعي في ظروف ممثالة سيحتاج وقتاً للتفكير حتى يتخذ قراراً مصيرياً لأنه ليس إنساناً آلياً… وبالفعل تمت إعادة الاختبارات بإضافة 35 ثانية قبل اتخاذ القرار، الأمر الذي أدى لفشل محاولة العودة وسقوط الطائرة قبل وصولها إلى المطار… وفي النهاية لم يعتمد المجلس هذه الاتهامات واعتبرها غير واقعية، اعتبر هذا كلام غير واقعي، ليصدر تقريره النهائي في مايو/أيار 2010 والذي أثنى فيه بشكل كامل على «سالي» لتصرفه السليم وسرعة اتخاذ القرار، وعلى روح التعاون بين طاقم الطائرة ككل، ومساعدة خفر السواحل والصيادين في نهر «الهادسن»…

أصبحت معجزة نهر «الهادسن» مثاراً للتقدير
والإعجاب والانبهار في مختلف الأوساط الإعلامية الأمريكية والعالمية… وتم تكريم
«سالي» و«سكايلز» وباقي طاقم الطائرة على مختلف الأصعدة، كما تلقوا الإشادة من عدة
جهات من ضمنهم الرئيس الأميركي «جورج بوش» والمرشح الرئاسي «باراك أوباما» وعمدة
«نيويورك»… كما تم تكريم الطاقم بالكامل من جمعية الطيارين والملاحين والذي يعد
تكريماً نادراً، كما تم إدراجهم كأعضاء في The International Air and Space Hall of Fame… والطائرة حالياً
موجودة في متحف «كارولايناز» للملاحة… واعتزل «سالي» الطيران في مارس/آذار 2010
بعد خدمة دامت لأكتر من 30 سنة…

وفي 2016، صدر الفيلم الرائع Sully والمبنيّ على القصة الحقيقية وراء الحادث، ومن بطولة العملاق «توم
هانكس» الذي جسّد فيه دور «تشيزلي سالنبرجر» الشهير بـ«سالي»، والذي استطاع تحقيق
معجزة حقيقية في أقل من 208 ثانية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى