تقارير وملفات إضافية

معركة سرت.. هل يعود الأمريكيون لدعم حكومة الوفاق ضد المرتزقة الروس كما دعموها بقتال “داعش”؟

تعد زيارة الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، إلى ليبيا الإثنين الماضي، ولقاؤه رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، وكبار قادته العسكريين، الأولى من نوعها لمسؤول عسكري أمريكي بهذا الحجم منذ 2017 إلى طرابلس.

وتعتبر هذه الزيارة خطوة مهمة نحو دعم أكبر للحكومة الليبية في طرابلس، لكن الهدف الرئيسي منها تعزيز التواجد الأمريكي في المنطقة لإبعاد الدب الروسي عن الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو). فماذا وراء هذه الزيارة، وهل تنعكس على دعم حكومة الوفاق، وخصيصاً في معركة سرت المرتقبة؟

في 23 مايو/أيار 2017، زار قائد “أفريكوم” السابق، الجنرال توماس والدهاوزر، العاصمة طرابلس، عقب أشهر قليلة من طرد قوات الحكومة الليبية، المعترف بها دولياً، تنظيم “داعش” الإرهابي من مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، في ديسمبر/كانون الأول 2016.

غير أن قوات “أفريكوم” التي كان لها تواجد في ليبيا، وشاركت بطائراتها الحربية في هزيمة “داعش” بسرت، ومطاردتها فلوله الهائمة في الصحراء بعد ذلك، انسحبت فجأة من طرابلس، في أبريل/نيسان 2019، مباشرة مع بداية هجوم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر على العاصمة الليبية.

واعتبر الانسحاب الأمريكي حينها من طرابلس، في إطار “الضوء الأصفر”، الذي منحه البيت الأبيض، لحفتر لدخول العاصمة “سريعاً”، على حد قول جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي المُقال.

لكن في يونيو/حزيران 2020، تغير المشهد بالكامل في ليبيا، إذ فشل حفتر في دخول طرابلس، بل انهزمت ميليشياته في كامل المنطقة الغربية، وخسر قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية (140 كلم جنوب غرب طرابلس).

وأصبحت القوات الحكومية مجدداً على تخوم سرت، في نفس المواقع التي كانت عليها مطلع يونيو/حزيران 2016، وفي كل مرة كان هناك عدو مشترك للأمريكيين وللحكومة الشرعية في طرابلس. ففي 2016، كان “داعش”، العدو المشترك للحكومة الليبية والأمريكيين، أما اليوم فمرتزقة شركة “فاغنر”، هم العدو المشترك الجديد، لكنه أخطر من “داعش”، على حد وصف أحد ضباط “أفريكوم”.

ليس واضحاً طبيعة الدعم “العسكري” الذي ستقدمه الولايات المتحدة الأمريكية، للجيش الليبي لطرد مرتزقة “فاغنر” من سرت وقاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس).

لكن من المتوقع أن تعيد “أفريكوم” تمركزها في طرابلس، لمواصلة مطاردة عناصر “داعش” في الصحراء الليبية، وإعادة دمج “الثوار” في جيش نظامي، وتقديم دعم فني لإزالة الألغام من الأحياء الجنوبية للعاصمة.

حيث أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية، الأربعاء، وزارة الداخلية الليبية، أنهم يدرسون إمكانية المساعدة في إزالة الألغام، وذلك خلال اجتماع وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا بمسؤولين أمريكيين عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.

ومن الممكن أن تقدم واشنطن دعماً فنياً ولوجستياً للقوات الحكومية، خاصة وأن وكيل وزارة الدفاع الليبية صلاح الدين النمروش، كشف في مقابلة مع الأناضول، نشرت، الخميس، عن وجود “تعاون أمني مع الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب، لاسيما بعد رصد الطائرات الروسية”، بالإضافة إلى تنسيق أمريكي تركي في الملف الليبي.

غير أنه من المستبعد، في المرحلة الحالية على الأقل، أن تشارك الطائرات الأمريكية المسيرة ووحداتها الخاصة في دعم الجيش الليبي لطرد ميليشيات حفتر ومرتزقة “فاغنر” من سرت مثلما فعلت ضد “داعش” في 2016.

الخطوات الأمريكية تجاه الأزمة الليبية، ما زالت مترددة وغير حاسمة، في الوقت الذي بدأت روسيا تثبيت تواجدها في المنطقة الوسطى لليبيا الغنية بالنفط والقريبة من الخاصرة الرخوة لحلف الناتو، سواء عبر مرتزقة “فاغنر”، أو من خلال إرسال أسراب من طائرات “ميغ29” و”سوخوي24″، المتخصصة في التفوق الجوي والقصف الأرضي.

وحتى الآن لم تتخذ واشنطن مواقف حازمة مع حلفائها الداعمين لحفتر، وبالأخص فرنسا ومصر والإمارات، لدفعهم لفك تنسيقهم مع موسكو، قبل الحديث عن طرد “فاغنر” من ليبيا.

فالموقف الرسمي الأمريكي الذي عبر عنه وزير الخارجية مايك بومبيو، بشأن ليبيا، الأربعاء، يتمثل في عدة خطوات: وقف القتال، الحد من تدفق الأسلحة، تضييق رقعة النزاع العسكري، التوصل إلى حل سياسي، وتحقيق وضع سلمي مستقر في طرابلس وليبيا عموماً.

وهذه الخطوات الخمس تتوافق مع ما جاء به مؤتمر برلين، المنعقد في ألمانيا في 19 يناير/كانون الثاني 2020، لكنها لا يمكنها ردع الإصرار الروسي على أن يكون له موطئ قدم في جنوب البحر المتوسط.

رغم المساعي الأمريكية لإعادة فتح الحقول والموانئ النفطية، إلا أن ميليشيا حفتر مصرة على غلقها، أو بتعبير أدق تهريبها وبيعها في السوق السوداء وبأسعار أقل لصالح دول حليفة، مما يحقق لها فائدة مزدوجة، الانفراد بأموال النفط وحرمان الحكومة الشرعية من مداخيل بالعملة الصعبة.

لكن عملية تهريب النفط من شرق ليبيا إلى الخارج، أصبحت صعبة ومحفوفة بالمخاطر، مع تشديد المجتمع الدولي مراقبته للسواحل الليبية.

وقد يكون ذلك أحد الأسباب، التي دفعت عقيلة صالح، المرشح لخلافة حفتر على رأس ميليشيات الشرق، لاقتراح “حساب يوضع فيه دخل النفط، لحين تشكيل سلطة معتمدة جديدة”، في إشارة إلى مقترحه بتشكيل مجلس رئاسي جديد من ثلاثة أشخاص يمثلون الأقاليم الثلاثة (طرابلس، برقة، وفزان).

كما طالب صالح، الذي يترأس مجلس نواب طبرق (غادره أغلب النواب إلى طرابلس) تشكيل لجنة تُشرف على توزيع دخل النفط.

فالنفط أصبح ورقة للمساومة في يد صالح، مقابل قبول الحكومة الشرعية بمبادرته التي يعتبر أنها متضمنة في “إعلان القاهرة”، رغم أنه لم يحسم بعد معركته لخلافة حفتر، الذي لم يخسر بعد ولاء أغلب قادة ميليشياته، وإن كان يترنح، أمام قناعة دولية بضرورة إخراجه من المشهد الليبي لإعادة ترتيب أوراق اللعب.

والموقف الأمريكي من استئناف ضخ النفط الليبي إلى الأسواق العالمية لم يعد قوياً كما في السابق، فالنفط الصخري الذي تنتجه الولايات المتحدة بكميات أكبر أفقدها شراهتها لتأمين مصادر الطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

كما أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تميل إلى عدم التورط في أزمات المنطقة العربية، خاصة وأنه لم يعد يفصله عن الانتخابات الرئاسية سوى بضعة أشهر، والدول الأوروبية معنية أكثر بالملف الليبي لارتباطها بالنفط والغاز.

حلفاء واشنطن، خاصة باريس والقاهرة وأبوظبي، يضغطون على ترامب ليكون أكثر انحيازاً لصالح ميليشيا حفتر، بينما تسعى تركيا وبدرجة أقل إيطاليا لإقناعه بدعم الحكومة الشرعية.

ورغم إدراك المؤسسة العسكرية الأمريكية بخطورة التمدد الروسي في ليبيا – على غرار ما حدث في سوريا – الذي يهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، إلا أن تحركها لدعم الحكومة الشرعية ما زال بطيئاً.

وأخطر ما في الأمر، أن تؤدي سياسة “الخطوط الحمراء”، إلى فرض أمر واقع، يكرس تقسيم ليبيا إلى إقليمين أو أكثر، يمهد ذلك لاستفراد قوى إقليمية ودولية بشرق ليبيا، الذي لا يتجاوز عدد سكانه مليوني نسمة، وتحويله إلى مجال للتوسع الحيوي المصري، أو قاعدة روسية لمواجهة عالمية مع حلف الناتو.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى