الأرشيفتقارير وملفات

معهد الأبحاث الأمريكي أتلانتيك كاونسل: اقتصاد مصر في عهد السيسي من سيء إلى أسوأ ولا دلائل في الأفق على تحسن الاقتصاد

أظهر تقرير لمعهد أبحاث أمريكي عن أحوال الاقتصاد المِصْري أن الركود سوف يستمر في عهد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في عام 2016، وشدد على أن اقتصاد مِصْر في عهد السيسي “لا يدعو إلى الفخر”. مركز الأبحاث الأمريكي أتلانتيك كاونسل الذي اعتبر أن النتيجة العامة في 2015 لم تكن تدعو للفخر، وتوقع أن يبقى الحال على ما هو عليه هذا العام، عندما استولى عبد الفتاح السيسي مهام منصب الرئاسة، قال: إن السيسي تعهد بإنعاش الاقتصاد الذي مر بفترة ركود على مدى سنوات، ونجح في تحقيق تحسن نسبي، لكن النتيجة النهائية تظل سيئة. وقال المركز -ومقره واشنطن، في الدراسة بعنوان “هل سيكون 2016 عام انطلاق الاقتصاد المِصْري؟-: “إنه لتحقيق الانتعاش الاقتصادي، طرح الرئيس المِصْري “مزيجًا من السياسات الشعبوية وسياسات السوق الحرة التقليدية”، بغرض مواجهة التحديات المتعلقة بالبطالة المرتفعة بين الشباب، وزيادة الدين الخارجي والمحلي، وضعف احتياطيات النقد الأجنبي، وأزمة الطاقة التي وصلت إلى مستويات خطيرة.

لا دلائل في الأفق على تحسن الاقتصاد وقال: إن الدعامات الثلاث لخطة السيسي الاقتصادية هي: إصلاح نظام الدعم، والحد من العجز المالي المرتفع جدًّا، وإطلاق عدد من المشروعات الضخمة المرتبطة أساسًا بالطاقة والبنية الأساسية، من أجل تعزيز النمو وخلق فرص العمل، خلق التمويل الخارجي لسد الفجوة الواسعة والمستمرة.

ولكن عند فحص حالة الاقتصاد المِصْري في 2015، “يمكن أن نخلص إلى أن النتيجة العامة لم تكن تدعو للفخر”؛ واعتبر أنه “لا تبدو في الأفق أي دلائل مقنعة على أن حالة الاقتصاد في 2016 سوف تتحسن كثيرًا عنها في العام السابق”. وأشار إلى أن الحكومة تخطط لتحقيق معدل نمو بنحو 5 في المائة، بينما يتوقع معظم المراقبين، ومن بينهم صندوق النقد والبنك الدوليين، أن يبلغ معدل النمو 4 في المائة أو أقل، وواحدة من الدلائل على تباطؤ النمو هي حركة “مؤشر مديري المشتريات المصري”، الذي يقيس النشاط الاقتصادي في البلاد، والذي ظل يهبط خلال الأشهر الأربعة الماضية، حسب ما أشار التقرير.

تدهور الأمن يضر الاقتصاد وشدد “أتلانتيك كاونسل” على أنه “إذا لم يحدث تقدم كبير على الصعيد الأمني، فإن كلا من الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، وهما يمثلان مصدرين أساسيين للنمو، سوف يشهدان تباطؤًا نوعًا ما”. ومعروف أن حادث الطائرة الروسية في سيناء أكتوبر الماضي أدى لانهيار السياحة، وكذا حادث قتل السياح المكسيكيين في غرب مِصْر، ويتوقع أن يكون لحادث قتل الطالب الإيطالي في مِصْر أيضًا تداعيات خاصة مع الاتهامات من قبل الإعلام الإيطالي للشرطة المِصْرية بخطفه وإخفائه وتعذيبه وقتله.

وقال التقرير: “ربما تتراجع البطالة قليلا بفعل المشروعات الضخمة التي أطلقتها حكومة الانقلاب في العام الماضي، من بينها توسيع وتعميق قناة السويس، وإقامة عاصمة إدارية جديدة، وتشييد وإصلاح طرق يبلغ طولها 3000 كيلومتر، وتشييد مليون وحدة سكنية جديدة، واستصلاح مليون فدان، غير أن المشكلات الثلاث الأساسية التي واجهتها مِصْر في 2015 سوف تظل موجودة في العام الحالي”، برأي مركز الأبحاث. مشكلة نقص الطاقة والعجز المالي وقال إنه “على الرغم من حدوث نوع من التقدم على صعيد الحد من أزمة الطاقة وقيام مِصْر بتوقيع عدة اتفاقيات لتوسيع قدراتها المادية، إلا أن مشكلة نقص الطاقة سوف تستمر كعائق أساسي للصناعة والاستثمارات الجديدة”.

وتوقع المركز أن يظل العجز المالي عند خانة العشرات، معتبرًا أن جميع الدلائل تشير إلى أنه لن تُتخذ الحكومة خطوات جديدة على طريق تخفيض الدعم. تعاظم الديون الخارجية وتوقع المركز أن يكون اعتماد البلاد على التمويل الخارجي كبيرًا في 2016 وما بعدها؛ حيث وافق البنك الدولي على قرض مقداره 3 مليارات دولار لمِصْر على مدى ثلاث سنوات، كما وافقت السعودية على ضخ استثمارات ومنح وقروض لمِصْر. وقال: “جميع هذه المؤشرات، تشير إلى أنه لن يكون عام 2016 عامًا لانطلاق الاقتصاد المِصْري، وفي الأغلب سوف يكون هذا العام صورة طبق الأصل من العام الماضي، وربما أسوأ”، حسب ما يرى المركز.

وأشار إلى أن المشروعات الضخمة التي تم إطلاقها العام الماضي تحتاج إلى وقت كي تؤتي ثمارها فيما يخص الطاقة والتشغيل والنمو العام. وأشار إلى أن السبيل الوحيد لتحقيق طفرة في النمو هو “الحوافز المالية”، لكن بالنظر إلى حالة المالية العامة في البلاد، فإنه لا يتوفر لدى الحكومة التمويل اللازم للمضي قدمًا في هذه السياسة. مِصْر تنتظر معجزة وقال إنه “لو لم تحدث صدمات جديدة على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فإنه يتعين على مِصْر التركيز على الحد من العجز المالي عبر زيادة إيرادات الضرائب، وتخفيض الدعم، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتطبيق إصلاحات اقتصادية لتشجيع القطاع الخاص على زيادة استثماراته، برأي المركز.

وأشار التقرير إلى سعي السيسي لإقناع المِصْريين أن الأمر “يتطلب وقتًا لإحداث تحوُّل في الاقتصاد”، وتحذيره من أنه “ربما قد لا يتمكن جيل أو جيلان من جني ثمار الإصلاح”، وقوله “يجب على الشعب المصري أن يتحلى بالصبر”. وكان تقرير لمجلة “فورين بوليسي” أشار إلى ترك السيسي الاقتصاد للجيش ليتحكم فيه، وقال إن السر وراء استمرار بقاء السيسي في منصبه هو صفقة بينه وبين جيشه تقوم على دعم الجيش للسيسي مقابل ترك الأخير الهيمنة للجيش على الاقتصاد وعدم التزام العسكريين بالقوانين التي تحكم المدنيين، عبر تشريعات خاصة بهم يصدرها السيسي وبرلمانه.

وقالت المجلة البريطانية: إن “هناك مؤسسة واحدة فقط لديها القوة وإرث كبير من الدعم الشعبي لضمان بقائه في منصبه؛ وهي القوات المسلحة المصرية” التي يعتمد عليها السيسي. ويشير التقرير إلى أن “هذا بالضبط ما تريده القوات المسلحة المصرية، حيث ضمنت مكانتها باعتبارها أحد العناصر الأساسية في نظام السيسي، وفي مقابل ولائهم، أعلنوا عن مطالبهم بوضوح وهي: الهيمنة على الاقتصاد المصري، وعدم الالتزام بالقوانين التي تحكم المدنيين، وقد سارع السيسي لتنفيذ تلك المطالب”.

مِصْر توقع سرًّا على قرض البنك الدولي وفي هذا السياق، وافقت مِصْر سرا على اتفاقية قرض المليار دولار مع البنك الدولي، في الوقت الذي يعاني فيه احتياطي العملة الصعبة بالبنك المركزي من تناقص مستمر، في ظل استمرار تقلص الاستثمار وانهيار موارد السياحة. وتشير المادة الثانية من اتفاقية القرض أن البنك سيدفع لمصر مبلغ المليار دولار “دفعة واحدة”، مقابل “رسم” تبلغ قيمته 2.5 مليون دولار، عملاً بسياسة البنك العامة في خصم رسم يعادل 0.25% من إجمالي القرض، وبفائدة 1.6%.

سى1

ونشر موقع “مدى مصر” الاستقصائي الحقوقي، نص القرار الجمهوري الذي يحمل رقم 505 لسنة 2015 تاريخ 28 ديسمبر الماضي، الموقع من قائد الانقلاب بشأن القرض، وسط جملة من القيود والشروط من جانب البنك على مِصْر أبرزها “احتفاظ البنك بالحق في وقف أو إلغاء القرض ما لم تصدر مصر قانونًا جديدًا لفرض ضريبة القيمة المضافة”.

وهدف “الضريبة المركبة” هو زيادة إيرادات الخزينة، وهي تفرض على فارق سعر التكلفة وسعر البيع للسلع، أي تكلفة الإنتاج، وتعتبر ضريبة غير مباشرة، وسبق أن توقعت دراسة أعدتها شركة “وثيقة لتدول الأوراق المالية”، زيادة معدلات التضخم في حدود بين 5.5 و7% لو تم تطبيقها. ولكن حكومة الانقلاب المِصْرية تتوقع أن ينتج عن تطبيقها زيادة محدودة للغاية في الأسعار، وقدر وزير مالية الانقلاب هاني قدري، في تصريحات صحفية سابقة، هذه الزيادة المتوقعة بما يتراوح بين 0.5% و2.5% لمرة واحدة، مؤكدا أنه “لن يشعر بها المواطن”.

الشروط ترفع أسعار السلع ومن الشروط الأخرى التي يشير إليها الاتفاق مع البنك الدولي، قيام حكومة الانقلاب بإصلاحات في سياساتها الاقتصادية، وأن يوافق البنك مسبقًا على هذه الإصلاحات. وتتضمن الاتفاقية أيضًا في بعض بنودها تتضمن شروطًا خاصة بالاتفاق مع الحكومة، وبها مواد غير واضحة مثل المادة الخامسة التي تحدد الشروط التي يتوجب على حكومة الانقلاب الوفاء بها قبل أن يصبح البنك ملزمًا قانونًا بإتاحة أموال القرض لمِصْر. وتحدد اتفاقية القرض 10 شروط مسبقة، أو “إجراءات تم اتخاذها في ظل البرنامج” قامت الحكومة بتنفيذها بالفعل قبل توقيع الاتفاقية. وتمثل الإجراءات العشرة، السياسات النيوليبرالية الهادفة إلى تخفيض الدعم ورواتب القطاع العام، مع تحرير قطاع الطاقة المِصْري، وإقرار إصلاحات لتشجيع المستثمرين.

ومنها رفع الدعم عن الوقود في يوليو 2014، كإحدى أولى خطوات قائد الانقلاب بعد توليه السلطة، ورفع أسعار الكهرباء على مدى خمس سنوات، وخصخصة قطاع الكهرباء؛ وتحرير قطاع الغاز الطبيعي؛ وتخفيض الحد الأقصى لضريبتي الشركات والدخل من 30% إلى 22.5%. وتظهر وثيقة برنامج البنك الدولي بوضوح أن مِصْر إن أرادت تلقي باقي دفعات القرض الإجمالي الذي طلبته من البنك والبالغ حجمه ثلاثة مليارات دولار، فإنه سيكون عليها اتخاذ المزيد من الإجراءات الاقتصادية في الاتجاه نفسه. وقال خبراء اقتصاد إن الحكومة تبحث عن مبرر سياسي لإطلاق هذه الإصلاحات، مشيرين إلى أنها لعبة قديمة تمارسها الحكومة المِصْرية مع المؤسسات المالية الدولية منذ سبعينيات القرن الماضي.

temp

وأن إجمالي المبلغ الذي تتفاوض الحكومة مع البنك بشأنه ليس كبيرًا بدرجة تبرر كل هذه الشروط الواردة في اتفاقية القرض. ويقول الخبير الاقتصادي “ممدوح الولي”: إن القرض لن يفيد التنمية كثيرًا؛ لأن “الغرض المعلن لقرض البنك الدولي هو سد عجز الموازنة، أي اقتراض لسداد ديون، وليس قرضًا موجهًا لنشاط تنموي يدر دخلًا ويضيف إنتاجًا ويسهم في تشغيل عمالة”.

وأضاف أن هناك مخاطر الاقتراض الخارجي، وتزايد أعباء خدمة الدين على الشركات المِصْرية التي سوف تقترض بالدولار ثم ترده بسعر أعلى في ظل تدهور العملة المِصْرية. ويشير “الولي” إلى أن الدين الخارجي لمِصْر بنهاية سبتمبر الماضي بلغ نحو 46.1 مليار دولار، بزيادة 2.9 مليار دولار عن رصيد الدين الخارجي، عند انقلاب الجيش على السلطة في 3 يوليو 2013، رغم تلقي معونات بلغت 14.6 مليار دولار خلال 27 شهرًا.

ويقول إنه خلال الشهور التالية لشهر سبتمبر الماضي 2015، تصاعدت موجة الاقتراض الخارجي؛ حيث تم الاتفاق مع البنك الدولي على اقتراض 3 مليارات دولار خلال ثلاث سنوات، تم اعتماد 1 مليار دولار منها، وكذلك الاتفاق مع بنك التنمية الإفريقي على اقتراض 1.5 مليار دولار، تم وصول نصف مليار دولار منها.

أيضًا تم الاتفاق مع بنك الاستيراد والتصدير الإفريقي على اقتراض 1 مليار دولار، تبدأ بنحو نصف مليار دولار، والاتفاق مع عدد من صناديق التمويل العربية لاقتراض 1.5 مليار دولار سنويًا لمدة ثلاث سنوات، والاتفاق مع الصين على اقتراض 1.7 مليار دولار، والاتفاق مع السعودية لتوريد مشتقات بترولية لمدة ثلاثة أشهر قيمتها 1 مليار دولار كقرض، واقتراض 150 مليون دولار من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بخلاف قروض من جهات تمويل أوربية أبرزها البنك الأوربي لإعادة الإعمار والتنمية، واستمرار الحوار مع السعودية والإمارات وغيرهما للحصول على قروض جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى