تقارير وملفات إضافية

مقابلة التطبيع فجَّرت أزمة بين الحكومة السودانية ومجلس السيادة.. هل هي بداية انقلاب البرهان على الجميع؟

لا تزال وجهات النظر متباينة بشكل كبير حول لقاء رئيس مجلس السيادة
الانتقالي عبدالفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في
أوغندا، بعد زيارة غير معلنة جرت الأسبوع الماضي، ليس بين مؤيدٍ ومعارضٍ لخطوة
التطبيع، بل هناك مَن يصفها بـ «الانقلاب الجديد» من المؤسسة العسكرية،
وتعدٍّ للصلاحيات الدستورية.

بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي عن لقائه بالبرهان، سارع مسؤولون
في الحكومة الانتقالية إلى نفي علمهم باللقاء. غير أن الأمور أخذت منحى مختلفاً
حينما أفصح البرهان عن أن الخطوة تمت بعلم رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك.

وبحسب المعلومات المسربة، كان لقاء البرهان بنتنياهو خطوةً مكملة
لخطوات سابقة توضح أن الحكومة الحالية بشقّيها المدني والعسكري شرعت في ترتيبات
مسبقة بشأن التطبيع مع إسرائيل.

ورغم ترحيب رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بالتعميم الصحفي
الصادر عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، حول أهمية اجتماعه مع
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن حمدوك استدرك في تدوينة أطلقها
الأربعاء، بالقول إن «العلاقات الخارجية من صميم مهام مجلس الوزراء، وفقاً
لما تنص عليه الوثيقة الدستورية».

تدوينة حمدوك عكست حالة الانقسام التي برزت داخل مكونات الحكومة
الانتقالية حول من يحق له القيام باللقاء وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية.

وبحسب ما قالة الخبير الأمني طارق محمد عمر لـ «عربي
بوست»، فإن مهام مجلس السيادة تتعلق برسم السياسات الكلية على المستوى المحلي
والإقليمي والعالمي، بخلاف مسألة التنفيذ التي قال إنها من صلاحيات مجلس الوزراء.

القيادي في المؤتمر الشعبي السوداني هيثم بخيت أوضح أن الفترة
الانتقالية ذات مهام محددة، لا ينبغي لها الخوض في مثل هذه الخطوة، التي وصفها
بالكبيرة والاستراتيجية، وتحتاج إلى تفويضٍ وسند شعبي.

وقال لـ «عربي بوست» إن الذي يجعل البرهان يقوم بمثل هذا
العمل هو غموض وعموميات الاختصاصات المنصوص عليها في الوثيقة  الدستورية،
بالإضافة إلى الفراغ والتشاكس وعدم الانسجام بين الحاضنة السياسية ممثلة في قوى
الحرية والتغيير.

في الجانب المقابل، يرى الخبير القانوني شيخ حسن فضل الله أن البرهان
لم يتجاوز صلاحياته، وعزا الخطوة إلى أنها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية في البلاد،
مشيراً إلى أن الوثيقة الدستورية نصت على أن الصلاحيات في تمثيل الدولة للمجلس
السيادي، إذ يندرج ذلك تحت مسار العلاقات بين الدول.

وبرَّر فضل الله في حديثه لـ «عربي بوست» عدم إخطار رئيس
مجلس الوزراء عبدالله حمدوك بأن الدعوة وُجّهت للفريق البرهان وليس لمجلس الوزراء
أو أحد أعضائه حتى يتم إخطارهم.

وبشأن سرية الزيارة، قال إن الأمر يتعلق بظروف نفسية وسياسية معقدة،
تتعلق بكون الشعب السوداني داعماً للقضية الفلسطينية، لذلك اتسمت الزيارة بالسرية
«حتى لا يتم إجهاضها نظراً لعاطفة المواطن السوداني تجاه قضية فلسطين»،
على حد تعبيره.

ووصف صلاحيات المجلس السيادي بأنها واسعة وفقاً للوثيقة الدستورية
خاصة ما يتعلق بالعلاقات الخارجية، إذ إن تمثيل الدولة من صلاحيات المجلس السيادي.

وبالعودة إلى الخبير الأمني طارق محمد عمر، فقد أوضح لـ «عربي
بوست» أن البرهان بصفته القائد العسكري للجيش والقوات النظامية، فالجهات
الأمنية التابعة له تمده بالمعلومات بعد تحليلها، «ربما استنتجت هذه الجهات
أن قوى الحرية والتغيير ومجلس الوزراء تمهِّد من خلال مختلف إجراءاتها القانونية
والإدارية إلى إرضاء أمريكا والغرب وإسرائيل، ولذلك استبقها البرهان»، على حد
وصفه.

يأتي هذا في وقت يخشى فيه بعض السودانيين من تكرار التجربة المصرية
عام 2013، عندما انقلب الجيش المصري على الرئيس المصري التابع للإخوان المسلمين
وتولى قائده حكم مصر في تدخُّل مباشر من الجيش في الحياة السياسية.

واستبعد الخبير الأمني فكرة أن ما حدث له علاقة بالسيناريو المصري
المرتبطة بهيمنة الجيش على السياسة، «البرهان لا يرغب في تكرار التجربة
المصرية»، موضحاً أن «موقف البرهان من التطبيع هو الموقف الذي تتخذه
قيادة البلاد ويرتضيه الشعب»، على حد وصفه.

لكن المحلل السياسي يوسف الجلال كان له رأي مختلف، إذ يرى أن ما حدث
بين البرهان ونتنياهو يرقى لأن يوصف بأنه «انقلاب عسكري جديد»، وإن لم
تستخدم فيه الأدوات التقليدية للانقلابات العسكرية المتمثلة في البيان أو المارش
العسكري أو الدبابات والمدرعات.

واعتبر في حديثه لـ «عربي بوست» أن هذه الخطوة تحديداً ليس
المقصود منها التطبيع في حد ذاته وإنما «التمهيد لصناعة ديكتاتور جديد يقود
السودان»، على حد وصفه.

الجلال يرى أنه ليس من الطبيعي أن تتخلى إسرائيل أو أمريكا عن رجل
مثل عبدالفتاح البرهان، وقد أعطاها ما فشلت في انتزاعه من أكثر من 6 حكومات
سودانية عسكرية ومدنية خلال الستين عاماً الماضية. فيبدو أن البرهان يصلح وفقاً
للمفاهيم والرؤى الأمريكية والإسرائيلية لأن يكون رجل السودان في المرحلة المقبلة.

ورغم أن القيادي في المؤتمر الشعبي السوداني هيثم بخيت يقول إن
استنساخ «سيسي سوداني» هو أمر وارد، لكنه يستدرك أن الأمر ليس بالسهولة
التي يتصورها البعض، لأن السودان من الناحية الجيوسياسية يختلف إلى أبعد مدى عن
مصر. 

وأشار إلى عدم وجود هيمنة مطلقة للجيش كما هو الحال في مصر، موضحاً
أن معارضة أغلب القوى السياسية الكبرى بالسودان لخطوة البرهان تدل على ذلك.

يؤكد الرؤية السابقة رد فعل قوى الحرية والتغيير (المشاركة في
الحكومة) التي سارعت لمناهضة الخطوة، على اعتبار أن الصمت عنها «ربما يساعد
في صناعة ديكتاتور جديد اسمه عبدالفتاح البرهان، وربما يساعد في تمهيد الطريق
لاستمراره رئيساً للسودان سواء من خلال سيطرة عسكرية أو من خلال صندوق الاقتراع في
بلد تؤثر فيه الدعاية الانتخابية والأموال كثيراً في قناعات الناخبين وربما
النتائج النهائية لأي عملية انتخابية».

ويرى الجلال أن الانتقال الديمقراطي نفسه أصبح مهدداً؛ لأن البرهان
لن يكون هو نفس الرجل في مرحلة ما قبل «الثالث من فبراير/شباط»، مشيراً
إلى أن طموحه السياسي لن يكون هو ذات الطموح، وأنه يعد نفسه لوراثة الفترة
الانتقالية بأي وسيلة.

ويبدو أن مناهضة هذه الخطوة من قِبَل قوى الحرية والتغيير يمكن أن
تُحد من آثارها السياسية وتأثيرها، خصوصاً أنها كانت تتحرك من منظور سياسي للحفاظ
على الثورة السودانية التي أصبحت مهددة أكثر من ذي قبل.

القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار طالب البرهان بتقديم استقالته،
موضحاً أن «المطب الذي أحدثه البرهان يتطلب منه الاستقالة أو الإقالة».

وأضاف أن عملية استنساخ سيناريو جديد بالسودان كما الذي حدث في مصر
سابقاً بعد الربيع العربي «لن يحدث، ويستحيل أن يحدث، لأسباب كثيرة، بينها أن
هذه ثورة ممتدة ولا زالت مستمرة تعبر عنها لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير
والمواكب المليونية»، على حد قوله.

وأشار إلى أنه رغم أن المكون العسكري يلعب على وتر الزمن باعتبار أن
الزخم الثوري والحماس وموقف الحركة الجماهيرية تضعف تدريجياً، فإن هذا الأمر لن
يسمح به شعب السودان طالما أن لجان المقاومة التي تحرس الثورة وقوى الحرية
والتغيير موجودة.

وأشار كرار إلى ضرورة مواصلة السعي نحو عدم تولّي العسكر للحكم
الانتقالي من أجل عبور السودان إلى انتخابات حرة ودولة مدنية يحكمها نظام سياسي
تعددي. ورأى أن المجلس العسكري هو جزء لا يتجزأ من النظام البائد، «إنهم
يحاولون التمدد على حساب الحكومة المدنية لسلب مكاسب الثورة ومحاولة وضعها في
ثلاجة»، على حد وصفه.

وأوضح كرار أن لقاء البرهان مع نتنياهو هدفه إعادة ترتيب السياسة في
المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط. وأن التدخل الإماراتي والسعودي في الشأن
السوداني يسعى إلى لعب دور لصالح الإمبريالية العالمية ولصالح أمريكا في المنطقة
العربية.

وقال إن الشعب السوداني يستطيع هزيمة الأجندة الأجنبية مثلما أسقطها
سابقاً بالإطاحة بالبشير، والمواصلة في هزيمة المشروع الأجنبي إلى أن يصبح القرار
السوداني قراراً وطنياً ومستقلاً، «حتى وإن احتاج الأمر إلى سحب القوات
الموجودة في اليمن كمثال»، متوقعاً أن تشهد الفترة الانتقالية صراعاً سياسياً
وطبقياً ما بين القوى التي يمثلها العسكر والنظام البائد.

ووصف الخبير القانوني شيخ حسن فضل الله الخطوة التي قام بها رئيس
المجلس السيادي الفريق عبدالفتاح البرهان بمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها
«خطوة ناجحة وفقاً للظروف السياسية الراهنة، خصوصاً التمهيد لإخراج السودان
من قائمة الدول الراعية للإرهاب».

وأوضح تأييده التام للتطبيع مع إسرائيل لدوره الهام في العديد من
الجوانب السياسية والدولية والاقتصادية.

يأتي هذا الرأي في وقت أعلنت فيه قيادات وقوى سياسية موقفاً مشابهاً،
فقد وصف رئيس «حزب الأمة» السوداني، مبارك الفاضل المهدي، اللقاء بـ
«الجريء والشجاع، ويمهّد لرفع العقوبات الأمريكية عن البلاد، ويخدم المصلحة
السودانية في رفع العقوبات الأمريكية، وفي مقدمتها رفع اسم السودان من قائمة الدول
الراعية للإرهاب».

واعتبر أن الخطوة ستفتح الطريق لإعفاء ديون السودان، وإعادة علاقات
السودان بمؤسسات التمويل الدولية لتمويل التنمية الاقتصادية، وتحقيق السلام في
السودان، والاستفادة من التقنيات الزراعية الإسرائيلية في تطوير قطاع الزراعة
والري في البلاد، وفق تعبيره.

وأضاف: «لقد كنت السياسي السوداني الذي صرَّح قبل سنتين بأن
التطبيع مع إسرائيل تقرره مصالح السودان أولاً».

وهو نفس ما ذهب إليه فضل الله الذي طالب السودانيين بالتحلي
بالواقعية، موضحاً أن «الفلسطينيين أنفسهم تربطهم علاقات وثيقة مع
الإسرائيليين في الوقود والخبز والغذاء والدواء»، وأن عدداً كبيراً من
المواطنين الفلسطينيين يعتمدون في عملهم على الأراضي الإسرائيلية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى