لايف ستايل

منافسة قد تسبب الوقاية المتقاطعة.. هل تزيح الإنفلونزا فيروس كورونا من دربها؟

يبدو أن سارس-كوف-2، الفيروس الذي يُسبِّب فيروس كورونا المستجد، سيقضي معنا فصل الصيف. لكن لم يتضح إن كان سيستكمل رحلة وجوده، إذ من المُحتمل أن نشهد موجةً ثانيةً كُبرى في الخريف أو الشتاء.

هذا السيناريو من شأنه أن يُحاكي سلوك جائحة فيروس H1N1 عام 2009 (إنفلونزا الخنازير)، وسلفها الأكثر فتكاً في عام 1918: الإنفلونزا الإسبانية.

وإذا عاود فيروس سارس-كوف-2 الظهور في الشتاء، فسيصادف ساحةً مزدحمة من فيروسات الجهاز التنفسي الشتوية، منها الإنفلونزا والفيروس الأنفي والفيروس التنفسي المخلوي، إلى جانب 4 سلالات أخرى من الفيروسات التاجية التي تُسبّب أعراضاً شبيهة بالبرد في العادة.

فكيف سيكون تأثير تلك الفيروسات الأخرى على انتشار سارس-كوف-2؟ وهل ستتعايش تلك الفيروسات معاً بانسجام، أم هل ستُخرِج سارس-كوف-2 من الصورة؟ 

لا توجد إجابة مؤكدة، ولكن إلقاء نظرة على التفاعلات التاريخية بين هذه الفيروسات وبين غيرها من الفيروسات المعروفة قد يوضح الصورة.

في أواخر القرن الـ 18 لاحظ الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر أن الفتيات اللواتي يحلبن البقر نادراً ما يُصبن بالجدري المُنهك والمُميت. 

وبحسب ما نشر موقع Inverse الأمريكي، كان جينر مُحقّاً في تخمينه بأن تعرّضهن لجدري البقر -وهو فيروس مُرتبط بفيروس الجدرير- كان سبباً في وقايتهن من الإصابة بالجدري العادي.

اكتشاف جينر أفضى عن اختراع أول لقاح في العالم، لكنّ ذلك الاكتشاف جسّد مفهوماً أكثر جوهرية: وهو أنّ مُسبّبات الأمراض تتعايش على علاقةٍ ببعضها بعضاً، ويُمكنها في بعض الأحيان أن تُعيق قدرة بعضها البعض على الانتشار.

وجاءت الوقاية المتقاطعة التي وفّرها جدري البقر ضد الجدري العادي نتيجة التشابه الهيكلي بين الفيروسين.

فحين يُصاب الشخص بجدري البقر يستخدم جهاز المناع استجابةً سريعة واسعة النطاق، تعقُبها استجابةٌ أبطأ وأكثر استهدافاً ومصممة خصيصاً للفيروس.

وبعد القضاء على العدوى، يحتفظ الجسم بقالب حيوي على شكل الفيروس حتى يستطيع التعرّف عليه والاستجابة له سريعاً في حال التعرّض له مستقبلاً. 

ويتشابه هيكل فيروس الجدري العادي كثيراً مع هيكل جدري البقر لدرجة أن الجسم ينجح في القضاء على عدوى الجدري العادي، حتى في حال إصابته بالنسخة الأخف فقط سابقاً.

وتُفسّر الوقاية المتقاطعة أسباب فاعلية لقاحات الإنفلونزا. ففي كل عام، يتنبّأ العلماء بسلالات الإنفلونزا التي ستكون الأكثر شيوعاً خلال الموسم المقبل. ويكون التنبُّؤ خاطئاً في العادة، لكن اللقاح يكون قريباً بما يكفي لمنع الكثير من أنواع العدوى.

كما تُفسّر الحماية المتقاطعة أيضاً سبب إفلات الكثير من كبار السن من جائحة الإنفلونزا عام 2009، إذ انتشرت سلالات إنفلونزا H1N1 كذلك خلال النصف الأول من القرن العشرين واحتفظ كل من تعرّضوا لها بتلك الذكرى الحيوية لعقود.

فضلاً عن أن الحماية المتقاطعة تُنظّم دورة انتقال الفيروسات التاجية الموسمية المزدهرة. 

إذ تنقسم الفيروسات التاجية الخفيفة الأربعة إلى زوجين مترابطين وراثياً هما الفئة ألفا وبيتا، ما يُسبّب تفشّيات كبيرة سنوياً بالتناوب.

إذ إن كل سلالة تمنع انتشار السلالة الأقرب لها، ما يُؤدي إلى دورةٍ ثابتة تمتد لعامين. 

وسارس-كوف-2 هو فيروس تاجي من الفئة بيتا، ما يعني أنه سيُضطّر إلى التنافس مع السلالتين الأقرب له خلال موجة الخريف أو الشتاء.

وأظهرت دراسةٌ حديثة أن سارس-كوف-2 يُمكن أن تتعرّف عليه أجهزة مناعة الأشخاص الذين أُصيبوا في السابق بواحدةٍ من الفيروسات التاجية الأخف في الفئتين ألفا أو بيتا.

وهذا لا يكفي لضمان الوقاية المتقاطعة، لكنه أحد شروطها الأساسية بكل تأكيد.

وفي بعض الأحيان نجد أن الفيروسات غير ذات الصلة تُحفّز الوقاية المتقاطعة. 

ففي عام 2009، أخّرت جائحة إنفلونزا H1N1 ذروة موسم الفيروس التنفسي المخلوي لعدة أسابيع. 

كما جرى توثيق تحوّلات مشابهة في توقيت ذروة التفشّي لمختلف أمراض الجهاز التنفسي. 

والأمر يتعلّق على الأرجح بالجزء الأسرع والأوسع من الاستجابة المناعية. فحين يكون جهاز المناعة على أهبة الاستعداد بالفعل؛ يصير قادراً على مكافحة العدوى من الأجسام الدخيلة الأخرى المُحتملة.

لا تُمثّل الحماية المتقاطعة سوى نصف القصة. إذ يُمكن للفيروسات أن تُفاقم الضرر الذي سبّبته فيروساتٌ أخرى. 

فعلى سبيل المثال تُهاجم فيروسات الحصبة والعوز المناعي البشري جهاز المناعة مباشرةً، وتُضعِف دفاعات الجسم، وتترك الشخص عرضةً لمُسبِّبات الأمراض الأخرى.

ولكن هناك مسار آخر أكثر غرابة. ففي بعض الأحيان تُؤدّي العدوى السابقة بإحدى السلالات الفيروسية إلى مساعدة سلالة ذات صلة وثيقة في غزو الجسم بفاعلية. 

وفيروس حمى الضنك (أو أبوالركب) هو خير مثالٍ على ذلك. إذ تكون إصابة الشخص الأولى بالضنك خفيفةً على الأرجح، ولكن العدوى التالية يُمكن أن تُهدّد حياة المريض. 

فسلالة الضنك التي تُسبّب العدوى الثانية تستطيع امتطاء الأجسام المضادة التي أُفرِزَت للقضاء على العدوى الأولى. ما يُساعد العدوى الثانية على دخول الخلايا والتسبّب في عدوى أكثر شدة.

وربما يحدث الأمر ذاته مع سارس-كوف-2. وفي هذه الحالة فإن العدوى السابقة بسارس-كوف-2، أو أيّ فيروس تاجي آخر، يُمكن أن تزيد شدة العدوى.

ما يزال الوقت مُبكّراً على التكهُّن بما سيحدث خلال الأشهر المقبلة، لكن الأدلة المُهمة ستبدأ في الظهور قريباً. 

ستظهر المعلومات الأولى حول التفاعلات الفيروسية من نصف الكرة الجنوبي، الذي دخل للتو موسم ذروة أمراض الجهاز التنفسي.

ثانياً، تُجرى مختلف الدراسات في الوقت الحالي، ومنها دراسةٌ في سياتل وأخرى في مدينة نيويورك من أجل تحديد النطاق الكامل لفيروسات الجهاز التنفسي داخل الأماكن المكتظة بالسكان. 

جمع نتائج تلك الدراسات مع بيانات مراقبة لسارس-كوف-2 ستساعد في الحصول على لمحةٍ مُبكّرة حول التفاعلات بين فيروسات الجهاز التنفسي.

ولكن النماذج والتجربة التاريخية مع جوائح الإنفلونزا تقترح أنّ سارس-كوف-2 سيعيش لفترة خلال المستقبل المنظور، حتى وإن أثبتت الوقاية المتقاطعة فاعليتها. 

وربما تبدو الساحة مليئةً بفيروسات الجهاز التنفسي الآن، ولكنّها لن تُمانع استضافة فيروسٍ جديد.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى