تقارير وملفات إضافية

من أين تأتي ثقة أردوغان بقدرته على حفظ مصالح بلاده بالمتوسط.. بلومبيرغ تكشف كيف تطورت البحرية التركية اعتماداً على الذات؟

أصبحت القوة البحرية التركية لاعباً يحسب له حساب في صراعات واستعراضات القوة في البحر المتوسط.

وباتت البحرية التركية تعتمد في تسليحها على الإنتاج المحلي بشكل كبير، كما أصبحت في الوقت ذاته الأداة الرئيسية بيد أنقرة في المنافسة التي مع خصومها التاريخيين في الغرب على مياه المتوسط، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

وبينما يتركز الاهتمام الدولي على السباق الخاص بالغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، حيث تسعى كل من تركيا، وقبرص ومصر واليونان وإسرائيل أيضاً، للمطالبة بحقوقها في أحد أكثر البحار ازدحاماً في العالم، إلا أن جذور التوترات بين تركيا والغرب خاصة اليونان أعمق من ذلك، فهي نابعة من رفض أنقرة لمحاولة تهميشها من قبل الغرب في المتوسط، وهذا ما دفعها للتلويح بسلاحها البحري القوي.

ويكشف نمو القوة البحرية التركية عن حجم طموح الرئيس رجب طيب أردوغان -الذي غالباً ما يُغفَل عنه خارج تركيا- لتعزيز مصالح أمته والتأكيد على أنها قوة إقليمية إسلامية على وجه التحديد، قادرة على التعامل مع أوروبا وروسيا والولايات المتحدة.

وبدعم من سفن حربية وغواصات جديدة مُنتَجة محلياً، ساعدت القوات البحرية أردوغان بالفعل على استعراض قوة تركيا في الخارج بنجاح أثار دهشة الدول الساحلية الأخرى وأزعجها. وهناك فرقاطات أكبر في طور الإعداد، وبحلول العام المقبل، ستلتحق بالقوات البحرية حاملة طائرات خفيفة بسعة 27 ألف طن (تنتج بالتعاون مع أسبانيا).

وفي هذا السياق، قال ريان غينغيراس، الأستاذ في قسم شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية بكاليفورنيا والمتخصص في الشؤون البحرية التركية: “على مسافة ليست ببعيدة عن السطح، هناك مجموعة من القضايا الأكثر إثارة للقلق، تتمثل في فكرة أنَّ تركيا هي القوة الأعظم في شرق البحر المتوسط ​​ويجب التعامل معها على هذا النحو. وهي ترى نفسها محاطة بمنافسين وخصوم وتلوح بالقوة لإثبات نفسها؛ لأنها تستطيع ذلك”.

ويعتبر الازدهار في أحواض بناء السفن البحرية التركية جزءاً من توسع أكبر في صناعة الأسلحة محلياً -بدايةً من السفن الحربية إلى المروحيات الهجومية إلى الطائرات المسلحة بدون طيار- بهدف الحصول على ما يسميه المسؤولون الأتراك “الاستقلال الاستراتيجي” عن الموردين الغربيين، الذين يُنظَر إليهم الآن على أنهم منافسون أكثر من شركاء.

ويهدف أردوغان إلى أن تكون تركيا قادرة بحلول عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، على إنتاج جميع أسلحتها. وهو هدف من غير المرجح تحقيقه. وهناك أيضاً أسباب للشك فيما إذا كان الاقتصاد الذي تُقدَّر قيمته بـ750 مليار دولار قادراً على الحفاظ على طموحاته في أن يصبح قوة عظمى في ظل المناخ الحالي. إضافة إلى ذلك، يهدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على أنشطة تركيا في المنطقة. 

ومع ذلك، شق الجيش التركي طريقه بالقوة إلى شمال سوريا، ليضمن مقعداً على طاولة الحوار عن التطورات هناك. وفي ليبيا، ساعدت السفن الحربية التركية في إمداد ودعم الحكومة المُحاصَرة في طرابلس، وقلبت مسار الحرب الأهلية لصالحها.

إلى جانب ذلك، أصبحت الأساطيل البحرية التركية ترافق سفن الأبحاث السيزمية دورياً إلى المياه التي تطالب بها اليونان والقبرصية أثناء استكشافها للغاز. 

وفي الشهر الماضي، نتج عن ذلك تصادم مع سفينة تابعة للبحرية اليونانية مع وصول العداوة بين الدولتين العضوين في الناتو إلى أعلى مستوياتها منذ مواجهة عام 1996 حول زوج من جزر بحر إيجه غير المأهولة التي كادت أن تتطور إلى حرب بين الاثنتين.

وقال أردوغان، في خطاب ألقاه في 26 أغسطس/آب بمناسبة إحياء ذكرى انتصار السلاجقة الترك على الإمبراطورية البيزنطية اليونانية لأول مرة في معركة ملاذكرد عام 1071: “ستحصل تركيا على نصيبها العادل في البحر المتوسط ​​وبحر إيجة والبحر الأسود. إذا قلنا سنفعل شيئاً ما، فسنفعله، وسندفع الثمن”، متحدياً أية دولة تتجرأ على الوقوف في طريقه.

ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكن أخذ مواقف أردوغان حرفياً. وفي مقابلة حديثة مع Bloomberg News، قال المتحدث باسمه ومستشاره، إبراهيم كالين، إنَّ تركيا تهدف إلى الضغط على شركاء البحر المتوسط لمراعاة المصالح التركية في المنطقة والتفاوض بشأنها بعدما تعرضت للتجاهل لفترة طويلة.

من جانبها، تقول اليونان إنه يجب أخذ الجزر في الاعتبار عند ترسيم الجرف القاري لأي بلد، تماشياً مع قانون الأمم المتحدة للبحار، الذي لم توقعه تركيا. في حين تجادل أنقرة بأنه يجب قياس الجرف القاري لأي بلد بدايةً من البر الرئيسي. وعرض كلا الجانبين الجلوس لإجراء محادثات، على الرغم من ضعف احتمال حدوث ذلك في أي وقت قريب.

وجذب نهج تركيا القوي انتباه القوى الأخرى في المتوسط، لكن يبدو أنه دفع بالدولة، التي يبلغ عدد سكانها 83 مليون شخص إلى مواجهة بعض المشكلات.

وفي الأسبوع الماضي، أعرب موقع إلكتروني للبحرية التركية عن قلقه إزاء الخطط الروسية لإجراء مناورات بالذخيرة الحية في البحر المتوسط ​​في وقت لاحق من هذا الشهر. ورفعت الولايات المتحدة جزئياً حظر توريد أسلحة إلى قبرص مستمر منذ عقود، المنقسمة إلى شطرين منذ غزو تركيا للشمال في عام 1974. وفي استعراض للقوة، سيَّرت فرنسا لفترة وجيزة طائرات رافال ذات القدرات العالية إلى قاعدة جوية في الشطر اليوناني من جزيرة قبرص.

ويتمتع نهج أردوغان القومي بجاذبية سياسية واسعة، في دولة مُستقطَبة بين مؤيدي شعاره المحافظ الديني، والعلمانية التي روَّج لها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.

ومن جانبه، علَّق جيم غوردنيز، أميرال متقاعد ومدير سابق لتخطيط السياسات في البحرية التركية: “أنا من أتباع الفكر الكمالي (نسبة إلى كمال أتاتورك)، وأعارض تماماً استخدام الإسلام في السياسة”. ومع ذلك، فهو يشارك أردوغان اعتقاده بأنَّ المصالح الأساسية للولايات المتحدة وأوروبا الغربية تتعارض الآن مع مصالح تركيا.

وفي عام 2006، خرج غوردنيز بفكرة “الوطن الأزرق” الشاملة في المياه المحيطة بتركيا، التي تبنتها الدولة منذ ذلك الحين. ويصف هذه الرؤية بأنها دعوة للدفاع عن حقوق تركيا البحرية، رداً على موقف اليونان. وسخر من فكرة أنَّ الجزر البحرية تُبطِل المطالبة بما يصل إلى 150 ألف كيلومتر مربع (58 ألف ميل مربع) من الجرف القاري.

وقال: “إنَّ طريقة تفكيرهم بسيطة للغاية: لقد غادرنا الأناضول بعد الهزيمة في عام 1923، لكننا أبقينا بحر إيجه. إنهم يعتقدون أنَّ الأتراك شعب أرض؛ لذلك في البحر يمكنهم أخذ ما يريدون. لا، لقد تغيرت الأمور”.

ووفقاً لهوجو ديسيس، مُحلِّل أبحاث يركز عمله على الشؤون البحرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: “ما يجب أن نقلق بشأنه حقاً هو تطور دينامية الأمر الواقع، تبدأ في ظلها تركيا في اتخاذ نفس الخطوات التي تتخذها الصين”، في إشارة إلى عسكرة الشعاب المرجانية المُستَصلَحة في بحر الصين الجنوبي.

وقال غوردنيز عن مطالب تركيا في البحر المتوسط: “هذه ليست قضية تتعلق بالسياسة الداخلية لتركيا. هذه خلافات لن تختفي حتى لو تغيرت الحكومة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى