الأرشيفتقارير وملفات

من فضلكم : أخرجوا القطن من آذانكم…!.

بقلم الأديب الكاتب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى

* قالوا : الاعتراف سيد الأدلة . وأقسى شئ على الإنسان أن يعترف أنه ينتمى إلى فصيلة الحيوان , يعترف أنه كان أصما لا يسمع , ومعتوها لا يعقل فى لحظة الحساب التي لامجال فيها للمراجعة والعتاب . ومع أن الله عز وجل منح الإنسان نعمتي السمع والعقل , إلا أن العناد والكبر ذهبا به إلى مصير مشؤوم , إلى نار جهنم وبئس المصير . فالمرء بلا عقل كتمثال أجوف فارغ بلا روح . وكل شئ إذا كثر رخص , إلا العقل إذا كثر غلا. فهو مناط التكليف طالما لم يصب بتخريف أو تحريف أو تجريف . وقد اعترف أصحاب النار وهم يدخلونها فوج بعد فوج أنهم كانوا صما لايسمعون , ومجانين لايعقلون . فتحدث القرآن الكريم عنهم واصفا اعترافهم قائلا :” وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ” قال ابن عباس : لو كنا نسمع الهدى أو نعقله ، أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر ، أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا في أصحاب السعير . فهل حقا هولاء كانوا فى الدنيا لايسمعون ولا يعقلون..؟ كيف ذلك ومنهم خبراء وعلماء ومفكرون ومحللون وفلاسفة وكبراء وعظماء وأمراء..؟ إنهم كذبوا على الله وعلى أنفسهم لأنهم كانوا يسمعون مايريدون فقط , ويعقلون ما يتماشى مع أهوائهم وأمزجتهم الفاسدة فحق عليهم كلمة العذاب . إنه الإنسان الذى كرمه الله ,فأبى إلا يكون حيوانا بل أضل سبيلا.

لايرون
* وفى موضع آخر يقول عنهم القران الكريم كاشفا وفاضحا سوء وخبث طويتهم “
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُون “  أى أن هولاء المشركين المعرضين عن آيات الله من صناديد قريش , كانوا إذ دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإقرار بتوحيد الله وتصديق ما في هذا القرآن من أمر الله ونهيه, وسائر ما أنـزل فيه , قالوا :  قُلُوبُنَا فِي أكنة ,أى فى أغطية تحجبها عن وصول دعوة الحق إليها . وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ  وهو الثقل, لا نسمع ما تدعونا إليه استثقالا لما يدعو إليه وكراهة له. وهذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن هولاء شبهوا قلوبهم وكأنها  أحجار جامدة صلدة صماء يعلوها غطاء كثيف من الأتربة والغبار يمنع عنها نور الحق وشعاع الإيمان . هذا كبرهم فى الدنيا أدى بهم إلى سواء الجحيم  . أعاذنا الله وإياكم من مصير هولاء . عندما يعترف الإنسان على نفسه أنه كان لايسمع ولايعقل , فهذا إقرار رسمى منه أنه كان ينتمى إلى فصيلة الحيوان حتى ولو حصل على أعلى الشهادات وأرقي الأوسمة والنياشين..!.

الثلاثة
 * وفى موضع ثالث يقول عنهم القرآن : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ ُأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ “ وجاء فى تفسير هذه الآيات مايلى :” وأما قوله: لهم قلوبٌ لا يفقهون بها . فإن معناه: لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم من خلقه قلوب لا يتفكرون بها في آيات الله, ولا يتدبرون بها أدلته على وحدانيته, ولا يعتبرون بها حُجَجه لرسله, فيعلموا توحيد ربِّهم, ويعرفوا حقيقة نبوّة أنبيائهم. فوصفهم ربُّنا جل ثناؤه بأنهم لا يفقهون بها ، لإعراضهم عن الحق وتركهم تدبُّر صحة نبوة الرسل. وكذلك قوله: ولهم أعين لا يبصرون بها، معناه: ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته, فيتأملوها ويتفكروا فيها, فيعلموا بها صحة ما تدعوهم إليه رسلهم, وفسادِ ما هم عليه من الشرك بالله، وتكذيب رسله; فوصفهم الله بتركهم إعمالها في الحقّ، بأنهم لا يبصرون بها وكذلك قوله ولهم آذان لا يسمعون بها آيات كتاب الله، فيعتبروها ويتفكروا فيها, ولكنهم يعرضون عنها, ويقولون: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ وذلك نظير وصف الله إياهم في موضع آخر بقوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ  .

 * ألم يأتكم نبأ قصة الصحابي الجليل ” الطفيل بن عمرو الدوسى..؟ الذى بدأت قصة إسلامه حينما سمع أن فتىً من قريش من بني هاشم يزعم أنه نبي أرسله الله إلى الناس كافة ويدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك الأوثان والأصنام.  و بالفعل بدأ رحلته قاصداً مكة ليعرف الحقيقة بنفسه، فلما وصلها وكان معروفاً لهم لأنه سيد دوس ، فتلقفه سادة مكة وأوصاه بعضهم ألا يسمع لمحمد الفتي القرشي لأنه مجنون، فقال لهم نعم أفعل ثم ذهب إلى الحجر ووضع “كرسفاً” و هو القطن في أذنيه  حتى لايسمع كلام محمد صلى الله عليه و سلم لأن له كلاماً ساحراً كما قالت له العرب، لكنه شاعر يفهم الأدب واللغة بإتقان. فقال لنفسه، سأسمع محمداً هذا فإن كان ما يقوله خطأً انصرفت عنه وإن كان صحيحاً تفكرت فيه بهدوء ونظر وبصيرة. فلما ذهب إلى حجر الكعبة وجد رجلاً حلو الطلعة بهي المنظر , طلق اللسان , جميل المُحيَا لم ير مثله في جماله , فسأله من أنت ؟ قال محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم, فاندهش الطفيل دهشةً عظيمة , وقال إلام تدعو يا أخا العرب؟! فقال له النبي صلى الله عليه و سلم فحوى دعوته وعرض عليه الإسلام, فأسلم دون تردد لأنه فهم معاني كلمات النبي  . لو كان هذا الصحابى الجليل أصر على وضع القطن فى أذنيه ما أسلم وماتعرف على دعوة الحق .

* مما سبق ذكره وإيضاحه وتفسيره سواء ما ورد فى القران الكريم أوماورد فى سيرة الصحابي الطفيل بن عمرو الدوسى  , يتضح لنا أن هناك شرائح غير قليلة من أبناء أمتنا وطننا , لا يزالون يضعون القطن فى آذانهم . لا يريدون سمعا ولا فهما ولا إدراكا . فقط هم يسمعون إلى أنفسهم ويتحاورون مع ذواتهم ولا يقبلون رأيا مخالفا لهم  . إن هولاء قد حشوا آذانهم بالقناطير المقنطرة من القطن المحلى والمستورد حتى لا ينفذ إلى مسامعهم مايعكر صفو أمزجتهم المتقلبة وأنفسهم الأمارة بالسوء .  إن الصحابى الجليل قد أخرج القطن من أذنيه منذ سنين عديدة ليسمع الطرف الآخر . فلما فعل هداه الله إلى الإسلام ومن ثم هدى به الله قبيلة دوس .عندما يكون هناك نزاع أو اختلاف فى قضية ما , فلابد أن نسمع جيدا ونفهم جيدا ونحلل سير الأحداث  لنعلم الحابل من النابل والغث من الثمين . لابد أن نسمع بعضنا بعضا جيدا . ثم أولى بنا أن يفهم كل طرف ماعند الآخر بعيدا عن شخصنة الأمور والمواقف  حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود  . يقول الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي  :” إذا كنت تشنق من يخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمه الحبل
 , وإذا كنت تسجن من يخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمه الجدار  , وإذا كنت تقتل من يخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمه السكين  , أما إن كنت تأخذ وتعطي .. وتقنع وتقتنع .. ففي رأسك عقل اسمه العقلفهل آن الآوان لنا أن نزيل قناطير القطن من آذاننا حتى نسمع ثم نعقل مايدور حولنا..؟ أم سنرحل عن الدنيا كبارا كما جئنا إليها صغارا بلا فهم أو عقل أو إدراك..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى