تقارير وملفات إضافية

موجة لقاءات للسلطة الفلسطينية مع إسرائيليين تثير غضباً شعبياً.. فهل تسعى لمجابهة صفقة القرن أم تحسين شروطها؟

بينما كرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس حديثه بقطع كافة أشكال الاتصال والتعاون مع إسرائيل رداً على صفقة القرن، تتواصل منذ مطلع الأسبوع الجاري سلسلة لقاءات بين وفود فلسطينية وإسرائيلية في رام الله وتل أبيب في وقت تطالب فيه السلطة العرب بعدم التطبيع.

وأثار هذا المشهد التطبيعي غضب الشارع الفلسطيني الذي رآه تحدياً من السلطة لإرادته الشعبية، وتنصُّلاً من الوعود التي قطعها رئيس السلطة بوقف كافة أشكال الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي.

اللقاءات التي جرى ترتيبها على مدار عدة أيام، كانت بمشاركة مستويات متعددة من المسؤولين الفلسطينيين، بدأت بمشاركة 15 قيادياً بارزاً في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح في مؤتمر “برلمان السلام” الذي استضافته تل أبيب مطلع الأسبوع لمناقشة تداعيات خطة السلام الأمريكية، المعروفة إعلامياً بخطة السلام الأمريكية، في مقر اتحاد الصحفيين الإسرائيليين.

وشارك باللقاء الذي جاء بعنوان “نعم للسلام لا للضم ودولتان للشعبين: إسرائيل وفلسطين”، وزراء حاليون وسابقون في السلطة الفلسطينية، وأعضاء بالمجلس التشريعي (البرلمان)، ولجنة تواصل حركة “فتح” مع المجتمع الإسرائيلي، ووزراء إسرائيليون ونواب سابقون (بينهم عرب) في الكنيست الإسرائيلي.

عرف من المشاركين حسين الأعرج رئيس ديوان الرئاسة، وأشرف العجرمي وزير الأسرى السابق، وباسم خوري وزير الصحة السابق، وعدد من نواب المجلس التشريعي عن حركة فتح.

حسن خريشة، نائب رئيس المجلس التشريعي قال لـ “عربي بوست” إن “اللقاءات الأخيرة التي تجريها السلطة مع الجانب الإسرائيلي طعنة في خاصرة الشعب الفلسطيني، الذي خرج رافضاً للصفقة، وسيترتب عليه تداعيات أبرزها ضعف الموقف الفلسطيني من تطبيع أي دولة عربية مع إسرائيل، كما تظهر اللقاءات أمام المجتمع الدولي رضا فلسطينياً عن الصفقة”.

 في اليوم التالي استضافت الرئاسة الفلسطينية وفداً إسرائيلياً صحفياً في متحف الرئيس عرفات في رام الله، ووفقاً لما نقلته القناة 12 الإسرائيلية أشار نبيل أبو ردينة، وزير الإعلام الفلسطيني والمتحدث باسم عباس، للصحفيين الإسرائيليين، أن التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل ما زال قائماً، ولم يطرأ أي تراجع في أدائه.

واستضافت لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي الفلسطينية مجموعة من ممثلي وسائل الإعلام الإسرائيلية.

 كما استقبل مستشار الرئيس للشؤون الدينية وقاضي قضاة فلسطين محمود الهباش وفداً إسرائيلياً، يضم مجموعة من الصحفيين الإسرائيليين على مأدبة غداء في أحد مطاعم رام الله، ثم تجول الوفد برفقته في شوارع المدينة في مشهد استفزازي، برفقة عناصر من الأجهزة الأمنية التي وفرت لهم حماية أمنية مشددة.

وأعلن الهباش في تغريدة على حسابه الخاص على “فيسبوك”، أنه ألتقى مجموعة من الصحفيين الإسرائيليين، بحضور محمد المدني، رئيس لجنة التواصل، التي نظمت هذا اللقاء، وذلك في إطار سعي القيادة الفلسطينية لمواجهة مؤامرة صفقة ترامب سياسياً وقانونياً وإعلامياً.

وأضاف الهباش أنّ الاجتماع جاء لعرض الرواية والرؤية الفلسطينية لتحقيق سلام عادل وشامل، على أساس يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

في المقابل، قال “الأسير يزن مغامس” (من معتقلي الجبهة الشعبية)، في بيان وقع باسمه، إن ما حدث الأحد، بمطعم “كاسبر وجامبينز” يؤكد وصف “منظومة فاسدة من الخيانة والتطبيع”، جمعت محمود الهباش بوفد صهيوني.

والتزمت السلطة وحركة فتح الصمت تجاه هذه اللقاءات المتبادلة، ولم تصدر أي بيان حول ما جرى، سواء في وسائل إعلامها الرسمية، أو من ناطقيها الإعلاميين.

حاول مراسل “عربي بوست” الحصول على تعليق من الرئاسة الفلسطينية وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح وقيادات المجلس الثوري للحركة وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لكنهم رفضوا التعليق على هذا الموضوع بأي شكل من الأشكال، لوجود تعليمات من قبل القيادة بتجنب الحديث بهذا الملف أمام وسائل الإعلام.

 المسؤولون الفلسطينيون الذين حاول “عربي بوست” الحديث معهم ورفضوا، هم: نبيل أبو ردينة، عبدالله عبدالله، تيسير نصر الله، عباس زكي، آمال حمد، أحمد مجدلاني، واصل أبو يوسف، حمدالله الحمدلله رئيس بلدية عنبتا المشارك بمؤتمر برلمان السلام، وقدم استقالته لاحقاً.

مشاركة شخصيات من الصف الأول للسلطة في هذه اللقاءات قد تشير إلى أنها بمثابة رسائل للجانب الإسرائيلي برغبة السلطة في العودة للمفاوضات.

عادل شديد، الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية قال لـ “عربي بوست” إن “لقاءات السلطة بالمسؤولين الإسرائيليين بهذا التوقيت منسجمة مع رغبة إسرائيلية لم تتخيل أن السلطة ستنفذها بهذه السرعة والزخم، مع أن هذه اللقاءات مدروسة بدلالات الزمان والمكان والأجندة ومستوى المشاركة، وتحظى بدعم وتنسيق أمريكي يتباهى بأن صفقة القرن نجحت في إعادة المياه لمجاريها”.

وأضاف أن “إسرائيل بهذه اللقاءات، وفي هذا التوقيت تخطط للسير في مسارين: الأول الرغبة في استمرار التواصل مع السلطة بواقع ونظرة مختلفة عن النظرة التقليدية المتمثلة بأنها دولة احتلال، والثاني أن تفرض إسرائيل نفسها على الدول العربية كدولة لا تتجزأ من الشرق الأوسط، وهذا الأمر لم يكن ليتم لولا موافقة السلطة على إجراء اللقاءات التطبيعية”.

رئيس حملة المقاطعة- فلسطين، باسم نعيم، وصف سلوكيات التطبيع من قيادات فلسطينية في خضم الإعلان عن “صفقة ترامب” بأنها خطيرة جداً وصادمة، في الوقت الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية لأخطر مشروع يمكن أن يمر على الشعب الفلسطيني منذ عقود. 

وقال: “رغم ذلك يستمر هؤلاء المطبعون في بيع الوهم وتسويق السراب وتوقع إحداث أي اختراق في المجتمع الإسرائيلي، الأمر الذي فشل على مدار عقود من المحاولات”. 

وأضاف: “ذلك يضر بالموقف الفلسطيني الرافض بشدة للاتصالات التطبيعية العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، فلا يعقل أن نطلب من الآخرين قطع الاتصالات مع الاحتلال فيما نحن نطبع معهم، فلن يكونوا ملكيين أكثر من الملك”. 

لم يكن موقف السلطة في إجراء اللقاءات التطبيعية مفاجئاً للكثير من المراقبين، حيث ظهر الرئيس محمود عباس مبادراً لإجرائها، تحديداً حينما التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، على هامش اجتماعات مجلس الأمن الشهر الجاري، رغم أنه صرح في وقت سابق بوقف كافة أشكال التنسيق والتواصل مع الجانب الإسرائيلي.

عبدالجواد صالح، عضو اللجنة التنفيذية السابق لمنظمة التحرير، وعضو المجلس المركزي الحالي قال لـ “عربي بوست”، إن “رئيس السلطة بات يدرك أن وقوفه ضد صفقة القرن سينهي حياته السياسية، لذلك يسعى من خلال لقاءات التطبيع للحفاظ على كرسيه، وأن يزيل أي خطر أو تهديد لمكاسبه الاقتصادية والمالية التي جناها في أثناء شغله لمنصب رئيس السلطة، دون أن يضع مصالح الشعب على أجندته”، حسب قوله.

غضب الشارع الفلسطيني من اللقاءات التطبيعية لم يتأخر كثيراً، بل ترجم على الأرض بتعرض مطعم (كاسبر آند قارنبيز) الذي استضاف لقاء الهباش بالوفد الإسرائيلي لمظاهرة شبابية فلسطينية، تخللها إلقاء زجاجات حارقة على المطعم، وتدمير جزء من ممتلكاته، وهو ما دفع إدارة المطعم لإصدار تنويه بأن اللقاء تم عبر حجز السلطة للمطعم دون الإشارة لوجود وفد إسرائيلي في اللقاء.

فيما ألغى مطعم الافرست في رام الله حجزاً كان مقرراً يوم 20 فبراير/شباط،ـ بعد الاشتباه بمشاركة وفد إسرائيلي في اللقاء.

تزامناً مع هذه اللقاءات، قمعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالقوة مسيرة شعبية بمدينة جنين، دعا لها حزب التحرير للتنديد بصفقة القرن، في ذات يوم تم إجراء اللقاءات بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما أثار غضب الشارع الفلسطيني الذي فسره تواطئاً من السلطة مع الرغبات الإسرائيلية بتهدئة غليان الشارع.

أيمن دراغمة، القيادي في حماس قال لـ “عربي بوست”، إن “السلطة مطالبة بالإجابة عن الكثير من الأسئلة، أهمها ما جدوى إجراء اللقاءات التطبيعية، إذا كان المجتمع الإسرائيلي وأحزابه السياسية موافقين بشكل كامل على الصفقة، ولن تتغير بنودها لصالح الفلسطينيين، كما أن السلطة عليها أن تظهر احتراماً لموقف الشارع الفلسطيني الرافض للصفقة، بدلاً من تحول موقفه إلى موجة غضب واحتجاج على سياسات السلطة، لأنها لا تنسجم مع تطلعاته”.  

من الملاحظ في الأيام الأخيرة غياب صور الاحتجاجات الشعبية، وعودة الاستقرار والهدوء للضفة الغربية، بعكس ما كان في الأيام الأولى لإعلان صفقة القرن، وهو ما قد يعني ترقباً من السلطة لنتائج الانتخابات الإسرائيلية، ومدى نجاح لقاءاتها مع المسؤولين الإسرائيليين الأمر الذي يثير تساؤلاً مشروعاً هل السلطة تسعى لمجابهة صفقة القرن كما تقول أم أنها فقط تحاول تحسين شروط هذه الصفقة؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى