موسي .. فرعون .. وعباد العجل ( جزء 2 )
موسي .. فرعون .. و عباد العجل ( جزء 2 )
=======================
بقلم الباحث الدكتور
جمال محمد
فرعون , هو طاغية كل العصور , وضرب الله به رمزا , وبنظامه مثلا , لاستعباد واضطهاد البشر وكبت حرياتهم , والعيش علي دمائهم .
ولذلك جاء اسمه مفردا …” ان فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا.” , وجاء مقترنا مع نظامه وجنده … ” ان فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين .
” , …….” ولقد أرسلنا موسي بآياتنا و سلطان مبين . الي فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب .”
كما أسلفنا القول , ونكرر لعموم الاستفادة والتذكرة , فان للقصص القرآني مقاصد كثيرة ذكرناها تفصيلا في المقال الثاني من السلسلة , ونشير هنا الي مقصد من أهم المقاصد ألا وهو أخذ العبرة ومعايشة القصة القرآنية والعبور بها الي درجة ايمانية أعلي علي هدي من الله , ترسم لنا طريقا نعبره لحل مشاكلنا الخاصة والعامة , وما نعانيه من كبد في هذه الدنيا . ففيها تفصيل كل شئ كما قال الله عز وجل , وفيها الهدي والنور علي طريق الايمان .
ومن أهم المقاصد أيضا ازالة الغفلة , فحالات الأفراد والأمم السابقة كلها مذكورة تفصيلا واجمالا , كما الحال في فرعون وقومه , وما أشد التشابه العجيب و ما نعانيه الآن .
والمتابع للفراعين علي مر العصور , يجد أن فرعون وسياسييه ونظامه ورجال أعماله وأغنياءه , كيان يكمل بعضه بعضا , في منظومة شيطانية , تعيش علي دماء الشعوب وتتنفس آلامها و حرمانها و تستعبدها , ولكن ما كان هذا الكيان ليكتمل الا في وجود قوم رضوا بالدنية في دينهم ودنياهم , رضوا بالاستعباد …” فاستخف قومه فأطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين .”
, ولنتذكر هنا مقولة الرئيس الشرعي للبلاد , فك الله أسره , ( ليعلموا أبناءهم وبناتهم , أنهم كانوا رجال , لا يعطون الدنية في دينهم ولا شرعيتهم.. أبدا ) .
لكن للأسف فان بعض المصريين من ( عبيد البيادة .. عباد العجل ) رضوا بتلك الدنية في الدنيا والدين , فلم يكتفوا بعبادة العجل ( العسكري) , بل رضوا بأي حياة , حتي لو كان فيها استعبادهم و كبت حرياتهم ومحاربة دينهم , بل و التآمر مع عدوهم , فأخذوا أسوأ ما في قوم فرعون وأسوأ ما في بني اسرائيل ( المقال التاسع ) , واستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير , بل ولم يروا في ذلك النظام حربا علي دينهم القويم واستعبادا لهم , وما ذلك الا بسبب أنهم كانوا قوما فاسقين في الأساس , وما كان الدين عندهم الا طقوس مصمتة لم تصل الي القلب فترفع من شأنهم كبشر كما أراد الله لبني آدم مذ خلق الله السموات والأرض , حتي تكون العبودية لله وحده عز وجل .
ومن خلال قصة موسي وفرعون , والتي تكرر ذكرها في القرآن , بأساليب مختلفة , في مواضع عديدة , ومن زوايا عدة , نجد أن الله عز جل من خلال سياق القصة , قد رسم طريقا لعباده المؤمنين المستضعفين الي قيام الساعة , تنير لهم طريق الخلاص من حكم ذلك الطاغية , بل وكيفية الثبات في مرحلة الاستضعاف , فقط ..( يجب معايشة القصة بتجرد الي الله ) وكأننا نعيشها , وليس مجرد قراءتها .
عانينا كما عاني العالم أجمع ( عامة ) علي مر العصور , وعانينا نحن ( خاصة ) من حكم الفراعين علي مدي السبعين عاما المنصرمة من حكم جبري أخبر عنه الصادق والمصدوق , ايذانا بانتهائه , في وقت قريب ان شاء الله , لا يعلمه الا الله الحكيم , ظهرت بشائرهلاكه في الأفق , وما ذلك الانقلاب البغيض الا بداية النهاية لحكم فرعون في مصر ان شاء الله ( فضلا راجعوا مقال : سورة الكهف… ولعله خير ) .
فما هي صفات الفرعون كما أوردها الله لنا في كتابه الكريم ؟
———————————————————-
1 – أنه عال من المفسدين …
” ان فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم , انه كان من المفسدين .”…..” ولقد نجينا بني اسرائيل من العذاب المهين . من فرعون , انه كان عاليا من المسرفين .
” 2 – التأله
, فهو يعتبر نفسه الها من دون الله يعبد …” فحشر فنادي . فقال أنا ربكم الأعلي ” , .
” وقال فرعون يأيها الملأ ما علمت لكم من اله غيري …
” 3 – المشرع الوحيد …
وأي تشريع دون تشريعه ونهجه فهو الافساد…..” وقال فرعون ذروني أقتل موسي وليدع ربه , اني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد .
” ” …….قال فرعون ما أريكم الا ما أري و ما أهديكم الا سبيل الرشاد .
” 4 – لا يحكم الا مع الاستعانة بالسحرة
( اعلام الدجال )
وتذكروا هنا قول رئيسنا فك الله أسره ( السحرة كتير )….
“ وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم .”
فضلا وللضرورة ، ارجعوا الى جزءى ( اصحاب الأخدود واعلام الدجال على الموقع )
5- احتقار من يعارضه و تأليب الناس عليهم ( التفويض )….
” فأرسل فرعون في المدائن حاشرين
ان هؤلاء لشرذمة قليلون . وانهم لنا لغائظون . وانا لجميع حاذرون .
“. 6 – التكبر و الغطرسة ….
و نادي فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي , أفلا تبصرون . أم أنا خير من هذا الذي هو مهين و لا يكاد يبين .
“ 7 – اصطفاء و اختيار البطانة من أهل السوء …..
” و قال الملأ من قوم فرعون أتذر موسي و قومه ليفسدوا في الأرض و يذرك و آلهتك , قال سنقتل أبناءهم و نستحيي نساءهم و انا فوقهم قاهرون .
” 8 – الاستهزاء بأهل الحق ….
” وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب . أسباب السموات فأطلع الي اله موسي واني لأظنه كاذبا …..
” 9 – عدم الاحتكام الي العقل و المنطق
, الا من منطق القوة , ” قال لئن اتخذت الها غيري لأجعلنك من المسجونين ” , فيقمع ويسجن من يخالفه . وما أشبه الليلة بالبارحة.
..……………………………………
. فرعون اتهم موسى بأنه (حزبي)
فقال : “إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون” !! ولعب على وتر ( الدين ) فقال : “إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد” !! وصرح بوجود ( مؤامرة دولية ) على بلاده فقال : “إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها” !!
واتهم موسى (بالتخابر) مع دول اجنبية
فقال : “إن هذا إﻻ إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون” ..
وطلب من عبيده (التفويض) بقتل موسى
فقال : “ذروني اقتل موسى” !!!
وقاد (حملة إعلامية) شرسة واتهامات
فقال : “إن هذا لساحر مبين” …
واستعان (بالبلطجية) واشترطوا عليه :
“قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين” .. ووافق على الفور وعرض عليهم (أعلى المناصب) فقال : “نعم وإنكم لمن المقربين” !!!
وكعادة هؤلاء المرتزقة (فعنتريّتهم) تكون على النساء والأطفال فقال : “سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون” .. فهل أنتهت هنا القصة ؟!
لا .. فبعد كل هذا التضليل يبقى موسى عليه السلام هو موسى … وفرعون الطاغية هو فرعون .. ولا بد للقصة من نهاية سواء طالت أم قصرت ..
فنهاية الظلم معروفة : “عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون” وأخيراً…. :
“أنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين” . “إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين”…
فما اشبه الليلة بالبارحة .. نماذج تتكرر ولكن البعض ﻻ يتعظ اويعتبر ..اللهم بصرنا واهدنا صراطك المستقيم ونعوذ بك ان نكون للظالمين نصيرا !!!
هذا هو حال الفراعين دائما مع الأنبياء والرسل وأهل الحق , محاربين علي الدوام للنهج الرباني و أهله , لا يرون غير تشريعهم تشريعا , غير آبهين ولا معترفين بأي نهج آخر ينتقص من ألوهيتهم و استبدادهم واستعبادهم للناس
كتبت ما كتبت , حتي تنعقد مقارنة عفوية , بين حكامنا و بين “الفرعون” من جهة , وبين بني اسرائيل وقوم فرعون وبين من سار في الشوارع يقبل البيادة و يعلم أبناءه تقبيلها , بل و يحملها علي رأسه من جهة أخري , وبالطبع أقصد شعب ” تسلم الأيادي “.
ما هو السبيل الذي ذكره الله لنا في قصصه الكريم , يوضح لنا سبل النجاة من هذه المحنة ؟ وطبعا و ما زلت أكرر بغير غبن الأسباب حقها , و لكن امعانا في التوكل علي مسبب الأسباب عساه يخلق لنا من الأسباب ما لم نفكر فيه وما لم نضعه في الحسبان , ( كالتسريبات مثلا ) , و يجعل الأسباب تؤتي ثمارها . ويحضرني هنا مبدأ في علم التفسير ألا وهو ( العبرة بعموم اللفظ , و ليس بخصوص السبب ) … لابد من بداية صحيحة علي نور من هدي القرآن رسمها الله لعباده المؤمنين المستضعفين .
أولا : الصلاة :
========
” وأوحينا الي موسي و أخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا و اجعلوا بيوتكم قبلة و أقيموا الصلاة, و بشر المؤمنين.” ” واستعينوا بالصبر و الصلاة و انها لكبيرة الا علي الخاشعين .” ” يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة , ان الله مع الصابرين .”
الصبر و الصلاة والثبات و اليقين , هو ما نحن مطالبون به الآن في الأساس , وما نحن محاسبون عليه يوم القيامة , وليس علي النتائج , مع أخذ بالأسباب كل قدر استطاعته , ولكن ,…. الصلاة شئ , و اقامة الصلاة اتماما بالخشوع و صدق التوكل علي الله و الخضوع والتذلل والتضرع الي الله شئ آخر . والتمسك بقيام الليل ولو بركعتين فيهما شرف المؤمن وساعة اجابة الدعاء .
ثانيا : الدعاء :
========
” وقال موسي ربنا انك ءاتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك , ربنا اطمس علي أموالهم و اشدد علي قلوبهم فلا يؤمنوا حتي يروا العذاب الأليم . قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما و لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون .” ويحضرني هنا دعاء أصحاب الكهف ” اذ أوي الفتية الي الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة و هئ لنا من أمرنا رشدا .”
ثالثا : الصبر :
========
” قال موسي لقومه استعينوا بالله و اصبروا , ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده , والعاقبة للمتقين .” ” يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .”
……. والصبر والثبات هما عنوان المرحلة , وقد قاربت سفينة النصر علي الرسو .
” وأورتنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها , و تمت كلمة ربك الحسني علي بني اسرائيل ( بما صبروا ) , دمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون “.
رابعا : صدق التوكل علي الله :
================
“ وقال موسي ياقوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين . فقالوا علي الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين . ونجنا برحمتك من القوم الكافرين .”
اعمال ( بكسر الألف ) القلوب مع الله , والتعلق به مطلوب , مع اليقين من نصره لعباده المؤمنين , فالأمر منه و اليه , ” وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم “ .
وقد أسلفت الذكر في معني اسم الله الوكيل = الذي يكمل النقص في الاستعدادات ونقص التفكير والتدبير والتخطيط البشري , بل و يوجد الأسباب التي لم تخطر علي البال , وأكرر مع الأخذ بالأسباب المتاحة . ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” …سلاح الرسل و الأنبياء من لدن ابراهيم حين ألقي في النار , الي موسي علي شاطئ البحر ,الي رسولنا الكريم صلي الله عليه و سلم في الغار , مرورا بالصحابة الكرام في الغزوات والين تم سبهم من قبل اعلام الدجال , ولذلك ندعو فنقول ( اللهم دبر لنا فاننا لا حسن التدبير ).
نحمد الله عز و جل أن اصطفانا , وأن أرانا الحق حقا و رزقنا اتباعه , وأن أرانا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه , حتي وصلنا الي هذه المرحلة غير مفتونين ولا مبدلين ولم ” نشرب من النهر”, ( راجعوا مقال طالوت و القافزون من السفينة علي الموقع ) , ولم نتخلف عن الركب , فقط نسأل الله الثبات علي الأمر و العزيمة علي الرشد وأن يلهمنا الصبر وصدق اليقين , وأن يعيننا علي حسن عبادته والتوكل عليه , وأن يستعملنا ول يستبدلنا . ***( ركعتين في جوف الليل , أمر غير صعب نتضرع فيه الي الله , ندعوه ونتذلل اليه , و ما أحلاها من مناجاة , أنصح نفسي و اياكم بها نتعاهد عليها , عسي ربنا أن يتقبل دعاء .)
ألخص ما أردت قوله وأقول به دائما , لا تشغلنكم الأسباب عن رب الأسباب , فأروه منكم خيرا , وكونوا علي يقين أن الله ما كان مخلف وعده رسله , ان الله عزيز ذو انتقام , وسنري ذلك في المقال القادم ان شاء الله , كيف انتقم الله من فرعون وقومه وأخذهم أخذ عزيز مقتدر , ” ومن أصدق من الله قيلا .”………….لا أحد.
اللهم ما لنا من اله غيرك ندعوه , ولا رب سواك نرجوه , , اللهم عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير. حسبنا الله و نعم الوكيل...حسبنا الله ونعم الوكيل … حسبنا الله ونعم الوكيل .